إشراقات
أضاء نورُ فاطمة الزهراء عليها السلام يومَ وُلدِت، فأضاءت بُيوتات مكّة بنورها القُدسي، بل لم يَبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضعٌ إلاّ أشرق فيه ذلك النور. استمرّ نورها، حتّى إذا قامت في محرابها بين يَدَي ربّها، زَهرَ نورُها لملائكة السماء، ودَخَل هذا النورُ يوماً من مُلاءتها إلى بيتِ يَهوديٍّ فأسلم به خَلْقٌ كثيرٌ من اليهود. وغلَبَ هذا النورُ وأضاء، فأضاءت به السماواتُ والأرضون، كذلك أضاءت به قلوبُ المحبّين على مدى السنوات والقرون والأجيال.
في أُفُقِ المجدِ هيَ الزهراءُ للشمسِ مِن زهرتها الضياءُ
بل هيَ نورُ عالَمِ الأنـوارِ ومَطلعُ الشموسِ والأقمـارِ
المصاديق
وهي كثيرة، وفيرة، اخترنا منها عشرةً فقط:
1. عن أبي أيّوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لَمّا خَلَق الله عزّوجلّ الجنّةَ خَلَقها مِن نور عرشه، ثمّ أخذ من ذلك النور فغَرَقه ( وفي نسخة: فقذفه )، فأصابني ثُلُثُ النور، وأصاب فاطمة ثلثُ النور، وأصاب عليّاً وأهلَ بيته ثلثُ النور، فَمَن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمّد، ومَن لم يُصبه من ذلك النور ضَلّ عن ولاية آل محمّد » ( الخصال للشيخ الصدوق 188:1 / ح 258 ـ باب الثلاثة، عنه: بحار الأنوار إلى ولاية آل محمّد، ومَن لم يُصبه من ذلك النور ضَلّ عن ولاية آل محمّد » ( الخصال للشيخ الصدوق 188:1 / ح 258 ـ باب الثلاثة، عنه: بحار الأنوار 308:23 / ح 6. ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 106:3 ).
2. وفي ( رياض الجِنان ) لفضل الله بن محمود، عن أنس بن مالك، مِن حديثٍ طويل قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله: « وفَتقَ نورَ ابنتي فاطمة منه، فخلَقَ السماواتِ والأرض، فنورُ السماوات والأرض مِن نورِ آبنتي فاطمة، ونورُ فاطمة مِن نور الله، وفاطمةُ أفضل من السماوات والأرض... ثمّ إنّ الله خَلَق الظُّلمةَ بالقدرة، فأرسلها في سحائب البصر، فقالت الملائكة: سُبّوحٌ قُدُّوس، ربَّنا مُذ عَرَفنا هذه الأشباحَ ما رأينا سُوءاً، فبِحُرمتهم إلاّ ما كشفتَ ما نزل بنا. فهنالك خلَقَ اللهُ تعالى قناديلَ الرحمة وعلّقَها على سُرادق العرش، فقالت: إلهَنا، لِمَن هذه الفضيلةُ وهذه الأنوار ؟ فقال: هذا نورُ أَمَتي فاطمة الزهراء؛ فلذلك سُمَّيتُ أَمَتي الزهراء؛ لأنّ السماوات والأرضين بنورها ظَهَرت، وهي آبنةُ نبيّي، وزوجةُ وصيّي، وحُجّتي على خَلْقي، أُشهِدكم يا ملائكتي أنّي قد جعلتُ ثوابَ تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة » ( بحار الأنوار 16:25 / ح 30 ـ عن: رياض الجنان ).
3. وجاء عن ابن عبّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم، إذ أقبل الحسن.. ( إلى أن ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وآله في ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام : ) « وهيَ الحوراء الإنسيّة، متى قامت في محرابها بين يَدَي ربّها جلّ جلاله زهَرَ نورُها لملائكة السماء كما يَزهَر نورُ الكواكب للأرض » ( أمالي الصدوق:68 ـ عنه: بحار الأنوار 38:28 / ح 1 ).
4. ورُويَ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لَمّا أُسرِيَ بي إلى السماء، أوحى إليَّ ربّي جَلّ جلاله:... فأنا العليُّ الأعلى وهو عليّ، وجعلتُ فاطمةَ والحسن والحسين مِن نوركما، ثمّ عرضتُ ولايتهم على الملائكة، فَمَن قَبِلها كان عندي مِن المقرّبين. يا محمّد، لو أنّ عبداً عَبَدني حتّى ينقطع ويصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم ما أسكنتُه جنّتي، ولا أظللتُه تحت عرشي. يا محمّد، أتحبّ أن تراهم ؟ قلتُ: نعم يا ربّ، فقال عزّوجلّ: اِرفع رأسَك. فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأنوارِ عليٍّ وفاطمةَ والحسن والحسين، وعليِّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ وجعفرِ بن محمّد، وموسى بن جعفرٍ وعليِّ بن موسى ومحمّد بن عليٍّ وعليِّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة بن الحسن القائمِ في وسطهم كأنّه الكوكب الدريّ.. » ( كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:146 ـ عنه: بحار الأنوار 245:36 / ح 58. وعيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق 58:1 / ح 27 ـ الباب 6 ).
