الإمام السجاد عليه السلام والدعاء
  • عنوان المقال: الإمام السجاد عليه السلام والدعاء
  • الکاتب: محمد جليل الحسناوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 12:16:52 14-9-1403

الدعاء مفتاح كل حاجة ووسلة كل رغبة، باب الله الذي خوّله سبحانه لعباده لينالوا به عظيم رحمته وخزين مغفرته.

وما قول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام: «الدعاء سلاح المؤمن».(بحار الأنوار:93/302)

إلاّ إشارة إلى أنّ الدعاء يحي النفوس بروح الأمل الذي نستمد به العون على مواجهة الصعاب فتبعث فينا الطمأنينة مما يعكس آثاراً واضحة على النشاط الفعلي لحركة الفرد هو بذلك يوفر لنا خصائص قلَّ أن يوفرها غيره كالثقة بالنفس والاستعداد للهداية واستقبال الشدائد بمعنويات عالية.

ولعل أهم ما ننشده في حياتنا هو السعادة ذلك المفهوم الذي لا يمكن له أن يجتمع مع الخوف والقلق، والاضطراب فيأتي هنا دور الدعاء ليزيل هذه العوامل لتصفية الأجواء والتمهيد لسعادة خالصة تدوم بدوام التواصل مع هذه العبادة.

لا ينبغي لنا أن نتصور المناجاة على أنها مجرد ألفاظ يطرحها اللسان بل هي انعكاس لمبدأ داخلي لا يبتعد كثيراً عن النفس الإنسانية فهي نوع من التوعية والإيقاظ للقلب والعقل يتعلق بروح الداعي وأبعاد وجوده مولداً لإحساس عميق بالفقر والخضوع والابتعاد عن آفة الغرور والتعالي مرسخاً لشعور أنّ الله تعالى هو منبع النعم ومصدرها مما يجعل التحرك في هذا المسار انفتاحاً نحو ما جبلت عليه نفوسنا من الطلب للكمال المنشود والاستجابة للفطرة الإنسانية السليمة.

كما لا ينبغي للبعض أن يعتقد أنّ الدعاء هو ترك للأخذ بالعوامل الطبيعية وتعطيل لمسيرة الحياة، فطلب الحاجات يُعدّ حافزاً للعمل على توفير شروط القبول من خلال التوسل بتلك العوامل كالعمل بالمواثيق الإلهية والابتعاد عن كل فاسد والجد والاجتهاد في الطلب.

فكلّما باعدتنا الأهواء عن ساحة قدسه سبحانه تأكّدت الحاجة لرأب الصدع وتقليص المسافة.

وللدعاء آداب وشروط لابد من الأخذ بها وفي مقدمتها الإخلاص فهو جوهر العبادة وخلاصتها فثمرة العمل تكمن فيه.

ولعلّ خير من وصف ذلك أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام في وصية قال فيها: «اعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل لإجابتك، وأمرك أنْ تسأله فيعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه… ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته، فإنّ العطية على قدر النية».(نهج البلاغة:398)

ولا نغالي إذا قلنا إنّ الرائد في هذا الميدان والفارس في هذا النزال هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام، الرابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام.(البداية والنهاية:5/104)

والذي سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرف بذلك بـ(زين العابدين) لفرط عبادته.(شذرات الذهب:1/104)

متمثلاً ذلك في صحيفة قلّ الزمان أن يجود بمثلها، منهاج حياة متكامل لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلاّ أتى عليها معالجاً إيّاها بأفضل صورة.

وقد كان لشخصية الإمام العظيمة أثرها الأكبر فيما تحدثه تلك الأدعية من التأثير في النفوس، والنفوذ إلى العقول، والسمو بالروح البشرية إلى العلا.

وقد اشتملت أدعيته عليه السلام على نماذج حسية لمعطيات وجدانية تراءت بصور وأشكال كلامية ظهرت بمنتهى البلاغة والإحكام وبأفضل العبارات والكلمات، وحوت مقاصد فكرية وعلمية ودينية راقية جسّدت التصور الأبهى بين العبد وربّه والالتحام الأقوى بين المخلوق وخالقه شكراً له وعرفاناً بفضله وسؤالاً له من فيضه ومنّه وتأكيداً على الآصرة القوية بين الضعيف والقوي وبين السائل والمعطي ودليلاً على حسن التعبد والتوكل وإظهاراً للوحدانية المطلقة له عليه السلام واعترافاً بنقصان العبد وحقارته أمام جبروت الخالق وعظمته.

وقد كان الدعاء وسيلة أولى في نهج الإمام السجاد عليه السلام على طول مسيرة حياته الشريفة وسلاحاً متدرعاً به في ذلك العصر الذي عاشه.

