دفاع عن التّوحيد
  • عنوان المقال: دفاع عن التّوحيد
  • الکاتب: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:50:40 1-9-1403

دفاع عن التّوحيد

 

كان المأمون لمّا أراد أن يستخلف الرّضا عليه السّلام، جمع بني هاشم فقال: إنّي أريد أن استعمل الرّضا عليه السّلام على هذا الامر من بعدي.

فحسده بنوهاشم وقالوا: أتولّي رجلاً جاهلاً ليس له بصيرة بتدبير الخلافة؟! فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدلّ به!

فبعث إليه فأتاه فقال له بنوهاشم: يا أبا الحسن! إصعد المنبر وانصب لنا علَماً نعبد الله عليه. فصعد عليه السّلام المنبر فقعد مليّاً لايتكلّم مطرقاً، ثمّ انْتفض انتفاضةً فاستوى قائماً وحمِد الله تعالى وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه وأهل بيته ثمّ قال:

أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيده نفيُ الصفات عنه، لشهادة العقول أنّ كلّ صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كلّ صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إيّاه وحّد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب مَن مثّله، ولا به صدّق من نهّاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إيّاه عنى من شبّهه، ولا له تذلّل من بعّضه، ولا إيّاه أراد من توهّمه. كلّ معروف بنفسه مصنوع، وكلّ قائم في سواه معلول، بصنع الله يُستدلّ عليه، وبالعقول يُعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجّته، خلق الله الخلق حجاب بينه وبينهم، ومفارقته إيّاهم مباينة بينه وبينهم، وابتداؤه إيّاهم دليل على أن لا ابتداء له، لعجز كلّ مبتدئٍ عن ابتداء غيره، وأدوه إيّاهم دليل على أن لا أداة فيه، لشهادة الأدوات بفاقة المؤدّين.

فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغيوره تحديد لما سواه، فقد جهل اللهَ من استوصفه، وقد تعدّاه من استمثله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: «كيف» فقد شبّهه، ومن قال: «لِم»َ فقد علّله، ومن قال: «متى» فقد وقّته، ومن قال: «فيمَ» فقد ضمّنه، ومن قال: «إلى مَ» فقد نهّاه، ومن قال: «حتّى مَ» فقد غيّاه، ومن غيّاه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، ولا يتغيّر الله بتغيّر المخلوقين، كما لا يتحدّد بتحديد المحدود.

أحدٌ لابتأويل عددٍ، ظاهرٌ لا بتأويل المباشرة، متجلٍّ لا باستهلال رؤية، باطنٌ لا بمزايلةٍ، مباينٌ لا بمسافةٍ، قريبٌ لا بمداناةٍ، لطيفٌ لا بتجسّم، موجود لا بعدَ عدم، فاعلٌ لا باضطرارٍ، مقدِّر لا بحَول فكرة، مدبِّر لا بحركةٍ، مريدٌ لا بهمامة، شاءٍ لا بهمّة، مدركٌ لا بحاسّةٍ، سميعٌ لا بآلةٍ، بصيرٌ لا بأداةٍ، لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السّنات، ولا تحدّه الصفات، ولا تقيّده الأدوات.

سبق الأوقات كونُه، والعدمَ وجودُه، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهرعرف أن لا جوهر له، وبمضادّته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الاُمورعرف أن لا قرين له.

ضادَّ النور بالظلمة، والجلاية بالبهمة، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلّف بين متعادياتها، مفرِّق بين متدانياتها، دالّة بتفريقها على مفرّقها، وبتأليفها على مؤلّفها، ذلك قوله عزّ وجلّ: ومِنْ كلِّ شَىْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون  ففرّق بين كلّ قبل وبعد، ليُعلم أن لا قبل له ولا بعد.

شاهدة بغرائزها: أن لا غريزة لمغرزها، دالّة بتفاوتها: أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها: أن لا وقت لموقّتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معنى الرّبوبيّة إذ لا مربوبَ، وحقيقة حدّ الآلهيّة إذ لا مألوهَ، ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السّمع ولا مسموع.

ليس منذ خلق استحقّ معنى الخالق ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئيّة، كيف ولا تغيّبه: «مذ» ولا تدنيه: «قد» ولا تحجبه: «لعلّ» ولا توقّته: «متى» ولا تشمله: «حين» ولا تقارنه: «مع»، إنّما تحدّ الأدواتُ أنفسَها، وتشير الآلة إلى نظائرها، وفي الأشياء يوجد فعالها.

منعتها «منذُ» القدمةَ، وحمتْها «قدُ» الأزليّةَ، وجنّبتْها «لولا» التّكملةَ .

افترقت فدلّت على مُفرّقها، وتباينت فأعربت عن مُباينها، بها تجلّى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرّؤية، وإليها تحاكم الاُوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها انبط الدليل، وبها عرف الإقرار، وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به.

لا ديانة إِلاَّ بعد معرفته، ولا معرفة إِلاَّ بالإِخلاص، ولا إِخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه، وكلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكلّ ما يمكن فيه يمتنع في صانعه.

ولا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود فيه ما هو ابتداه؟! إذاً لَتفاوتتْ ذاته، ولتجزّى كنهه، ولا متنع من الأزل معناه، ولما كان للباري معنى غير المبروء. ولو وُجد له وراء وجد له أمام، ولا التمس له التمام إذ لزمه النقصان. كيف يستحقّ الأزل من لا يمتنع من الحدث؟! أم كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء؟! إذاً لقامت عليه آية المصنوع، ولتحوّل دليلاً بعد ما كان مدلولاً عليه، ليس في محالّ القول حجّة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه لله تعظيم، ولا في إبانته عن الحقّ ضيم إلاّ بامتناع الأزلي أن يثنى، ولما لابدء له أن يبدئ لا إله الاّ الله العليّ العظيم، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين .

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام