صور من تربية الزهراء عليها السّلام لأولادها ورفقها بهم
الزهراء عليها السّلام تطحن بيديها وتُرضع ولدها
• روى ابن شهرآشوب عن جابر الأنصاري، أنّه رأى النبيُّ صلّى الله عليه وآله فاطمة وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وتُرضع ولدها، فدَمِعَتْ عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة (205).
تعليم الزهراء عليها السّلام لولدها: الجار ثمّ الدار
• روى الشيخ الصدوق عن الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام، قال: رأيتُ أمّي فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تَزَل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمودُ الصُّبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أُمّاه، لا تَدعين لنفسك كما تَدعين لغيرك ؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار.. ثمّ الدار (206).
التوكّل على مشيئة الله عزّوجلّ
• روى الخوارزمي أنّ الحسن والحسين عليهما السّلام كان عليهما ثياب خَلِقة وقد قَرُب العيد، فقالا لأمّهما فاطمة عليها السّلام: إنّ بني فُلان خِيطَت لهم الثيابُ الفاخرة، أفلا تخيطين لنا ثياباً للعيد يا أمّاه ؟ فقال: يُخاط لكما إن شاء الله.. فلمّا أن جاء العيد جاء جبرئيل بقميصين من حُلَل الجنّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما هذا يا أخي جبرئيل ؟ فأخبره بقول الحسن والحسين لفاطمة، وبقول فاطمة « يُخاط لكما إن شاء الله » (207).
أنا أرفق بابني
• روى الشيخ ورّام في « تنبيه الخواطر »، قال: بينما النبيّ صلّى الله عليه وآله والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذّن، إذ أتى بعد زمان.. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: ما حَبَسك يا بلال ؟ فقال: إنّي اجتزتُ بفاطمة عليها السّلام وهي تطحن واضعةً ابنها الحسن عند الرَّحى وهي تبكي. فقلتُ لها: أيُّما أحبّ إليك: إن شئتِ كفيتُكِ ابنك، وإن شئتِ كفيتك الرَّحى.
فقالت: أنا أرفق بابني. فأخذت الرحى فطحنتُ، فذاك الذي حبسني، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: رحمتَها.. رحمكَ الله (208).
تشير الصدّيقة الزهراء عليها السّلام إلى أمر تربويّ مهمّ، هو أنّ تربية الطفل منوطة بأمّه بالدرجة الأولى، وأنّها هي الأرفق بابنها والأعلم بما يُصلحه، وينبغي للأمّهات أن لا يوكلنَ أمر تربية أولادهنّ ـ ما أمكنهنّ ذلك ـ إلى غيرهنّ.
دروس في ملاعبة الزهراء عليها السّلام للحسن عليه السّلام
• روى المجلسي أنّ فاطمة عليها السّلام كانت تلاعب ابنها الحسن عليه السّلام وتقول:
أشَبِهْ أباكَ يا حَسَنْ |
|
واخلَعْ عن الحقِّ الرَّسنْ |
واعبُدْ إلهاً ذا مِنَنْ |
|
ولا تُوالِ ذا الإحَنْ (209) |
وتستوقفنا في الأبيات المذكورة أربعة ملاحظات مهمّة لقّنتها الزهراء عليها السّلام لابنها:
1 ـ كن كأبيك عبداً لله، شجاعاً.
2 ـ أُعبدِ اللهَ وحدَه.
3 ـ دافِع عن الحقّ.
4 ـ لا توالِ ذا الإحن.
الزهراء عليها السّلام تعهد بولديها للنبيّ صلّى الله عليه وآله ليُسمّيهما
• روى الشيخ الصدوق عن عِكرمة، قال: لمّا وَلَدتْ فاطمة الحسنَ جاءت به إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، فسمّاه حسناً، فلمّا ولدت الحسين جاءت به إليه فقالت: يا رسول الله، هذا أحسن من هذا، فسمّاه حُسيناً (210).
الزهراء عليها السّلام وسُنن الإسلام في الصبيّ الوليد
• روى الكليني عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: إنّ فاطمة عليها السّلام حلقتِ ابنَيها وتصدّقت بوزن شَعرهما فضّةً (211).
• وروى الكليني أيضاً عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: عقّت فاطمة عليها السّلام عن ابنَيها صلوات الله عليهما، وحلقتْ رؤوسهما في اليوم السابع، وتصدّقتْ بوزن الشَّعر وَرِقاً (212).
هذا ابناك فورِّثهما
• روى الشيخ الصدوق عن بنت أبي رافع، قالت: أتت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله بابنَيها الحسنِ والحسين عليهما السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله في شكواه الذي تُوفّي فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناكَ فورِّثْهما شيئاً! قال: أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسُؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له جرأتي وجودي (213). وفي رواية أخرى: أمّا الحسن فنَحَلتُه هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فنَحَلته سخائي وشجاعتي (214).
قصّة النَّذْر
• روى الثعلبي في تفسيره قال: مَرضَ الحسنُ والحسين عليهما السّلام، فعادهما جدّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وعامّة العرب، فقالوا له: يا أبا الحسن، لو نذرتَ على ولدَيْك. فنذر صوم ثلاثة أيّام، وكذا نذرتْ أمُّهما فاطمة عليها السّلام وجاريتهم فضّة، فبرِئا وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير، فاستقرض عليّ عليه السّلام ثلاثة أصوع من شعير، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنتْه واختبزتْ منه خمسة أقراص، لكلّ واحدٍ منهم قرصاً، وصلّى عليّ عليه السّلام مع النبيّ صلّى الله عليه وآله المغرب ثمّ أتى المنزل، فوُضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكينٌ من مساكين المسلمين، أطعِموني أطعمكم الله من موائد الجنّة. فسمعه عليّ عليه السّلام فأمر بإعطائه، فأعطَوه الطعامَ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء القَراح ( ثمّ أتاهم يتيم من أولاد المهاجرين في اليوم الثاني فأعطَوه طعامهم، ثمّ أتاهم أسيرٌ في اليوم الثالث فأعطَوه إفطارهم )، ومكثوا ثلاثة أيّام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء القَراح.
فلمّا كان اليوم الرابع ـ وقد وَفَوا بنذرهم ـ أخذ عليّ عليه السّلام الحسن بيده اليمنى، والحسين بيده اليُسرى، وأقبل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهم يرتعشون كالفِراخ من شدّة الجوع، فلمّا بَصُر به النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: يا أبا الحسن، ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم، إنطلِقْ بنا إلى منزل ابنتي فاطمة. فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لَصِق ظهرُها ببطنها من شدّة الجوع وغارت عيناها، فلمّا رآها النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: واغَوثاه بالله! أهلُ بيت محمّد يموتون جوعاً!
فهبط جبرئيل عليه السّلام على محمّد صلّى الله عليه وآله فقال: يا محمّد، خُذ ما هَنّاك اللهُ في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل ؟ فأقرأه هَلْ أتى على الإنسانِ (215).
قصّة المسح ( الستر ) والقلبَين
• روى أحمد في مسنده عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا سافر آخر عهده بإنسانٍ من أهله: فاطمة، وأوّل مَن يدخل عليه إذا قدم: فاطمة.
