مُؤشّراتٌ ولائيّة
من استطلع السيرة النبويّة الشريفة، أو سيرة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلَواتُ الله عليها، يجد بوضوح أن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يعايش ابنته بروحه وقلبه ونفسه وجوارحه، وقد توجّهت منه إليها بالغُ محبّته ولطفه وعنايته، ثمّ إنّ أقواله الشريفة فيها عليها السلام وخاصّ مواقفه وتصرّفاته صلّى الله عليه وآله معها، دلّت ـ فيما دلّت ـ على: عِظَم منزلتها عند الله ورسوله، وعلى إجلاله صلّى الله عليه وآله لمقامها الأسمى، وكذا دلّت على سموّ مناقبها وفضائلها، وعلوّ شأنها وشرفها، وعمق العلاقة الإلهيّة بينه وبينها، والتي لم تَتحدّد بأُبوّةٍ وبُنوّة وحسب، بل فاقت ذلك كثيراً حتّى عاملها معاملةً تُوحي أنّه صلّى الله عليه وآله كان يتعامل مع وليّةٍ لله عُظمى، هي حوراء إنسيّة، وهي سيّدة نساء أهل الجنّة، وسيّدةُ نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين، فضلاً عن أنّها ابنته، وبعضُه وبَضعتُه، وثمرة فؤاده وبهجة قلبه، وروحه التي بين جَنبَيه.
قَطرات من بحر المصاديق
• سأل جابر بن عبدالله الأنصاري رسولَ الله صلّى الله عليه وآله: ما تقول في عليّ بن أبي طالب ؟ أجابه صلّى الله عليه وآله: « ذاك نفسي »، سأله بعد ذلك: فما تقول في الحسن والحسين ؟ قال: « هُما رُوحاي وفاطمة ابنتي، يَسُوؤني ما ساءها، ويَسرُّني ما سَرّها، أُشهِد اللهَ أنّي حربٌ لِمَن حاربهم، وسِلمٌ لِمَن سالمهم »، ثمّ قال له بعد هذا: « يا جابر، إذا أردتَ أن تَدعوَ الله فيستجيبَ لك فآدْعُه بأسمائهم؛ فإنّها أحبّ الأسماء إلى الله عزّوجلّ » ( مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيوطي:70 / ح 170، الاختصاص للشيخ المفيد:323 ).
• عن زُرارة بن أعيَن، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أراد السفر سلّم على مَن أراد التسليم عليه مِن أهله، ثمّ يكون آخِر مَن يسلّم عليه فاطمة عليها السلام، فيكون وجهُه إلى سفره مِن بيتها، وإذا رجع بدأ بها » ( مكارم الأخلاق للطبرسي الحسن بن الفضل:94 ـ عنه: بحار الأنوار للمجلسي 83:43 / ح 6 ).
• وروى القاضي أبو محمّد الكرخي عن الإمام الصادق عليه السلام: قالت فاطمة عليها السلام: « لمّا نزلت لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسولِ بينَكُم كدُعاءِ بعضِكُم بعضاً [ سورة النور:63 ]، تهيّبتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله أن أقول: يا أبه، فكنت أقول: يا رسولَ الله. فأعرض عنّي مرّةً أو اثنتينِ أو ثلاثاً، ثمّ أقبَلَ عَلَيّ فقال: يا فاطمة، إنّها لم تنزل فيكِ ولا في أهلك ولا في نسلك، أنتِ منّي وأنا منكِ، إنّما نزَلَت في أهل الجفاء والغِلظةِ مِن قريش، أصحاب البذخ والكِبْر. قُولي: يا أبه؛ فإنّها أحيى للقلب، وأرضى للربّ ».
قالت عليها السلام: ثمّ قبّل النبيّ صلّى الله عليه وآله جبهتي، ومَسَحني بِرِيقه فما احتَجتُ إلى طِيبٍ بَعدَه » ( مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي الشافعي: 364 / ح 411، وأخرجه ابن شهرآشوب في: مناقب آل أبي طالب 320:3 ).
• وفي رواية ابن بابويه في تزويج أمير المؤمنين بفاطمة عليهما السلام، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أخذ في فمه الشريف ماءً ودعا فاطمة فأجلَسَها بين يديه، ثمّ مجّ الماء في المخضب، وأخذ كفّاً من ماءٍ فضرب به على رأسها وكفّاً بين يَدَيها..، ثمّ دعا عليّاً عليه السلام فصنع به كما صنع بها، ثمّ التَزَمهما فقال: « اللهمّ إنّهما منّي وأنا منهما، اللهمَّ كما أذهبتَ عنّي الرجسَ وطهّرتَني تطهيراً، فأذهِبْ عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً »، ثمّ قال: قُوما إلى بيتكما، جَمَع الله بينكما، وبارك في سَيركما، وأصلح بالَكما ».