وتلك الظروف التي جعلت التقيّة أمراً محتّماً على الإمام السجاد عليه السلام، فلقد كان الظلم والاضطهاد على أوجّه؛ فمن ظلم يزيد إلى تعنت ابن زياد إلى الجور الطائش من الأمويين ولا ننسى الفتن الكثيرة التي نخرت بفقار العصر على النحو من فتنة ابن الزبير، مع انحراف أخلاقيّ واجتماعيّ، وكل هذا والإمام عليه السلام مراقب، فماذا عليه أن يفعل؟

وقد اتخذ أهل البيت عليهم السلام مناهجهم الإرشادية بما يتناسب والعصر الذي هم فيه، ومن هنا نجد تنوع مناهجهم بسبب ظروفهم، وإن كان الهدف واحداً، فنجد عصر الإمام السجاد عليه السلام عصراً مفحماً بويلات الأمويّين وتخاذل الناس، مع ابتعاد واسع عن الخط الإسلاميّ القويم، و(لقد كانت الظروف السياسية في زمن الإمام السجاد عليه السلام محكومة بالكبت والإرهاب، وكان النظام الأمويّ آنذاك متشدّداً غاية التشدّد مع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم حتى أنّهم فرضوا على الإمام عليه السلام في فترة الإقامة الجبرية…، ولكنّه لم يقعد عن الجهاد…، فاتخذ من الدعاء والبكاء وسيلة لخدمة الإسلام…، وكانت أدعية الإمام السجاد عليه السلام بالإضافة إلى ما فيها من جنبة المناجاة مع الخالق التضرّع إليه مدرسة تحوي المعارف والعقائد الإسلامية وفلسفة الحياة والفضائل الأخلاقية وما إلى ذلك من المواضيع التي حاول الأمويّون بثّ ما يضادها في المجتمع الإسلامي).(من حياة الأئمة الأطهار:128)

وحيث إنّ الدعاء: (هو الوسيلة بين العبد وخالقه واتصال من عالم الملك بعالم الملكوت فهذا يعني أنّ التماسه يجنب الإنسان الوقوع في الزلل).(حول الدعاء:54)

لأنّ من تعلق بخالقه أمِن الوقوع، ولاسيّما أنّ (الدّعوات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام مشتملة على أعظم المعارف الربوبية التي حرص الأئمة عليهم السلام على بيانها بأسهل بيان؛ لذا كانت ناجعة في هداية المجتمع وبنائه).(حول الدعاء:12) بل تكون (من أهم الأساليب التربويّة والوسائل التبليغيّة التي تغيّر المسلمين وتربطهم بالله تعالى وتركز الروحية في نفوسهم.

ولقد اتبع الإمام زين العابدين عليه السلام أسلوب الدعاء فألّف بذلك الصحيفة السجادية، والتي سمّيت بـ(زبور آل محمد)، وقد ضمّت بين دفتيها أدعية مختلفة الأغراض… تطرقت إلى تربية المسلمين).(الأساليب التربوية عند أهل البيت عليهم السلام:174)

مصحّحة للسلوك المتدنّي الذي كان شائعاً في عصره، فـ(استطاع أنْ ينشر من خلال الدعاء جواً روحياً في المجتمع الإسلاميّ، يسهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات…، وهكذا نعرف أنّ الصحيفة السجادية تعبّر عن عمل اجتماعي عظيم).(مقدمة الصحيفة السجادية:10)

ومع أنّها كانت لعصرها إلاّ أنّ فائدتها الدينيّة والاجتماعية انبسطت لتشمل كل العصور والنص البليغ هو الذي لا تقيدّه خارطة الزمن وربّما لم يكشف الغبار عن فضل الدعاء حقيقة؛ لأنّ فضله عامّ حتى قال الإمام الصادق عليه السلام: «عليك بالدّعاء فإنّه شفاء من كل داء».(أصول الكافي:2/258)

وإطلاق شفائه يوحي بمكانته الفائقة في تحقيق الصّلاح على جميع المستويات بما فيها الاجتماعية والصحية والنفسية، ولكن كون الدعاء (من حيث المظهر الداخليّ يقوم على عنصر وجدانيّ يتصاعد به الدّاعي إلى أوج الانفعالات الصادرة عنه).(البلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسلامي:150)

فهذا قد يتراءى لأول وهلة أنّه عروج نحو السماء فقط مع ترك الدنيا جملة وتفصيلاً، بداعي الزهد، وإذا كان الإنسان المسلم بهذه الحالة، فإنّه لا يستطيع مجاراة الأوروبيّ في تعمير الأرض!

فيمكن أن تؤدي نظرة إنسان العالم الإسلاميّ إلى السماء قبل الأرض إلى موقف من هذه المواقف السلبيّة إذا فصلت الأرض عن السّماء، وأمّا إذا ألبستِ الأرض إطار السّماء، وأعطي العمل مع الطبيعة صفة الواجب ومفهوم العبادة، فسوف تتحوّل تلك النظرة الغيبيّة لدى الإنسان المسلم إلى طاقة محرّكة وقوة دفع نحو المساهمة بأكبر قدر ممكن في رفع مستوى الحياة).(الإسلام يقود الحياة:191)

على أنّه ليس كل دعاء يؤدي هذه الوظيفة، فما كل من صنع دعاء كان باستطاعته أن يجعله بتلك المنزلة الإرشادية، وإنما هو أمر خاص بهم عليهم السلام.

ومن هنا وجدنا التأكيد على متابعتهم في أدعيتهم، فهذا السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سره يحثّ على أن يكون (الدعاء بالمأثور من المعصومين؛ لأنّه تكلّم مع الله تعالى كما أنّ القرآن تكلّم الله مع العبد، فينبغي في الدعاء أنْ يكون مأثوراً ومستنداً إلى الشرع، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}.(فاطر:10)

وقال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}.(الحج:24)