قال الزنديق: ما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟
قال (عليه السلام): الشريف المطيع، والوضيع العاصي.
قال الزنديق: أليس فيهم فاضل ومفضول؟
قال (عليه السلام): إنما يتفاضلون بالتقوى.
قال الزنديق: فتقول إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى؟
قال (عليه السلام): نعم، إني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم والأم حواء، خلقهم إله واحد، وهم عبيده، إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم، فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عز وجل، ولكن علم الله منهم – حين ذرأهم – أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وسائر الناس سواء، ألا من اتقى الله أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار!!
قال الزنديق: فأخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا؟
قال (عليه السلام): لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب، لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العذاب.
قال الزنديق: بماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء والسعة، وبماذا استحق الفقير التقتير والتضييق؟
قال (عليه السلام): اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم.
ووجه آخر: أنه عجل لقوم في حياتهم، ولقوم أخر ليوم حاجتهم إليه.
ووجه آخر: فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم، ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير، وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال وأنواع الصناعات، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال الزنديق: ألست تقول: يقول الله تعالى: {…ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ…} وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال (عليه السلام): ويحك! ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم: فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأما المحق: فإنه إذا دعاه استجاب له، وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه، أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم تنقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر، لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، وأشباه ذلك كثيرة، فافهم هذا.
قال الزنديق: فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عمن مضى منا، إلى ما صاروا وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شيء صنع بهم، لعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب.
قال (عليه السلام): قد رجع إلى الدنيا مما مات خلق كثير، منهم: أصحاب الكهف، أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق.
وأمات الله (أرميا) النبي (عليه السلام) الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ} ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم، وكيف تلبس اللحم، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل، فلما استوى قاعدا قال: (أعلم أن الله على كل شيء قدير).
وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم، وأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا، بعث الله – في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته – نبيا يقال له: (حزقيل) فدعاهم فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيهم أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا.
وإن الله أمات قوما خرجوا مع موسى (عليه السلام) حين توجه إلى الله فقالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، فأماتهم الله ثم أحياهم.
قال الزنديق: ولم حرم الله الخمر؟
قال (عليه السلام): حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه، ولا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها، ولا رحم ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للشيطان سجد، وينقاد حيث ما قاده.
قال الزنديق: فالميتة لم حرمها؟
قال (عليه السلام): فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه، والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غير مرئ لأنها يؤكل لحمها بدمها.
قال الزنديق: فلم حرم الزنا؟
قال (عليه السلام): لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة.