قالوا في الإمام الرضا ( عليه السلام )
حكمت الرحمة
لقد منح الله لأهل البيت من الفضائل والمكارم ما لم يمنحه أحداً من العالمين فكانوا القدوة في سائر شؤون الحياة ، فهم أعلم الناس وأفضلهم وأكرمهم . ما من فضيلة إلاّ وعملوها ، ولا رذيلةٍ إلاّ تركوها ، قولهم الصدق ، وفعلهم الخير ، وعادتهم الإحسان ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
والإمام علي بن موسى الرضا هو أحد أفراد ذلك البيت الطاهر وعلم من أعلامه ، ملأت فضائله فم الدنيا وانتشرت مكارمه في بقاع الأصقاع .
وقد أخذ الرواة ، والعلماء ، والمفكرون ، بل والمخالفون والأعداء والشخصيات الكبيرة من رجالات الدولة ، في تمجيد الإمام والإطراء عليه بالثناء والمديح ، نقصر البحث في مقالتنا هذه على ذكر بعضٍ قليل من هذه الشخصيات التي نطقت في تمجيد عالم آل محمّد ، الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) :
1 ـ الإمام موسى بن جعفر الكاظم :
وقد أشاد الإمام بولده الإمام الرضا ، وقدّمه على كافّة أبنائه ، وأوصاهم باتباعه ، قائلاً :
( هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمّد ، فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم ؛ فإني سمعتُ أبي ، جعفر بن محمّد ، غير مرّة يقول لي : إنّ عالم آل محمّد لفي صُلبك ، وليتني أدركته ، فإنّه سميّ أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) (1) .
2 ـ إبراهيم بن العباس الصولي (ت 243) :
الكاتب الحاذق البليغ ، وقد قال عنه أبو زيد البلخي : ( كان من أبلغ الناس في الكتابة حتى صار كلامه مثل ) (2) . وقد قال إبراهيم وهو متحدثاً عن الإمام : ( ما رأيتُ الرضا سُئل عن شيءٍ قط إلاّ عَلِمَه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره … ) .
وقال عنه أيضاً : ( إنّي ما رأيت ، ولا سمعت ، بأحدٍ أفضل من أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، وشهدت منه ما لم أشاهد من أحد … فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّقوه ) (3) .
3 ـ أبو الصلت ، عبد السلام الهروي :
وهو أحد الأعلام في عصر الإمام وقد تحدّث عنه قائلاً :
( ما رأيتُ أعلم من علي بن موسى الرضا ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي . ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلّمين ، فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحدٌ إلاّّ أقرّ له بالفضل ، وأقرّ على نفسه بالقصور ... ولقد سمعته ( عليه السلام ) يقول : كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون ، فإذا عيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم ، وبعثوا إليّ المسائل فأجيب عليه ) (4) .
4 ـ المأمون العبّاسي :
وهو من أفضل رجالات العبّاسيين وأكثرهم كَياسة وفِطنة ، تولّى الخلافة بعد قِتال مرير مع أخيه الأمين ، دام ما يقارب السنوات الأربع ، وقد تظاهر بالميول إلى الإمام الرضا والعلويين ، وأعطى ولاية العهد للإمام ، وكان له من وراء ذلك أغراض سياسية .
المأمون هذا ، له أقوال عديدة تشيد بمقام ومكانة الإمام الرضا منها :
أ ـ قوله لرجاء بن أبي الضحاك :
رداً على ما أخبر به رجاء للمأمون من علم الإمام وعبادته حسب ما شاهده في الطريق : ( يا بن أبي الضحاك ، هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم .... ) (5) .
ب ـ قوله للفضل بن سهل ، والحسن أخيه :
( إنّي عاهدت الله أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع ، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل ) (6) .
