الموعظة الأولى : في التسليم الى الله :
قال الإمام الحسن ( عليه السلام ) : ( مَن لا يُؤمِن بالله وقضائه وقدره فقد كَفَر ، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر .
إنَّ الله لا يُطاع استكراهاً ، ولا يعطي لغلَبة ، لأنه المليك لما ملَّكهم ، والقادر على ما أقدرهم .
فإن عملوا بالطاعة لم يَحُلْ بينهم وبين ما فعلوا ، فإذا لم يفعلوا فليس هو الذي يجبرهم على ذلك .
فلو أجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب ، ولو أنه أهملهم لكان عجزاً في القدرة .
ولكنْ له فيهم المشيئة التي غيَّبها عنهم ، فإن عملوا بالطاعات كانت له المِنَّة عليهم ، وإن عملوا بالمعصية كانت له الحُجَّة عليهم ) .
الموعظة الثانية : في ذكر الموت :
قال ( عليه السلام ) لجنادة - أحد أصحابه - : ( يا جنادة ، استعدَّ لِسَفَرك ، وحصِّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك .
ولا تحمل هَمَّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنتَ فِيه ، واعلمْ أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاَّ كنت فيه خازناً لغيرك .
واعلم أنَّ الدنيا في حلالها حساب ، وفي حَرامها عقاب ، وفي الشُّبُهات عِتاب .
فَأَنزِلِ الدنيا بمنزلة الميتة ، خُذْ منها ما يكفيك ، فإن كان حلالاً كنتَ قد زهدْتَ فيه ، وإن كان حراماً لم يكن فيه وِزْر ، فأخذت منه كما أخذت من الميتة ، وإن كان العقاب فالعقاب يسير .
واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً .
وإذا أردت عِزّاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذُلِّ معصية الله إلى عِزِّ طاعة الله عزَّ وجلَّ .
وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة ، فاصحب مَن إذا صحبتَهُ زَانَك ، وإذا أخذتَ منه صانَك ، وإذا أردت منه مَعونة أعَانَك ، وإن قلتَ صَدَّقك ، وإن صلتَ شَدَّ صَولتَك ، وإن مَدَدت يدك بفضلٍ مَدَّها ، وإن بَدَتْ منك ثلمَةٍ سَدَّها ، وإن رأى منك حَسَنة عَدَّها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سَكَتَّ عنه ابْتَداك ، وإن نزلتْ بك إحدى المُلمَّات وَاسَاك .
مَن لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطَّرائِق ، ولا يخذلُك عند الحقائق ، وإنْ تَنازَعْتُما منقسماً آثَرَكَ ) .
الموعظة الثالثة : في مُهلِكات المرء :
قال ( عليه السلام ) : ( هَلاكُ المَرءِ في ثلاث : الكِبَر ، والحِرْص ، والحَسَد ، فالكِبَر هلاك الدين ، وبه لُعِن إبليس ، والحِرْص عَدوُّ النفس ، وبه أُخرِجَ آدم من الجنة ، والحَسَد رائد السوء ، ومِنهُ قَتَلَ قَابيل هَابيلَ ) .
الموعظة الرابعة : في الأخلاق :
قال ( عليه السلام ) : ( لا أدَبَ لِمن لا عقل له ، ولا مُرُوءة لِمَنْ لا هِمَّة له ، ولا حَياءَ لِمَن لا دين له ، ورأسُ العقل مُعَاشَرَة الناس بالجميل ، وبالعقل تُدرَكُ الداران جميعاً ، وَمَنْ حُرِم العقلُ حُرِمَهُمَا جَميعاً ) .
الموعظة الخامسة : في جوامع الموعظة :
قال ( عليه السلام ) : ( يا ابن آدم ، عفَّ عن محارم الله تَكُنْ عابداً ، وارضَ بما قسم الله تكن غَنيّاً ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بمثل ما تحبَّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً .
إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً ، ويبنون مشيداً ، ويأملون بعيداً ، أصبح جمعهم بوراً ، وعَملهُم غُروراً ، ومَسَاكنهم قُبوراً .
يا ابن آدم ، لم تَزَلْ في هَدم عمرك منذ سقطتَ من بَطنِ أمِّك ، فَخُذ مما في يديك لما بين يديك ، فإنَّ المؤمنَ يتزوَّد ، والكافرَ يتمتَّع ) .
الموعظة السادسة : في الاستجابة إلى الله :
قال ( عليه السلام ) : ( أيَّها الناس ، إنَّه من نصحَ لله وأخذ قوله دليلاً ، هُدِيَ للتي هي أقْوَم ، وَوَفَّقه الله للرشاد ، وسَدَّده للحسنى .