قال: فقدم من غزاةٍ له، فأتاها فإذا هو بمسح ( كِساء معروف ) على بابها، ورأى على الحسن والحسين قُلبَين (216) من فضّة، فرجع ولم يدخل عليها، فلمّا رأت ذلك فاطمة ظنّت أنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر ونزعت القلبَين من الصبيَّيْن فقطعتهما، فبكى الصبيّان، فقسمته بينهما، فانطلقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهما يبكيان، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله منهما، فقال: يا ثوبان، اذهبْ بها إلى بني فلان ـ أهلُ بيت بالمدينة ـ واشترِ لفاطمة قلادة من عصب ( خرز تُتَّحذ مِن عِظام بعض الحيوانات ) وسوارَين من عاج، فإنّ هؤلاء أهل بيتي، ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا (217).
الزهراء عليها السّلام توصي أمير المؤمنين عليه السّلام بالزواج من ابنة اختها
• روى المجلسي في بحار الأنوار، أن فاطمة عليهما السّلام مَرِضت مرضاً شديداً، ومكثت أربعين ليلةً في مرضها إلى أن تُوفّيت صلوات الله عليها، فلمّا نُعيت إليها نفسها دَعَت أمَّ أيمن وأسماء بنت عُمَيس ووجّهتْ خلف عليّ عليه السّلام وأحضرته، فقالت: يا ابنَ عمّ، إنّه قد نُعيت إليّ نفسي، وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أنّني لاحقةٌ بأبي ساعةً بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي (إلى أن يصل إلى قوله: )
ثمّ قالت: جزاك الله عنيّ خير الجزاء يا ابن عمّ رسول الله، أوصيك أوّلاً أن تتزوّج بعدي بابنة أختي أُمامة، فإنّها تكون لولْدي مثلي؛ فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء (218).
الزهراء عليها السّلام توصي أمير المؤمنين عليه السّلام بأولادها
• وروى المجلسي في البحار عن ورقة بن عبدالله الأزدي قصّة وفاة الزهراء عليها السّلام ووصيّتها إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، جاء فيها:
فقالت ( الزهراء عليها السّلام ): يا ابن العمّ، إنّي أجد الموتَ الذي لابُدّ منه ولا مَحيص عنه... فإن أنتَ تزوّجتَ امرأةً فاجعل لها يوماً وليلة، واجعلْ لأولادي يوماً وليلة. يا أبا الحسن، ولا تَصِحْ في وجوههما فيُصبحان يتيمَين غريبَين مُنكسِرَين؛ فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما، واليوم يفقدان أمّهما...
قال عليّ عليه السّلام: واللهِ لقد أخذتُ في أمرها وغسّلتُها في قميصها ولم أكشِفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرةً مطهّرة... فلمّا هَمَمتُ أن أعقد الرداء، ناديتُ: يا أمّ كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضّة، يا حسن، ويا حُسين هلمّوا تزوّدوا من أمّكم، فهذا الفراق، واللقاءُ في الجنّة.
فأقبل الحسن والحسين عليهما السّلام وهما يناديان: واحسرتا لا تنطفئ أبداً مِن فقد جدّنا المصطفى وأمّنا فاطمة الزهراء...
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّي أُشهد الله أنّها قد حَنّتْ وأنَّت، ومَدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مَلِيّاً، وإذا بهاتف من السماء يُنادي: يا أبا الحسن، إرفعها عنها، فلقد أبكَيا ـ واللهِ ـ ملائكةَ السماوات (219).
صور من جهاد الزهراء عليها السّلام
دفاعها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ورعايتها له
• روى المحبّ الطبري أنّ أحد المشركين ألقى على النبيّ صلّى الله عليه وآله سِلى جَزُور (220)، فلم يزل صلّى الله عليه وآله ساجداً حتّى جاءت فاطمة عليها السّلام فأخذته عن ظهره (221).
• وروى الهيثمي عن ابن عبّاس، أنّ قريشاً اجتمعوا في الحِجر فتعاقدوا باللات والعُزّى ومَناة: لو رأينا محمّداً لقُمنا مَقامَ رجلٍ واحد ولنقتلنّه. فدخلت فاطمة عليها السّلام على النبيّ صلّى الله عليه وآله باكيةً وحكتْ مقالهم (222).
• وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود، قال: بينما رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يصلّي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نُحِرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سِلى جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفَي محمّد إذا سجد، فانبعت أشقى القوم فأخذه، فلمّا سجد النبيّ صلّى الله عليه وآله وضعه بين كتفيه. قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائمٌ أنظر، لو كانت مَنَعةٌ طَرَحتُه عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وآله، والنبيّ صلّى الله عليه وآله ساجد ما يرفع رأسه، حتّى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جُوَيرية ( أي صغيرة السن ) فطرحته عنه، ثمّ أقبلت عليهم تشتمهم. فلمّا قضى النبيّ صلّى الله عليه وآله صلاته رفع صوته ثمّ دعا عليهم (223).
ايثار الزهراء عليها السّلام بلقمة العيش
• روى المحبّ الطبري عن عليّ عليه السّلام، قال: كنّا في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة بكِسرةٍ من خبز فرفعتها إليه، فقال: ما هذه يا فاطمة ؟
قالت: من قرصٍ اختبزتُه لابني، جئتُك منه بهذه الكسرة.
فقال: يا بُنيّة، أما إنّها لأوّلُ طعام دخل فمَ أبيك منذ ثلاث (224).
• وروى الطبري أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا انتهى إلى أهله عائداً من وقعة أُحد، ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بُنيّة (225).
دفاعها عليها السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام ومواساتها له
• روى صاحب ( العِقد الفريد ) أنّ عليّاً عليه السّلام والعبّاس بن عبدالمطّلب والزبير بن العوّام تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، فقعدوا في بيت فاطمة، حتّى بعث إليهم أبو بكر عمرَ بن الخطّاب ليُخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبَوْا فقاتِلهم. فأقبل بقبسٍ من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطّاب، أجئتَ لتُحرق دارَنا ؟ قال: نعم ، أو تدخلوا فيما دخلتْ فيه الأمّة (226).
• وروى الهيثمي عن جابر، قال: دخل عليّ عليه السّلام على فاطمة عليها السّلام يوم أُحد، فقال:
أفاطمُ هاكِ السيفَ غيـرَ ذمـيمِ |
|
فلسـتُ بـرِعْديـدٍ ولا بلَـئـيمِ |
لعمريَ قد أبليتُ في نصر أحمدٍ |
|
ومرضاةِ ربٍّ بالعباد عليمِ (227) |
• وروى أبو جعفر الطوسي عن الإمام الصادق عليه السّلام وعن سلمان الفارسيّ، أنّه لمّا استُخرج أمير المؤمنين عليه السّلام من منزله ( ليُبايع مُكرَهاً )، خرجت فاطمة حتّى انتهت إلى القبر، فقالت: خلّوا عن ابن عمّي، فوالذي بعث محمّداً صلّى الله عبليه وآله بالحقّ، لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شَعري، ولأضعنّ قميصَ رسول الله صلّى الله عليه وآله على رأسي ولأصرخنّ، فما ناقةُ صالح بأكرمَ على الله من ولدي (228).
فُقد النبيّ وظُلم الوصيّ
• روى ابن شهرآشوب قال: دخلت أمّ سَلَمة على فاطمة عليها السّلام فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتكِ يا بِنتَ رسول الله ؟ قالت: أصبحتُ بين كَمَد وكَرب، فُقِد النبيّ وظُلم الوصيّ، هَتَكَ واللهِ حجابَه مَن أصبحتْ إمامتُه مقتضبهً على غير ما شَرَع اللهُ في التنزيل وسَنّها النبيّ صلّى الله عليه وآله في التأويل، ولكنّها أحقادٌ بدريّة، وتِراتٌ أُحُديّة كانت عليها قلوب النفاق مُكتمنة (229).
• وروى الشيخ الصدوق عن عبدالله بن الحسن، عن أمّه فاطمة بنت الحسين عليه السّلام، قالت: لمّا اشتدّت علّة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وغلبها ( الوجع )، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقُلن لها: يا بنت رسول الله، كيف أصبحتِ عن علّتكِ ؟
فقالت: أصبحت ـ والله ـ عائفةً لدُنياكم، قاليةً لرجالكم...
وَيْحهم أنّى زحزحوها ( تعني الخلافة ) عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة، ومهبط الوحي الأمين، والطّبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخُسران المبين. وما نَقِموا من أبي الحسن ؟!! نقموا ـ واللهِ ـ نَكيرَ سيفه، وشدّة وَطْئه، ونَكالَ وقعته، وتَنمُّرَه في ذات الله عزّوجلّ... استَبدلوا الذُّنابى ـ والله ـ بالقَوادم (230)، والعجُزَ بالكاهل، فُرغماً لِمعاطِسِ قومٍ يَحسَبون أنّهم يُحسنون صُنعاً، ألا إنّهم هُمُ المفسدون ولكنْ لا يشعرون. أفمن يَهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يُتَّبَع أمّن لا يَهِدِّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون (231).
جهاد الزهراء عليها السّلام في بيتها
• روى محبّ الدين الطبري عن عليّ عليه السّلام، قال: كانت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله أكرمَ أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرت بالرَّحى حتّى أثّرت بيدها، واستقتْ بالقِربة حتّى أثّرت بنحرها، وقمّت البيت ( أي كَنَسته ) حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حتّى دُنّست ( أي توسّخت ) ثيابها، وأصابها من ذلك ضُرّ (232).
• وروى المجلسي عن الزهري، قال: لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى مَجَلت (233) يداها وطبُّ الرّحى في يدها (234).
• وروى ابن شهرآشوب عن جابر بن عبدالله، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى فاطمة عليها السّلام وعليها كساء من أجلّة الإبل، وهي تطحن بيديها وتُرضع ولدها، فدمعتْ عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة (235).
• وروى محبّ الدين الطبري عن أسماء بنت عميس، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أتاها يوماً فقال: أين ابناي ؟ ـ يعني حسناً وحسيناً ـ قالت: قلت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال عليّ: أذهب بهما، فإنّي أتخوّف أن يبكيا عليكِ وليس عندكِ شيء؛ فذهب بهما إلى فلان اليهوديّ.
فتوجّه إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوجدهما يلعبان في مشربة (236) بين أيديهما فضل من تمر، فقال صلّى الله عليه وآله: يا عليّ، ألا تقلب (237) ابنيّ قبل أن يشتدّ الحرّ عليهما ؟
قالت: فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلستَ يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة تمرات.
فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو ينزع ( أي يسقي من البئر ) لليهودي، كلّ دلوٍ بتمرة، حتّى اجتمع له شيء من تمر، فجعله في حُجزته ثمّ أقبل، فحمل رسول الله صلّى الله عليه وآله أحدهما وحمل عليّ الآخر عليهم السّلام (238).
• وروى المجلسي في بحار الأنوار قال: بينما النبيُّ صلّى الله عليه وآله والناسُ في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذّن، إذ أتى بعد زمانٍ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: ما حبَسَك يا بلال ؟ فقال: إنّي اجتَزت بفاطمة عليها السّلام وهي تطحن واضعةً ابنها الحسنَ عند الرَّحى وهي تبكي، فقلت لها: أيُّما أحَبُّ إليك: إنْ شئتِ كَفَيْتُك ابنَك، وإن شئتِ كفيتُك الرحى. فقالت: أنا أرفق بابني. فأخذتُ الرحى فطحنتُ، فذاك الذي حَبَسني.
فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: رَحِمتَها.. رَحِمَكَ الله (239).
جهادها في التبليغ
اشتراكها عليها السّلام في مُباهلة النصارى
• روى سبط ابن الجوزي أن وفد نجران قَدِم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وفيهم السيّد والعاقب وجماعة من الأساقفة ( ثمّ ذكر قصّة المباهلة، إلى أن قال: ) وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السّلام بين يديه، والحسن عن يمينه، والحسين عن شماله، وفاطمة عليها السّلام خلفه، ثمّ قال: هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا ـ وأشار إلى الحسن والحسين ـ وهذه نساؤنا ـ يعني فاطمة ـ وهذه أنفسنا يعني نفسي ـ وأشار إلى عليّ عليه السّلام.. فلمّا رأى القوم ذلك خافوا وجاءوا إلى بين يديه فقالوا: أقِلنا أقالَك الله. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده، لو خرجوا لامتلأ الوادي عليهم ناراً (240).
طريقة مبتكرة لهداية اليهود
• روى ابن شهرآشوب، أنّ فاطمة عليها السّلام رَهَنت كسوةً لها عند امرأة زيد اليهوديّ في المدينة واستقرضت الشعير، فلمّا دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا ؟! قالت ( امرأته ): لكسوة فاطمة عليها السّلام. فأسلم في الحال، وأسلمتْ امرأتُه وجيرانه، حتّى أسلم ثمانون نفساً (241).
• وروى الراوندي أن اليهود كان لهم عرس، فجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالوا: لنا حقّ الجوار، فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلى دارنا حتّى يزدان عرسنا بها. وألحّوا عليه، فقال: إنّها زوجة عليّ بن أبي طالب وهي بحكمه ( إلى أن يصل إلى قوله: ) فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة وحُليّ وحُلَل لم يَرَوا مثلها، فلبستها فاطمة وتحلّت بها، فتعجّب الناس من زينتها وألوانها وطيبها، فلمّا دخلت فاطمة دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها، وأسلم بسبب ما رأوا ( من أنوارها ) خَلقٌ كثير من اليهود (242).
لقد لبّت الزهراء عليها السّلام دعوة هؤلاء اليهود لحكمة بالغة، وهي لدعوتهم إلى الإسلام، ونجحت في ذلك إلى أبعد الحدود، بفضل أنوارها المعنويّة التي شعّت منها ومن ثيابها التي أُنزلت عليها من الجنّة.
