نفحات من سيرة ذي الثفنات (عليه السلام)
  • عنوان المقال: نفحات من سيرة ذي الثفنات (عليه السلام)
  • الکاتب: علي صاحب الهاشمي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:23:22 1-9-1403

نفحات من سيرة ذي الثفنات (عليه السلام)

علي صاحب الهاشمي

نسبه (عليه السلام): علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) الإمام الرابع , الناسك التابع ، السيد الزاهد ، الورع العابد ، الراكع الساجد ، الملازم للمساجد ، الخائف من الحاضر الشاهد ، صاحب النوح والندبة ، وقرين الأحزان والكربة ، المدفون بأرض طيبة ، زين العابدين ، وسيد القانتين ، ذو الثفنات ، الوفي , الجواد ، الحفي, المبراء من كل منقصة وشين .

وُلد (عليه السلام) بالمدينة المنورة في الخامس من شعبان عام 38 هـ .  ولمّا سمع جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بخبر ولادته استبشر بذلك وسمّاه علياً , وكان عمره يوم أستشهد أبوه حدوداً ثلاث وعشرين سنة , وأقام مع أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين, ومع عمه أبي محمد الحسن المجتبى(عليه السلام)  عشر سنين(1).

كنيته وألقابه (عليه السلام):

كنيته: أبو محمد , أبو الحسن , وله ألقاب كثيرة كلها تطلق عليه أشهرها :

زين العابدين و سيد العابدين: قال ابنه الباقر (عليه السلام) فيه : (( كان أبي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله كالسنبلة وقد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، وقد اصفر لونه من السهر ، ورمدت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود ، وورمت ساقاه من القيام)) .

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين زين العابدين ؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين(عليه السلام) يخطو بين الصفوف )).

 السجاد و سيد الساجدين : قال ابنه الباقر (عليه السلام) :(( إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد ، ولا دفع الله تعالى عنه سوءاً يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك )).

ذو الثفنات:عن الباقر(عليه السلام) قال :(( كان لأبي في موضع سجوده آثار ناتئة ـ أي مرتفعة ـ وكان (عليه السلام) يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذو الثفنات لذلك ))(2).

ابن الخيرتين: لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :(( إنّ لله من عباده خيرتين, فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم الفرس ))

 ولذلك قيل له : ابن الخيرتين (3).

روي أن أبا الأسود الدؤلي قال في الامام زين العابدين (عليه السلام):

 وإن غلاما بين كسرى وهاشم   *   لأكرم من نيطت عليه التمائم

سيد العارفين: روى الأعمش عن عطية عن جابر(رضي الله عنه) قال : ينادى في يوم القيامة : أين سيد الأنبياء ؟ فيؤتى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم ينادى : أين سيد الأولياء ؟ فيؤتى بعلي بن أبي طالب (عليه السلام). ثم ينادى : أين سيدا شباب أهل الجنة ؟ فيؤتى بالحسن والحسين (عليهما السلام) . ثم ينادى : أين سيد العارفين ؟ فيؤتى بعلي بن الحسين (عليه السلام)(4).

 ومنها الزكي والأمين والعابد والزاهد والبكاء و....

 

مناقبه (عليه السلام):

وأما مناقبه المنيفة فهي كثيرة لا قدرة لكاتب ولا لعد حاسب على ذكر بعضها ، فلنأتي بنزر قليل منها وأحببت نقل كلام لإمام علماء أهل السنة الفحول ، محمد بن طلحة الشامي الشافعي قاله في الباب المعقود لذكره (عليه السلام) في كتابه مطالب السؤول وهذا لفظه :(هذا زين العابدين , قدوة الزاهدين وسيد المتقين وإمام المؤمنين ، سمته تشهد له أنه من سلالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسمته تثبت مقام قربه من الله زلفا ، وثفناته تسجل بكثرة صلواته وتهجده ، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيما درت له أخلاق التقوى فتفوقها وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها ، وألفته أوراد العبادة فأنس بصحبتها ، وحالفته وظائف الطاعة فتحلى بحليتها ، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع طرق الآخرة وظمأ الهواجر دليلا استرشد في مسافة المسافرة ، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له بأنه من ملوك الآخرة )(5).

