لم تمض حفنة من السنين على اقتراف الامويين لمجزرة كربلا الرهيبة ، وإذا بهم قد عمدوا الى قتل زيد الذي هو من أعلام الأسرة النبوية ، ولم يكتفوا بقتله ، وانما نبشوا قبره وصلبوه على الجذع ، ولم يسمحوا بمواراته لاظهار التشفي الآثم باهل البيت (ع) وقد خالفوا بذلك ما أمر به النبي (ص) من المودة لأهل بيته ، كما خالفوا ما أمر به الاسلام من احترام الاموات وتحريم المثلة بهم.
وبقي جثمان زيد مرفوعا على أعواد المشانق ، وهو يضيء للناس طريق الحرية والكرامة ، ويدفعهم الى التمرد على الذل والخنوع ، ويبعث في نفوسهم روح الثورة على الظلم والجور ، وقد وضعت عليه السلطة الحرس ، وعددهم اربعمائة ، وجعلت الرقابة في كل ليلة لمائة رجل ، وبنيت للحرس حول الجذع بناية خوفا من أن يختلس الجثمان العظيم ، ويوارى في التراب1.
ولما هلك الطاغية هشام ، وولي الحكم من بعده الوليد بن يزيد فاجر بني أمية كتب الى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمره بأن ينزل الجثمان المقدس من الخشبة ويحرقه بالنار2 وقام السفاك بتنفيذ ما عهد إليه ، فأحرق الجسد الطاهر الذي ثار ليطهر الارض من الظالمين ويعيد للإنسان كرامته ، وحقه في الحياة.
وبعد ما أحرق الجثمان العظيم عمد الباغي يوسف بن عمر فذره في الفرات وهو يقول « والله يا أهل الكوفة لادعنكم تأكلونه في طعامكم ، وتشربونه في مائكم .. »3
لقد كان جزاء النبي (ص) الذي حرر أمته من حياة التيه في الصحراء ، ان عمد الامويون الى قتل ذريته وعترته ، والتمثيل بهم تمثيلا آثما لا مبرر له سوى انهم كانوا يطالبون بحقوق الأمة ، وامنها ورخائها4.
__________
1. انساب الاشراف ٣ / ٢٥٦.
2. مقاتل الطالبين ( ص ١٤٧ ).
3. تأريخ اليعقوبي ٢ / ٣٩١.
4. المصدر: كتاب حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام دراسة وتحليل للعلامة الشيخ باقر شريف القرشي رحمه الله.