وفي روايةٍ أنّه قال: « بارك الله لكما في سيركما، وجمع شملكما، وألّف على الإيمان بين قلوبكما، شأنَك بأهلك، السلام عليكما ».
قال ابن عبّاس: فأخبَرَتْني أسماء أنّها رَمَقَت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، فلم يَزَل يدعو لهما خاصّةً، لا يَشرَكُهما في دعائه أحداً، حتّى تَوارى في حجرته. ( بحار الأنوار 142:43 / ح 43 ـ عن: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة للإربلّي 352:1 ).
• وروى الخوارزمي الحنفي عن بريدة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: « أمَا واللهِ ما عند الله خيرٌ لكِ مِمّا ترغبين إليه. يا فاطمة، أما تَرضَينِ أنْ زوّجتُكِ خيرَ أُمّتي، أقدمَهم سِلماً، وأكثرَهم عِلماً، وأفضلَهم حِلماً ؟! واللهِ إنّ آبنَيكِ سيّدا شباب أهل الجنّة » ( المناقب للخوارزمي:106 / ح 111، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 227:13، وغيرهما كثير ).
• وعن أبي أيّوب الأنصاري، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مَرِض مرضةً فأتَته فاطمة تعوده، فلمّا رأتْ ما به من الجَهد والضَّعف استَعبَرَت وبكت حتّى سال الدمع على خَدَّيها، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: « يا فاطمة، إن لكرامة الله إيّاكِ زوّجتُكِ مَن أقدمُهم سِلماً، وأكثرُهم عِلماً، فاختارني منهم فبعثني نبيّاً مرسلاً، ثمّ اطّلع اطّلاعةً فاختار منهم بَعلَكِ فأوحى لي أن أُزوِّجه إيّاكِ وأتّخِذَه وصيّاً » ( المناقب للخوارزمي:112 / ح 122، كشف الغمّة 153:1، مناقب الإمام علي لابن المغازلي الشافعي:129،.. وغيرها ).
• ورُويَ من طريق الترمذي ـ أحد أصحاب الصحاح السُّنّيّة ـ عن جميع بن عُمَير قال: دخلتُ مع عمّتي على عائشة فسألتها: أيّ الناس أحبّ إلى رسول الله ؟ قالت: فاطمة، فقيل: مِن الرجال ؟ قالت: زوجُها. ( المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري الشافعي 217:3، المناقب للشيرواني:145.. ).
• قال سهل بن سعد: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله يومَ أُحد، فكُسِرت رُباعِيَتُه وهُشِمتَ البَيضةُ على رأسه، وكانت فاطمة عليها السلام بنتُه تغسل عنه الدمَ وعليُّ بن أبي طالب يسكب عليها بالمِجَنّ، فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدمَ إلاّ كثرةً، أخذت قطعة حصيرٍ فأحرقتها، حتّى إذا صارت رماداً ألزَمَتْه لتُمسِك الدم. ( صحيح مسلم ـ كتاب الجهاد والسِّير، الطبقات الكبرى لابن سعد 48:2، صحيح البخاري 229:3، المعجم الكبير للطبراني 144:6 / ح 5789.. وموارد أخرى ).
• عن الإمام الصادق عن آبائه عليه وعليهم السلام: « كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يقف عند طلوع كلّ فجر على باب عليٍّ وفاطمة عليهما السلام ويقول: الحمدُ للهِ المُحِسنِ المُجْمِل، المُنعِمِ المُفْضِل، الذي بنعمته تَتمّ الصالحات، سمع سامع بحمدِ الله ونعمته وحُسنِ بلائه عندنا، نعوذ بالله مِن النار، نعوذ بالله مِن صباح النار، نعوذ بالله مِن مساء النار. الصلاةَ يا أهلَ البيت، إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكمُ تَطهْيراً ح( أمالي الصدوق:88 / 14 ـ المجلس 29 ـ عنه: بحار الأنوار 246:83 / ح 6، والآية في سورة الأحزاب:33 ).
• وعن أبي سعيد الخُدْري: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يأتي باب عليٍّ عليه السلام أربعين صباحاً حيث بَنى بفاطمة عليها السلام يقول: « السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه أهلَ البيت، إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أَهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تَطهيراً ، أنا حربٌّ لِمَن حارَبتُم، وسِلمٌ لمَن سالَمتُم » ( تفسير فرات الكوفي:122 ـ في ظلّ آية التطهير ـ عنه: بحار الأنوار 213:35 / ح 16، وروى شطراً من الحديث: الخوارزميّ الحنفي في: المناقب:60 / ح 28 ).
