شعائر... ومشاعر... وحناجر
الدكتور يوسف السعيدي
ونحن في ذكرى استشهادك يا أبا عبد الله ... يسألوننا ما سر هذا التدافع ؟ وهذا الزحف المليوني باتجاه أرض الطف ؟ باتجاه قبرك يا سيدي ؟ .
هذا الحشد الهادر ، وهذه النفوس ، وهذه التجليات ، مظاهر عجيبة في المعاني ، ومعان عجيبة في المظاهر ، لا يمكن لأحد إلاّ أن يكون واقفا اجلالاً لهذه الحشود ، باتجاه سفينة النجاة ، وقارب الخلاص.
حيث مذبح الحسين هناك في باب قبلته ، وحيث لبّت هذه الحشود النداء إلى سفينة الخلود وشاطيء الرحمه ، يحوط بها عشاق الحسين وزواره ، ليقولوا لأبي الفضل العباس (عليه السلام) ؛ نعم سيدي أنت أسست الفضل والإباء .
جاءوا يبحثون عن كفيك ؛ وهل كفيك إلاّ الجود والعطاء ، وهل كفيك إلاّ محض الحب والولاء ، تمسح على جبين الكون ، ومع هذا الزحف الهادر ، ونحن نشاهد عشاقاً ليسوا ككل العشاق ! وأنصاراً ليسوا ككل الأنصار ! وكرامات ليست ككل الكرامات ! .
وليس هذا من فيض التعبير الإنشائي ، أو انشاء التعبير اللغوي ، إنها حقيقة سرمديه وصدق ثابت ، ومعنى متجذر ، واُسٌ لا يمكن إلاّ أن يكون قاعدة للعلوم ، علوم الرياضيات ، ورياضيات لعلوم الكون ، وفيزياء الكون والذرة والقوانين ، والأواصر والكيمياء المختصة بها ، كلها علوم محترمه ، لكنها عند الحسين قانون واحد ، إنه قانون الوعي والبصيره ، على امتداد هذه الحشود إلى ما بين الحرمين ، ستقف كل القوانين ، وتنتهي كل الأشياء ، إنه القانون الطبيعي ، الفيزيائي ، الذري ، الكيميائي ، هذه الرايات والبيارق ، كلها تعبيرات عن هذا القانون وهذا الفهم وهذا الوعي ، وهذا الصوت وهذه المدرسه وهذه الجامعه ، ترى ماذا في صدورهم ! وماذا في خلجات أنفسهم ! وماذا في مشاعرهم عندما يضربون على الرؤوس ويلطمون الصدور ! حزنا على الانسانية المعذبه ينادون يا حسين .
على أرض العراق ، عراق الصدق والمباديء ، عراق الرفعة والعظمة والسمو ، العراق الحسيني الموحد بوحدة أبنائه ، بالصوت الذي ينطلق برمز وحدته ، بصدق المخلصين من قادته ، ونحن نسير الى كربلاء ، كربلاء الحسين .
ها هم أتباعك سيدي أبا عبدالله ، يواسون الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) بفاجعته ومصيبته ، التي أبكت أهل الأرض والسماء ، ها هم اتباعك سيدي قادمين اليك يطوفون بكعبتك مولاي ؛ راسمين لوحة رائعه من الموالاة والبيعه ، تعجز فصاحة اللسان وجمال المعاني والبيان وصف هذه الملحمه الرائده ، التي حوت ما حوت من معاني العزة والشجاعة والشموخ والتضحية والإيثار ، إنها ترنيمة الحياة وسمفونية الدهر .
سائرة هذه الحشود إلى باب قبلة الحسين وأخيه أبي الفضل(عليه السلام) ، إنها قبلة المعاني والحضارات ، قبلة الدم الذي لا ينتهي ، وسفينة النجاة ، بقلوب مؤمنه آمنت بالثقلين ، الكتاب والعتره ، ومدرسة محمد (صلى الله عليه وآله) التي تحدت كل الطغاة عبر التاريخ ، وكل طواغيت الأرض ، لأن هذه الحشود المليونيه هي التي تكتب التاريخ ، بدماء القلوب التي اتصلت وتواصلت مع فاجعة كربلاء وملحمة عاشوراء.
متصلة بعطاء مدرسة محمد (صلى الله عليه وآله) ، مدرسة الحسين ، ودم الحسين ؛ الذي قتل ظلما وعدوانا في صحراء كربلاء على أيدي الطغاة ، أتباع سائرون ، يضربون على الصدور والرؤوس ، دلالات على الرفض والإستنكار لكل جريمة عبر التاريخ وقعت وواقعة الآن وستقع مستقبلا ، يضربون الرؤوس ويلطمون الصدور حزنا على الإنسانيه المعذبه ، منطلقين من أرض العراق المعطر بدماء أبنائه ، بقادته ، بمرجعياته ؛ الذين وقفوا وتحدوا ، وخاضوا غمار هذا التغيير رغم كل محاولات التزييف ورغم كل الإعلام المضلل ، ورغم كل الأجندات من الكبار والصغار ، لكن العراق ، عراق الإنسانيه ، عراق الحسين ؛ نهض وبقي وبقيت وحدته ، يبني ويعمر وينشد الأمن والأمان بفضل تضحيات الحسين .
أيها الإمام الشهيد ! يا فيض العلم الملكوتي ، وهناك على أرض الطف حيث بقيت راية أبي الفضل (عليه السلام) ترفرف رغم الكفين القطيعين .
نعم يتيه القلب في هؤلاء ، مع المشاعر ، من أعماق الحناجر ، مع هذه الشعائر ، إنه قول أصدق من كل قول ، ونشيد يحمل كل معاني الإنسانية المعذبه ، ترانيم وتسبيحات ، تهفو الى الإله العظيم ؛ الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم ، وعاشوراء ، والعراق ، وملحمة العطاء المحمدي والوعي الكامل الحقيقي لهذه الأمه ، قضية الدم المسفوح ! دم السبط الشهيد ! دم اتباع النهضة الحسينيه !.
وكيف لنا أن ننسى
من وقف بوجه هذا الشعب ، ابان سنوات الظلم والقهر ، لبيك يا حسين ! نشيد
القلوب ، لأن حبك يا سيدي ربيع المشاعر وسلوة النفوس ، ونهجك طريق للصلاح ،
ورؤاك المستقبليه حددت طريق الخلاص ، والتحرر ، والسعاده ، لأنك أمرت
بالمعروف فحققته بدمك الطاهر ، وطلبت الصلاح فنلته في قلوب الزائرين ،
مسيرنا إليك سيدي صرخة اباء وشموخ ، ونشيد يردده الأحرار في كل زمان
ومكان...
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .