العراق ودوره في عصر الظهور(2)
  • عنوان المقال: العراق ودوره في عصر الظهور(2)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 1:10:29 3-9-1403

الفترة الرابعة: فتح العراق على يد الإمام المهدي عليه السلام

  وأحاديثه كثيرة جداً في مصادر الجميع ، عن دخول المهدي عليه السلام إلى العراق، وتحريره من بقايا قوات السفياني ، ومن مجموعات الخوارج المتعددة ، واتخاذه قاعدة دولته وعاصمتها .
   ولم أجد تحديداً دقيقاً لوقت دخوله عليه السلام إلى العراق ، ولكن يأتي في حركة ظهوره عليه السلام أنه يكون بعد بضعة شهور من الظهور المقدس ، وبعد تحرير الحجاز ، وربما معركة الأهواز أو بيضاء إصطخر التي يهزم فيها قوات السفياني هزيمة ساحقة .
  وتصف بعض الروايات دخوله الى العراق جواً بسرب من الطائرات كما في الحديث التالي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لاتَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) ، قال: ينزل القائم يوم الرجفة بسبع قباب من نور لايعلم في أيها هو ، حتى ينزل ظهر الكوفة ) .
   وهذه الرواية بالإضافة إلى ما فيها من جانب إعجازي تدل على أن الوضع الأمني يستوجب من الإمام المهدي عليه السلام هذا الإحتياط ، فبالإضافة إلى معاداة الوضع العالمي له ، لا يكون قد أتم تطهير الساحة الداخلية في العراق .
   وتعبير (ينزل) وبعده (حتى ينزل ظهر الكوفة) يفهم منه أنه لاينزل الكوفة أو النجف رأساً ، فقد ينزل في العاصمة أولاً ، أو في قاعدة عسكرية ، أو في كربلاء ، كما تذكر بعض الروايات .
   وتذكر الأحاديث عدداً كبيراً من أعماله عليه السلام في العراق ومعجزاته . وسوف نستعرضها في حركة ظهوره ، ونذكر منها هنا مايتعلق بالوضع العام في العراق ، وأهم ذلك تصفيته عليه السلام لوضعه الداخلي والقضاء على القوى المضادة الكثيرة ، حيث تذكر الأحاديث أنه يدخل الكوفة - أي العراق- وفيه ثلاث اتجاهات متضاربة، يبدو أنها الاتجاه المؤيد له عليه السلام ، والاتجاه المؤيد للسفياني والثالث اتجاه الخوارج .
  فعن عمرو بن شمر عن الإمام الباقر عليه السلام قال ذكر المهدي عليه السلام فقال: ( يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له . ويدخل حتى يأتي المنبر فلا يدري الناس ما يقول من البكاء ! ) . (الإرشاد للمفيد ص362 ).
  والكوفة في هذا الحديث وأمثاله تعبير عن العراق ، ووجود ثلاث رايات فيه لابد أن يكون منها أنصاره الخراسانيون واليمانيون ، كما يدل الحديث التالي المستفيض في مصادر الشيعة والسنة عن أمير المؤمنين وعن الإمام الباقر‘قال: ( تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان (إلى) الكوفة ، فإذا ظهر المهدي بعثت له بالبيعة) ( البحار:52/217 ) .

   ويظهر أن الحركات المضادة له عليه السلام تكون كثيرة سواء من جماعات الخوارج ، أو جماعات السفياني وغيرهم ، وأنه عليه السلام يستعمل سياسة الشدة والقتل لمن يقف في وجهه ، تنفيذاً للعهد المعهود إليه من جده رسول الله ’ . فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ( إن رسول الله’سار في أمته باللين ، كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذلك أمر في الكتاب الذي معه ، أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً . ويلٌ لمن ناواه) . (البحار:52/353) .
   والكتاب الذي معه هو العهد المعهود إليه من رسول الله بإملائه’وخط علي عليه السلام وفيه كما ورد: ( أقتل ، ثم أقتل ، ولا تستتيبن أحداً) !
  وعن الباقر عليه السلام قال: (يقوم القائم بأمر جديد ، وقضاء جديد، على العرب شديد. ليس شأنه إلا السيف ولايستتيب أحداً ، ولا تأخذه في الله لومة لائم).(البحار:52 /354 ) .
 والأمر الجديد هو الإسلام الذي يكون قد دثره الجبابرة وابتعد عنه المسلمون ، فيحييه المهدي عليه السلام ويحيي القرآن ، فيكون ذلك شديداً على العرب الذين يطيعون حكامهم المعادين له ويحاربونه عليه السلام  .
   فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إن القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله ’ ، لأن رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة الخشبة المنحوتة ، وأن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه) . (البحار:52/363) .
   وقد رأينا كيف يتأول الحكام وعلماء السوء التابعين لهم آيات القرآن في معاداة الإسلام وعلمائه .