• وعن أبي الحمراء قال: خدمتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله تسعة أشهر أو عشرة أشهر، فأمّا التسعة فلستُ أشكّ فيها، ورسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج من طلوع الفجر فيأتي باب فاطمة وعليٍّ والحسن والحسين، فيأخذ بِعُضادَتَي الباب فيقول: « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمكم الله »، قال: فيقولون: « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا رسولَ الله »، فيقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجُسُ أَهْلَ البْيتِ ويُطَهِّرَكم تَطهيراً » ( تفسير الحبري:308 / ح 57، الاستيعاب لابن عبدالبَرّ 1542:4 / ح 2691 ـ بتفاوت فيه، تفسير فرات الكوفي:123 ـ عنه: بحار الأنوار 214:35/ ح 18 ).
• وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا دخلت عليه فاطمة عليها السلام قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها، وأجلسها مجلسه، وكذا كانت هي تفعل إذا دخل عليها. ( صحيح الترمذي 319:2، صحيح أبي داود 223:3، المستدرك على الصحيحين 160:2.. ).
• وروى جابر الأنصاري قال: كنت عند النبيّ صلّى الله عليه وآله في بيت أمّ سلمة، فأنزل الله هذه الآية: إِنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُم الرجْسَ أهْلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تَطهيراً ، فدعا النبيُّ صلّى الله عليه وآله بالحسن والحسين وفاطمة فأجلَسَهم بين يديه، ودعا عليّاً فأجلسه خلف ظهره، وقال: « اللهمَّ هؤلاءِ أهل بيتي، فأَذْهِبْ عنهم الرجسَ وطهِّرْهم تطهيراً ». قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال: « أنتِ على خير ».
قال جابر: فقلت: يا رسول الله، لقد أكرم الله هذه العترة الطاهرة والذريّة المباركة بِذَهاب الرجس عنهم! قال: « يا جابر؛ لأنّهم عترتي مِن لحمي ودمي، فأخي سيّدُ الأوصياء، وابنايَ خيرُ الأسباط، وابنتي سيّدة النسوان، ومنّا المهديّ »، قلت: يا رسول الله، ومَن المهديّ ؟ قال: « تسعةٌ مِن صُلب الحسين أئمّةٌ أبرار، والتاسعُ قائمهم، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظُلماً وجوراً، يقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل » ( كفاية الأثر للخزّاز الرازي:65، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لمحمّد بن أبي القاسم الطبري الإمامي:203، سنن الترمذي 328:5، فرائد السمطين للجويني الشافعي 15:2 / ح 360 ).
• وعن أبي بكر قال: رأيت رسولَ الله خَيَّم خيمة وهو متكئٌ على قوسٍ عربية، وفي الخيمة عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: « معشرَ المسلمين، أنا سِلمٌ لمَن سالَمَ أهلَ الخيمة، حربٌ لمَن حارَبَهم، وليٌّ لمَن والاهم، لا يُحبُّهم إلاّ سعيدُ الجَدّ طيّبُ المولد، ولا يُبغِضُهم إلاّ شقيّ الجدّ رديء المولد! » ( الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري 189:2 ـ ط مكتبة الخانچي بمصر، المناقب للخوارزمي الحنفي:297 / ح 291، أرجح المطالب للأمرتسري:309 ـ ط لاهور الهند، مناقب العشرة للنقشبندي:189 ).
• وعن الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام وقد سُئل عن قول الله عزّوجلّ: قُل لا أسألُكُم عَليهِ أجْراً إلاَّ المَودّةَ في القُربى [ سورة الشورى:23 ]، فقال: « هي فريضةٌ من الله على العباد لمحمّد صلّى الله عليه وآله في أهل بيته، وقد افترقت الأُمّة في تأويل هذه الآية أربعَ فِرَق، فقالت فرقةٌ بِمِثل ما قلنا، أنّها نزلت في أهل بيت محمّدٍ رسول صلّى الله عليه وآله.
ورووا أنّ الله عزّوجلّ لمّا أنزل هذه الآية قال الناس لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا رسولَ الله، مَن هؤلاء الذين نَوَدُّهم ؟ فقال: « عليٌّ وفاطمة ووُلْدُهما » ( دعائم الإسلام لأبي حنيفة النعمان المغربي 68:1 ).
