هل فاطمه(عليها السلام) محدثة
  • عنوان المقال: هل فاطمه(عليها السلام) محدثة
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:26:2 1-9-1403

لا توجد عندنا روايات تنفي نزول الملائكة على فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بل العكس هناك روايات تثبت نزول الملائكة عليها (عليها السلام) وتكلمها معها، ومن هنا ورد في الروايات أن من ألقابها (عليها السلام) محدّثة، أي أن الملائكة كانت تحدّثها بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهذا ليس ببعيد بعدما نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات، وإنما كنّ وليات من أولياء الله منهن :
1- مريم (عليها السلام) قال تعالى : (( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين )) (آل عمران:42).
2- سارة (عليها السلام) قال تعالى : (( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى. .. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله. .. )) (هود:69 ـ 72).
3- أم موسى (عليها السلام) قال تعالى : (( وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه. .. )) (القصص:7).
والإعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا يعد غلّوا، ولا مبالغة في فضلها، فهي (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأفضل من مريم بنت عمران، ومن سارة امراة إبراهيم (عليه السلام)، ومن أم موسى (عليه السلام)، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهن للملائكة وتكليمهن لهم، فأي غلو في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهن ؟!
ثم إن الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين وعلى من ذكرناهم من النساء ! فقد أوحى الله تعالى إلى كل من :
1- النحل، قال تعالى : (( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخدي من الجبال بيوتا. .. )) (النحل:68).
2- الحواريون ـ أصحاب عيسى ـ قال تعالى : (( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا بي وبرسولي. .. )) (المائدة:111).
3- السماوات، قال تعالى : (( فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها. .. )) (فصلت:12).
4- الأرض، قال تعالى : (( بأن ربك أوحى لها )) (الزلزلة:5).
ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى، أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط ! بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى.
نعم، الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء، بل هو شأن آخر من الوحي.
فالوحي لغة: الإعلام الخفي السريع، واصطلاحاً: الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان الهداية والعلم.
وإنما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين، ولذا عبّر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي، قال تعالى : (( إنا أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. .. )) (النساء:163)، وقال تعالى : (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم )) (الشورى:51).
وهذه الآية الآخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين، أما الآيات الاخرى المتقدمة الذكر فلها معاني آخر للوحي، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات الآنفة الذكر، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.
ولا ندري، لماذا تقوم قيامة البعض إذا قلنا بأن الزهراء (عليها السلام) يوحي لها، وقد أوحى الله تعالى إلى السماوات والأرض والحشرات وهي لا تعقل، فما وجه نفي الوحي عن الزهراء (عليها السلام) وهي بشر، بل أفضل البشر قاضبة ؟!!
فإن من أوحى لاحجار وحشرات، لقادر على أن يوحي لأفضل بريّته بعد رسوله (صلى الله عليه وآله).
وإذا رجعت إلى مرويات أهل السنة لرأيت العجب العجاب في نزول الوحي على محبيهم !!! فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عندهم، لنرى كيف يدعى تحدث الملائكة مع الكثير من رجالهم :
1- أخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب، وبعد حديث الغار، عن أبي هريرة، وأخرج مسلم في فضائل عمر أيضا عن عائشة : أن عمر بن الخطاب كان من المحدثين.
وقد حاول شرّاح البخاري أن يأوّلوه بأن المراد أنه من الملهمين، أو من الذين يلقى في روعهم أو يظنون فيصيبون الحق، فكأنه حدث. .. وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ.
ولأجل ذلك قال القرطبي : ((أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبين فيما يظنون، لأنه كثير في العلماء، بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر)) ( انظر صحيح البخاري 4 / 2 ، صحيح مسلم بشرح النووي 15 / 166، سنن الترمذي 5 / 581، ارشاد الساري شرح صحيح البخاري 6 / 99، و5 / 431 ).
ممّن أدعي أن الملائكة تحدثهم، عمران بن الحصين الخزاعي، المتوفى سنة 52 هـ، قالوا : كانت الملائكة تسلم عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاما، ثم أكرمه الله برد ذلك ( الطبقات الكبرى لابن سعد 7 / 11، و4 / 288، معجم الطبراني الكبير 18 / 1 7 ح 2 3 ).
3- ومنهم أبو المعالي الصالح، المتوفى سنة 427 هـ، رووا أنه كلمته الملائكة في صورة طائر ( المنتظم لابن الجوزي 9 / 136، وصفة الصفوة 2 / 28 ).
4- أبو يحيى الناقد، المتوفى سنة 285 هـ، رووا أنه كلمته الحوراء ( المنتظم 6 / 8، تاريخ بغداد 8 / 362 ).
وأمثال هذه المرويات في كتب السنة غير قليل، ولم يستنكر ذلك أحد ولم يتهم أصحابها بالغلو ؟!!
ومن الجدير بالذكر أن الوحي له أساليب وأغراض متعددة، ولا تلازم بين الوحي والنبوة، وإن كان كل نبي لابد أن يوحى إليه، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآن، فبالنسبة للرسول (صلى الله عليه وآله) لم يكن كل ما نزل عليه من الوحي قرآنا، فهناك الأحاديث القدسية وهناك تفسير القرآن وتأويله، والإخبار بالموضوعات الخارجية وأمثال ذلك، وكلها ليست قرآنا.
فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء (عليها السلام) لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني.
وممّا يدل على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة، ما رواه صاحب (بصائر الدرجات 323، ط مكتبة المرعشي) عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ألست حدثتني أن عليا كان محدثا ؟ قال : بلى، قلت : من يحدثه ؟ قال : ملك، قلت : فأقول : إنه نبي أو رسول ؟ قال : لا، بل مثله مثل صاحب سليمان، ومثل صاحب موسى، ومثل ذي القرنين. ( أما بلغك أن عليا سئل عن ذي القرنين، فقالوا : كان نبيا ؟ قال : لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه ) (الغدير 5 / 48، عن بصائر الدرجات)، إلا ان في البصائر المطبوعة سقطت هذه العبارة.
ومن الروايات الدالة على نزول الملائكة على الزهراء (عليها السلام) :
1- عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : (. .. أن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام).
2- عن أبي حمزة أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما.
3- عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله)، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا.
4- عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهم السلام) عن مصحف فاطمة، فقال : أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت : ففيه شيء من القرآن ؟ فقال : ما فيه شيء من القرآن. ..
5- عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى الآية 42 من آل عمران ـ فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين ( البحار 43 / 78 ).
6- عن اسماعيل بن بشّار قال : حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمد بن أبي بكر لمّا قرأ : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ )) (الحج: 52 ) ولا محدّث، قلت : وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء ؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة، وأمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ولم تكن نبيّة، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبيّة، وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت محدّثة ولم تكن نبيّة ( البحار 43 / 79 ).
والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.
والنتيجة : أن الوحي كان ينزل على الزهراء (عليها السلام)، لا وحي نبوي أي يدل على نبوتها، ولا وحي قرآني أي أنه يحمل لها آيات قرآنية، بل وحي يوحى لها كما أوحي إلى مريم وسارة وأم موسى.