فتح مكّة المكرمة
شريف يحيى الكناني
استمرَّت نتائج صُلحِ الحُدَيْبِية الذي عُقِد بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقريش في سنة ( 6 هـ ) تتفاعل لصالح النبيّ ، فانضمَّت قبيلة خزاعة إلى معسكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وانضمَّت قبيلة كنانة إلى معسكر قريش ، فأصبح هناك حِلفان خلال فترة الصُلْح والسلام .
وشاء الله سبحانه أن تتهيّأ أسباب النصر الكبير والفتح المبين ، فينشُب الصراع بين قبيلَتَي كنانة وخزاعة على أثر هجوم الأولى على الثانية ، فانضمَّت قريش إلى كنانة ، فشعر أبو سفيان بخطورة الموقف بعد نصره لكنانة ، فاضطرَّ إلى الذهاب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ليكلِّمه ، فلم يرد النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه شيئاً .
ثمّ حاول أن يستنجد ببعض الصحابة وبأهل بيت النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فلم يشفعوا له ، وعاد إلى مكّة يجر أذيال الهزيمة ، وأخذ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه يتجهَّزون لقتال كُفَّار مكّة ، حتّى بلغ تعدادهم عشرة آلاف مقاتل ، وكان ( صلَّى الله عليه وآله ) يخطِّط لِئَلاَّ يقَع القِتال بينه وبين قريش في داخل مكّة ، لأنَّها حرم الله الآمن .
وفي الثاني من شهر رمضان سنة ( 8 هـ ) توجَّه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وجيشه نحو مكّة ، وقاموا بتطويقها ، وإشعال النيران في الصحراء على مقربة منها ، ممّا أثار الرعب في نفوس الطغاة ، وعلى رأسهم أبو سفيان .
وأخيراً استسلم أبو سفيان للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونطق بالشهادتين خوفاً ورعباً ، وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) العباس بن عبد المطلب أن يقف بأبي سفيان حيث تمرُّ جنود الله ، ليرى بِعَينه عظمة الإسلام ، فيقول أبو سفيان للعباس : لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً ، فيردُّ عليه العباس : وَيْحك ، إنّها النبوَّة .
وقبل أن يدخل مكّة اصدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بياناً جاء فيه : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ، ومن أغلق بابه وكفّ يده فهو آمن ) ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) حريصاً على أن لا تراق قطرة دم واحدة في ذلك اليوم .
ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكّة المكرمة في العشرين من شهر رمضان ، فاتحاً منتصراً من غير قتال ، ولا سفك دماء ، ووقف على باب الكعبة وقال : ( لا اله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتينّ إلاّ سدانة الكعبة، وسقاية الحاج ) .
اذهبوا فانتم الطلقاء :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( يا معشر قريش ماذا تقولون ؟ وماذا تظنّون أنّي
فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أقول
لكم كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين ، اذهبوا فانتم الطلقاء ) .
ثمّ بادر إلى تكسير الأصنام يساعده في ذلك الإمام علي ( عليه السلام ) ،
وعندما لم يبق سوى صنم خزاعة فوق الكعبة أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله )
علياً بكسره ، وقد حمله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى تمكّن من الصعود فوق
الكعبة ، فرمى بالصنم إلى الأرض فكسره .
وبعد صلاة الظهر من ذلك اليوم جرت بيعة قريش لرسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) على الإسلام والطاعة رجالاً ونساءً ، وبذلك سقط أقوى حصون المشركين
وأكثرها غطرسة وتحجراً في وجه الأرض ، وتحقّق بذلك أعظم نصر للمسلمين،
ولرسالة الإسلام الكريمة ، حيث انضمت مكّة إلى دار الإسلام .