ولم يدان الإمام الحسين ( ع ) أحد في فضله وعلمه فقد فاق غيره بملكاته ومواهبه العلمية ، وقد انتهل وهو في سنه المبكر من نمير علوم جده التي أضاءت آفاق هذا الكون ، كما تتلمذ على يد أبيه الامام أمير المؤمنين باب مدينة علم النبي ( ص ) وأعلم الأمة ، وأفقهها بشؤون الدين .
مسنده :
الف هذا المسند أبو بشير محمد بن أحمد الدولابي المتوفى سنة ( 320 ه ) وقد أدرجه في غضون كتابه ” الذرية الطاهرة ” ( 26 ) ، وهذه بعض بنوده :
1 – روى علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله ( ص ) قال : ” من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه . . ” .
2 – قال الحسين ( ع ) : وجدت في قائم سيف رسول الله ( ص ) صحيفة مربوطة وهي : ” أشد الناس على الله عذابا القاتل غير قاتله ، والضارب غير ضاربه . ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عز وجل
3 – روى الحسين ( ع ) قال : قال رسول الله ( ص ) : ” إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ” .
4 – روى الحسين عن أبيه عن جده قال ( ص ) : ” يكون بعدي ثلاث فرق ، مرجئة ، وحرورية ، وقدرية ، فان مرضوا فلا تعودوهم ، وان ماتوا فلا تشهدوهم ، وان دعوا فلا تجيبوهم ” .
5 – روى ( ع ) عن جده ( ص ) أنه قال : ” ما من عبد أو أمه يضمن بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها في سخط الله ، وما من عبد يدع معونة أخيه المسلم ، والسعي في حاجته ، قضيت تلك الحاجة ، أو لم تقض إلا ابتلي بمعونة من يأثم فيه ، ولا يؤجر عليه ، وما من عبد ولا أمة يدع الحج وهو يجد السبيل إليه لحاجة من حوائج الدنيا إلا نظر إلى المحلقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة .
6 – روى يحيى بن سعيد قال : كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين فقال علي بن الحسين : يا أهل العراق ، أحبونا حب الاسلام فاني سمعت أبي يقول : قال رسول الله ( ص ) : ” يا أيها الناس ، لا ترفعوني فوق حقي فان الله عز وجل قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ” .
7 – روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها و عبد الله بن عباس أن رسول الله ( ص ) كان يقول : ” لا تديموا النظر إلى المجذومين ، من كلمهم منكم فليكن بينه وبينكم قيد رمح . . . ” .
8 – روت فاطمة بنت الحسين ( ع ) عن أبيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ” ان الله يحب معالي الأخلاق وأشرافها ، ويكره سفاسفها . . . ” .
9 – روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أن رسول الله ( ص ) قال : ” لا تديموا النظر إلى المجذومين ” .
10 – روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : كان رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في حجر علي ، وكان يوحى إليه ، فلما سرى عنه – أي الوحي – قال : يا علي صليت العصر ؟ قال : لا ، قال : اللهم انك تعلم أنه كان في حاجتك وحاجة رسولك فردها عليه فردها عليه ، فصلى وغابت الشمس .
11 – روت فاطمة عن أبيها أن النبي ( ص ) قال : ” للسائل حق وان جاء على فرس ” .
12 – روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : قال رسول الله ( ص ) : ” من أصيب بمصيبة فذكرها وان تقادم عهدها فأحدث لها استرجاعا أحدث الله له ثواب ما وعده حين أصيب بها . . . ” .
13 – روت فاطمة بنت الحسين ( ع ) عن أبيها ، قال : قال رسول الله ( ص ) : ” لما اخذ الله ميثاق العباد جعل في ( الحجر ) فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر ” .
14 – روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم ، عن الحسين ابن علي قال : قال رسول الله ( ص ) : ” يا بني هاشم أطيبوا الكلام ، وأطعموا الطعام ” .
15 – روى أبو سعيد الميثمي قال : سمعت الحسين بن علي يقول : قال رسول الله ( ص ) : ” من لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار . . . ” .
هذه بعض بنود مسند الإمام الحسين ( ع ) وهي حافلة بآداب السلوك وتهذيب الأخلاق التي لا غني للناس عنها .
رواياته عن أمه فاطمة ( ع )
وروى ( ع ) عن أمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( ع ) من الأحاديث ما يلي :
1 – روى محمد بن علي بن الحسين قال : خرجت مع جدي الحسين ابن علي إلى أرضه فأدركنا النعمان بن بشير على بغلة له فنزل عنها وقال للحسين : اركب أبا عبد الله ، فأبى فلم يزل يقسم عليه ، حتى قال : أما انك قد كلفتني ما أكره ، ولكن أحدثك حديثا حدثتنيه أمي فاطمة ان رسول الله ( ص ) قال : ” الرجل أحق بصدر وفراشه ، والصلاة في بيته الا إماما الجمع من الناس ، فاركب أنت على صدر الدابة ، وسارت تدف ، فقال النعمان : صدقت فاطمة . . . ”
2 – روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : قال رسول الله ( ص ) : ” لا يلومن إلا نفسه من بات وفي يده غمره . . ( 27 ) . . . ” ( 28 ) .
