الماتريدية
  • عنوان المقال: الماتريدية
  • الکاتب: شبكة رافـد
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:38:16 1-9-1403

التعريف :

ـ إحدى الفرق الإسلامية التي ظهرت في أوائل القرن الرابع الهجري، في سمرقند من بلاد ماوراء النهر. دعت إلى مذهب أهل الحديث والسنة بتعديل فيه يجمع بين الحديث والبرهان، وسميت بـ (الماتريدية) نسبة إلى مؤسسها محمد بن محمد السمرقندي الماتريدي. اقتفت منهج المذهب الحنفي فقهاً وكلاماً.

 

عوامل الظهور :

ـ الصراع الكلامي في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وتشعب الآراء والمذاهب فيها، واحتدام الجدل بين رؤساء المذاهب، امتدّ إلى بقية بقاع العالم الإسلامي ومنها سمرقند، فأدّى إلى ولادة الطائفة الماتريدية.

ـ انتشار العقائد والمذاهب المعتمدة على المناهج العقلية والفكرية آنذاك ساعد على نشوء فكرة الماتريدية، الداعية للجمع بين الشرع والعقل، وتوسيع دائرة التفكير، والاستنتاج.

ـ الوقوف بوجه المعتزلة، كان يتطلب التغيير والتصدي في مواجهة أفكارها وآرائها، وعرض البديل المناسب، وقد انبرى في بلاد ما وراء النهر أبو منصور محمد الماتريدي في الوقت الذي تصدّى أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري لهم في البصرة، لمناقشة نظرياتهم وآرائهم وتزعمه للمذهب الأشعري.

ـ ازدهار الحركة العلمية في عصر الملوك السامانيين، الذين حكموا بلاد ما وراء النهر، واهتمامهم ببناء المدارس، والمكتبات الدينية، مما مهد الطريق أمام الماتريدي في إبداء آرائه وإقصاء المعتزلة عن الساحة في بلاد سمرقند، وتثبيت مرتكزات فرقته العقائدية .

 

النشأة والتطور :

ـ تعتمد أسس الفرقة الماتريدية على المذهب الحنفي في العقائد، والفقه، و الكلام، حيث تلقَّى مؤسس الفرقة أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي العلم والحديث على يد نصير بن يحيى البلخي، وأبي نصر أحمد بن العياضي، ومحمد بن مقاتل الرازي، وجميعهم من كبار علماء المذهب الحنفي، ومن هنا فقد قرر الكثير من علماء الحنفية أنّ النتائج التي وصل إليها الماتريدي تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره أبو حنيفة في العقائد، فكانت آراء أبي حنيفة هي الأصل، الذي تفرعت منه آراء الماتريدي.

ـ كان أبو منصور محمد الماتريدي معاصراً لأبي الحسن الأشعري، هذا في سمرقند، وذاك في البصرة وكان عصرهما مليئاً بالحركات الدينية، كالصوفية ورجال التصوف الكبار أمثال : أبي يزيد البسطامي، والجنيد، والحلاج ، كما نشطت فيه الحركات الشيعية، وكانت حركة الاعتزال في آخر أيامها، وكان لكلّ مذهب علماء يؤيدونه ويأخذون بمناصرته، وقد اتفق الماتريدي والأشعري على كثير من المسائل الأساسية، واُلفت كتب في حصر المسائل التي اختلف فيها الماتريدي والأشعري، ربما أوصلها بعضهم إلى أربعين مسألة.

ـ كان لأنصار أبي منصور الماتريدي الدور المهم في إنضاج المذهب، ونصرته، ونشره وإشاعته، فقد كافحوا الحشوية والوهابية على مرّ التأريخ وخصوصاً في عصر الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري، وكان على رأسهم في تحمل تلك المسؤولية الجسيمة كبار علمائهم ومفكريهم أمثال : أبي اليسر محمد بن محمد البزدوي، وأبي المعين محمد بن محمد النسفي، ونجم الدين عمر بن محمد الحنفي النسفي، وغيرهم من العلماء.

ـ قيل أنّ الماتريدية انبثقت من الكلاّبية ( عبد الله بن سعيد الكلابي )، والدليل على هذا أنّ أهمّ ما تتميز به الماتريدية هو القول بأزلية التكوين، وهذا ما قالت به الكلاّبية من قبل ظهور الماتريدية، كما أنّ المذهب الكلابي كان منتشراً في بلاد ماوراء النهر، وهي بلاد الماتريدي.