• وروى جابر الأنصاري قال: دخَلَت فاطمةُ عليها السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو في سَكَرات الموت، فانكبَّتْ عليه تبكي، ففتح عينه وأفاق، ثمّ قال:
« يا بُنيّة، أنتِ المظلومةُ بعدي، وأنتِ المُستَضعَفة بعدي، فَمَن آذاكِ فقد آذاني، ومَن غاظَكِ فقد غاظني، ومَن سَرّكِ فقد سرّني، ومَن بَرَّكِ فقد بَرّني، ومَن جفاكِ فقد جفاني، ومَن وصَلَكِ فقد وَصَلني، ومَن قطَعَكِ فقد قطعني، ومَن أنصَفَكِ فقد أنصَفَني، ومَن ظلَمَكِ فقد ظَلَمني؛ لأنّكِ منّي وأنا منكِ، وأنتِ بَضعةٌ منّي وروحيَ التي بين جَنبَيّ ». ثمّ قال: « إلى الله أشكو ظالمِيكِ مِن أُمّتي ! ».
ثمّ دخل الحسن والحسين عليهما السلام فانكبّا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهما يبكيان ويقولان: « أنفُسنا لنفسِك الفداءُ يا رسولَ الله »، فذهب عليٌّ ليُنحّيَهما عنه، فرفع رأسه إليه ثمّ قال: « دَعْهُما يا أخي يَشُمّاني وأشمُّهما، ويتزوّدان منّي وأتزّود منهما؛ فإنّهما مقتولانِ بعدي ظُلماً وعُدواناً، فلعنةُ الله على مَن يَقتلُهما! »، ثمّ قال: « يا عليّ، أنت المظلوم بعدي، وأنا خصمٌ لمَن أنت خصمُه يوم القيامة » ( كشف الغمّة 58:2 ـ عنه: بحار الأنوار 76:28 / ح 35 ).
• وعن عبدالله بن عبّاس قال: لمّا حضَرَت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله الوفاةُ بكى حتّى بلّت دموعُه لحيتَه، فقيل: يا رسول الله، ما يُبكيك ؟! فقال: « أبكي لذريّتي وما تَصنع بهم شِرارُ أُمّتي مِن بعدي، كأنّي بفاطمة بنتي وقد ظُلِمت بعدي وهي تنادي: يا أبَتاهُ يا أبتاه، فلا يُعينها أحدٌ مِن أُمّتي ».
فسمعت ذلك فاطمة عليها السلام فبكت، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا تبكي يا بنيّة، فقالت: « لستُ أبكي لما يُصنَع بي مِن بعدِك، ولكنّي أبكي لفراقِك يا رسول الله »، فقال: « أبْشِري يا بنتَ محمّدٍ بسرعة اللَّحاقِ بي؛ فإنّكِ أوّلُ مَن يَلحَق بي مِن أهل بيتي » ( أمالي الطوسي 191:1 ـ عنه: بحار الأنوار 41:28 / ح 4 ).
• وعن أنس بن مالك قال: لمّا ثَقُل النبيّ صلّى الله عليه وآله جعل يتغشّاه الكَرْب، فقالت فاطمة: « واكَرْبَ أبتاه »، فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله: « يا أبَتاه، أجابَ ربّاً دعاه. يا أبَتاه، جَنّة الفِردَوس مأواه. يا أبَتاه، إلى جِبريل ننعاه. يا أبتاه، مِن ربِّه ما أدناه! ».
قال أنس: فلمّا دُفن قالت فاطمة لي: « يا أنس! أطابت أنفسُكم أن، تحثوا على رسول الله التراب ؟! » ( مسند أحمد بن حنبل 141:3، سير أعلام النبلاء للذهبي 119:2، صحيح البخاري 144:5، المعجم الكبير 417:22، مسند فاطمة للسيوطي:41 / ح 41، وعشرات المصادر ).
• وعن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام قال: « غَسّلتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله في قميصه ( أي بعد وفاته صلّى الله عليه وآله )، فكانت فاطمة عليها السلام تقول: أرِني القميص. فإذا شَمَّتْه غُشِيَ عليها، فلمّا رأيتُ ذلك غَيَّبتُه » ( مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي:77 ـ ط الغري، أهل البيت عليهم السلام لتوفيق أبو علم: 166 ـ ط السعادة بالقاهرة ).
هكذا
تلازمت حياة الروحَين: روح النبيّ الهادي، وروح بضعته وشجنته، ابنته فاطمة صلوات الله عليها، فإذا حلّقت الأولى التحقت بها الثانية إلى العالم العُلْويّ الأقدس. وقبل ذلك كانا على أشدّ ما تكون عليه المودّة والمحبّة والإجلال والإكرام، وكان هو صلّى الله عليه وآله نِعمَ الأب الرؤوف العطوف، وكانت هي صلوات الله عليها نِعمْتِ البنت الحانية والنسمة الطيّبة الطاهرة والنبعة الشريفة، وكانت إلى ذلك لعليّ سلام الله عليه نعمت الزوجة الصالحة المخلصة، ولأولاده نعمت الأمّ الرؤوم، ومنها اتّصلت النبوّة بالإمامة، وتمّت كلمةُ الله الحسنى.