فإنَّ جار الله آمِنٌ محفوظ ، وعَدوُّه خائف مخذول ، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر ، واخشوا الله بالتقوى ، وتقرَّبوا إلى الله بالطاعة ، فإنه قريب مجيب .
قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة : 186 .
فاستجيبُوا لله وآمِنوا به ، فإنَّه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فإنَّ رِفْعَةَ الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا ، وَ [ عِزَّ ] الذين يعرفون الله أن يتذلَّلوا [ لَهُ ] ، وسلامةَ الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا لَهُ ، ولا ينكروا أنفسَهم بَعدَ المَعرِفَة ، ولا يَضلُّوا بعد الهدى ) .
الموعظة السابعة : في التقوى :
قال ( عليه السلام ) : ( إعلَموا أنَّ الله لم يخلقكم عَبَثاً ، وليس بتاركِكُم سُدىً ، كَتَب آجالُكم ، وقسَّم بينكم معائشكم ، لِيَعرف كل ذي لُبٍّ منزلته .
وأنَّ ما قُدِّر له أصابَه ، وما صُرِف عنه فلن يُصيبُه ، قَد كفاكم مَؤُونة الدنيا ، وفرَّغكم لعبادته ، وحثَّكم على الشكر ، وافترض عليكم الذِّكر ، وأوصاكم بالتقوى ، منتهى رضاه ، والتقوى باب كلِّ توبة ، ورأس كلِّ حكمة .
وشَرَفُ كلِّ عملٍ بالتقوى ، فاز من فاز من المتِّقين .
قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ) النبأ : 31 .
وقال : ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) الزمر : 61 .
فاتَّقوا الله عباد الله ، واعلموا أنه من يَتَّقِ اللهَ يجعل له مخرجاً من الفتن ، ويسدِّدُه في أمره ، ويهيِّئ له رشده ، ويفلحه بحجته ، ويبيض وجهه ، ويعطه رغبته ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين ، والشهداء والصالحين ، وحَسُنَ أولئك رَفيقاً ) .
الموعظة الثامنة : في أهل النار :
قال ( عليه السلام ) : ( إنَّ الله تعالى لم يجعل الأغلال في أعناق اهل النار لأنهم أعجزوه ، ولكن إذا أطفىء بهم اللَّهَب أرسبهم في قعرها ) .
ثم غشي عليه ( عليه السلام ) ، فلما أفاقَ من غشوته قال : ( يا ابن آدم ، نَفْسَك نَفْسَك ، فإنَّما هي نفس واحدة ، إن نَجَتْ نَجوتَ ، وإن هَلَكَتْ لم ينفعك نَجَاةُ مَن نَجا ) .
الموعظة التاسعة : في المبادرة إلى العمل :
قال ( عليه السلام ) : ( إتقوا الله عباد الله ، وجِدُّوا في الطلب وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات ، وهادم اللَّذات ، فإنَّ الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا يؤمن فجيعها ، ولا تتوقَّى مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل ، فاتَّعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بأثر ، وازدجروا بالنعيم ، وانتفعوا بالمواعظ .
فكفى بالله معصتماً ونصيراً ، وكفى بالكتاب حَجِيجاً وخَصيماً ، وكفى بالجنَّةِ ثواباً ، وكفى بالنار عقاباً ووبالاً ) .
الموعظة العاشرة : في ذمِّ حُبِّ الدنيا :
قال ( عليه السلام ) : ( مَنْ أحبِّ الدنيا ذهبِ خوف الآخرة من قلبه ، ومن ازداد حِرصاً على الدنيا ، لم يزدَدْ منها إلا بعداً ، وازداد هو من الله بغضاً .
والحريص الجاهد ، والزاهد القانع ، كلاهما مستوفٍ أكله ، غير منقوصٍ من رِزقِه شيئاً ، فعلام التهافت في النار ؟! ، والخير كُلّه في صَبر ساعةٍ واحدةٍ ، تُورِثٍ راحةً طويلةً ، وسعادةً كثيرةً .
والناس طالبان ، طَالبٌ يطلب الدنيا حتى إذا أدركها هَلَك ، وطَالِبٌ يطلب الآخرة حتى إذا أدركها فهو ناجٍ فائز .
واعلم أيها الرجل ، أنه لا يضرُّك ما فاتك من الدنيا ، وأصابك من شدائدها إذا ظفرت بالآخرة ، وما ينفعك ما أصبت من الدنيا ، إذا حُرِمت الآخرة .
الناس في دار سهوٍ وغفلة ، يعملون ولا يعلمون ، فإذا صاروا إلى دار يقينٍ ، يعلمون ولا يعملون ) .