ترى.. لماذا يَشقى الإنسان ويعذّبه الشقاء ؟
السرّ ـ يا أصدقاءنا ـ مكنون في قول الحقّ تعالى: ولم يَجعَلْني جبّاراً شَقِيّاً .
سرُّ الشقاء إذَن: أن يكون الإنسان جبّاراً. إنّ الجبروت منبع شقاء الإنسان: وخابَ كلُّ جبّارٍ عنيد .
فمَن هو هذا الجبّار الذي كان شقيّاً وكان خائباً ؟
إنّه الإنسان ذو الإرادة المتخشّبة التي لا تَلين للحقّ، ولا تنكسر ولا تتحوّل. هذا الإنسان هو أشقى الناس. لكن.. لماذا ؟
لأنّه يُنازع الجبارَ جبروته، فمن المحتوم أن يتحطّم، وأن يُدمَّر، وأن يذوق الويل.. بتصلّبه أمام جبروت الجبّار. دماره سوف يكون دماراً ساحقاً ماحقاً رهيباً عجيباً، على عكس ما كان يتصوّر تماماً!
إنّه ناموس إلهيّ.. طبيعيّ.. لا تبديل له ولا تحويل.
والارادة الإلهية.. ساحقة ماحقة تسري في الوجود؛ فمَن لانَ معها وطاوعها نجا وسَلِم وسَعَد. ومن عاندها وتَصلّب ضِدّها سحَقَتْه سحقاً، ومَضَت في سبيلها المحتوم.
والعاقل المتّزن مَن عرف هذه الحقيقة، فانكسر وخضع للجبّار إلى اقصى غايات الانكسار والخضوع. والجنون كلّ الجنون من عانَد متصلّباً ليعاكس الإرادة الإلهية القاهرة. ولن يستطيع أبداً أن يُعاند ويكابر، وإنّما سوف يُسحَق ويُدمَّر أعنفَ التدمير. وقد كانت ها هنا مشكلة إبليس.
هذا إذن يا اصدقاءنا.. سرُّ الشقاء. فإن آنَستَ من نفسك شقاءً، فارجِعْ إلى نفسك وفَتِّش: هل هناك في حياتك شيء يُضادّ ما أمرَك ربُّك ؟
فإن وجدتَه.. فبادِرْ فوراً إلى الخروج منه، وانكسِر لربّك انكساراً، وافتَقِرْ إليه افتقاراً، ونادِه تذلّلاً واضطراراً: ربِّ.. لقد كنتُ أشقاها، إذ كنتُ جبّاراً.
تجد ذلك مكنوناً في قول الله تعالى: « ولم يكُن جبّاراً عَصِيّاً ».
اخرُجْ من المعصية، إذا أردت أن تخرج من الجبروت.
ومتى خرجتَ من الجبروت.. فقد خرجتَ من ظلام الشقاء.