في ذكر الدلالة على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)
  • عنوان المقال: في ذكر الدلالة على إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)
  • الکاتب: الشيخ الطبرسي
  • مصدر: إعلام الورى بأعلام الهدى ج1
  • تاريخ النشر: 14:27:11 1-9-1403

في ذكر الدلالة على إمامة الإمام الحسن (ع) وأنه المنصوص عليه بالإمامة من جهة أبيه (ع)

لنا في ذلك طرق

 

أحدها :

أن نقول : قد ثبت وجوب الإمامة في كل زمان من جهة العقل ، وأن الإمام لا بد أن يكون معصوما ، منصوصا عليه ، وعلمنا أن الحق لا يخرج عن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

فإذا ثبت ذلك سبرنا أقوال الأمة بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام : فقائل يقول : لا إمام . وقوله باطل بما ثبت من وجوب الإمامة .

وقائل يقول : بإمامة من ليس بمعصوم . وقوله باطل بما ثبت من وجوب العصمة .

وقائل يقول : بإمامة الحسن عليه السلام ويقول : بعصمته ، فيجب القضاء بصحة قوله ، وإلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة .

 

وثانيها :

أن نستدل بتواتر الشيعة ونقلها خلفا عن سلف : أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام نص على ابنه الحسن عليه السلام بحضرة شيعته واستخلفه عليهم بصريح القول ، ولا فرق بين من ادعى عليهم الكذب فيما تواترت به ، وبين من ادعى على الأمة الكذب فيما تواترت به من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو ادعى على الشيعة لكذب فيما تواتروا به من النص على أمير المؤمنين عليه السلام .

وكل سؤال ، يسأل على هذا فمذكور في كتب الكلام .

 

وثالثها :

أنه قد اشتهر في الناس وصية أمير المؤمنين عليه السلام إليه خاصة من بين ولده وأهل بيته ، والوصية من الإمام توجب الاستخلاف للموصى إليه على ما جرت به عادة الأنبياء والأئمة في أوصيائهم ، لا سيما والوصية علم عند آل محمد صلوات الله عليهم كافة إذا انفرد بها واحد بعينه على استخلافه ، وإشارة إلى إمامته ، وتنبيه على فرض طاعته ، وإجماع آل محمد صلوات الله عليهم حجة .

 

ورابعها :

أن نستدل بالأخبار الواردة فيما ذكرناه ، فمن ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب الكليني – وهو من أجل رواة الشيعة وثقاتها – عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : ( يا بني ، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ) .

ثم أقبل على ابنه الحسين عليه السلام فقال : ( وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفعها إلى ابنك هذا ) ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال : ( وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفعها إلى ابنك محمد ابن علي ، واقرأه من رسول الله ومني السلام ) ( 1 ) .

وعنه ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام مثل ذلك سواء ( 2 ) .

وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عنيه السلام قال : ( إن أمير المؤمنين عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه الحسن : ادن مني حتى أسر إليك ما أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ) ففعل ( 3 ) .

وبإسناده رفعه إلى شهر بن حوشب : أن عليا عليه السلام لما سار إلى الكوفة استودع أم سلمة رضي الله عنها كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن عليه السلام دفعتها إليه ( 4 ) .

 

وخامسها :

إنا وجدنا الحسن بن علي عليهما السلام قد دعا إلى الأمر بعد أبيه وبايعه الناس على أنه الخليفة والإمام ، فقد روى جماعة من أهل التاريخ : أنه عليه السلام خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ( لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتى يفتح الله تعالى على يديه ، ولقد توفي عليه السلام في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قبض يوشع بن نون ، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ) .

ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ، ثم قال ( أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) ( 5 ) فالحسنة مودتنا أهل البيت ) .

ثم جلس فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه . فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة ( 6 ) .

فلا بد أن يكون محقا في دعوته ، مستحقا للإمامة مع شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له ولأخيه بالإمامة والسيادة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ) ( 7 ) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) ( 8 ) وشهادة القرآن بعصمتهما في قوله تعالى : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير ) ( 9 ) على ما تقدم القول فيه .

