قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان).
لقد وضعت الاحداث التي عاشها المسلمون بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزهراء (سلام الله عليها ) في الصدارة وهي اول ثائرة في الاسلام قامت بالدور المطلوب الذي لم يتسنَّ لأحد القيام به ـ من عنف تلك الفترة ـ ويكفينا كشاهد على ذلك ان امير المؤمنين (عليه السلام ) الذي قام الاسلام بسيفه ولسانه وما حاز من مناقب وفضائل من آيات الله وبيناته واحاديث رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد تعرض للقتل عياناً جهاراً قال له الخليفة الثاني: انك لست متروكاً حتى تبايع قال : إن انا لم افعل فمه؟ قالوا اذاً والله الذي لا اله الا هو تضرب عنقك.
اقول قامت الزهراء (عليها السلام) بالدور النبوي العظيم فشاركت أباها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الابلاغ والانذار فابلغت في الحجة وحذرت من الفتنة واشارت الى الانحراف وهدت الى سواء الصراط فانظر اليها تذكرهم وتحملهم المسؤولية ازاء الاحداث:
انتم عباد الله نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغاؤه الى الأمم زعيم حق فيكم وعهد قدمه اليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق الى ان قالت : فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله أو نَجَمَ قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفيء حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله سيداً في اولياء الله مشمراً ناصحاً مجداً كادحاً لاتأخذه في الله لومة لائم وانتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الاخبار وتنكصون عند النـزال وتفرون من القتال. فلما اختار الله لنبيه دار انبيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين … واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فالفاكم لدعوته مستجيبين … ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً فوسمتم غير ابلكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين فكيف بكم وانى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلاً ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
وفي موقف آخر لها مع نساء المهاجرين والانصار لما عدنها في مرضها انظر اليها كيف تعبر القرون والاجيال لتعطيك نتائج الانحراف قبل وقوعها قالت :
(أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتقبوا ملء القعب دماً عبيطاً … وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم واستبداداً من الظالمين يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً) فكأنها (سلام الله عليها ) تنظر بعين الغيب وانظر الى احوال المسلمين اليوم وقبل اليوم بعد ذلك الانحراف الاول حيث صارت الامامة هذا المنصب الالهي المقدس ملكا عضوضاً يتوارثه الفساق والفجار امويون وعباسيون والى يومك هذا وما حلّ بالجامعة الاسلامية من الوهن والضعف الا نتيجة ذلك الانحراف الاول.
ومن مظاهر دورها السياسي (سلام الله عليها ) منـزلها الذي كان مقراً للمؤمنين الصادقين الثابتين على عهد الله ورسوله من الذين عارضوا بيعة السقيفة قال ابن قتيبة الدينوري: و ان ابا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب و قال :
و الذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أبا حفص ان فيها فاطمة؟ فقال : و إن.
و في مكان آخر في الامامة و السياسة قال الدينوري: ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن ابي قحافة! فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تتصدع واكبادهم تتفطر و بقي عمر ومعه قوم فاخرجوا علياً فمضوا به الى ابي بكر فقالوا له: بايع قال :
ان لم أفعل فمه؟ قالوا اذاً و الله الذي لا اله الا هو نضرب عنقك فقال اذاً تقتلون عبد لله و اخاً لرسوله! قال عمر إما عبدالله فنعم و أما أخو رسوله فلا و ابو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر الا تأمر فيه بأمرك؟ فقال : لا اكرهه علي شيء ما كانت فاطمة الي جنبه فلحق علي بقبر رسول الله (صلى الله عليه و آله يصيح و يبكي وينادي: يا ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني.
طالبت بحق الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) بالقيام بالامر وكشفت القناع عن الدوافع التي دفعت البعض لازاحته (عليه السلام ) عن مقامه المقدس: (ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بامور الدنيا والدين الا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، والله لو تكافوا عن زمام نبذه اليه رسول الله لاعتلقه وسار بهم سيراً سججاً لايكلم خشاشه ولايكلّ سائره ولاوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه).
طالبت بحقها في فدك وخيبر واقامت على ذلك الادلة والبراهين لكن الخلافة الراشدة ردّت دعواها وهي التي طهرها الله تعالى من الرجس تطهيراً!
أقامت (صلوات الله عليها الحجة والدليل على أهلية وكفاءة أهل البيت (عليها السلام) في ادارة شؤون الامة تأمل في مقطع من جوابها على نساء المهاجرين والانصار قالت : (استبدلوا والله الذنابى بالقوادم والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ويحهم أفمن يهدي الى الحق أحق أن يتّبع أم من لايهدِّي الا ان يُهدى فما لكم كيف تحكمون ) ، وفي مقام آخر قالت : (نحن وسيلته في خلقه ونحن خاصته ومحل قدسه ونحن حجته في غيبته ونحن ورثة انبيائه).
رفضت المصالحة مع ابي بكر وعمر. قال ابن ابي الحديد في شرح النهج: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على ابي بكر وعمر وانها أوصت الا يصليا عليها.
وقد سعى الشيخان مراراً ان يستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها الى جهة الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ثم قالت : (نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحبّ فاطمة ابنتي احبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا نعم سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت : فاني أُشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما اليه).