تلكم كوثر المصطفى
  • عنوان المقال: تلكم كوثر المصطفى
  • الکاتب: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • مصدر: نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام
  • تاريخ النشر: 18:44:16 1-9-1403

إقرار

في الوقت الذي لا يستطيع أحدٌ أن يدّعيَ أنّ فلاناً أو فلاناً له ذريّةً في عصرنا هذا تفوق ذراري الآخَرين، يُقرّ الجميع أنّ ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله هي الأكثر والأوسع والأعلى في أنساب الناس جميعاً، وبهذا ـ وعلى مدى التاريخ البشري ـ تتحقّق البشارة الإلهيّة المُهداة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله: إِنّا أَعطَيناكَ الكَوثَر ، والكوثر هو الخيرُ الكثير، وهل هنالك خيرٌ كثيرٌ غير الذي وهَبَه الله تبارك وتعالى لرسوله من ذريّةٍ طيّبةٍ ونسلٍ طاهرٍ شريفٍ مبارك، وقد جاء من طريق ابنته الصدّيقة الزهراء فاطمة سلام الله عليها. وقد أنبأ صلّى الله عليه وآله بذلك يومَ دخل على أُمّ المؤمنين خديجة رضوان الله عليها فوجدها تتكلّم وليس معها أحد، فسألها عمّن تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني، وكانت قد حملت بفاطمة عليها السلام، عندها قال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أبْشِري يا خديجة، هذه بنتٌ جعَلَها اللهُ أُمَّ أحَدَ عشَرَ من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم »، وفي رواية الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه صلّى الله عليه وآله قال لها: « مَن يُحدثُكِ ؟ »، فقالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني، فقال لها: هذا جبرئيل يبشّرني أنّها أُنثى، وأنّها النَّسَمةُ الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً في الأُمّة، يجعلهم خلفاءَه في أرضه بعد انقضاءِ وحيه » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 80:16 / ح 20 ـ عن أمالي الصدوق:475 / ح 1 ـ المجلس 87 ).
وهكذا شاء الله تبارك وتعالى أن يبتدئ نسلُ النبيّ صلى الله عليه وآله من ابنته الطاهرة البتول فاطمة ثمّ يستمرّ من خلال عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام، فيشرع بسيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين وبسيّد الوصيّين، ويُثمر عن أئمّةٍ طاهرين معصومين، هم خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو أبوهم روحاً ونسباً، وقد قال: « كلُّ بَني أبٍ ينتمون إلى عُصبةِ أبيهم، إلاّ وُلْدَ فاطمة؛ فإنّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم » ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 285:11، بحار الأنوار 70:37 ـ عن المستدرك لابن البطريق ).
وإلى هذا يشير الشاعر محمّد بن عبدالرحمان في أرجوزته:

كلُّ نبـيٍّ نسلُـه مِـن صُلبِـهِ

 

وخُصّ منه أحمدٌ مِـن ربِّـهِ

أن جعَلَ الإلهُ نسلَـه العَلـي

 

وسِرَّه المَصونَ في صُلبِ علي

مِن بنتهِ الزهراءِ ذاتِ الشَّرَفِ

 

وبَضعةِ النورِ الذي قد آصطُفي

فاطمةٍ أُمِّ الحسيـنِ والحَسَـنْ

 

ونجلُها أحسنُ مِن كلِّ حَسَـنْ

وهذه بين يدينا مجموعة من الروايات تُجمع أنّ شرف امتداد النسل النبويّ الشريف هو من ميراث فاطمة وعليّ صلَواتُ الله عليهما، وهو أشرف نسل مِن سيّد الوجود وأشرفه.
 

