وصايا الإمام الحسن عليه السلام
  • عنوان المقال: وصايا الإمام الحسن عليه السلام
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 17:28:9 1-9-1403

الوصية الأولى : لا تهرق محجمة دم

هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي ، أوصى أنّه : ( يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، و أنّه يعبده حقّ عبادته ، لا شريك له في الملك ، ولا وليّ له من الذل ، وأنّه خلق كلّ شيء ، فقدّره تقديراً ، وأنّه أولى من عبد ، وأحقّ من حمد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه غوى ، ومن تاب إليه اهتدى .

فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك ، أن تصفح عن سيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفاً ووالداً . وأن تدفنّي مع رسول الله ، فإنّي أحقّ به ، و ببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيّه في كتابه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لكم ) ، فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده . فإن أبت عليك المرأة ، فأنشدك بالله وبالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منك ، والرحم الماسّة من رسول الله : أن لا تهريق في محجمةٍ من دم ، حتّى نلقى رسول الله ، فنختصم إليه ، ونخبره بما كان من الناس إلينا من بعده ) .

 

الوصية الثانية : اصرفني إلى أمّي

( يا أخي ! إنّي أوصيك بوصيةٍ فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيّئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول الله ، لأجدّد به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أمّي فاطمة ، ثمّ ردّني ، فادفنّي بالبقيع ، و اعلم ، أنّه سيصبني من الحمراء ما يعلم الناس صنيعها ، وعداوتها لله ولرسوله ، وعداوتها لنا أهل البيت .

يا أخي ! إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سقيت فيها السمّ ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه ، وأنا ميّت من يومي ، فإذا أنا متّ فادفنّي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فما أحد أولى بقربه منّي ، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم .

يا أخي ! إذا أنا متّ ، فغسّلني وحنّطني وكفّنّي ، و احملني إلى جدّي ( صلى الله عليه وآله ) ، حتّى تلحدني إلى جانبه ، فإن منعت من ذلك ، فبحقّ جدّك رسول الله ، وأبيك أمير المؤمنين ، و أمّك فاطمة الزهراء : أن لا تخاصم أحداً ، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع ، حتّى تدفنّي مع أمّي ) .

 

الوصية الثالثة : الحسين إمامك بعدي

لمّا حضرت الإمام الحسن ( عليه السلام ) الوفاة ، قال : ( يا قنبر : أنظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد ) ، فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ،

قال :( امض فادع لي محمّد بن علي ) ، قال : فأتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير ؟ قلت : أجب أبا محمّد ، فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو .

فلمّا قام بين يديه سلّم ، فقال له الحسن ( عليه السلام ) : ( اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات ، و يموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه اضوأ من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّةً وفضّل بعضهم على بعض ، وآتى داود زبوراً ، وقد علمت بما استأثر الله محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) .

يا محمّد بن علي ! إنّي لا أخاف عليك الحسد ، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال : ( كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ ) ، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً .

يا محمّد بن علي ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك ( عليه السلام ) فيك ؟ ) قال : بلى .

قال :( سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبر محمّداً ) .

يا محمد بن علي ! لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.

يا محمد بن علي ! أما علمت : أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي ، إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب الماضي ، وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمّه ، علم الله أنّكم خير خلقه ، فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّد عليّاً ، واختارني علي للإمامة ، واخترت أنا الحسين ) .

فقال له محمّد بن علي : أنت إمامي و سيدي ، و أنت وسيلتي إلى محمّد ، و الله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره بعد الرياح كالكتاب المعجم ، في الرقّ المنمنم ، أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل ، وما جاءت به الرسل ، وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ، ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله .

الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، أقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أنّ أحداً خير منّا ما اصطفى محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا اختار محمّداً ، واختار محمّد عليّاً إماماً ، واختارك علي بعده ، واخترت الحسين بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضا ، وبمن نسلم به من المشكلات .

 

الوصية الرابعة : الحسين خليفة بعدي

( أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً ، واتبع ما أوصى به جدّك وأبوك وأمّك عليهم أفضل الصلوات والسلام .

يا أخاه لا تحزن عليّ ، فإنّ مصابك أعظم من مصيبتي ورزءك أعظم من رزئي ، فإنّك تقتل - يا أبا عبد الله الحسين - بشطّ الفرات بأرض كربلا عطشاناً لهيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك أشقى الأمّة ، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه : الظليمة الظليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها .

و تسبى حريمك و ييتّم أطفالك ، ويسيّرون حريمك على الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش ، و يحمل رأسك يا أخي على رأس القنا ، بعد أن تقتل ويقتل أنصارك ، فيا ليتني كنت عندك أذبّ عنك كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء ، ولكنّ هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منّا ، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب ، فعليك يا أخي بالصبر على البلاء حتّى تلحق بنا ) .

ثمّ التفت إلى الحاضرين ، فقال :(  أيها الحاضرون ، اسمعوا وأنصتوا ما أقول لكم الآن ، هذا الحسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره ، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب ، والوالد الولد ، والحرّ والعبد والذكر والأنثى ، وهو خليفتي عليكم لا أحد يخالفه منكم ، فمن خالفه كفر وأدخله الله النار وبئس القرار ، ونحن ريحانتا رسول الله ، وسيّدا شباب الله الجنّة ، فلعن الله من يتقدّم أو يقدّم علينا أحداً ، فيعذبه الله عذاباً أليما ، وإنّي ناصّ عليه كما نصّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكما نصّ أبي علي ، وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله .

حفظكم الله ، أستودعكم الله ، الله خليفتي عليكم وكفى به خليفة ، وإنّي منصرف عنكم ولا حق بجدّي وأبي وأمّي وأعمامي ) .

 

الوصية الخامسة : لا تترك الجهاد

( يا ولدي يا قاسم ! ، أوصيك : أنّك إذا رأيت عمّك الحسين في كربلاء ، وقد أحاطت به الأعداء ، فلا تترك البراز و الجهاد ، لأعداء الله و أعداء رسوله ، و لا تبخل عليه بروحك ، و كلّما نهاك عن البراز ، عاوده ليأذن لك في البراز ، لتحظى في السعادة الأبدية ) .