خطبة الإمام قبل المسير إلى الشام
1 – تاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة : لمّا خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكّة وردّ عليٌّ ابنَ عبّاس إلى البصرة ، قام في الكوفة فخطبهم ، فقال :
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح ، والحدثان الجليل ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله .
أمّا بعد ، فإنّ المعصية تورث الحسرة ، وتُعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري ، ونحلتكم رأيي ، لو كان لقصير أمر !
ولكن أبيتم إلاّ ما أردتم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :
أمَرتُهم أمري بمُنعرجِ اللوى * فلم يَستَبينوا الرُّشدَ إلاّ ضُحَى الغَدِ ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدىً من الله ، فحكما بغير حجّة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ اللهُ منهما ورسولُه وصالحُ المؤمنين . استعدّوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام ، وأصبحوا في معسكركم إن شاء الله يوم الاثنين ( 1 ) .
استنصار الإمام الخوارج في قتال معاوية
2 – تاريخ الطبري عن عبد الملك بن أبي حرّة : كتب [ عليّ ( عليه السلام ) ] إلى الخوارج بالنهر :
بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى زيد بن حصين ، وعبد الله بن وهب ، ومن معهما من الناس .
أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله ، واتّبعا أهواءهما بغير هدىً من الله ، فلم يعملا بالسنّة ، ولم يُنفذا للقرآن حكماً ، فبرئ الله ورسوله منهما والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبِلوا ؛ فإنّا سائرون إلى عدوّنا وعدوّكم ، ونحن على الأمر الأوّل الذي كنّا عليه . والسلام .
وكتبوا إليه : أمّا بعد ، فإنّك لم تغضب لربّك ، إنّما غضبت لنفسك ، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلاّ فقد نابذناك على سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين .
فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم ، فرأى أن يدَعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام حتى يلقاهم فيناجزهم ( 2 ) .
3 – أنساب الأشراف عن أبي مجلز : بعث عليّ إلى الخوارج أن سيروا إلى حيث شئتم ، ولا تفسدوا في الأرض ؛ فإنّي غير هائجكم ما لم تحدثوا حدثاً .
فساروا حتى أتوا النهروان ، وأجمع عليّ على إتيان صفّين ، وبلغ معاوية فسار حتى أتى صفّين .
وكتب عليّ إلى الخوارج – بالنهروان – : أمّا بعد ، فقد جاءكم ما كنتم تريدون ، قد تفرّق الحكمان على غير حكومة ولا اتّفاق ، فارجعوا إلى ما كنتم عليه ، فإنّي أُريد المسير إلى الشام .
فأجابوه : أنّه لا يجوز لنا أن نتّخذك إماماً وقد كفرت حتى تشهد على نفسك بالكفر ، وتتوب كما تبنا ، فإنّك لم تغضب لله ، إنّما غضبت لنفسك .
فلمّا قرأ جواب كتابه إليهم يئس منهم ، فرأى أن يمضي من معسكره بالنخيلة وقد كان عسكرَ بها حين جاء خبر الحكمين إلى الشام ، وكتب إلى أهل البصرة في النهوض معه ( 3 ) .
نزول عسكر الإمام بالنّخيلة
4 – الأخبار الطوال – بعد ذكر رسالة الإمام ( عليه السلام ) إلى الخوارج وجوابهم له – :
لمّا قرأ عليّ كتابهم يئس منهم ، ورأى أن يَدعهم على حالهم ، ويسير إلى الشام ؛ ليعاود معاوية الحرب ، فسار بالناس حتى عسكر بالنخيلة ، وقال لأصحابه :
تأهّبوا للمسير إلى أهل الشام ، فإنّي كاتب إلى جميع إخوانكم ليقدموا عليكم ، فإذا وافوا شخَصنا إن شاء الله .
ثمّ كتب كتابه إلى جميع عمّاله أن يخلّفوا خلفاءهم على أعمالهم ، ويقدموا عليه ( 4 ) .
5 – تاريخ الطبري عن جبر بن نوف : إنّ عليّاً لمّا نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمّا بعد ، فإنّه من ترك الجهاد في الله وأدهن في أمره كان على شفا هُلْكِه ، إلاّ أن يتداركه الله بنعمة ، فاتّقوا الله ، وقاتلوا من حادّ الله ، وحاول أن يطفئ نور الله ، قاتلوا الخاطئين الضالّين ، القاسطين المجرمين ، الذين ليسوا بقرّاء للقرآن ، ولا فقهاء في الدين ، ولا علماء في التأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل سابقة في الإسلام .
والله ، لو ولَوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل ؛ تيسّروا وتهيّؤوا للمسير إلى عدوّكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم ، فإذا قدموا فاجتمعتم شخَصنا إن شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله .
وكتب عليّ إلى عبد الله بن عبّاس – مع عتبة بن الأخنس بن قيس من بني سعد بن بكر – :
أمّا بعد ، فإنّا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة ، وقد أجمعنا على المسير إلى عدوّنا من أهل المغرب ، فاشخص بالناس حتى يأتيك رسولي ، وأقِم حتى يأتيك أمري . والسلام ( 5 ) .
إصرار الجيش على قتال الخوارج قبل المسير
6 – مروج الذهب : نزل عليّ الأنبار ( 6 ) ، والتأمَت إليه العساكر ، فخطب الناس ، وحرّضهم على الجهاد ، وقال : سيروا إلى قتلة المهاجرين والأنصار قدماً ؛ فإنّهم طالما سعوا في إطفاء نور الله ، وحرّضوا على قتال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن معه .
ألا إنّ رسول الله أمرني بقتال القاسطين ؛ وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم ، والناكثين ؛ وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم ، والمارقين ؛ ولم نلقَهم بعد .
فسيروا إلى القاسطين ؛ فهم أهمّ علينا من الخوارج ، سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ، يتّخذهم الناس أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً ( 7 ) ، ومالهم دولاً . فأبوا إلاّ أن يبدؤوا بالخوارج ، فسار عليّ إليهم ( 8 ) .
7 – تاريخ الطبري عن أبي الصلت التيمي : بلغ عليّاً أنّ الناس يقولون : لو سار بنا إلى هذه الحروريّة فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجهنا من وجّهنا ذلك إلى المحلّين . فقام في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّه قد بلغني قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت عليه فبدأنا بهم ، فإذا فرغنا منهم وجّهنا إلى المحلّين ، وإنّ غير هذه الخارجة أهمّ إلينا منهم ، فدعوا ذكرهم ، وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ملوكاً ، ويتّخذوا عباد الله خَولاً . فتنادى الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت ( 9 ) .
8 – الإمامة والسياسة : قام عليّ فيهم [ أهل الكوفة ] خطيباً ، فقال : أمّا بعد ، فقد بلغني قولكم : لو أنّ أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي خرجت علينا ، فبدأنا بهم ، إلاّ أنّ غير هذه الخارجة أهمّ على أمير المؤمنين ، سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا في الأرض جبّارين ملوكاً ، ويتّخذهم المؤمنون أرباباً ، ويتّخذون عباد الله خَولاً ، ودعوا ذكر الخوارج .
قال : فنادى الناس من كلّ جانب : سِر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت ، فنحن حزبك وأنصارك ؛ نعادي من عاداك ، ونُشايع من أناب إليك وإلى طاعتك ، فسِر بنا إلى عدوّك كائناً من كان ، فإنّك لن تؤتى من قلّة ولا ضعف ؛ فإنّ قلوب شيعتك كقلب رجل واحد في الاجتماع على نصرتك ، والجدّ في جهاد عدوّك ، فأبشر يا أمير المؤمنين بالنصر ، وأشخص إلى أيّ الفريقين أحببت ، فإنّا شيعتك التي ترجو في طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب من الله ، تخاف من الله في خذلانك والتخلّف عنك شديد الوبال . فبايعوه على التسليم والرضا ، وشرط عليهم كتاب الله وسنّة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ( 10 ) .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ الطبري : 5 / 77 ، الكامل في التاريخ : 2 / 400 ، أنساب الأشراف : 3 / 140 عن عامر الشعبي وجبر بن نوف وغيرهما ، مروج الذهب : 2 / 412 ، البداية والنهاية : 7 / 287 عن الشعبي وفيه إلى ” ضحى الغد ” ؛ نهج البلاغة : الخطبة 35 وفيه من ” الحمد لله ” إلى ” ضحى الغد ” والأربعة الأخيرة نحوه .
( 2 ) تاريخ الطبري : 5 / 77 ، الكامل في التاريخ : 2 / 401 ، الأخبار الطوال : 206 نحوه وراجع البداية والنهاية : 7 / 287 .
( 3 ) أنساب الأشراف : 3 / 141 .
( 4 ) الأخبار الطوال : 206 .
( 5 ) تاريخ الطبري : 5 / 78 ، الكامل في التاريخ : 2 / 401 وراجع الأخبار الطوال : 206 .
( 6 ) الأنْبار : من نواحي بغداد على شاطئ الفرات على بعد عشرة فراسخ ، كان بها مقام السفّاح أوّل خلفاء بني العبّاس ( تقويم البلدان : 301 ) .
( 7 ) أي خَدَماً وعبيداً ( لسان العرب : 11 / 225 ) .
( 8 ) مروج الذهب : 2 / 415 ، مسند ابن حنبل : 1 / 198 / 706 وفيه ” عن زيد بن وهب : لمّا خرجت الخوارج بالنهروان قام عليّ ( رضي الله عنه ) في أصحابه فقال : إنّ هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سَرْح الناس ، وهم أقرب العدوّ إليكم ، وإن تسيروا إلى عدوّكم أنا أخاف أن يخلفكم هؤلاء في أعقابكم ” .
( 9 ) تاريخ الطبري : 5 / 80 ، الكامل في التاريخ : 2 / 402 .
( 10 ) الإمامة والسياسة : 1 / 166 .