السؤال:
الرجاء اخباري بصحة هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله عليه وآله : لا تشدوا الرحيل الا لثلاث: بيت الله وبيت المقدس ومسجدي. هذا وارجو التكرم بأخباري عن السند لأنني أدخل في حوارات مع السنة، ولكم جزيل الشكر.
الجواب:
أن الاستثناء الوارد في الحديث قد حذف فيه المستثنى منه ، فكما يمكن أن يكون تقدير المستثنى منه : ” لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة ” يمكن أن يكون تقديره : ” لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد” .
ولكن المتعين هو الثاني لكون الاستثناء متصلا وهو يقتضي تقدير ” المسجد ” بعنوان المستثنى منه ، لا غيره .
حيث إن الضرورة قاضية بجواز شد الرحال إلى طلب التجارة ، وإلى طلب العلم ، وإلى الجهاد ، وزيارة العلماء والصلحاء ، وإلى التداوي والنزهة ، وأن المسلمين في مواسم الحج يشدون الرحال إلى عرفة والمزدلفة ومنى ، وإلى أماكن كثيرة ، ومع ذلك فكيف يمكن أن يقال : إن المراد هو ” لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة إلا إلى هذه الثلاث ” ؟ ! .
والحاصل أنه لا يشك من عنده أدنى معرفة باللغة والتراكيب العربية في أن المراد بقوله ” لا تشد الرحال ” أي لا ينبغي أن يسافر المرء إلى مسجد غير هذه المساجد لا أنه لا يسافر إلى مكان مطلقا .
هذا مضمون الحديث ومعناه ومع ذلك لا يفهم من هذا الحديث وأشباهه حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها بحيث بلغ فضلها أن تستحق شد الرحال والسفر إليها للصلاة فيها .
وأما سائر المساجد فليس لها هذا الشأن ، لأن المترقب من الثواب حاصل من التوجه إلى كل مسجد ، فإن سائر المساجد إما مسجد الجامع ، أو مسجد السوق أو مسجد المحلة فلكل واحد من هذه المساجد نظير في بلد المرء فلا ينبغي أن يشد إليها الرحال في البلاد الأخرى ما دامت تتساوى في الفضيلة ، نعم ما يترتب على الصلاة في هذه المساجد الثلاثة لا يترتب على الصلاة في سائر المساجد ولذلك يستحب شد الرحال إليها .
فتلخص أولا: أن معنى الحديث هو عدم شد الرحال إلى مسجد من المساجد لا إلى مكان من الأمكنة ولا إلى قبر . هذا أولا ونقول ثانيا : إن النهي عن شد الرحال إلى سائر المساجد دون الثلاثة ليس نهيا إلزاميا ، بل هو للإرشاد إلى عدم ترتب ثواب وافر على التوجه إلى سائر المساجد .
ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يشد الرحال إلى غير المساجد المذكورة في الحديث كما في صحيح البخاري : ففي باب إتيان مسجد قبا راكبا وماشيا عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا ( صحيح البخاري : ۲ / ۶۱ ) .
وفي باب من أتى مسجد قباء كل سبت ، عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا وكان عبد الله ( بن عمر ) يفعله ( المصدر نفسه : ۲ / ۶۱ ) .
وفي باب مسجد قباء عن ابن عمر أنه كان يحدث أن رسول الله يزوره راكبا وماشيا (المصدر نفسه : ۲ / ۶۱ ) .
فهذا هو الإمام البخاري يروي لنا أن النبي كان يشد الرحال إلى مسجد ” قباء ” في كل سبت ، أو ليس هذا دليلا على جواز شد الرحال إلى غير هذه الثلاثة من المساجد والأماكن .
وبما أنه ربما تترتب على زيارة سائر المساجد مصالح خاصة وأن مثلها موجودة في محل الراحل ، يكون الرحيل إليها أيضا أمرا مستحسنا بالعرض . أو ليس صحيح البخاري أجمع وأصح كتاب عند أهل السنة ؟ وأين قول العلامة السيوطي في حقه : فما من صحيح كالبخاري جامعا ولا مسند يلفى كمسند أحمد فلماذا تركوه وراءهم ظهريا وآمنوا ببعضه دون بعض .