السجاد مع أخيه الخضر (عليهما السلام):

زاره الخضر ( عليه السلام ) وأوصاه وكلمه وناجاه . روى أبو حمزة الثمالي قال : أتيت باب علي بن الحسين (عليهما السلام) فقعدت حتى خرج ، فسلمت عليه ، فرد عليّ السلام ودعاني ، ثم انتهى إلى حائط له . فقال : (( يا أبا حمزة أترى هذا الحائط ؟ )) قلت : نعم يا بن رسول الله . قال : (( فإني اتكأت عليه يوما وأنا كئيب حزين ، فإذا برجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، ينظر في وجهي , فقال : يا علي بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا ، أعلى الدنيا فهي رزق حاضر للبر والفاجر ؟ فقلت : ما على هذا أحزن . قال : فقال : أم على الآخرة ، فهي وعد صادق يحكم فيها ملك عادل ؟ قلت : ما على هذا أحزن ، فإنه كما تقول . قال : فما حزنك ؟ قلت : أتخوف من فتنة ابن الزبير . فقال : يا علي هل رأيت أحدا سأل الله عز وجل فلم يعطه ؟ قلت : لا . قال : فخاف الله فلم يكفة ؟ قلت : لا . ثم غاب عني ، فقيل لي : يا علي بن الحسين هذا الخضر ( عليه السلام ) قد ناجاك ))(6).

وروي عن إبراهيم بن أدهم وفتح الموصلي قال كل واحد منهما : كنت أسيح في البادية مع القافلة ، فعرضت لي حاجة فتنحيت عن القافلة فإذا أنا بصبي يمشي فقلت : سبحان الله بادية بيداء وصبي يمشي ، فدنوت منه وسلمت عليه فرد عليّ السلام فقلت له : إلى أين ؟ قال : ((أريد بيت ربي ))، فقلت : حبيبي إنك صغير السن ليس عليك فرض ولا سنة ، فقال : (( يا شيخ ما رأيت من هو أصغر مني مات )) فقلت : أين الزاد والراحلة ؟ فقال :(( نعم الزاد التقوى ، زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي )) ، فقلت : ما أرى شيئا من الطعام معك ؟ قال : (( يا شيخ هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلى دعوة فتحمل من بيتك الطعام ؟ )) قلت : لا , قال :(( الذي دعاني إلى بيته هو الذي يطعمني ويسقيني )) فقلت : ارفع رجلك حتى تدرك فقال : (( علي الجهاد وعليه الابلاغ أما سمعت قوله : ( وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسنين )))(7) . قال : فبينا نحن كذلك إذ أقبل شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض فعانق الصبي وسلم عليه ، فأقبلت على الشاب وقلت له : أسألك بالذي أحسن خلقك من هذا الصبي ؟ فقال : (( أما تعرفه هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام))) فتركت الشاب وأقبلت على الصبي وقلت له : أسألك بحق آبائك من هذا الشاب ؟ فقال : (( أما تعرفه هذا أخي الخضر (عليه السلام) يأتينا كل يوم فيسلم علينا ))، فقلت له أسألك بحق آبائك لما أخبرتني بما تجوز المفاوز بلا زاد ؟ فقال : (( بلى أجوز بزاد وزادي فيها أربعة أشياء )) قلت : وما هي ؟ قال :(( أرى الدنيا كلها بحذافيرها مملكة الله ، وأرى الخلق كلهم عبيد الله وإمائه وعياله ، وأرى الأرزاق والأسباب بيد الله ، وأرى قضاء الله نافذا في كل أمر )), فقلت : نعم الزاد زادك يا زين العابدين وأنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدنيا(8).

قصيدة الفرزدق في مدح الإمام (عليه السلام):

روى إنّ هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين (عليه السلام) وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة , بين عينيه سجادة , كأنها ركبة عنز , فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبتاً له وإجلالاً ، فغاظ ذلك هشام , فقال رجل من أهل الشام  لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه. لان لا يرغب فيه أهل الشام .

فقال الفرزدق : وكان حاضرا لكني أعرفه , فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فقال :

 

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته   *   والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم   *   هذا التقى النقي الطاهر العلم

هذا علي رسول الله والده   *   أمست بنور هداه تهتدي الظلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله   *   بجده أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدما وشرفه   *   جرى بذاك له في لوحه القلم

من جده دان فضل الأنبياء له   *   وفضل أمته دانت له الأمم

عم البرية بالإحسان فانقشعت   *   عنها العماية والإملاق والظلم

كلتا يديه غياث عم نفعهما   *   يستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا يخشى بوادره   *   تزينه خصلتان : الخلق والكرم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته   *   رحب الفنا أديب حين يعتزم

من معشر حبهم دين وبغضهم   *   كفر وقربهم منجا ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترد به الإحسان والنعم

من يعرف الله يعرف أولية ذا   *   فالدين من بيت هذا ناله الأمم

 

 فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة , فبلغ ذلك علي بن الحسين (عليهما السلام)  فبعث إليه باثني عشر ألف درهم . وقال : (( اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به )) . فردها, وقال: يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا لرضا الله ورسوله وما كنت لآخذ شيئا , فردها إليه وقال: (( بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك )) ,فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجوا هشاما وهو في الحبس فكان مما هجا به قوله :

أتحبسني بين المدينة والتي   *   إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد   *   وعين له حولاء باد عيوبها

فبعث إليه فأخرجه (9).

