ولد في الخامس عشر من شهر رمضان سنة ثلاث بعد الهجرة، وهو قول أكثر العلماء، ومنهم الشيخ المفيد والشيخ الطوسي. (جلاء العيون: ج1، 297)
وفي اصول الكافي: أنه ولد في السنة الثانية للهجرة.(الكافي للكليني: ج1، ص297)
وروى الشيخ الصدوق في علل الشرايع والأمالي بأسانيده عن زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهما السلام قال: ((لما ولدت فاطمة عليها السلام الحسن قالت لعلي عليه السلام سمّه)).
فقال: ((ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)).
فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال: ((ألم أنعكم أن تلفّوه في خرقة صفراء)).
ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها ثم قال لعلي عليه السلام: ((هل سمّيته؟)).
فقال: ((ما كنت لأسبقك باسمه))، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((وما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجل))، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل: ((إنه قد ولد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ابن فاهبط فاقرأه السلام وهنه، وقل له: أن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم بن هارون)).
فهبط جبرائيل فهنأه من الله عز وجل ثم قال: ((إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون)).
قال: ((وما كان اسمه؟)). قال: ((شبّر)).
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لساني عربي))، قال: ((سمه الحسن)).(الأمالي للصدوق: ص197؛ البحار للمجلسي: ج43، ص238)
نشأته
نشأ الإمام الحسن عليه السلام في أجواء خاصة تملؤها المحبة والحنان والرعاية الفائقة من لدن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ناهيك عن الاهتمام الكبير الذي بذله أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء عليهما السلام في تنشئته ورعايته.
وهذا كله من سابق لطف الله وحكمته في اصطفاء أوليائه وحججه على خلقه.
إلا أن الناظر إلى هذه الأجواء الخاصة يرى بوضوح العلاقة التي ربطت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام الحسن عليه السلام ابتداءً من ولادته فقد تلقاه صلى الله عليه وآله وسلم بيده المباركتين وسماه وأذّن باذنه اليمنى وأقام باذنه اليسرى.(مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص391)
وحلق رأسه وتصدق بوزنه.(ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد: ص30)
وعق عنه بكبشين أملحين.(سنن أبي داود: ح2841؛ والدولابي في الذريعة: برقم 98)
فما أن ترعرع الإمام الحسن وأخذت قدماه تدبان على الأرض حتى وجد من صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحب الذي لم يلقاه مولود من قبل فكان يلاعبه ويعلن عن حبه ومنزلته للأمة.
فعن ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم كان حاملاً الحسن بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: ((ونعم الراكب هو)).(سنن الترمذي: ج5، ص661، برقم 3784)
وأخرج ابن سعد في طبقاته قائلاً: جاء الحسن يشتد فوقع في حجره صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم يكفح (يفتح) فمه فيدخل فاه في فيه، ثم يقول: ((اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه)). (مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص533، عن حماد الخياط)
شخصيته وصفته
خير ما يمكن أن يتعرف عليه القارئ الكريم عن شخصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ويرى صفته هو أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه.
فمن حيث الشخصية فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم له: ((أشبهت خَلقي وخُلقي)).(المناقب لابن شهر آشوب: ج3، ص185)
ومن كان خلقه خلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بالقلوب لا تحن إليه والنفوس لا تأنس بجواره حتى من خالفه وانصرف عنه إلى غيره.
فقد عرف معاصروه ذلك فوصفوه بما استطاعوا ولكن لم يعرفوا حقه.
قال عنه واصل بن عطاء (مؤسس مذهب الاعتزال وهو مذهب كلامي في أصول الدين، نشأ هذا المذهب مطلع القرن الثاني الهجري؛ الملل والنحل: ج1، ص57 ــ 112): كان الحسن بن علي ــ عليهما السلام ــ عليه سيماء الملوك وهيبة الأنبياء.
وقال محمد بن إسحاق: ما تكلم عندي أحد كان أحب إليّ، إن تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي عليهما السلام.
وقال الحافظ الذهبي: كان ــ عليه السلام ــ حليما، ورعا، فاضلا، وكان عليه السلام سيدا، كريما، ذا سكينة ووقار وحشمة، جوادا ممدوحا.(تاريخ الإسلام: ج2، ص217)
وقيل له عليه السلام: ((فيك عظمة))، قال: ((في عزّة (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)(سورة المنافقون، الآية: 8).(المناقب لابن شهر آشوب: ج3، ص176)
هيبته عليه السلام
قالت فاطمة عليها السلام: ((يا رسول الله هذان ابناك فأنحلهما))، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي)).(الخصال للصدوق: ص77؛ دلائل الإمامة للطبري: ص69)
وهذه الهيبة كانت تدخل على نفس القريب والبعيد ممن عرفوا الإمام الحسن عليه السلام.
قال عبد الله بن عروة بن الزبير: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي ــ عليهما السلام ــ في غداة من الشتاء باردة، قال، فو الله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً فغاضني ذلك فقمت إليه فقلت يا عم، قال ما تشاء؟
قال، فقلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فأقمت حتى تفسخ جبينك عرقاً!؟.
قال: يا بن أخي أنه ابن فاطمة ــ عليها السلام ــ لا والله ما قامت النساء عن مثله.(تاريخ مدينة دمشق: ج13، ص240؛ تهذيب الكمال: ج6، ص223)
حلمه عليه السلام
ذكر ابن خلكان عن ابن عائشة: أن رجلا من أهل الشام قال: دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة، لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا ثوبا، ولا دابة منه فمال قلبي إليه، فسألت عنه، فقيل هذا الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، فامتلأ قلبي له بغضا وحسدت عليا أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت: فعل بك وبأبيك أسبهما!!، فلما انقضى كلامي قال لي: ((أحسبك غريبا؟)).
قلت: أجل، قال: ((مر بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك، أو إلى حاجة عاوناك)).
قال: فانصرفت عنه ما على الأرض منه أحب إليّ منه وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي.(وفيات الأعيان لابن خلكان: ج2، ص68)
وصيته عليه السلام لجنادة بن أبي أمية رحمه الله
أخرج المحدث الخزاز القمي رحمه الله، عن جنادة إنه قال:
دخلت على الحسن بن علي عليهما السلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي سقاه معاوية لعنه الله، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟
فقال: ((يا عبد الله بماذا أعالج نفسي؟)).
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفت إليّ وقال: ((ما منا إلا مسموم أو مقتول)).
ثم رفعت الطشت واتكئ صلوات الله عليه، فقلت: عظني يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: ((نعم، استعد لسفرك وحصّل زادك، قبل حلول أجلك.
واعلم أنك تطلب الدنيا، والموت يطلبك.
ولا تحمل همّ يومك، الذي لم يأت، على يومك الذي أنت فيه.
واعلم أنّك لا تكسب ــ من مال ــ شيئاً، فوق قوتك، إلا كنت فيه خازنا لغيرك.
واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب.
فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالا، كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراما، لم يكن فيه وزر، فأخذت منه، كما أخذت من الميتة.
وإن كان العتاب، فالعتاب يسير، وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
وإذا أردت عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله، على عز طاعة الله عزّ وجل.
وإن نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت، صدق قولك، وإن صُلت، شد صولتك، وإن مددت يدك بفضل، مدها، وإن بدت منك ثلمة، سدها، وإن رأى منك حسنة، عدها، وإن سألته، أعطاك، وإن سكت عنه، ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمات، واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسما، آثرك.(كفاية الأثر للخزاز: ص227)