مِن الحكمة
كما أنّ الله تبارك وتعالى خَلَق من الرجال أنبياء ومرسَلين، وأوصياءَ وأولياء وأئمّةً معصومين، كذلك خَلَق من النساء فُضلَياتٍ صالحات، ومؤمناتٍ ساميات، أصبحن مَضربَ المَثَل الحَسَن، كمريمَ آبنةِ عِمران ومِن قبلها آسية بنت مزاحم، فقال تعالى في ( سورة التحريم: 11 ـ 12 ): وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا آمرأةَ فِرعَونَ إذْ قالَتْ رَبِّ آبْنِ لي بَيْتاً في الْجَنّةِ ونَجِّني مِن فِرعَونَ وعَمِلهِ ونَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِميْن * ومَرْيمَ آبنةَ عِمرانَ الَّتي أحْصَنَتْ فَرْجَها فنَفَخْنا فيهِ مِن رُوحِنا وصَدَّقَتْ بِكلماتِ ربِّها وكُتُبهِ وكانَتْ مِنَ القانتين .
ومِن قَبلهِما وبعدِهما: امرأةُ مُؤمنِ آل فرعون، وأمُّ موسى النبيّ عليه السلام، وكلثوم أخت موسى، وخديجة بنت خويلد أُمّ المؤمنين، ثمّ سيّدةُ نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين، فاطمة الزهراء بنت سيّد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.. التي فاقت كلَّ نساء العالم مَن كُنّ قبلها ومَن جِئْن بعدها، وامتازت على الجميع، على النساء والرجال بمزايا فريدة، وخصائص وحيدة.. منها:
هذه المزايا: ـ
•• أنّ نسلَها المبارك مُنْتَمٍ نَسَباً وسبباً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو القائل: « لكلِّ بَني أُمٍّ عصبة ينتمون إليهم، إلاّ آبْنَي فاطمة، فأنا وليُّهما وعصبتُهما » ( المستدرك على الصحيحين للحاكم النَّيسابوري الشافعي 164:3 ).
• أنّ أوصياء رسول الله وخلفاءَه الأئمّة الأطهار صلوات الله عليه وعليهم، هم منها، ذكر الشيخ عزّ الدين عبدالسلام الشافعي في رسالته ( مدح الخلفاء الراشدين ) أنّ خديجة لمّا حملت بفاطمة.. قال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله: « أبشِري يا خديجة، هذه بنتٌ جعَلَها اللهُ أُمَّ أحدَ عشَرَ مِن خلفائي، يَخرُجون بعدي وبعد أبيهم » ( تجهيز الجيش لحسن بن أمان الله الدهلوي العظيم آبادي:99 ـ من المخطوط ).
وفي حديث طويل للإمام جعفر الصادق عليه السلام جاء فيه: « فدخل ( أي رسول الله صلّى الله عليه وآله ) يوماً وسمع خديجةَ تُحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن يُحدثُكِ ؟! قالت: الجنينُ الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني، فقال لها: هذا جَبرئيلُ يبشّرني أنّها أُنثى، وأنّها النَّسَمةُ الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً في هذه الأُمة، يَجعلُهم خلفاءَه في أرضه بعدَ انقضاء وحيه » ( أمالي الصدوق:475 / ح 1 ـ المجلس 87 ).
وروى الجويني الشافعي في ( فرائد السمطين 66:2 ) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: « فاطمةُ بهجةُ قلبي، وابناها ثمرةُ فؤادي، وبَعلُها نورُ بصري، والأئمّة مِن وُلْدِها أُمناءُ ربّي، وحبلُه الممدود بينه وبين خَلْقه، مَنِ آعتصم به نجا، ومَن تخلّف عنه هوى ».
كذا روى الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة:436 ـ ط اسلامبول ) عن أبي أيّوب الأنصاريّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال في مرضه لفاطمة: « يا فاطمة، منّا خيرُ الأنبياء وهو أبوكِ، ومنّا خيرُ الأوصياء وهو بَعلُكِ، ومنّا خيرُ الشهداء وهو حمزةُ عمُّ أبيكِ، ومنّا مَن له جناحانِ يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو جعفرُ ابنُ عمّ أبيكِ، ومنّا سِبطا هذه الأُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسنُ والحسين وهما آبناكِ، والذي نفسي بيده، منّا مهديُّ هذه الأُمّة، وهو مِن وُلْدِك ».
ورَحِم اللهُ الشاعرَ حيث يقول:
هاتِ حَدِّثْ مِن آلِ بيتِ الرسولِ سُفْنِ أمنِ العبادِ نَسْـلِ البتـولِ