نصوصٌ مَعالم

• في ( كنز العمّال 84:13 ) للمتقي الهندي، و ( سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 56:11 )، و ( بشارة المصطفى للطبري الإمامي:40 و 47 ): قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ لكلِّ نبيٍّ عُصبةً ينتمون إليها، إلاّ وُلّدَ فاطمة، فأنا وليُّهم، وأنا عصبتهم، وهم عترتي، خُلِقوا مِن طينتي، وَيلٌ للمكذِّبين بفضلهم! مَن أحبَّهم أحبَّه الله، ومَن أبغَضَهم أبغضه الله ».
• وبالإسناد عن الإمام الصادق عن آبائه عليه وعليهم السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ الله تعالى جعل ذريّةَ كلِّ نبيٍّ مِن صُلبه، وجعل ذُرّيتي مِن صُلبِ عليّ بن أبي طالبٍ مع فاطمة ابنتي، وإنّ الله تعالى اصطفاهم كما اصطفى آدم ونوحاً وآلَ إبراهيم وآلَ عِمرانَ على العالمين. فاتَّبِعُوهم يَهدوكم إلى صراطٍ مستقيم، وقَدِّموهم ولا تتقدّموا عليهم؛ فإنّهم أحلمُكم صغاراً، وأعلمُكم كباراً، فاتَّبِعوهم فإنّهم لا يُدخلونكم في ضَلال، ولا يُخرِجونكم مِن هُدى » ( روضة الواعظين للفتّال النَّيسابوري:146، الفضائل لابن شاذان:210، عنهما: بحار الأنوار 144:23 / ح 98 ).
• وفي ( تفسير القمّي 336:2 )، و ( تفسير البرهان 247:4 / ح 2 ) للسيّد هاشم البحراني، و ( الدمعة الساكبة 286:1 ) للبهبهاني.. أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « يا فاطمة، ما بعَثَ الله نبيّاً إلاّ جَعَل له ذُريّةً مِن صُلبه، وجَعَل ذريّتي مِن صُلب عليّ، ولولا عليّ ما كانت لي ذريّة » ( بحار الأنوار 101:43 / ح 11 ).
• وروى ابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب 387:3 ) عن: ( المعجم الكبير ) للطبراني، وكذا الهيثمي الشافعيّ في ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 172:9 )، وابن حجر المكّي في ( الصواعق المحرقة:74 )، والبدخشي في ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط ).. وغيرها بأسانيد تنتهي إلى جابر بن عبدالله الأنصاري أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله عزّوجلّ جَعلَ ذريّةَ كلِّ نبيٍّ من صُلبه خاصّة، وجعل ذريّتي مِن صُلب عليّ بن أبي طالب. إنّ كلَّ بَني بنتٍ يُنسَبون إلى أبيهم، إلاّ أولادَ فاطمة، فإنّي أنا أبوهم ».
• وفي ( المناقب:229 ) للخوارزمي الحنفي، و ( الرياض النضرة 168:2 ) للمحبّ الطبري، و ( الصواعق المحرقة:72 )، و ( تاريخ بغداد 216:1 ).. وغيرها: عن جعفر بن محمّد ( الصادق )، عن أبيه ( الباقر )، عن جابر الأنصاري قال: كنتُ أنا والعبّاس بن عبدالمطّلب جالسَينِ عند النبيّ صلّى الله عليه وآله إذ دخل عليٌّ فسَلّم، فردّ عليه النبيُّ السلام وقام إليه وعانقه، وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العبّاس: يا رسول الله، أتُحبّه ؟ فقال صلّى الله عليه وآله: « يا عَمّ، واللهُ أشدُّ حبّاً له منّي، إنّ الله عزّوجلّ جعَلَ ذريّة كلّ نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريّتي في صلب هذا ».
• وفي ( أمالي الصدوق ) ـ عنه: ( بحار الأنوار 22:43 / ح 14 ) عن عبدالله بن سليمان قال: قرأتُ في الإنجيل في وصف النبيّ صلّى الله عليه وآله: ذو النسل القليل، إنّما نسلُه مِن مباركةٍ لها بيتٌ في الجنّة، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب، يكفّلها في آخر الزمان كما كفّل زكريا أُمَّك ( إذ الخطاب من الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام )، لها فرخانِ مُستَشهدان.