الزهراء عليها السّلام تعين مؤمنة في محاججة دينيّة
• روى الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، قال: قالت فاطمة عليها السّلام ـ وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في أمر الدين، إحداهما معاندة، والأخرى مؤمنة، ففتحتْ على المؤمنة حُجتها فاستظهرتْ على المعاندة، ففرحتْ فرحاً شديداً ـ فقالت فاطمة:
إنّ فرح الملائكة باستظهاركِ عليها أشدّ من فرحكِ، وإنّ حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشدّ من حزنها، وإنّ الله عزّوجلّ قال للملائكة: أوْجِبوا لفاطمة ـ بما فتحتْ على هذه المسكينة الأسيرة ـ من الجِنان ألف ألف ضِعف ممّا كنتُ أعددتُ لها، واجعلوا هذه سُنّةً في كلّ مَن يفتح على أسيرٍ مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ممّا كان له مُعَدّاً من الجنان (243).
جهادها في الدفاع عن الإمامة
احتجاج الزهراء عليها السّلام على القوم
• روى الطبرسي عن عبدالله بن الحسن، عن آبائه عليهم السّلام احتجاج فاطمة الزهراء عليها السّلام على القوم لمّا منعوها « فدك »، وقولها لهم بالإمامة، جاء فيه قولُها عليها السّلام:
أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد صلّى الله عليه وآله، أقول عَوداً وبَدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شَطَطاً (244)، لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تَعزُوه وتَعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم... فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد صلّى الله عليه وآله بعد اللتيّا والتي، وبعد أن مُني ببُهم الرجال (245) وذؤبان العرب ومَرَدة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نَجَمَ قَرْنٌ للشيطان (246) أو فغرتْ فاغرة من المشركين (247) قذَفَ أخاه ( عليّاً عليه السّلام ) في لَهَواتها (248)، فلا ينكفئ حتّى يَطأ جناحَها بأخمصه، ويُخمد لهبَها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله صلّى الله عليه وآله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وأنتم في رفاهية من العَيش وادِعون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار (249)، وتنكصون عند النِّزال، وتفرّون من القتال.
فلمّا اختار اللهُ لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظَهرَ فيكم حَسكةُ النفاق (250)، وسَملَ جِلباب الدين (251)... هذا والعهدُ قريب والكَلِمُ رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسولُ لمّا يُقْبَر. ابتداراً زعمتُم خوفَ الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وإنّ جهنّم لمَحيطةٌ بالكافرين...
ألا وقد أرى أنّكم قد أخلدتُم إلى الخَفض، وأبعدتُم مَن هو أحقّ بالبسط والقبض ( تعني أمير المؤمنين عليه السّلام )... فبعينِ الله ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ مُنقَلَب ينقلبون (252).
الزهراء عليها السّلام تسأل الأنصار النُّصرة
• روى ابن قتيبة في « الإمامة والسياسة »، أنّ عليّاً عليه السّلام خرج يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مَضَتْ بيعتُنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عَدَلْنا به! فيقول عليّ كرّم الله وجهه: أفكنتُ أدَعُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناسَ في سلطانه ؟! فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبُهم وطالبهم (253).
• وروى الشيخ الصدوق عن فاطمة بنت الحسين عليه السّلام خُطبة الزهراء عليها السّلام على نساء المهاجرين والأنصار عند اشتداد علّتها، وأنّها عليها السّلام ذكرتْ أنّها ساخطة على رجالهنّ لأنّهم نكصوا عن عهدهم وبيعتهم لأمير المؤمنين عليه السّلام يوم الغدير، وجاء فيها قولها عليها السّلام:
وَيْحَهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة، ومَهبِط الوحي الأمين، والطَّبين (254) بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخُسرانَ المبين! وما نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا ـ واللهِ ـ منه نكير سيفه، وشدّة وظله، ونكال وقعته، وتَنَمُّرَه في ذات الله عزّوجلّ.
واللهِ لو تكافّوا عن زمامٍ نَبذَه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إليه لاَعتلقه، ولسار بهم سيراً سَجَحاً، لا يُكلَم خشاشه، ولا يُتعتَع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً... إلى أيّ سِنادٍ استندوا، وبأيّ عروةٍ تمسّكوا ؟! استبدلوا الذُّنابى ـ واللهِ ـ بالقوادم، والعجُزَ بالكاهل، فرُغماً لمعاطس قومٍ يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعاً، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (255).
خروج الزهراء عليها السّلام وخطبتها
• ينقل لنا التاريخ أن الزهراء عليها السّلام خرجت مرّةً إلى المسجد، وأنّها خطبت خطبةً بليغة احتجّت بها على أبي بكر في قضيّة « فَدَك »، حيث روى قصّة خروجها وخطبتها كثيرٌ من أرباب الحديث وأصحاب السير (256). ونتعرّض فيما يلي لبيان خروج الزهراء عليها السّلام وشروعها في خطبتها، ونترك التعرّض لقصّة فدك إلى مجالٍ آخر.
• يروي الشيخ الطبرسي في ( الاحتجاج ) عن عبدالله بن الحسن، عن آبائه عليهم السّلام، « أنّه لمّا أجمع أبو بكر على مَنْع فاطمة عليها السّلام « فَدَك » وبلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسها، واشتَملتْ بجِلبابِها، وأقبَلتْ في لُمّةٍ من حَفَدتها ونساءِ قومها، تَطَأُ ذُيولَها، ما تَخرِمُ مِشيتُها مِشيةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتّى دخلتْ على أبي بكر، وهو في حَشْدٍ من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنِيطَت دونها مُلاءةٌ فجلست... الحديث » (257).
وتستوقفنا في الحديث المذكور عدّة نقاط:
أ ـ أن السيدة الزهراء عليها السّلام خرجت لأجل أمرٍ مهم، يتلخّص في مطالبتها بفدك، ويتضمّن ـ ضمن هذه المطالبة ـ احتجاجاً على القوم في تجاهلهم لوصاية أمير المؤمنين عليه السّلام، حيث أشارت إلى ذلك في خطبتها بقولها:
« فأنقَذكم اللهُ بأبي محمّد بعد اللُّتيّا والتي، وبعد أن مُنِيَ ببُهم الرجال وذُؤبان العرب ومَرَدة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نَجَمَ قَرْنٌ للشيطان، أو فَغرَتْ فاغرةٌ من المشركين، قذف أخاه ( أي عليّاً عليه السّلام ) في لَهَواتها، فلا ينكفئ حتّى يطأ صِماخَها بأخمصِه، ويُخمد لهبَها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّد أولياء الله، مُشمّراً ناصحاً، مُجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهيةٍ من العَيش وادِعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عن النِّزال، وتفرُّون من القتال ».
انظر كيف عَدَّدتْ مناقبَ أمير المؤمنين عليه السّلام وسَبْقه إلى الإيمان والجهاد، وقُربه من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكدحه في سبيل الله تعالى.. وكيف عرّضت بالقوم بأنّهم أسلموا عن قريب، وأنّهم كانوا ينكصون عن النِّزال ويفرّون من القتال ( كما في حرب أُحد وخيبر وسواهما ).
