وهوعلي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب عليهم السلام جميعا، وقد ولد هذا الإمام العظيم في عصر المنصور العباسي وبعد استشهاد جدّه الإمام الصادق عليه السلام، ونشأ في أكرم بيت من بيوتات قريش الا وهو البيت الهاشمي العلوي، بيت الامامة والشهادة، وترعرع في احضان أبيه الامام الكاظم عليه السلام وعاش معه اكثر من ثلاثة عقود، عاصر فيها كلا من المنصور والمهدي والهادي والرشيد من خلفاء بني العباس الذين لم يألوا جهدا في اطفاء نور هذا البيت الرفيع.
لقد كانت شخصية الامام الرضا عليه السلام ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الانسان الا وهي من نزعاته فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علما لامة جده، يهتدي به الحائر ويسترشد به الضال وتستنير به العقول. ان مكارم اخلاق الامام الرضا عليه السلام نفحة من مكارم اخلاق جده الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الكمالات، فقد استطاع صلى الله عليه وآله وسلم بسمو أخلاقة ان يطور حياة الانسان وينقذه من أحلام الجاهلية الرعناء وقد حمل الامام الرضا عليه السلام اخلاق جده الاعظم.
ومن ابرز ذاتيات الامام الرضا عليه السلام انقطاعه الى الله تعالى وتمسكه به وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانبا كبيرا من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع.
برز الإمام الرضا عليه السلام على مسرح الحياة السياسية الاسلامية كألمع سياسي عرفة التأريخ الإسلامي في عصرة. لقد كان الإمام الرضا عليه السلام صلبا في مواقفه السياسية وصريحا كل الصراحة. ولم تخدعه الاساليب الخبيثة والمزيفة التي سلكها اذكى الخلفاء العباسيين وهو المأمون الذي رشحه للخلافة أوّلا ثم فرض عليه قبول ولاية العهد ثانيا في عصر كانت الانتفاضات العلوية تزلزل عرش الأكاسرة العباسيين.
إن دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الامام الرضا عليه السلام كما لم تخف عليه متطلبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه، وقد اُكره على قبول ولاية العهد، لكنه فوّت الفرصة الذهبية التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال اكراهه على قبول ولاية العهد. فاغتنم الإمام الرضا عليه السلام هذا الظرف الذهبي الذي جاءت به ولاية العهد على الوجه الاكمل بهدف نشر وتثبيت دعائم الطروحة مذهب أهل البيت عليهم السلام متحديا كل الخطوط الفكرية والمذهبية المنحرفة آنذاك.
عاش الامام الرضا عليه السلام في عصر انفتاح الامة الاسلامية على تراث الامم الاخرى التي اخذت تدخل في حضارة المسلمين وتساهم معهم في بناء صرح حضارتهم الاسلامية. وقد بلغ هذا الانفتاح مبلغا عظيما في عصر الامام الرضا عليه السلام بشكل واضح حتى كان يهدد الثقافة الاسلامية إن لم يتصدّ له المعنيون بحفظ أصالة الثقافة الاسلامية من الذوبان في الثقافات الدخيلة عليها بشكل او آخر.
وقد اعتنى الامام الرضا عليه السلام بهذا الجانب الخطير فقام باعداد وتربية اجيال من العلماء ليحرصوا على صيانة التراث الاسلامي من الذوبان والانهيار ويقوموا بمهمة نشر الفكر الاسلامي الصائب في ارجاء العالم الاسلامي ويهتموا بتربية اجيال تحمل هذه الرسالة الى العالم اجمع.
من هنا كانت للإمام الرضا عليه السلام مدرسة حيّة تتقوم بعناصر عالمة ومتعلمة وذات ثقافة رسالية فريدة. وهذه المدرسة تعتبر جزء من التراث الحي للامام الرضا عليه السلام وهي بعد متميّز من تراثه الثرّ. وتأتي احتجاجات الامام الطويلة والمتنوعة مع ارباب شتى المذاهب والاديان لتشكل علامة فارقة اخرى في حياة الامام الرضا عليه السلام وهي الجزء الاخر من تراثه المعطاء.
كما يعتبر كل مادوّن وروي عن الامام الرضا عليه السلام من احاديث ورسائل وكتب في شتى ميادين المعرفة الاسلامية الجزء الثالث من تراثه الخالد للامة الاسلامية بل البشرية جمعاء.
وقد أدرك المأمون عمق الخطر الذي كان يحيق به وبحكومته من خلال تواجد الامام الرضا عليه السلام في مركز حكمه، كما لاحظ نموّ وشموخ خط الولاء لاهل البيت عليهم السلام فلم يجد بدّا بحسب مقاييسه الباطلة من القضاء عل شخص الإمام واغتياله بطريقة خبيثة.
وقد استشهد هذا الامام العظيم بعد ان أرسى قواعد الرسالة والمذهب الحق لفهم الاسلام وتبليغه كما ربى عدة اجيال من العلماء النابهين الذين حملوا مشعل الهداية في تلك الظروف العصيبة التي عانت منها الامة الاسلامية في ظل الحكم العباسي. واسفرت مدرسة الامام الرضا عليه السلام عن تخريج كوكبة من العلماء الذين كان عددهم يناهز الثلاثمائة. فسلام عليه يوم ولد ويوم اُستشهد ويوم يبعث حيّا.