ج ـ ما جاء عنه في وثيقة العهد :
( فكانت خيرته بعد استخارته لله ، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده ، في البيتين جميعاً : علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، لِما رأى من فضله البارع ، وعلمه الناصع ، وَورعه الظاهر ، وزهده الخالص ، وتخلّيه من الدنيا ، وتسلمه من الناس ... وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية ، والألسُن عليه متفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولِما لم يزل يعرفه من الفضل ، نافعاً ، وناشئاً ، وحدثاً ، ومكتهلاً ، فعقد له بالعهد والخلافة من بعده … ) (7) .
د ـ ما جاء في رسالته للعباسيين الذين نقموا عليه ولاية العهد ، فقد قال :
( فما بايع له المأمون إلاّ مستبصراً في أمره ، عالماً بأنّه لم يبقَ أحد على ظهرها أبين فضلاً ، ولا أظهر عفّةً ، ولا أورع ورعاً ، ولا أزهد زهداً في الدنيا ، ولا أطلق نفساً ، ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشدّ في ذات الله ، منه ... ) (8) .
هـ ـ قوله لمحمّد بن جعفر عمِّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
( إنّ ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : ألا إنّ أبرار عِترتي وأطايب أرومتي ، أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً ، فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، لا يخرجونكم من باب هدى ، ولا يدخلونكم في باب ضلالة ) (9) .
5 ـ الرجاء بن أبي الضحّاك :
وهو من رجالات حكومة المأمون ، وقد تركه المأمون والياً على خراسان حينما أراد العودة إلى بغداد ، وكان قبل ذلك قد بعثه إلى المدينة لإشخاص الإمام الرضا إلى مَرو . وقد تحدّث رجاء هنا عمّا رأى من الإمام في الطريق ، قائلاً :
( فوالله ! ما رأيت رجلاً كان اتقى لله تعالى منه ، ولا أكثر ذِكراً لله في جميع أوقاته منه ، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه ... ) (10) .
6 ـ محمّد بن جعفر ، عمّ الإمام الرضا :
وكان أحد قوّاد الثورات العلوية التي انطلقت ضدّ المأمون ، وقد تحدّث عن الإمام قائلاً :
إنّه ( عالم ، ولم نره يختلف إلى أحدٍ من أهل العلم ) (11) .
7 ـ ابن حجر العسقلاني ( ت : 852 ) ، قال في كتابه تهذيب التهذيب :
( وكان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب ) (12) .
8 ـ شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي :
قال في كتابه سير أعلام النُبلاء ـ وهو يتحدّث عن الإمام الرضا ـ : ( وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ) ، ( وقد كان علي الرضا كبير الشأن ، أهلاً للخلافة ... ) (13) .
9 ـ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي ( ت : 652 ) :
قال في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ( قد تقدّم القول في أمير المؤمنين علي ، وفي زين العابدين علي ، وجاء هذا علي الرضا ثالثهما ، ومن أمعن النظر والفِكرة وجده في الحقيقة وارثهما فيحكم كونه ثالث العليَّيَن ، نما إيمانه ، وعلا شأنه ، وارتفع مكانه ، واتسع إمكانه ، وكثر أعوانه ، وظهر برهانه ... وكانت مناقبه عليّة ، وصفاته سنيّة ، ومكارمه حاتمية ، وشنشنته أخزمية ، وأخلاقه عربية ، ونفسه الشريفة هاشميّة ، وأرومته الكريمة نبوية ، فمهما عُدّ من مزاياه كان ( عليه السلام ) أعظم منه ، ومهما فُصّل من مناقبه كان أعلى رتبة منه ) (14) .
10 ـ أحمد بن يوسف القرماني :
قال في كتابه أخبار الدول وآثار الأُول في التاريخ : ( وكانت مناقبه عليّة وصفاته سنيّة ... وكان (رضي الله عنه) قليل النوم كثير الصوم ، وكان جلوسه في الصيف على حصير ، وفي الشتاء على جلد شاة ) (15) .
11 ـ جاء في خلاصة تهذيب الكمال عن سنن ابن ماجة :
( كان سيد بني هاشم ، وكان المأمون يعظّمه ويجلّه ، وعهد له بالخلافة وأخذ له العهد ) (16) .