ب ـ أنّ الزهراء عليها السّلام راعت في خروجها الصورة المُثلى للحجاب، حيث ينقل الحديث السابق أنّها عليها السّلام لاثت خِمارَها على رأسها، والخمار هو المقنعة، سُمّي خماراً لأنّ الرأس يُخمّر به أي يُغطّى، كما ينقل لنا أنّها عليها السّلام اشتملتْ بجِلبابها، والجِلباب: الملحفة والرداء والإزار والثوب الواسع للمرأة، تغطّي به رأسها وصدرها وظهرها، قال تعالى يا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجِكَ وبَناتِكَ ونساءِ المؤمنين يُدْنِينَ عليهنّ من جَلابيبِهنّ (258).
كما ينقل الحديث المذكور أنّ الزهراء عليها السّلام أقبلتْ في لُمّة من حفدتها ونساء قومها، واللُّمة: الجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة، أي انّ الزهراء عليها السّلام كانت تسير بين عدّة من النساء زيادةً منها في التستّر ومراعاةِ الاختفاء عن الأنظار، وأنّها عليها السّلام كانت تطأ ذُيولها أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وأنّها عليها السّلام كانت تضع أقدامها عليها عند المشي ( وفي رواية الأربلي في كشف الغمّة: تجرّ أدرعها »، أي قميصها ). ويُبيّن الحديث المذكور أنّ الزهراء عليها السّلام لمّا دخلت المسجد نِيطَت دونها مُلاءة، أي عُلِّقت بينها وبين القوم ملاءة تسترها.
الزهراء عليها السّلام تأمر بدفنها ليلاً
• روى الشيخ المفيد عن الإمام الحسين عليه السّلام، قال: لمّا مَرِضت فاطمة بنت النبيّ صلّى الله عليه وآله وصّت إلى عليّ صلوات الله عليه أن يكتم أمرها، ويُخفي خبرها، ولا يُؤذِن أحداً بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرّضها بنفسه، وتُعينه على ذلك أسماء بنت عُميس ( رحمها الله ) على استسرارٍ بذلك كما وصّت به. فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتولّى أمرها، ويدفنها ليلاً، ويُعفي قبرها (259).
لا يشهد جنازتي مَن ظلمني
• روى المجلسي ( في حديث طويل ) أنّها عليها السّلام قالت لأمير المؤمنين عليه السّلام: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي مِن هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا تترك أن يُصلّي عليَّ أحدٌ منهم ولا مِن أتباعهم، وادفنّي في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار (260).
• وروى الحاكم في المستدرك عن عائشة، قالت:
دُفنت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلاً، دفنها عليّ، ولم يُشعَر بها أبو بكر حتّى دُفنت، وصلّى عليها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (261).
• وروى الطبري الإمامي في دلائل الإمامة في حديث وفاة فاطمة الزهراء عليها السّلام، أنّ المسلمين لمّا علموا بوفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجّ الناس ولام بعضُهم بعضاً، وقالوا: لم يُخلّف فيكم نبيُّكم إلاّ بنتاً واحدة تموت وتُدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها، بل ولم تعرفوا قبرها ؟!! (262).
صور وعِبَر من علاقة الزهراء عليها السّلام بالآخرين
تلبيتها دعوة جيران من اليهود
• روى الراوندي أنّ اليهود كان لهم عُرس، فجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالوا: لنا حقّ الجوار، فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلى دارنا حتّى يَزدانَ عُرسُنا بها. وألحّوا عليه.
فقال صلّى الله عليه وآله: إنّها زوجة عليّ بن أبي طالب وهي بحكمه. وسألوه أن يشفع إلى عليّ في ذلك، وقد جمع اليهود الطمّ والرمّ (263) من الحُليّ والحُلَل، وظنّ اليهود أنّ فاطمة تدخل عليهم في بذلتها (264)، وأرادوا الاستهانة بها. فجاء جبرئيل بثياب من الجنّة وحُليّ وحُلَل لم ير الراؤون مثلها، فلبستها فاطمة وتحلّت بها، فتعجّب الناس من زينتها وألوانها وطِيبها، فلمّا دخلت فاطمة عليها السّلام دارَ هؤلاء اليهود سجد لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها، وأسلم ( بسبب ما رأوا ) خلق كثير من اليهود (265).
مع خادمتها فضّة
• روى الراوندي أنّ سلمان قال: كانت فاطمة عليها السّلام جالسة قدّامها رَحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دمٌ سائل ( من يدها )، والحسينُ في ناحية الدار يتضوّر من الجوع، فقلتُ: يا بنتَ رسول الله، دَبَرتْ كفّاكِ، وهذه فضّة! فقالت: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تكون الخدمة لها يوماً، فكان أمس يوم خدمتها (266).
• وروى الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السّلام عن الإمام الباقر عليه السّلام، عن أبيه عليه السّلام، أنّه ذكر تزويج فاطمة عليها السّلام، ثمّ ذكر أنّ فاطمة سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله خادماً ( إلى أن قال: ) ثمّ غزا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ساحلَ البحر فأصاب سَبيّاً فقسمه، فأمسك امرأتَين، إحداهما شابّة والأخرى امرأة قد دخلتْ في السنّ ليست بشابّة، فبعث إلى فاطمة، وأخذ بيد المرأة فوضعها في يد فاطمة وقال:
يا فاطمة، هذه لكِ، ولا تضربيها فإنّي رأيتُها تصلّي وإنّ جبرئيل نهاني أن أضرب المصلّين. وجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوصيها بها، فلمّا رأت فاطمة ما يوصيها بها، التفَتَتْ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقالت: يا رسول الله، عَليَّ يومٌ وعليها يوم! ففاضت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله بالبكاء وقال: الله أعلَم حيث يَجعلُ رسالَته، ذُرّيّةً بعضُها من بعضٍ والله سميع عليم (267).
مع جيرانها
• روى الشيخ الصدوق عن الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال: رأيتُ أمّي فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أمّاه، لِمَ لا تَدْعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت: يا بُنيّ، الجار.. ثمّ الدار (268).
بيت الزهراء عليها السّلام منتدى نساء المدينة
• روى ابن أبي الحديد المعتزلي في كلام له عن الزهراء عليها السّلام، أنّه كان يغشاها نساءُ المدينة وجيرانُ بيتِها (269).
مع أمّ سَلَمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وآله
• روى ابن شهرآشوب أنّ أمّ سَلَمة دخلت على فاطمة عليها السّلام فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتكِ يا بنتَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قالت: أصبحتُ بين كَمَدٍ وكَرب: فُقد النبيّ وظُلم الوصيّ، هَتَكَ ـ واللهِ ـ حجابَه مَن أصبَحَتْ إمامتُه مقتضبة على غير ما شَرَع اللهُ في التنزيل وسنّها النبيّ صلّى الله عليه وآله في التأويل، ولكنّها أحقادٌ بَدريّة وتِراتٌ أُحُديّة كانت عليها قلوب النفاق مُكتمنة (270).
