اعرف النجاسة وتجنّبها
* عبد الهادي محمّد تقي الحكيم
المصدر: الفتاوى الميسّرة ، وفق فتاوى سماحة آية الله العظمى
السيد علي الحسيني السيستاني
إضاءة : الأحكام الشرعية الموضوعة بين معقوفتين [ ] هي احتياطات وجوبية ،
أنت مخيّر بين أن تعمل بها، أو أن تقلد فيها مجتهداً آخر ، مع مراعاة الأعلم فالأعلم .
بدأ أبي حواره وفي عينيه بريق من حزم رصين قائلاً : دعني أضع أمامك قاعدة عامّة ذات أثر كبير في حياتك ، وهي ( كلُّ شيء طاهر ) . كلُّ شيء : البحار ، والأمطار ، والأنهار ، والأشجار ، والصحارى ، والجبال ، والشوارع ، والعمارات والبيوت ، والأجهزة والأدوات ، والملابس المختلفة ، وإخوانك المسلمون و.. و.. كلُّ شيء طاهر . كلُّ شيء حتى يتنجس ، إلاّ..
* إلاّ ماذا ؟
ـ إلاّ ما كان نجساً بطبيعته ، بتكوينه ، بذاته ، ( بعينه ) .
* وما الذي يكون نجساً بطبيعته ، بذاته ؟
ـ عشرة أشياء ،سأعددها لك على شكل نقاط متسلسلة :
1 و 2 ـ بول الإنسان وغائطه . وبول وغائط كلِّ حيوان يحرم أكل لحمه ، إذا كانت لهذا الحيوان نفس سائلة كالقطة [ وكذا : بول ما ليست له نفس سائلة إذا كان ذا لحم ] .
* وما النفس السائلة ؟
ـ نقول : لهذا الحيوان نفس سائلة ، إذا اندفع الدم منه بقوّة عند ذبحه . لوجود شريان عنده . ونقول : ليس لهذا الحيوان نفس سائلة ، إذا سال الدم منه عند ذبحه بفتور ، وهدوء وأناة ، لعدم وجود شريان عنده ، كالسمك .
3 ـ الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة وإن كان حلالاً أكله ، وكذلك أجزاؤها الحيّة المقطوعة منها .
* وما هي الميتة ؟
ـ كل ما مات من دون أن يذبح على الطريقة الشرعية الإسلامية .
* مثلاً ؟
ـ الحيوان الذي يموت لمرض ـ مثلاً ـ أو بحادث ، أو يذبح بطريقةٍ غير شرعية ، هذه كلّها من الميتة .
* وإذا مات الإنسان فهل ينجس بدنه ؟
ـ نعم، إلاّ الشهيد ، ومَن اغتسل لإجراء الحدّ عليه أو القصاص منه .
* وهل يبقى غيرهما نجساً ؟
ـ لا بل يطهر بدن الميت المسلم بالأغسال الثلاثة التي سأشرحها لك في حُوارية قادمة .
4 ـ مَني الإنسان ، ومَني كل حيوان ذي نفس سائلة [ وإن كان هذا الحيوان مأكول اللحم ] .
5 ـ الدم الخارج من جسد الإنسان ، ومن جسد كل حيوان ذي نفس سائلة .
* ودم الحيوان الذي ليس له نفس سائلة ؟
ـ طاهر كدم السمك .
6 ـ الكلب البري ، بكل أجزاء جسده ، حياً وميتاً .
7 ـ الخنزير البري ، بكل أجزاء جسده، حياً وميتاً .
* والكلب والخنزير البحريان ؟
ـ طاهران .
8 ـ الخمر [ ويلحق بها الفقاع والتي تسمّى البيرة ] .
9 ـ الكافر حياً وميتاً غير المسيحي واليهودي والمجوسي .
10 ـ عرق الحيوان الجلال ، وهو الحيوان الذي تعوّد أكل عَذَرة الإنسان .
هذه الأشياء العشرة نجسة بطبيعتها ، وتنتقل النجاسة منها إلى كل ما لاقاها ومسّها واحتكّ بها مع وجود البلل والرطوبة .
