بعد فاجعة شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تولَّى الإمام الحسن ( عليه السلام ) دفنه . و بعد أن انتهى المسلمون من مراسم العزاء قام الإمام الحسن ( عليه السلام ) في المسجد خطيباً ، و قال :
( أيُّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، و أنا ابن النبي ، و أنا ابن الوصي ، و أنا ابن البشير النذير ، و أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، و أنا ابن السراج المنير ، و أنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ، و يصعد من عندنا ، و أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طَهَّرهم تطهيراً . و أنا من أهل بيت افترض الله مودَّتهم عى كلِّ مسلم ، فقال تبارك و تعالى لنبيِّه ( صلى الله عليه و آله ) :
( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) ، ( الشورى : 23 ) ،فاقتراف الحسنة مَوَدَّتُنا أهل البيت .
و هكذا انهالت الجماهير إلى بيعة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، عن رضاً و طيب نفس ، لأنهم رأوا فيه المثال الفاضل لمؤهلات الخليفة الحق . و على كلِّ حالٍ يجب أن يكون إمام المسلمين مختاراً من قبل الله تعالى ، منصوصاً عن لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) . فيجب أن يكون قِمَّة في المكرمات و الفضائل ، أكفأ الناس و أورعهم و أعلمهم و الحسن ( عليه السلام ) كذلك . قد توفرت فيه شروط والي أمر المسلمين بأكمل وجه و أحسنه ، و هو صاحب النص المأثور عن الرسول العظيم : ( الحَسَن والحسين إمامان قَامَا أو قعدا ) .
و بايعه الناس بعد أن حضَّهم عليها خيار الصحابة و الأنصار ، فقد قال في ذلك عبيد الله بن العباس : معاشر الناس هذا ابن نبيِّكم ، و وصي إمامكم فبايعوه .
و كان للإمام الحسن ( عليه السلام ) حُبٌّ في القلوب نابعٌ عن صميم قلوب المسلمين . و قد اتَّخذ أصله عن حُبِّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) له ، و حُبِّ الله تعالى لمن أَحَبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) . أضف إلى ذلك ، ما كانت تقتضيه الظروف ، من رجل يقابل معاوية و من التفَّ حوله من الحزب الأموي الماكر ، و له من كفاءة القيادة ، و سداد الرأي ، و المودة في قلوب المسلمين .لذلك أسرع المسلمون إلى بيعته قائلين : ما أَحَبُّه إلينا ، و أوجب حقَّه علينا ، و أحقه بالخلافة .
و جاء في مقدمة الزعماء المجاهدين الأنصاري الثائر ، قيس بن سعد ، فبايعه و هو يقول : أبسط يدك أبايعك على كتاب الله و سُنَّة نبيه ، و قتال المحلين .
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( عَلى كتاب الله وسنّة نبيه ، فإنهما يأتيان على كلِّ شرط ) .
و كلما دخل فوج يبايعونه قال لهم : ( تبايعون لي على السمع والطاعة ، وتحاربون من حاربت ، وتسالمون من سالمت ) .
و تمَّت البيعة في العقد الثالث من شهر رمضان المبارك ، بعد أربعين عاماً من الهجرة النبوية .