مع نساء المدينة
• روى الشيخ الصدوق عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليها السّلام، قالت: لمّا اشتدّت علّةُ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وغلبها، اجتمع عندها نساءُ المهاجرين والأنصار فَقُلنَ لها: يا بنت رسول الله، كيف أصبحتِ عن علّتكِ ؟
فقالت: أصبحتُ ـ واللهِ ـ عائفةً لدُنياكم، قاليةً لرجالكم، لَفَظْتُهم بعد أن عجمتهم، وشنأتُهم بعد أن سَبَرْتُهم، فقُبحاً لفلول الحدّ، وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدّمت لهم أنفُسهم أن سَخِطَ اللهُ عليهم وفي العذابِ هم خالدون... وَيْحَهُم أنّى زَحزَحوها (تعني الخلافة ) عن رواسي الرسالة وقواعد النبوّة، ومَهبِط الوحي الأمين، والطَّبين بأمرِ الدنيا والدين ( تعني إبعادهم الخلافة عن أمير المؤمنين عليه السّلام )... ألا هَلُمّ فاسمَعْ، وما عِشتَ أراكَ الدهرُ العَجبَ، وإنْ تعجبْ فقد أعجبك الحادث: إلى أيِّ سنادٍ استندوا ؟! وبأيّ عُروةٍ تمسّكوا ؟! استبدلوا الذُّنابى ـ واللهِ ـ بالقوادم (271)، والعَجُزَ بالكاهل، فرغماً لِمَعاطِس قومٍ يَحسَبون أنّهم يُحسِنون صُنعاً، ألا إنّهم هم المُفسدون ولكن لا يشعرون، أفمَن يَهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ أمَّن لا يَهِدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون ؟! (272)
مساعدتها لمؤمنة في احتجاجها على معاندة
• روى الشيخ الطبرسي عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام، قال: قالت فاطمة عليها السّلام ـ وقد اختصم إليها امرأتان فتنازَعَتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة، ففَتحتْ على المؤمنة حجّتها فاستظهرتْ على المُعاندة، ففرحتْ فرحاً شديداً، فقالت فاطمة عليها السّلام:
إنّ فرح الملائكة باستظهاركِ عليها أشدُّ من فرحكِ، وإنّ حُزن الشيطان ومَرَدَته بحُزنها أشدّ من حُزنها، وإنّ الله تعالى قال لملائكته: أوْجِبوا لفاطمةَ بما فَتَحتْ على هذه المسكينة الأسيرة من الجِنان ألف ألفِ ضِعف ممّا كنتُ أعدَدتُ لها، واجعَلوا هذه سُنّةً في كلّ مَن يفتح على أسيرٍ مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألفِ ما كان مُعَدّاً له من الجِنان (273).
إجابتها عن أسئلة كثيرة لمؤمنة
• روى المجلسي عن الإمام العسكري عليه السّلام، قال: حَضَرت امرأةٌ عند الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السّلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لُبِّس عليها من أمر صلاتها شيء، وقد بعثَتْني إليكِ أسألكِ. فأجابتها فاطمة عليها السّلام عن ذلك، فثنّتْ فأجابت، ثمّ ثلّثتْ إلى أن عَشَّرت فأجابت، ثمّ خجلتْ من الكثرة، فقالت: لا أشُقُّ عليكِ يا ابنةَ رسول الله. قالت فاطمة: هاتِ وسَلي عمّا بدا لكِ، أرأيتِ مَن اكتُرِي يوماً يصعد إلى سطحٍ بحمل ثقيل وكِراهُ مائةُ ألف دينار، يَثقُلُ عليه ؟ فقالت: لا.
فقالت: اكتُرِيتُ أنا لكلّ مسألة بأكثر من مِلْء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يَثقُل علَيّ.. سمعتُ أبي صلّى الله عليه وآله يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون فيُخلَع عليهم من خِلَع الكرامات على قَدر كثرةِ علومهم وجِدّهم في إرشادِ عباد الله، حتّى يُخلَعَ على الواحدِ منهم ألفُ ألفِ حُلّةٍ من نور، ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتامِ آل محمد صلّى الله عليه وآله، الناعشون (274) لهم عند انقطاعِهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاءِ تلامذتكم والأيتامُ الذين كَفَلتموهم ونَعَشتموهم، فاخلَعوا عليهم خِلَعَ العلوم في الدنيا.. فيخلعون على كلّ واحد من أُولئك الأيتام على قَدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتّى أنّ فيهم ( يعني في الأيتام ) مَن يُخلَع عليه مائةُ ألفِ خلعة، وكذلك يَخلع هؤلاء الأيتام على مَن تعلّم منهم، ثمّ إنّ الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتّى تُتِمّوا لهم خِلَعُهم وتُضَعّفوها لهم. فيتمّ لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويُضاعَف لهم، وكذلك مَن يليهم ممّن خلع على من يليهم.
وقالت فاطمة عليها السّلام: يا أمَةَ الله، إنّ سِلكةً من تلك الخِلَع لأفضلُ ممّا طَلَعتْ عليه الشمس ألفَ ألفِ مرّة (275).
الزهراء عليها السّلام تُتحِف سلمانَ بتُحفةٍ من الجنّة
• روى السيّد ابن طاووس عن سلمان الفارسي، قال: خَرَجتُ من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله بعشرةِ أيّام، فلَقِيَني عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام ابن عمّ الرسول صلّى الله عليه وآله فقال لي: يا سلمان، جَفَوتنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله!
فقلت: حبيبي أبا الحسن، مِثلكم لا يُجفى، غير أنّ حُزني على رسول الله صلّى الله عليه وآله طال، فهو الذي منعني من زيارتكم. فقال عليه السّلام: يا سلمان، إئتِ منزل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، فإنّها إليك مشتاقة تُريد أن تُتحِفَك بتُحفةٍ قد أُتْحِفَتْ بها من الجنّة، فقلتُ لعليّ عليه السّلام: قد أُتحفتْ فاطمة عليها السّلام بشيء من الجنّة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟! قال: نعم، بالأمس.
قال سلمان: فَهَرولتُ إلى منزل فاطمة عليها السّلام بنت محمّد صلّى الله عليه وآله... ( ثمّ ذكر أن الزهراء عليها السّلام أتحفته برُطَبٍ أبيضَ من الثلج، وأزكى ريحاً من المسك الأذفر لم يَجد له عُجماً ولا نَوى، ثمّ إنّها علّمته كلمات يداوم عليهنّ ما عاش فلا يمسّه أذى الحمّى ).
قال سلمان: فتعلّمتهنّ، فواللهِ لقد علّمتهنّ أكثرَ من ألفِ نَفْس من أهل المدينة ومكّة ممّن علل بهم الحمّى، فكلٌّ برئ من مرضه بإذن الله تعالى (276).
مشاركتها في المُباهلة مع النصارى
• روى الزمخشري في تفسيره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا دعا النصارى إلى المباهلة، قالوا: حتّى نرجع وننظر. فلمّا تخالوا قالوا للعاقِب ـ وكان ذا رأيهم ـ: يا عبدالمسيح ما ترى ؟ فقال: واللهِ لقد عرفتم ـ يا معشر النصارى ـ أنّ محمّداً نبيٌّ مُرسَل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللهِ ما باهَلَ قومٌ نبيّاً فعاش كبيرُهم ولا نَبَتَ صغيرهم، ولئن فعلتم لَتهلكنّ، فإن أبَيتُم إلاّ إلفَ دينكم والإقامةَ على ما أنتم عليه، فوادِعوا الرجُلَ وانصرِفوا إلى بلادكم. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ خلفها، وهو صلّى الله عليه وآله يقول: إذا أنا دعوتُ فأمّنوا، فقال أسقُفُ نَجران: يا معشرَ النصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللهُ أن يُزيلَ جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تُباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نُباهلك وأن نُقرّك على دينك ونثبت على ديننا.