عبادته (عليه السلام):

أنه كان إذا توضأ للصلاة يصفر لونه ، فقيل له : ما هذا الذي نراه يغشاك عند الوضوء ؟ فيقول :(( ما تدرون بين يدي من أريد أن أقوم )) .

 وقال طاووس (رحمه الله) : رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه ، فتبعته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين (عليه السلام) . فقلت : يا بن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف , أحدها : أنك ابن رسول الله ، والثاني : شفاعة جدك ، والثالثة : رحمة الله عز وجل . فقال : (( يا طاووس أما أني ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يرفعني ذلك ، فقد سمعت الله تعالى يقول : ( فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ) (10) . وأما شفاعة جدي فلا تغني ، لأن الله تعالى يقول :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضَى ) (11) . وأما رحمة الله فلا يؤمن لأن الله تعالى يقول : ( إِنّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسنين ) (12) ولا أعلم أني محسن ))(13).

 

حب أهل البيت (عليهم السلام):

روى أن علي بن الحسين (عليهما السلام) مرض فدخل عليه قوم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعودونه فقالوا له : كيف أصبحت يا بن رسول الله فدتك أنفسنا ؟ قال : (( في عافية والله محمود ، كيف أصبحتم جميعا ؟ )) . قالوا : أصبحنا والله لك يا بن رسول الله لمحبين وأدين .

فقال لهم : (( من أحبنا لله أسكنه الله في ظل ظليل , يوم لا ظل إلا ظله ، ومن أحبنا يريد مكافأتنا, كافأه الله عنا بالجنة ، ومن أحبنا لغرض دنيا , أتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب )).

من قصار كلماته (عليه السلام):

 قال (عليه السلام): (( إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث ما كان ، وإنما يجلس الرجل إلى من تنفعه الرواية )).

وقال (عليه السلام) : (( فقد الأحبة غربة )) .  و (( ضل من ليس له حكيم يرشده )). 

وقال (عليه السلام) :(( أربع فيهن الذل : البنت ولو مريم ، والدين ولو درهم ، والغربة ولو ليلة ، والسؤال ولو كيف الطريق )) .

وقال (عليه السلام) :(( عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته, كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته )) .

 وقال (عليه السلام) : (( إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه )) .

وقال (عليه السلام) : (( من ضحك ضحكة مجّ من عقله مجّة علم )) .

وقال (عليه السلام) :(( إن الجسد إذا لم يمرض أشر ولا خير في جسد يأشر )) .

وقال (عليه السلام) : (( من قنع بما قسم الله له , فهو من أغنى الناس )) .

وعنه (عليه السلام) يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : (( انتظار الفرج عبادة )) .

وقال (عليه السلام) : (( من رضي بالقليل من الرزق , رضي الله منه القليل من العمل )).

شهادته ( عليه السلام ) :

في الخامس والعشرين من محرم الحرام عام 95 هـ ، وعلى رواية أخرى كانت في الثاني عشر من محرم الحرام عام 95 هـ. على اثر سم ّ أرسله الوليد بن عبد الملك ( لعنة الله عليه) من الشام إلى عامله على المدينة , وأمَرَ أن يدسّه للإمام (عليه السلام).

دفن بمقبرة البقيع في المدينة المنورة بجوار قبرعَمِّه سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، .

 

ــــــــــــ

(1) معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (عليهما السلام) / الشافعي /  ص105.

(2) وفيات الأئمة / من علماء البحرين والقطيف / ص152

(3) أمه شهربانو بنت يزدجرد آخر ملوك فارس.

(4) معارج الوصول / االشافعي / ص111.

(5) وفيات الأئمة /  ص153.

(6) معارج الوصول /  الشافعي / ص109.

(7) سورة العنكبوت / 69.

(8) وفيات الأئمة /  ص 157.

(9) روضة الواعظين / الفتال النيسابوري  ص 199.

(10) سورة المؤمنون / 101.

(11) سورة الأنبياء / 28.

(12) سورة الأعراف / 56.

(13) معارج الوصول/  الشافعي/ ص 104.