لقد جرت سنّة ائمتّنا الكرام(عليهم السلام) في تعيين الإمام والمرجع العلمي والسياسي والديني بعدهم ان يصرحوا باسمه ومشخصاته، حتى يسدّوا الباب في وجه من يحاول ان يسيء استغلال هذا الموضوع سياسيّاً، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فانهم يمهدون السبيل للشيعة الحقيقيين لكي يعرفوا الإمام والخليفة الواقعي فلا يلتبس عليهم الامر، وتطبيقاً لهذه القاعدة فقد صرّح والد الإمام الكاظم (عليهم السلام) في موارد عديدة بإمامته من بعده مع سيطرة الحكومة العباسيّة الرهيبة، ونكتفي في هذه العجالة بذكر بعض النماذج:
1 ـ يقول علي بن جعفر:
قال والدي الإمام الصادق (عليه السلام) لفريق من أصحابه وخاصّته: تقبّلوا وصيّتي بولدي موسى لانه أفضل من جميع أولادي ومن كل من يبقى من أهل بيتي بعدي، فهو خليفتي من بعدي وحجة الله على جميع خلق الله(8).
2 ـ يقول عمر بن ابان: ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) الأئمة بعده.
فسميّت انا ابنَه إسماعيل، فقال الإمام (عليهم السلام):كلا، والله ان الأمر ليس بأيدينا وإنما هو بيد الله(9).
3 ـ يقول زرارة (وهو من ابرز تلامذة الإمام الصادق (عليهم السلام):
ذهبت الى مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) فلما دخلت عليه وجدت سيد ابنائه موسى (عليه السلام) جالساً الى جانبه الأيمن، وبين يدي الإمام توجد جنازة هي جنازة ولده الآخر إسماعيل.
فالتفت الإمام اليّ قائلاً: اذهب واحضر داوود الرقي وحمران وابا بصير (وهما ثلاثة من أصحاب الإمام) فذهبت وجئت بهم.
والتحق بنا اشخاص آخرون فاكتمل عددنا ثلاثين شخصا امتلأت بنا الغرفة.
فقال الإمام لداوود الرقي: اكشف الغطاء من على الجنازة. ففعل داوود ما أمره به الإمام. عندئذ قال (عليهم السلام):
يا داوود ! انظر هل ان اسماعيل حيّ ام ميت؟ قلت: سيدّي انّه ميّت.
فالتفت الإمام لكل واحد من الحاضرين وأراه الجنازة فقال الجميع انّه ميّت.
قال (عليه السلام): اللهم اشهد (لقد بذلت قصارى جهدي لرفع الاشتباه عن الناس) ثم أمر به فغُسّل وحنّط ووضع في كفنه، ولمّا انتهوا من ذلك أمر المفضّل مرّة اخرى بكشف الكفن عن وجهه.
فنفّذ المفضّل ما أمره الإمام به.
حينئذ قال الإمام: أهو حيّ ام ميّت؟
اجاب المفضّل: انّه ميّت.
وسأل جميع الحاضرين عن ذلك فأجابوه بنفس الجواب السابق . فعاد الإمام الى القول: اللهم اشهد، ولكنّه مع ذلك فسوف تحاول جماعة إطفاء نور الله بطرح موضوع إمامة إسماعيل.
وفي هذا الأثناء أشار الى ابنه موسى قائلاً.
سيؤيّد الله نورك، وان لم تشأ ذلك جماعة.
وبعد ذلك دفن إسماعيل، فسأل الإمام الحاضرين: من الذي دفن هنا ؟ اجاب الجميع:
هو ابنك إسماعيل.
فقال الإمام: اللهم اشهد. ثم امسك بيد ولده موسى قائلاً.
هو الحقّ والحقّ معه ومنه الى ان يرث الله الأرض ومن عليها(10).
4 ـ يقول المنصور بن حازم قلت للإمام الصادق: فداك أبي وأمّي ان النفوس معرّضة للموت كلّ صباح ومساء، فاذا عرض لك مثل هذا الأمر فمن هو الإمام من بعدك؟
فوضع الإمام يده على الكتف الأيمن لولده ابي الحسن موسى وقال اذا حدث لي حادث فهذا ولدي هو الإمام عندئذ.
وكان عمر ابي الحسن في ذلك الوقت خمس سنوات، وقد حضر في ذلك المجلس عبد الله وهو من أولاد الإمام الصادق ايضا، وقد اعتقد البعض بإمامته فيما بعد.
5 ـ يقول الشيخ المفيد رحمة الله الواسعة على روحه الطاهرة :
ان مجموعة من كبار أصحاب الإمام السادس (عليهم السلام)، من قبيل المفضل بن عمر ومعاذ بن كثير وعبد الرحمان بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السراج وسليمان بن خالد وصفوان الجمال وآخرين (يطول المقام بذكر أسمائهم جميعاً) قد رووا موضوع خلافة الإمام الكاظم (عليهم السلام)، وقد روي الموضوع نفسه أيضا عن إسحاق وعليّ وهما من اخوة الإمام موسى الكاظم (عليهم السلام)، ولا يشكّ احد في فضلهما وورعهما وتقواهما(11).
ومع كل هذه الألوان من التأكيد والتصريح للشيعة ولمن كان متّصلاً بالإمام السادس (عليه السلام) حيث تبيّن للجميع بصورة واضحة ان الإمام بعد الصادق (عليه السلام) هو ابنه أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم (عليهم السلام)، وليس ابنه إسماعيل (الذي توفيّ في حياة أبيه) ولا هو ابن إسماعيل المسمى بمحمّد، ولا هو الابن الاخر للإمام الصادق (عليه السلام) المسمى بعبد الله، ومع هذا كله فنحن نلاحظ ان مجموعة من الناس (بعد التحاق الإمام الصادق بالرفيق الاعلى) اعتقدت بإمامة ابنه إسماعيل أو ابن إسماعيل أو عبد الله، فانحرفت عن الاتجاة الواضح والمسيرة الحقّة التي رسمها لهم الإمام (عليهم السلام).
________________________________________
(1) ـ الوسائل: ج 2 ص 456، الطبعة القديمة.
(2) ـ تحف العقول.
(3) ـ مستدرك الوسائل: ج 2 ص 455.
(4) ـ مستدرك الوسائل: ج 2 ص 102.
(5) ـ آيين زندكي: ص 131، وهو كتاب باللغة الفارسيّة.
(6) ـ البحار: ج 48 ص 154.
(7) ـ البحار: ج 48 ص 150.
(8) ـ أعلام الورى للطبري: ص 291، المطبعة العلمية الإسلامية، اثبات الهداة: ج 5 ص 484.
(9) ـ بصائر الدرجات: ص 471، الطبعة الجديدة. اثبات الهداة: ج 5 ص 484.
(10) ـ غيبة النعماني: الطبعة الحجرية، ص 179. البحار: ج 48 ص 21.
(11) ـ الارشاد للمفيد: ص 270.