رواياته عن أبيه :
وروى الإمام الحسين عن أبيه الامام أمير المؤمنين ( ع ) الشئ الكثير سواء أكان مما يتعلق بالسيرة النبوية أم في الأحكام الشرعية وهذه بعضها :
1 – روى ( ع ) عن أبيه ( ع ) أن رسول الله ( ص ) بعث سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الأصيد من سلمة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله رق لحاله ، وعرض عليه السلام فأسلم فبلغ ذلك أباه وكان شيخا فكتب إليه رسالة فيها هذه الأبيات :
من راكب نحو المدينة سالما * حتى يبلغ ما أقول الا صيدا
ان البنين شرارهم أمثالهم * من عق والده وبر الأبعدا
أتركت دين أبيك والشم العلى * أودوا وتابعت الغداة محمدا
وعرض الأصيد رسالة أبيه على النبي ( ص ) واستأذنه في جوابه فأذن له فكتب إليه :
إن الذي سمك السماء بقدرة * حتى علا في ملكه فتوحدا
بعث الذي لا مثله فيما مضى * يدعو لرحمته النبي محمدا
فدعا العباد لدينه فتتابعوا * طوعا وكرها مقبلين على الهدى
وتخوفوا النار التي من أجلها * كان الشقي الخاسر المتلددا
واعلم بأنك ميت ومحاسب * فإلى من هذي الضلالة والردى
ولما قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي ( ص ) وأسلم ( 29 ) .
2 – قال ( ع ) سألت أبي عن سيرة رسول الله ( ص ) في جلسائه فقال : كان رسول الله دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والاكبار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلم عنده أنصتوا إليه ، حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته حتى أن كأن أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء الا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجور ( 30 ) فيقطعه بنهي أو قيام . . . ” ( 31 ) .
وقد امتاز النبي ( ص ) على عامة النبيين بهذه الأخلاق العالية التي ألفت ما بين قلوب المسلمين ، ووحدت ما بين مشاعرهم وعواطفهم ، وجعلتهم في عصورهم الأولى سادة الأمم والأدلاء على مرضاة الله وطاعته
3 – روى ( ع ) عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : ” من قتل دون ماله فهو شهيد ” ( 32 ) .
4 – روى عليه السلام عن أبيه قال : قال رسول الله ( ص ) : ” عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء ، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار ” ( 33 ) .
5 – قال ( ع ) : سمعت أبي يقول : ” الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان . . . ” ( 34 ) .
6 – روى ( ع ) عن أبيه انه قال : ” لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم أشراركم ، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم . . . ” ( 35 ) .
7 – روى عن أبيه انه قال : ” إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة : أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه ، وأنت لا تعلم وأخفى سخطه فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم ، وأخفى اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته وأنت لا تعلم ، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه وأنت لا تعلم . ” ( 36 )
8 – روى ( ع ) عن أبيه انه قال : قال رسول الله ( ص ) : ” خير دور الأنصار بنو النجار ، ثم بنو عبد الأشهل ، وفي كل دور الأنصار خير . . . ” ( 37 ) .
9 – روى ( ع ) عن أبيه انه قال : قال رسول الله ( ص ) : ” خير الدعاء الاستغفار ، وخير العبادة قول لا إله إلا الله . . . ” ( 38 ) .
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جده وأبويه .
الهوامش
( 26 ) من مخطوطات المكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة في تونس توجد منه نسخة مصورة في مكتبة الامام أمير المؤمنين استنسخها العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي .
( 27 ) الغمر : – بالتحريك – الدسم والزهومة من اللحم .
( 28 ) الذرية الطاهرة ، مسند الفردوس ج 41 .
( 29 ) أسد الغابة 1 / 100 .
( 30 ) يجور : أي يميل عن الحق .
( 31 ) الحسين 1 / 137 – 138 .
( 32 ) مسند أحمد بن حنبل .
( 33 ) الأربعين ( ص 111 ) لبهاء الدين العاملي .
( 34 ) الحسين 1 / 140 .
( 35 ) مسند الامام زيد ( ص 185 ) .
( 36 ) الخصال ( ص 191 ) .
( 37 ) مسند الفردوس من مصورات مكتبة الإمام الحكيم تأليف شهردار ابن شيرويه الشافعي المتوفى سنة ( 558 ه ) .
( 38 ) مسند الفردوس 37 / 27 .