• وفي ( الاحتجاج 58:2 ) لأبي منصور أحمد بن علي الطبري، و ( تفسير القمّي عليّ بن إبراهيم 84:1 ) ـ عنه ( بحار الأنوار 232:43 / ح 8 ) وغيرها، أن الإمام أبا جعفر محمّد الباقر عليه السلام سأل أبا الجارود: « ما يقولون في الحسن والحسين عليهما السلام ؟ »، قال: يُنكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال عليه السلام: « فَبِأيّ شيءٍ احتَجَجتُم عليهم ؟ »، قال أبو الجارود: قلتُ: بقول الله في عيسى بن مريم: « ومِن ذرّيتِهِ داودَ وسليمانَ... وزكريّا ويَحيى وعيسى وإلياسَ كُلٌّ مِن الصالحين » [ سورة الأنعام:84 ـ 85 ]، فجعل اللهُ عيسى مِن ذريّة إبراهيم، واحتججنا عليهم بقوله تعالى: قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم [ سورة آل عمران:61 ]. قال عليه السلام: « فأيَّ شيءٍ قالوا ؟ »، قلت: قالوا: قد يكون ولد البنت من الوُلْد ولا يكون من الصُّلب، فقال أبو جعفر عليه السلام: « واللهِ يا أبا الجارود لأُعطيَنَّكَها مِن كتاب الله آيةً تسمّي لصلب رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا يردّها إلاّ كافر »، قلت: جُعِلتُ فداك، وأين ؟ قال: « حيث قال الله: حُرِّمَتْ عليكُم أُمّهاتُكم وبناتُكم وأخَواتُكم.. وحلائلُ أبنائِكمُ الذينَ مِن أصلابكم [ النساء:23 ]، فَسَلْهم يا أبا الجارود: هل يَحلّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله نكاحُ حليلتِهما ؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله، وإن قالوا: لا، فَهُما واللهِ ابنا رسول الله لصلبه، وما حُرِّمتْ عليه إلاّ للصلب ».
•• وفي ( إقبال الأعمال:623 ) كتب السيّد ابن طاووس في ذكر ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام: اِعلَمْ أنّ ولادة سيّدتنا الزهراء البتول عليها السلام الابنة الأفضل للرسول صلّى الله عليه وآله هو يوم عظيم الشأن مِن أعظم أيّام أهل الإسلام والإيمان، لأمور، منها: أنّ نسب رسول الله صلّى الله عليه وآله انقطع إلاّ منها، ومنها: أنّ أئمّة المسلمين، والدُّعاة إلى ربّ العالمين، مِن ذريّتها، صادرون عن مُقدَّس ولادتها..
 

نتيجة

هذا الذي عرضناه من الروايات والبيانات، هو غيضٌ من فيض، يُفهَم منه التأكيد على اعتقادٍ ضروري، خلاصتُه أن النبيّ صلّى آله هو الأشرف والأقدس في هذا الوجود، فإذا كان قضى الله جلّ وعلا أن يكون له امتدادٌ ونسلٌ وذريّة، فلابدّ أن يكون من أشرف طريق وأقدسه، فكان من سبيل نفسه عليٍّ عليه السلام ومن بضعته وابنته فاطمة عليها السلام، لا سيّما وأنّ المراد من نسله أن يبتدئ بالأئمّة الخلفاء الأوصياء.. فشرع بسَيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين صلوات الله عليهما إلى خاتم الوصيّين الكوكب الدريّ، الإمام المهديّ، سلام عليه وعلى آبائه الطاهرين، ومِن خلالهم كانت السيادة لذراريهم ينتسبون لأشرف أبوين بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله نسباً نورانياً طاهراً، أصبح فيضاً من ذلكم الكوثر النبويّ ـ الفاطميّ ـ العلويّ.