* وإذا لم يوجد بلل ورطوبة بينهما ؟
ـ إذا لم يكن هناك بلل ورطوبة فلا تنتقل النجاسة ؛ لأنّها لا تنتقل في حالة الجفاف أو وجود النداوة المحضة أبداً .
* هل بول أو غائط الحيوانات التي يحل أكلها : كالبقر ، والغنم ، والدجاج ، والطيور بأنواعها المختلفة ، والعصافير ، والزرازير ، طاهر أو نجس ؟
ـ طاهر .
* ومخلفات الخفاش ؟
ـ طاهرة وإن كان هو غير مأكول اللحم .
* والريش من الميتة ، والوبر ، والصوف ، والأظافر ، والقرون ، والعظام ، والأسنان ، والمناقير ، والمخالب ؟
ـ كلها طاهرة .
* واللحم الذي نشتريه لنأكله ، فنلاحظ عليه دماً ؟
ـ هذا الدم طاهر ، وكل دم يبقى متخلفاً في الذبيحة بعد ذبحها بطريقة شرعية ، طاهر غير نجس .
* وفضلات الجرذ والفأر ؟
ـ نجسة غير طاهرة . ولو فكّرت قليلاً فيما عددت لك من نقاط ، لاستطعت أن تجيب عن هذا التساؤل بنفسك. نعم ، لأجبت عنه بنفسك ، ذلك أنّ لها شرياناً يتدفق منه الدم عند الذبح .
وعاد لعيني أبي ذلك البريق الرصين الذي لمحته في أوّل حوارنا هذا فحدّق بي ، ثمّ أردف قائلاً :
ـ لقد بدأت معك حُواريتي هذه بقاعدة عامّة ذات ثر كبير في حياتك ، وسأختتمها بقواعد عامّة هي الأخرى ذات أثر كبير في حياتك :
القاعدة الأولى : كلّ شيء كان طاهراً فيما مضى ، ثمّ تشك، هل تنجس بعد ذلك أو بقي على طهارته السابقة ؟ فهو طاهر .
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك .
ـ شرشف نومك مثلاً ، كان طاهراً سابقاً ، وتشك الآن ، هل لاقتهُ نجاسة ما فنجسته ؟ أو بقي على طهارته السابقة ؟ تقول : شرشف نومي طاهر .
القاعدة الثانية : كلّ شيء كان نجساً فيما مضى ، ثمّ تشكّ، هل طهرته بعد ذلك أم بقي على نجاسته السابقة ؟ فهو نجس .
ـ مثلاً ؟
ـ يدك مثلاً كانت نجسة ، أنت متأكد من ذلك قبل الآن ، وشككت بعد ذلك ، هل طهرتها من نجاستها السابقة ، أم لم تطهرها منها ؟ تقول : يدي نجسة .
القاعدة الثالثة : كلّ شيء لا تعلم حالته السابقة ، أنجساً كان هو قبل الآن أم طاهراً ؟ فهو الآن طاهر .
ـ مثلاً ؟
ـ سائل في كأس تجهل حالته السابقة لا تدري أنجساً كان فيما مضى أم طاهراً ، تقول : هذا السائل طاهر .
القاعدة الرابعة : كل شيء تشك ، هل أصابته نجاسة فتنجس بها أو أخطأته فلم تصبه ، عندئذٍ لا يجب عليك الفحص والتحري والتدقيق لتتأكد من طهارته . بل تقول هو طاهر ، من دون حاجة إلى فحص واستكشاف ، حتى ولو كان الفحص سهلاً يسيراً عليك .
* مثلاً ؟
ـ ثوبك كان طاهراً أنت متأكد من ذلك قبل الآن ، وشككت الآن ، هل أصابه بول فتنجس به أو بقي على طهارته السابقة ؟
عندئذٍ لا يجب عليك فحص ثوبك ، والبحث عن أثر البول فيه ، حتى لو كان ذلك البحث والفحص سهلاً يسيراً عليك ، بل تقول : ثوبي طاهر .