قال: فإذا أبَيتُم المباهلة فأسلِموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا. قال: فإنّي أُناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكنْ نُصالحك على أن لا تَغزونا ولا تُخيفنا ولا تَرُدّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفَي حُلّة.
ثمّ قال الزمخشري: وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضلِ أصحاب الكساء عليهم السّلام (277).
دعوتها الأنصار لنُصرة أمير المؤمنين عليه السّلام
• روى ابن قُتيبة أنّ عليّاً عليه السّلام خرج ( بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله ) يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله على دابّةٍ ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مَضَتْ بيعتُنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمّك سَبَق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به! فيقول عليّ عليه السّلام: أفَكُنتُ أدعُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه، وأخرج أُنازع الناسَ سُلطانه ؟! فقالت فاطمة عليها السّلام: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبُهم وطالبهم (278).
وقوفها في وجه الحاكم وإعلانها سخطها عليه
• روى ابن قُتيبة أنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء وناداهم وهم في دار عليّ، فأبَوا أن يِخرجوا، فدعا بالحَطَب وقال: والذي نفسُ عمر بيده، لَتخرجُنَّ أو لأحرقنّها على مَن فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة! فقال: وإنْ. فخرجوا فبايَعوا إلاّ عليّاً... فوقفتْ فاطمة عليها السّلام على بابها فقالت: لا عَهدَ لي بقومٍ حَضَروا أسوأ محضرٍ منكم: تَركتُم رسول الله صلّى الله عليه وآله جنازةً بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً.
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ ـ وهو مولى له ـ: اذهَب فادعُ لنا عليّاً. قال: فذهب إلى عليّ، فقال له: ما حاجتك ؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال عليّ: لَسريع ما كَذِبتُم على رسول الله! فرجع فأبلغ الرسالة.
قال: فبكى أبو بكر طويلاً، فقال عمر الثانية: لا تُمهِل هذا المتخلّفَ عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عُد إليه فقُل له « خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ». فجاءه قنفذ فأدّى ما أُمِر به، فرفع عليّ صوته فقال: سُبحان الله، لقد ادّعى ما ليس له! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً!!
ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتَوا باب فاطمة فدقّوا الباب، فلمّا سَمِعتْ أصواتَهم نادت بأعلى صوتها: يا أبتِ يا رسولَ الله، ماذا لَقِينا بعدكَ من ابن الخطّاب وابن أبي قُحافة ؟! فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدّع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليّاً فمَضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع!
فقال: إنْ أنا لم أفعل فمَه ؟ قالوا: إذاً ـ والله الذي لا إله إلاّ هو ـ نضرب عُنقك! فقال: إذاً تقتلون عبدَ الله وأخا رسوله.
قال عمر: أمّا عبدُ الله فنَعَم، وأما أخو رسوله فلا. وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال: لا أُكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جانبه. فلَحِق عليٌّ بقبر رسول الله صلّى الله عليه وآله يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أُمّ، إنّ القومَ استَضعفوني وكادوا يقتلونني، فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنّا قد أغضبناها. فانطلقا جيمعاً فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتَيا عليّاً فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها، حَوَّلتْ وجهَها إلى الحائط، فسلمّا عليها فلم تردَّ عليهما السّلام ( ثمّ يذكر اعتذار أبي بكر لفاطمة، حتّى يصل إلى قوله ) فقالت: أرأيتكما إن حدّثتُكما بحديثٍ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا: نعم.
فقالت: نَشَدتُكما الله، ألم تَسمعا رسولَ الله يقول: « رضا فاطمة من رضاي، وسخطُ فاطمة من سخطي، فمَن أحبَّ فاطمةَ ابنتي فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمةَ فقد أرضاني، ومَن أسخطَ فاطمةَ فقد أسخطني »؟
قالا: نعم، سَمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قالت: فإنّي أُشهِدُ اللهَ وملائكته أنّكما أسخَطتُماني وما أرضيتُماني، ولئن لَقِيت النبيَّ لأشكونّكما إليه (279).
الزهراء عليها السّلام تؤلّب الأنصار على السلطة الحاكمة
• روى ابن أبي الحديد عن الإمام الباقر عليه السّلام والإمام الصادق عليه السّلام وعبدالله بن الحسن المثنّى، قالوا: لمّا بلغ فاطمةَ عليها السّلام إجماعُ أبي بكر على منعها فَدَك، لاثَت خِمارَها، وأقبلتْ في لُمّةٍ من حَفَدتها ونساء قومها، تطأ ذُيولَها، ما تَخرِمُ مِشْيتُها مِشيةَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، حتّى دَخَلتْ على أبي بكر وقد حَشدَ الناسَ من المهاجرين والأنصار، فضُرِب بينها وبينهم رَيْطة بيضاء ( ثمّ ذكر خُطبة الزهراء عليها السّلام، حتّى بلغ إلى قوله: ).
ثمّ عدلتْ إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشرَ البَقيّة، وأعضادَ المِلّة، وحَضَنة الإسلام، ما هذه الفَترةُ عن نُصرتي، والوَنْيةُ عن مَعونتي، والغَمزةُ في حقّي، والسِّنَةُ عن ظُلامتي ؟! أمَا كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله يقول « المرءُ يُحفَظُ في وُلدِه » ؟ سُرعانَ ما أحدثتُم، وعجَلانَ ما أتيتم، ألئِن ماتَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أمَتُّم دِينَه ؟!...
إيهاً بني قَيْلة! أُهتَضَمُ تُراثَ أبي وأنتم بمرأىً ومَسمَع ؟! تبلغكم الدعوة، ويشملكم الصوت، وفيكم العُدّة والعَدد...
ثمّ روى ابنُ أبي الحديد أنّ أبا بكر لمّا سمع خُطبتها شَقَّ عليه مقالتها، فصعد المنبر وقال: أيّها الناس، ما هذه الرِّعة إلى كلّ قالة ؟!... ثمّ التفتَ إلى الأنصار فقال: قد بلغني ـ يا معشر الأنصار ـ مقالة سُفهائكم...
قال ابن أبي الحديد: قرأتُ هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري... قلتُ: فما مقالة الأنصار ( التي ندّد بها أبو بكر ) ؟ قال: هتفوا بذِكر عليّ، فخاف ( أبو بكر ) من اضطراب الأمر عليه، فنهاهم (280).
• وروى الطبرسي عن سُوَيد بن غَفلة خُطبة الزهراء عليها السّلام على نساء المهاجرين والأنصار لمّا اجتمعن إليها في مرضها التي تُوفّيت فيه، وجاء في آخر الحديث:
قال سويد بن غفلة: فأعادَت النساءُ قولها عليها السّلام على رجالهنّ، فجاء إليها قومٌ من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيّدة النساء، لو كان أبو الحسن ذَكرَ لنا هذا الأمرَ مِن قبل أن نُبرِمَ العهد ونُحكِم العقد لما عَدَلنا عنه إلى غيره! فقالت عليها السّلام: إليكم عنّي، فلا عُذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم (281).