   وتذكر بعض الأحاديث أن بطش الإمام المهدي عليه السلام يشمل المنافقين المتسترين الذين قد يكون بعضهم من حاشيته فيعرفهم بالنور الذي جعله الله تعالى في قلبه ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (بينا الرجل على رأس القائم ، يأمره وينهاه ، إذ قال: أديروه ، فيديرونه إلى قدامه ، فيأمر بضرب عنقه ! فلايبقى في الخافقين شئ إلا خافه) . (البحار:52/355) .

   وتذكر بعض الأحاديث أن الأمر يصل أحياناً إلى إبادة فئة بكاملها ! فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح ، فيقولون له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم . ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب ، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا). ( البحار:52/338) .

   وتذكر الرواية التالية أنه يقتل سبعين رجلاً هم أصل الفتنة والإختلاف داخل الشيعة ، ويبدو أنهم من علماء السوء المضلين ، فعن مالك بن ضمرة قال أمير المؤمنين عليه السلام : (يامالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا ؟ وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض . فقلت يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير . قال: الخير كله عند ذلك ، يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله ورسوله فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد). (البحار: 52 /115) .

   كما تدل الرواية التالية على بقاء أنصار للسفياني في العراق رغم آية الخسف التي ظهرت في جيشه بالحجاز ، ورغم هزيمته في العراق ، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: (ثم يسير حتى ينتهي إلى القادسية، وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني). (البحار: 52/387) .

   وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ثم يتوجه إلى الكوفة فينزل بها ، ويبهرج دماء سبعين قبيلة من قبائل العرب) (غيبة الطوسي ص284) ، أي يهدر دماء من التحق من هذه القبائل بأعدائه والخوارج عليه .

   وعن ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السلام أن قال له: (وإنه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لاتتحملونه ، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم ، وهي آخر خارجة تكون). (البحار:52/375 ).

   وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (بينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام وتكلم ببعض السنة ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه: إنطلقوا ، فيلحقونهم بالتمارين فيأتون بهم أسرى ، فيأمر بهم فيذبحون . وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد ’) (البحار ج 52 ص 345 ، والتمَّارين محلة بالكوفة .
   ويجمع بين الروايتين بأن خوارج رميلة الدسكرة يكونون آخر خارجة مسلحة  وخارجة مسجد الكوفة يكونون آخر فئة تحاول الخروج عليه السلام  .

   وتدل الروايات الشريفة على أن خوارج رميلة الدسكرة يكونون أخطر فئات الخوارج على المهدي عليه السلام  ، وأن قائدهم يكون فرعوناً وشيطاناً .
فعن أبي بصيرقال: ( ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى تخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة ، عشرة آلاف ، شعارهم يا عثمان يا عثمان . فيدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لايبقى منهم أحد). (البحار:52/333) .
   وقد حددت الرواية المتقدمة رميلة الدسكرة بأنها دسكرة الملك ، وهي كما في معجم البلدان قرية قرب شهرابان من قرى بعقوبة في محافظة ديالى .
   وقد تكون تسميتهم (مارقة الموالي) لأنهم من غير العرب ، أو لأن قائدهم من الموالي ، أي غير العرب .

   وتذكر بعض الروايات نوعاً آخر من عمليات التصفية الكبيرة هذه ، وأنه  عليه السلام يدعو اثني عشر ألف رجل من جيشه من العجم والعرب فيلبسهم زياً خاصاً موحداً ، ويأمرهم أن يدخلوا مدينة فيقتلوا كل من لم يكن لابساً مثلهم فيفعلون . (البحار: 52/ 377) .
   ولا بد أن تكون تلك المحلة كلها من الكافرين أو المنافقين المعادين له  عليه السلام حتى يأمر بقتل رجالها ، أو يكون قد أخبر المؤمنين من أهلها أن لا يخرجوا من بيوتهم في وقت الهجوم . أو يكون أرسل إليهم ألبسة من نفس الزي الذي ألبسه لجنوده مثلاً .