12 ـ قال الحاكم في تاريخ نيسابور :
( كان يُفتي في مسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن نيفٍ وعشرين سنة ) (17) .
13 ـ قال الواقدي :
( سمع عليٌّ الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم . وكان ثقةٌ يفتي بمسجد رسول الله وهو ابن نيّفٍ وعشرين سنة ، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة ) (18) .
14 ـ سبط ابن الجوزي المتوفّى سنة ( 654 هـ ) :
بعد أنّ تناول سبط ابن الجوزي نبأً من حياة الإمام الرضا ، وذكر وفاته في كتابه تذكرة الخواص ، ختم كلامه قائلاً : ( قد ذكرنا وفاة علي بن موسى الرضا ، وكان من الفضلاء الأتقياء الأجواد ، وفيه يقول أبو نؤاس :
قيل لي أنت أوحد الناس طُراً في كـلام من المقال بـديـه )
وذكر تمام الأبيات (19) .
15 ـ الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المعروف بالشيخ المفيد ، المتوفى سنة (413) :
قال في كتابه الإرشاد : ( وكان الإمام بعد أبي الحسن موسى بن جعفر ، ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) ؛ لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته ، وظهور علمه ، وحلمه ، وورعه ، واجتهاده ، واجتماع الخاصّة والعامّة على ذلك فيه ، ومعرفتهم به منه ، وبنصِ أبيه على إمامته ( عليه السلام ) من بعده ، وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل بيته ) (20) .
16 ـ علي بن عيسى الأربلي المتوفى سنة 692 :
قال في كتابه كشف الغمة : ( مناقب الإمام علي بن موسى الرضا ، رضاً في المناقب وإمداد فضله متوالية توالي المناقب ، وموالاته محبوبة المبادئ ، مباركة العواقب ، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب ، وشرفُه ونُبلُه قد حلاّ من الشرف في الذروة والغارب ، وصيت سؤدَدِه قد شاع وذاع في المشارق والمغارب ... أخباره كلّها عيون ، وسيرته السرية كاللؤلؤ الموصون ، ومقالاته ومقاماته قيد القلوب وجلاء الأسماع ونزهة العيون ... ) .
وقد ذكر في آخر كلماته الرائعة هذه أبياتاً شعرية في مدح الإمام عليه السلام كانت من نظمه ....
هذا وقد أدلى الكثير الكثير بشهاداتهم حول مقام الإمام السامي ، ومكانته الفريدة ، وعلو شأنه ، نكتفي بما ذكرناه منها ، ونختم كلامنا بقول المتنبّي :
وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
ــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى : ج2، ص64 ـ 65 .
(2) أعيان الشيعة : ج3 ، ص127 .
(3) كشف الغمة : ج2 ، ص 834 .
(4) كشف الغمة : ج2 ، ص835 .
(5) عيون أخبار الرضا : ج2 ، ب44 ، ح5 .
(6) مقاتل الطالبيين : ص454 .
(7) كشف الغمة : ج2 ، ص851 .
(8) البحار : ج49 ، ص211 .
(9) عيون أخبار الرضا : ج1 ، ص182 ، ب5 ، ح1 .
(10) عيون أخبار الرضا : ج2 ، ب44 ، ح5 .
(11) عيون أخبار الرضا : ج1 ، ص 181 ، ب 15 ، ح1 .
(12) تهذيب التهذيب : ج 5 ، ص746 .
(13) سير أعلام النبلاء : ج9 عند ذكره لعلي بن موسى الرضا .
(14) مطالب السؤول : ج2 ، ص128 ورد (منه) في كلا الموضوعين والصحيح منها في كليها .
(15) أخبار الدول : ج1 . في ذكر الإمام علي بن موسى الرضا .
(16) أعيان الشيعة : ج2 ، ص546 .
(17) نفس المصدر .
(18) تذكرة الخواص : ص315 .
(19) تذكرة الخواص : ص321 .
(20) الإرشاد : ج2 ، ص247 .