أساس دعوة الإسلام‏
  • عنوان المقال: أساس دعوة الإسلام‏
  • الکاتب: العلامه الطباطبائي
  • مصدر: رسالة أساس دعوة الإسلام
  • تاريخ النشر: 5:35:59 4-9-1403

يقوم الإسلام في دعوته على ثلاثة أصول تتسم بالبساطة والوضوح، هي:

الأصل الأول: إنّ أهم شي‏ء بالنسبة للإنسان هو أن يحقق السعادة في حياته.

وفي هذا السياق لا نستطيع أن نتصور إنساناً يشك في هذا الأصل أو أن نتصور أمراً أكثر أهمية منه، والسرّ أنّ كلّ إنسان يتمنى - كأيّ موجود آخر - أن يحقق لنفسه الراحة والاستقرار من خلال تأمين احتياجاته وتكميل ما يواجهه من نواقص الحياة.

تتسق مع ذلك حالة الإنسان الذي يضحي باستقراره في سبيل راحة الآخرين ويتحمل الآلام والمشاق في سبيلهم. فالإنسان الذي يبادر لذلك إنما يريد أن يزيل عن نفسه الأحزان والآلام التي تنتابه حين يشاهد البوساء ليحقق لنفسه عن هذا الطريق نوعاً من الراحة والاستقرار.

وحتى الإنسان الذي يصاب بالملل والسأم من حياته فيرى سعادته بالموت أو أن يلقي بنفسه في لهوات المشكلات والمحن العنيفة، فيقدم على الموت (الانتحار) أو ركوب المحن دون تردّد، مرجحاً إياهما على أية نعمة أو استقرار، فهو إنما يفعل ذلك بدافع اختيار السعادة والفلاح لا غير.

إن السعادة والفلاح هذين هما اللذان عناهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في جملته المشهورة عند ما صدع بدعوته: «قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا».

الأصل الثاني: إنّ الإنسان يسعى لتحقيق سعادته في إطار النظرة الواقعية.

بمعنى أنّ البشر يبحثون دائماً عمّا يمثل السعادة فعلاً وواقعاً، لا تصوراً ووهماً.

وهذا الأصل يمكن تصوّره بعملية تأمّل بسيطة. فالإنسان الجائع يسعى وراء الخبز، والعطشان يسعى وراء الماء، وهذان يسعيان فعلاً وراء الخبز والماء الحقيقي وليس وراء وهم الماء والخبز أو صورتهما التصورية، فتصوّر صورة الماء والخبز لا يرفع عن العطشان عطشه ولا عن الجوعان جوعه.

وكذلك الحال بالنسبة للاحتياجات الأخرى، فالإنسان يسعى وراء ما يحقق احتياجاته فعلاً ويومّنها واقعاً، وليس وراء الأوهام والتصوّرات.

فلو افترض الإنسان لنفسه نمطين من الحياة؛ نمطاً يعيش فيه كما تعيش الملوك وهو الإغراق بالنعم والملذات، ونمطاً يعيش فيه حياة بسيطة، ولكن النمط الأول كان مجرد وهم وخيال وتصورات (ذهنية أو نفسية) فيما تتاح له فعلاً إمكانات ممارسة النمط الثاني واقعياً، فإنّه سيختار النمط الثاني حتماً، لأنّ وجدانه يرجح دون تردّد الحياة الواقعية المتاحة على الحياة الوهمية المتصوّرة.

إنّ من له اطلاع على المدارك الحقيقية للإسلام المتمثلة في القرآن والسنة يدرك دون تردّد أن كل جملة من هذه الأصول تقوم فعلاً على أساس واقعية الإسلام.

ثم إنّ الإسلام يستنبط من أصل الواقعية هذا حكماً وجدانياً آخر يقضي بأن يتبع الإنسان الحق في كل الحالات. بمعنى إذا كشف له الحق عن طريق النظر فعليه أن يسلّم له دون تردّد، كما عليه أن يقوم في مرحلة العمل بأعمال تتوافق بحسب الواقع مع مصلحته، حتى إذا كان ذلك مخالفاً لرغبته وهواه.

والأمر يشبه حالة المريض الذي يعالج النقص الصحي الذي يعاني منه باتباع ما يأمر به الطبيب حتى لو كان الدواء مراً أحيانا وغير مستساغ.

ويشبه أيضاً ما تنقاد إليه المجتمعات الإنسانية من قوانين ضرورية وأنظمة حقة يستلزم الواقع تنفيذها حتى لو كانت مخالفة لإرادة الأغلبية أو الجماعة برمتها.

وفي كل الأحوال تقضي الروية الإسلامية بأن يطاع الحق مطلقاً ويتّبع دون أن يخضع للإرادات والأهواء، وصدق الله (تعالى) إذ يقول في كتابه العزيز: (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)، ويقول أيضاً: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)...

الأصل الثالث: على الإنسان أن يتبع في مسار حياته النهج العقلائي ولا ينقاد للعواطف والأحاسيس.

والسرّ أن ما يميّز الإنسان عن سائر الحيوانات ويحقق له نوعيته الإنسانية المستقلة هو أنّه مجّهز بالقوة العقلية، وهو يمتلك الإرادة والتصميم إزاء كلّ ما يريد أن يفعله.

فهو يستطيع بقوته العقلية أن يميّز بين الخير والشر، ويقارن بين النفع والضرر الواقعيين فيختار ما يتطابق مع مصلحته الواقعية، ويتجاوز عواطفه وأحاسيسه ليمتنع عما يضرّه ولا ينسجم مع مصلحته.

أما ما يشاهد على سائر الحيوانات فهو إنها تعمل وتتحرك من خلال دوافع الغريزة وليس من خلال العقل. لذلك حري بالإنسان أن يحقق سعادته ويومن فلاحه من خلال القوة التي يختص بها دون غيره من سائر الكائنات، وليس من خلال ما هو مشترك بينه وبين الحيوانات.

وعلى الإنسان أن يستند في فعله الفردي وحياته الاجتماعية على «منطق الإنسان» لا على منطق الحيوان سواء أ كان أليفاً أو وحشياً.

وفي الواقع إنّ هذا الأصل الماثل بمرجعية العقل يتولد عن الأصل الثاني وينبثق منه. وبدوره أولى الاسلام العقل احتراماً فائقاً لا يمكن التخفي عليه، فهو على سبيل المثال حرّم حتى تلك الأفعال التي تنتهي بتعطيل العقل أو تفضي إلى تضليل القوة العقلية وخداعها كاستعمال المسكرات، والكذب والغش في المعاملات، والخدعة والاستغفال والتظاهر بوجهين.

واعتماد هذا الأصل ومرجعيته لدى البشر هو أمر لا مجال للتشكيك فيه، إذ لا يمكن أن نجد إنساناً يقضي وجدانه بذم العقل أو أنّه لا ينفر من غير العاقل، وإن كان هذا الأصل - كما الأصل الثاني - يخالف أيضاً بكثرة في مقام السلوك والعمل باصطناع الذرائع والأعذار المختلفة.

حصيلة الأصول الثلاثة: إنّ النتيجة التي نستخلصها من حصيلة الأصول الثلاثة هو أنّ على الإنسان أن يسعى لتحقيق سعادته الواقعية عن طريق العقل.