علاقة الزهراء عليها السّلام ببني هاشم وبني عبدالمطّلب
• حرصت الزهراء البتول عليها السّلام على رعاية فقراء بني هاشم وبني عبدالمطّلب. روى الكُليني عن أبي مريم قال: سألتُ أبا عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام عن صدقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وصدقة عليّ عليه السّلام، فقال: هي لنا حلال، وقال: إنّ فاطمة عليها السّلام جعلتْ صَدقَتها لبني هاشم وبني عبدالمطّلب (282).
205 ـ المناقب لابن شهرآشوب 342:3.
206 ـ علل الشرايع للصدوق 182:1 / ح 1 ـ الباب 145، بحار الأنوار للمجلسي 81:43 ـ 82 / ح 3.
207 ـ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزمي 76:1، بحار الأنوار 75:43.
208 ـ عنه: بحار الأنوار للمجلسي 76:43 / ح 63. وروى رواية مشابهة عن سلمان، انظر بحار الأنوار 38:43 / ح 33.
209 ـ بحار الأنوار للمجلسي 286:43.
210 ـ علل الشرايع للصدوق 139:1 / ح 10 ـ الباب 116، بحار الأنوار للمجلسي 242:43 / ح 12.
211 ـ الكافي للكليني 26:6 / ح 9 ـ الباب 14، بحار الأنوار للمجلسي 256:43 / ح 35.
212 ـ الكافي للكليني 33:6 / ح 3 ـ الباب 21، بحار الأنوار للمجلسي 257:43 / ح 37.
213 ـ الخصال للصدوق 77:1 / ح 122.
214 ـ الخصال للصدوق 77:1 / ح 123.
215 ـ عنه: منهاج الكرامة للعلاّمة الحلّي 132 ـ 133، الفصل الثالث.
216 ـ القُلْب: السوار.
217 ـ مسند أحمد 375:5 / ح 21858.
218 ـ بحار الأنوار للمجلسي 191:43 ـ 192 / ح 20.
219 ـ بحار الأنوار للمجلسي 174:43 ـ 180.
220 ـ السِّلى: الكيس الذي يتكوّن فيه الجنين.
221 ـ ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري 47.
222 ـ مجمع الزوائد للهيثميّ 228:8.
223 ـ صحيح مسلم 1418:3 / ح 1974 ـ باب ما لقي النبي صلّى الله عليه وآله من أذى المشركين والمنافقين.
224 ـ ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري 47.
225 ـ تاريخ الطبري 74:2.
226 ـ العقد الفريد لابن عبدربّه الأندلسي 259:4.
227 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 122:6.
228 ـ عنه بحار الأنوار 47:43.
229 ـ المناقب لابن شهرآشوب 205:2. بحار الأنوار للمجلسي 156:43 ـ 157 / ح 5.
230 ـ الذُّنابى: ما يلي الذَّنَب من الجَناح، والقوادم: الريش الكبير الذي في مقدّمة الجَناح.
231 ـ معاني الأخبار للصدوق 354 / ح 1.
232 ـ ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري 50.
233 ـ مجلت: تقرّحت.
234 ـ بحار الأنوار للمجلسي 84:43 ـ 85؛ طبابة: سَير من الجلد ـ يُجعل على الرحى فيُمسك باليد ويُدار.
235 ـ المناقب لابن شهرآشوب 342:3، بحار الأنوار 86:43.
236 ـ أي غرفة.
237 ـ أي ترجعهما.
238 ـ ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري 49.
239 ـ بحار الأنوار 76:43.
240 ـ تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي 14، ب 2.
241 ـ المناقب لابن شهرآشوب 339:3.
242 ـ عنه: بحار الأنوار للمجلسي 30:43.
243 ـ الاحتجاج للطبرسي 18:1 / ح 15.
244 ـ الشطط: البُعد عنه الحقّ.
245 ـ بُهم الرجال: شجعانهم.
246 ـ نجم: ظهر. قرن الشيطان: أتْباعه.
247 ـ فغرفاه: فتحه. الفاغرة من المشركين: الطائفة منهم.
248 ـ اللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة في أقصى شفة الفم.
249 ـ تتوكّفون الأخبار: تتوقّعون أخبار المصائب والفتن أن تنزل بنا.
250 ـ حسكة النفاق: عداوته. وفي بعض النسخ: حسيكة.
251 ـ سمل جلباب الدين: صار خَلِقاً. والجلباب: الإزار.
252 ـ الاحتجاج للطبرسي 253:1 ـ 284 / ح 49.
253 ـ الإمامة والسياسة لابن قُتيبة 29 ـ 30.
254 ـ الطَّبين: الطَّبن: الفِطنة للخير.
255 ـ بحار الأنوار للمجلسي 158:43.
256 ـ وسائل الشيعة للحرّ العاملي 123:14 / ح 1، كتاب النكاح.
257 ـ الاحتجاج للطبرسي 253:1 / ح 49، بحار الأنوار للمجلسي 220:29 / ح 8.
258 ـ الأحزاب:59.
259 ـ الأمالي للمفيد 281 / ح 7، المجلس 33.
260 ـ بحار الأنوار للمجلسي 191:43 ـ 192.
261 ـ المستدرك على الصحيحَين للحاكم النيسابوري 162:3.
262 ـ دلائل الإمامة للطبري الإمامي 46، بحار الأنوار للمجلسي 170:43.
263 ـ يُقال « جاء بالطمّ والرمّ » أي بكلّ ما عنده مستقصى.
264 ـ البذلة: الثياب العادية التي تُلبس في المهنة والعمل ولا تُصان.
265 ـ الخرايج والجرايح للراوندي 538:2 ـ 539 / ح 14.
266 ـ الخرايج والجرايح للراوندي 530:2 / ح 6.
267 ـ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزمي 69:1.
268 ـ علل الشرايع للصدوق 182:1 / ح 1.
269 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 193:9.
270 ـ عنه: بحار الأنوار للمجلسي 156:43 / ح 5.
271 ـ الذُّنابى: ذَنَب الطائر، وقوادم الطير: مَعاديم ريشه، وهي عشرة في كلّ جناح.
272 ـ معاني الأخبار للصدوق 354:2 / ح 1.
273 ـ الاحتجاج للطبرسي 18:1 / ح 15، بحار الأنوار للمجلسي 8:2.
274 ـ نعشه: رفعه.
275 ـ بحار الأنوار للمجلسي 3:2.
276 ـ مُهج الدعوات للسيّد ابن طاووس 17 ـ 19. وهو الدعاء المعروف بدعاء النور، وأولّه: بسم الله النور.
277 ـ تفسير الكشّاف للزمخشري 368:1 ـ 370 ذيل الآية 61 من سورة آل عمران.
278 ـ الإمامة والسياسة لابن قُتيبة 29:1 ـ 30.
279 ـ الإمامة والسياسة لابن قُتيبة 30:1 ـ 31.
280 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 211:16 ـ 215.
281 ـ الاحتجاج للطبرسي 286:1 ـ 292 / ح 50.
282 ـ مَن لا يحضره الفقيه للصدوق 38:2 / ح 1639.