 

وسادسها :

أن نستدل على إمامته بما أظهر الله عز وجل على يديه من العلم المعجز ، ومن جملته حديث حبابة الوالبية أورده الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال : حدثنا علي بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد ، عن أ بي علي محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام ، عن أحمد بن القاسم العجب ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد ، عن محمد بن خداهي ، عن عبد الله بن أيوب ، عن عبد الله ابن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبابة الوالبية قالت :

رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ، ثم ساقت الحديث إلى أن قالت : فلم أزل أقفو اثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله ؟

قالت : فقال : ( إئتيني بتلك الحصاة ) وأشار بيده إلى حصاة ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي : ( يا حبابة ، إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة ، والإمام لا يعزب عنه شئ يريده ) .

قالت : ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه فقال لي : ( يا حبابة الوالبية ) .

فقلت : نعم يا مولاي .

قال : ( هاتي ما معك ) .

قالت : فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها ، كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام .

قالت : ثم أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد الرسول فقرب ورحب ، ثم قال لي : ( أتريدين دلالة الإمامة ؟ ) .

فقلت : نعم يا سيدي .

قال : ( هاتي ما معك ) فناولته الحصاة فطبع لي فيها .

قالت : ثم أتيت علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت ، وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعا وساجدا مشغولا بالعبادة ، فيئست من الدلالة ، فأومى إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت : فقلت : يا سيدي كم مض من الدنيا وكم بقي ؟

فقال : ( أما ما مضى فنعم ، وأما ما بقي فلا ) .

قالت : ثم قال لي : ( هات ما معك ) فأعطيته الحصاة فطبع فيها ، ثم أتيت أبا جعفر عليهما السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد الله عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها . وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر علن ما ذكره عبد الله بن هشام ( 10 ) .

قال : وحدثنا محمد بن محمد بن عصام ، عن محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : حدثني أبي ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمد عليهم السلام قال : ( إن حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين عليهما السلام فرد الله عليها شبابها ، وأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها ، ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة ( 11 ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الكافي 1 : 236 / 1 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 / 1 .
( 2 ) الكافي 1 : 237 / 5 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 / 2 .
( 3 ) الكافي 1 : 236 / 2 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 / 3 .
( 4 ) الكافي 1 : 236 / 3 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43 : 322 / 4 .
( 5 ) الشورى 42 : 23 .
( 6 ) ارشاد المفيد 2 : 7 ، كشف الغمة 1 : 532 ، مقاتل الطالبيين : 51 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 30 .
( 7 ) ارشاد المفيد 2 : 30 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 394 ، كشف الغمة 1 : 533 .
( 8 ) أمالي الطوسي 1 : 319 ، مصنف ابن أبي شيبة 12 : 96 / 12226 ، سنن ابن ماجة 1 : 44 / 118 ، مسند أحمد 3 : 3 و 62 و 82 و 5 : 391 و 392 ، صحيح الترمذي 5 : 656 / 3768 ، خصائص النسائي : 150 / 140 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 24 / 2598 و 2618 و 19 : 292 / 650 ، مستدرك الحاكم 3 : 166 ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، حلية الأولياء 4 : 139 و 5 : 71 ، أخبار أصفهان 2 : 343 ،
تاريخ بغداد 1 : 140 و 6 : 372 و 11 : 90 ، شرح السنة للبغوي 4 : 193 / 4827 ، المطالب العالية لابن 4 : 71 / 3993 ، مجمع الزوائد 9 : 182 وانظر : طرق وأسانيد الحديث في تاريخ ابن عساكر – ترجمة الإمام الحسن ( ع ) – صفحة 72 – 83 .
( 9 ) الأحزاب 33 : 33 .
( 10 ) كمال الدين 2 : 536 / 1 ، كشف الغمة 1 : 4 53 .
( 11 ) كمال الدين 2 : 537 .