ما هي العلاقة ...؟ الصحابة وقتلة عثمان!!
د. غصون سعد الساعدي
أنّ طلحة و الزبير كانا من أشدّ الناقمين على سياسة عثمان، و مع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي ( عليه السّلام ) بعد قتل عثمان، فإنّ الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام ( عليه السّلام ) في الحياة الإسلامية لم تجد هوى في نفسيهما، فبدءا في العمل للخروج على الإمام ( عليه السّلام )، و إثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة عمياء كبدت الأمة خسارة فادحة، حيث أقنعا عائشة بنت أبي بكر بالخروج معهما إلى البصرة، لقيادة عملية المعارضة على عليّ ( عليه السّلام ) . و ما دام القوم قد رفعوا قميص عثمان للمطالبة بدمه ، فلننظر موقف القيادات التي تزعمت حركة المطالبة بدمه، كيف كان موقفها من عثمان نفسه عند ما كان حياً. فقد رووا أنّ الزبير كان يقول: اقتلوا عثمان فقد بدل دينكم ، فقالوا له: إنّ ابنك يحامي عنه بالباب و كان ذلك أثناء الحصار الذي فرضه الثائرون على بيت عثمان، فقال الزبير:(ما أكره أن يقتل عثمان، و لو بدئ با بني، إنّ عثمان جيفة على الصراط غداً) . و أما طلحة ، فقد ذكر المؤرخ الواقدي أنّه لما قتل عثمان و تذاكروا أمر دفنه، و المكان الذي يدفن فيه قال طلحة: (يدفن ب ( دير سلع ) يعني مقابر اليهود) . و قال ابن أبي الحديد: (كان طلحة أشدّ الناس تحريضاً على عثمان ، و كان الزبير دونه في ذلك ،و روي أنّ عثمان قال: ويلي على ابن الحضرمية يعني طلحة أعطيته كذا و كذا بهاراً ذهباًَ، و هو يروم دمي، يحرض على نفسي، اللهم لا تمتعه به، و لقه عواقب بغيه) . على إنّ الإمام علياً ( عليه السّلام ) قد طلب إلى طلحة و كان عثمان محاصراً في بيته أن يذهب لردّ الناس عنه ، فقال طلحة: (لا والله، حتى تعطيني بنو أمية الحقّ من نفسها) أي أن ينصاع بنو أمية و هم أقرباء الخليفة، لمطاليب المسلمين الذين طالبوا بإعادة ما نهبه بنو أمية منهم بالظلم و الجور. وأمّا عائشة بنت أبي بكر، و زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، فقد كانت أشدّ القوم في حربها لعثمان ، و نظراً لمكانتها المحترمة في النفوس ، فقد كان الرواة و الركبان يتناقلون فوراً ما كانت تتفوه به ضده. فعند ما اشتدّ الحصار على عثمان، كانت قد توجهت من المدينة المنورة إلى الحج ، فناشدها بعض المسلمين القريبين منها أن تبقى في المدينة فلعل في وجودها ما يطفئ شيئا من الثورة القائمة ضد عثمان، و كان مروان بن الحكم على رأس أولئك المطالبين ، فردت عليه عائشة:(يا مروان! وددت و الله أنه أي عثمان في غرارة من غرائري هذه ، و أني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر) . كما أنّها التقت و هي في طريقها إلى الحجّ بالصحابي الجليل عبد الله بن عباس فنهته عن نصرة عثمان قائلة: (يا ابن عباس!إنّ الله قد آتاك عقلاً و فهماً و بياناً، فإياك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية) .كما كان لعائشة موقف مشهور من الخليفة عثمان أطلقت على أثره شعارها المعروف: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قال اليعقوبي المؤرخ: كان عثمان يخطب، إذ دلت عائشة قميص رسول الله و نادت: (يا معشر المسلمين !هذا جلباب رسول الله لم يبل ، و قد أبلى عثمان سنته. فقال عثمان: ربّ اصرف عني كيدهن إنّ كيدهن عظيم) . و قال المؤرخ ابن أعثم: (لما رأت أمّ المؤمنين اتفاق الناس على قتل عثمان، قالت له: أي عثمان، خصصت بيت مال المسلمين لنفسك، و أطلقت أيدي بني أمية على أموال المسلمين ، و وليتهم البلاد ، و تركت امة محمد في ضيق و عسر، قطع الله عنك بركات السماء ، و حرمك خيرات الأرض، و لو لا أنك تصلي الخمس ، لنحروك كما تنحر الإبل ، فقرأ عليها عثمان قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) . و بذلك كان الخليفة يعرّض بعائشة، فردّت هي بإطلاق شعار: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) ، وتعني بنعثل الخليفة عثمان ، و نعثل هي كلمة تعني الذكر من الضباع ، والشيخ الأحمق ، و يهودياً كان بالمدينة ، و جميع تلك المعاني قارصة.
أمّا عمرو بن العاص، فبعد أن عزله عثمان عن ولاية مصر ،غضب عليه و خرج يحرّض الناس ضد عثمان، و(كان من أشدّ الناس طعناً على عثمان ، و قال: لقد أبغضت عثمان، و حرّضت عليه حتى الراعي في غنمه) ، و بلغ في تحريضه أنّه وصل إلى أرض فلسطين، و بدأ بتحريض الناس على عثمان . هذا و قد كنا قد شرحنا موقف معاوية بن أبي سفيان عند ما أرسل مجموعة من الجند لنصرة عثمان ،إلاّ أنّه أمر قائدهم بالتوقف خارج المدينة، و كان الهدف من ذلك (إنّه ينتظر عقبى الصراع ...) . إلاّ أنّ مقتل عثمان، و مبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السّلام ) جعل الأمور تتخذ مجرى آخر، حيث إنّ عدالة علي و تمسكه بالإسلام لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز، و امتلكوا الضياع، و بنوا القصور من أموال المسلمين ، فقاموا متحدين لمقاومة عدالة الإسلام، التي لن تكتفي بحرمانهم مما ألفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة، و جعل أولئك الذين تمنوا الموت لعثمان، و حرضوا الناس ضدّه حتى أودوا بحياته ، جعلهم متحدين يطالبون بدمه ، حيث اتفق طلحة و الزبير، و معهما أمّ المؤمنين عائشة و خرجوا إلى البصرة مطالبين بدم عثمان!إنّها من الأمور التي تدهش اللبيب حقّاً.