5. وسئل الإمام الصادق عليه السلام: لِمَ سُمِّيت فاطمةُ الزهراء زهراء ؟ فقال: « لأنّ الله عزّوجلّ خَلَقها من نور عظمته، فَلمّا أشرقت أضاءت السماواتُ والأرض بنورها، وغَشِيَت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهَنا وسيّدَنا، ما هذا النور ؟! فأوحى الله إليهم: هذا نورٌ مِن نوري، أسكنتُه في سمائي، خَلَقتُه مِن عَظَمتي، أُخرِجه مِن صُلبِ نبيٍّ مِن أنبيائي، أُفضّله على جميع الأنبياء، وأُخرِج مِن ذلك النور أئمّةً يقومون بأمري، يَهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وَحْيي » ( علل الشرائع للشيخ الصدوق:180 / ح 1 ـ الباب 143، عنه: بحار الأنوار 12:43 / ح 5، والعُدد القويّة لعليّ بن يوسف الحلي:227 ).
6. وعن أبي هاشم الجعفري قال: سألت صاحب العسكر عليه السلام: لِمَ سُمّيت فاطمة الزهراء ؟ فقال: كان وجهها يَزهَر لأمير المؤمنين عليه السلام مِن أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ » ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 330:3 ـ عنه: بحار الأنوار 16:43 / ح 14 ).
7. ورُوي أنّ عليّاً عليه السلام استقرض من يهوديٍّ شعيراً، فاسترهنه شيئاً فدفع إليه مُلاءةَ فاطمة عليها السلام رهناً، وكانت من الصوف، فأدخَلَها اليهوديّ إلى دارٍ ووضعها في بيت ( أي حُجرة )، فلمّا كانت الليلة دخلت زوجةُ اليهودي البيت الذي فيه الملاءة بشُغل، فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء به كلّه، فانصرفت إلى زوجها فأخبرتُه بأنّها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً، فتعجّب اليهودي زوجها، وكان نَسِيَ أنّ في بيته ملاءةَ فاطمة عليها السلام، فنهض مسرعاً ودخل البيت فإذا الملاءةُ ينشر شعاعُها كأنّه يشتعل من بدرٍ منير.. فأسلم هو وأهل بيته وجماعة من قومه. ( الخرائج والجرائح للقطب الراوندي 537:2 / ح 13 ـ عنه: بحار الأنوار 30:43 / ح 36 ).
8. قالت عائشة: كنّا نَخيط ونَغزِل ونَنظِم الإبرةَ بالليل في ضوء وجه فاطمة. ( أخبار الدول وآثار الأُوَل للمؤرّخ أحمد بن يوسف القرماني: 87 ـ ط بغداد ).
9. قال ابن عبّاس: لَمّا سقطت فاطمة إلى الأرض ( أي وُلِدت )، أزهرت الأرضُ وأشرقت الفَلَوات، وأنارت الجبال والرَّبَوات، وهبطت الملائكة إلى الأرض ونَشَرت أجنحتَها في المشرق والمغرب، وضَرَبت عليها سُرادقات وحُجُبَ البهاء، وكَنَفَتها بأظِلّة السماء، وغَشِي أهلَ مكّة ما غَشِيَهم مِن النور... وحَدَث في السماء نورٌ زاهر لم تَرَه الملائكةُ قبل ذلك. ( الثاقب في المناقب لابن حمزة 286 / ح 245، روضة الواعظين للفتّال النيسابوري 145:1 ـ باختلافٍ فيه، أمالي الصدوق:593 / ح 1 ـ المجلس 87 باختلاف فيه، دلائل الإمامة للطبري الإمامي:9 ـ بتفاوت فيه، العُدد القويّة:222 / ح 15 ).
10. عن أنس بن مالك، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « إنّ الله خلَقَني وخلَقَ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبلَ أن يخلق آدم، حين لاسماءٌ مَبنيّة، ولا أرضٌ مَدْحيّة، ولا ظُلمةٌ ولا نور، ولا شمسٌ ولا قمر، ولا جنّةٌ ولا نار ». فقال العبّاس بن عبدالمطّلب عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله: فكيف كان بَدءُ خَلقِكم يا رسول الله ؟ فقال صلّى الله عليه وآله: يا عَمّ، لَمّا أراد أن يخلقنا تكلّم بكلمةٍ وخَلَق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمةٍ أُخرى فخلق منها روحاً، ثمّ مَزج النورَ بالروح فخلقني وخَلَق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين... ( إلى أن قال صلّى الله عليه وآله: ) « ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة، ونورُ ابنتي فاطمة مِن نور الله، وابنتي فاطمةُ أفضلُ مِن السماوات والأرض.. » ( بحار الأنوار 10:15 / ح 11 ـ عن: تأويل الآيات الظاهرة للأسترآبادي النجفي. والدمعة الساكبة للبهبهاني 109:1 ).
سؤال ناطق
إذا كانت فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هذه بعض مناقبها، فَمَن يا تُرى يُدانيها أو يماثلها أو يضاهيها ؟! وهو يُتصوَّر في الوجود ـ خَلْقاً وبَدْءاً واستمراراً إلى قيامة العوالم ـ قد وُجِد أهلُ بيت في البشرية كأهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟! فإلى أين تذهب الوجوه إذا مالت عنهم، وإلى أين يصل الركب إذا يَمّم إلى غيرهم ؟! وماذا يجد في الظلمات مَن فَرّ عن أنوار الله تبارك وتعالى ؟!