   ولا بد أن تثير هذه التصفيات موجة رعب في داخل العراق وفي العالم ، وموجة تشكيك أيضاً .
  وقد ورد في بعض الروايات أن بعض الناس يقولون عندما يرون كثرة تقتيله وسفكه دماء أعدائه: (ليس هذا من ولد فاطمة ، ولو كان من ولد فاطمة لرحم) . بل تقدم أن بعض أصحابه الخاصين عليه السلام لايتحمل بعض أحكامه ، وقد ورد أن بعضهم يدخلهم الشك والريب من كثرة ما يرون من قتله لمناوئيه فيفقد أحدهم أعصابه ويعترض على المهدي عليه السلام ،فعن الإمام الصادق  عليه السلام قال: ( يقبل القائم حتى يبلغ السوق ، فيقول له رجل من ولد أبيه: إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، فبعهد من رسول الله’أو بماذا ؟ قال وليس في الناس رجل أشد منه بأسا ، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكتن أو لأضربن عنقك . فعند ذلك يخرج القائم عليه السلام عهداً من رسول الله’).( البحار:52/387) .
   ومعنى من ولد أبيه أنه علوي النسب . وإجفال النعم أي تخويف الغنم .  ومعنى (حتى يبلغ السوق) يبلغ مكاناً هو سوق المدينة ، أو إسمه السوق .
   وقد ورد في رواية أخرى أن هذا الرجل الذي يأمر السيد المعترض بالسكوت هو(المولى الذي يتولى البيعة) ، أي المسؤول عن أخذ البيعة من الناس للإمام المهدي عليه السلام .
   فعن الإمام الباقر عليه السلام قال:( حتى إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه وهو من أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر ، فيقول: يا هذا ما تصنع ؟ فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم ، أفبعهد من رسول الله’أم بماذا ؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة: والله لتسكتن أو لأضربن الذي فيه عيناك . فيقول له القائم: أسكت يا فلان . إي والله ، إن معي عهدا من رسول الله’. هات يا فلان العيبة أو الزنفيلجة، فيأتيه بها فيقرؤه العهد من رسول الله’فيقول: جعلني الله فداك، أعطني رأسك أقبله ، فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ، ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة ، فيجدد لهم بيعة). (البحار:52/343) ، والعيبة والزنفيلجة بمعنى الصندوق الصغير . والثعلبية مكان بالعراق من جهة الحجاز .
   وبهذا العرض المجمل لمن يقتلهم المهدي عليه السلام في العراق ، يظهر أنهم فئات متعددة من الشيعة والسنة ، من مؤيدي السفياني ومعارضيه ، من علماء السوء والمجموعات والأحزاب وعامة الناس .
  ومن الطبيعي أن يكون فيهم فئات عميلة للروم وغيرهم أيضاً .

   ولكن بعد ذلك ، يتنفس العراق الصعداء في ظل سلطة الإمام المهدي عليه السلام ، ويدخل حياة جديدة في مركزه العالمي بوصفه عاصمة الإمام عليه السلام ومحط أنظار المسلمين ومقصد وفودهم . وتصبح الكوفة والسهلة والحيرة والنجف وكربلاء محلات لمدينة واحدة يتردد ذكرها على ألسنة شعوب العالم وفي قلوبهم ، ويقصدها القاصدون من أقاصي المعمورة ليلة الجمعة ، ويبكرون لأداء صلاة الجمعة خلف المهدي عليه السلام  ، في مسجده العالمي ذي الألف باب فلا يكاد الواحد أن يحصل على موضع صلاة بين عشرات الملايين القاصدة .

   فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة . وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين . والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها ( وفي رواية أو يجئ إليها ، وفي رواية أخرى أو يحن إليها وهو الصحيح) ولتصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً ، ولتجاورن قصورها قصور كربلاء ، وليصيرن الله كربلاء ، معقلاً ومقاماً تختلف إليه الملائكة والمؤمنون ، وليكونن لها شأن من الشأن) (البحار:53 /11).
   و (مجلس حكمه) أي مجلسه للمراجعات والحكم بين الناس ، في مسجد الكوفة الفعلي ، أو في مسجد الجمعة الكبير الذي يبنيه .
و(موضع خلواته الذكوات البيض) أي موضع اعتكافه للعبادة الربوات البيضاء قرب النجف وتسمى النجف الغري والغريين .
   وأربعة وخمسين ميلاً: أي تصير مساحة الكوفة أو طولها نحو مئة كيلومتر.

   وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( يبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، وتتصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء والحيرة ، حتى يخرج الرجل على بغلة سفواء يريد الجمعة فلايدركها). (الغيبة للطوسي ص280) ، والسفواء الخفيفة السريعة ، أي يركب وسيلة خفيفة سريعة فلا يدرك صلاة الجمعة ، لأنه لايجد موقفاً فارغاً ومحلاً للصلاة .
  والأحاديث عن التطور المعنوي والمادي في العراق مركز عاصمته عليه السلام كثيرة  لايتسع لها المجال .
   وبتصفية المهدي عليه السلام العراق وضمه إلى دولته وجعله عاصمتها ، تكون دولته قد شملت اليمن والحجاز وإيران والعراق ، ومعها بلاد الخليج . وبذلك يتفرغ لأعدائه الخارجيين ، فيبدأ أولاً بالترك فيرسل لهم جيشاً فيهزمهم .
  ثم يتوجه بنفسه على رأس جيشه إلى الشام حتى ينزل(مرج عذراء) قرب دمشق استعداداً لخوض المعركة مع السفياني واليهود والروم ، معركة فتح القدس الكبرى ، كما سيأتي في أحداث حركة ظهوره عليه السلام  .