 

الأفكار والمعتقدات :

ـ قالوا : إنّ معرفة الله تعالى ومعرفة وحدانيته واتصافه بما يليق بهِ واجبة بالعقل، وإن لم يرسل الرسل، واحتجوا بقوله تعالى: (أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

ـ فسروا حقيقة الإيمان بأنّه الإقرار والتصديق ـ أي أنّ الإقرار شطر منه وركن من أركانه ـ فيكون كُلّ من التصديق القلبي والتصديق اللساني ركنان في مفهوم الإيمان.

ـ قالوا : إنّ الذكورة شرط في النبوة، وخالفهم الاشاعرة بقولهم إنها ليست شرطاً، بل تصحّ نبوة النساء.

ـ اعتقدوا إنّ القبح والحسن من اللوازم الذاتية للأشياء، وأنّ العقل يستطيع أن يدرك حسن الأشياء وقبحها.

ـ وقالوا في الأفعال : إنّ الله تعالى خالق الأشياء كلها، فلا شيء في هذا الوجود إلاّ وهو مخلوق لله تعالى، واثبات الخلق لغيره إثبات للشريك، وإنّ العبد له الكسب، وهو مختار فيه، وبهذا الكسب يكون الثواب والعقاب، ومعنى الكسب إنّ الله سبحانه أودع في العبد قدرة يستطيع العبد أن يكسب الفعل بقدرة مخلوقة فيه، ويستطيع أن لا يكسبه بهذه القدرة فهو حرّ مختار.

ـ قالوا : بحدوث القرآن، وأنّ كلام الله هو المعنى القائم بذاته سبحانه وتعالى، القديم بقدم الذات العلية، وأمّا الحروف والكلمات الدالة على هذا المعنى فهي حادثة.

ـ وقالوا : إنّ التكليف لا يجوز بما لا يطاق لعدم القدرة أو الشرط، إذ أنّ تكليف من منع من الطاقة فاسد في العقل، وأمّا من ضيع القوّة فهو حقّ أن يكلف مثله، ولو كان لا يكلف مثله، لكان لا يكلف إلاّ من يطيع.

ـ قالوا في رؤية الله تعالى : إنّها ثابتة بالنصوص، وهي من أحوال يوم القيامة، وقد اختصّ علم الله تعالى بتكييفها وأحوالها.

ـ قالوا : بلزوم الحكمة في أفعال الله تعالى، وأنّه لا يجوز أن تنفك عنها مطلقاً، وإنّ أفعاله تعالى معللة بالأغراض.

ـ وفي مرتكب الكبيرة قالوا : إنّ الإنسان المرتكب للذنوب كبيرها وصغيرها لا يخرج عن دائرة الإيمان، وإن كان عليه حساب وعقاب، لا يخلّد بالنار ولو مات من غير توبة، وذلك لمقتضى عدل الله وحكمته بالجزاء بالمثل، لا بالزيادة إلاّ في الثواب.

ـ خالفوا الاشاعرة في الصفات، وأثبتوا أنّ الصفات ذاتية لله سبحانه، مثل العلم، والقدرة، والحياة وإنها ليست زائدة على ذاته، بل هي عين الذات فقالوا : إنّ الله عالم بذاته، حي بذاته، قادر بذاته.

ـ قالوا : إنّ الإمام إذا جار أو فسق لا ينعزل، لأنّ القول بانعزال الأئمة بالفسق، إيقاع الفساد في العالم، واثبات المنازعات، وقتل الأنفس فإنّه إذا انعزل يجب على الناس تقليد غيره، وفيه فساد كثير.

 

أبرز الشخصيات :

1 ـ محمد بن محمد بن محمود السمرقندي، الماتريدي أبو منصور.

2 ـ محمد بن محمد بن الحسين البزدوي أبو اليسر.

3 ـ محمد بن محمد النسفي أبو المعين.

4 ـ نجم الدين عمر بن محمد بن احمد الحنفي النسفي السمرقندي أبو حفص.

5 ـ نور الدين احمد بن أبي بكر الصابوني البخاري أبو محمد.

6 ـ علي بن سلطان محمد الهروي الحنفي أبو الحسن.

 

الانتشار ومواقع النفوذ :

اشتهر المذهب الماتريدي في سمرقند، وبخارى، من بلاد ماوراء النهر. والسبب في قلة انتشاره هو كثرة الدعاية في عصر ظهوره، ضد أهل التعقل والتفكر، وصار الاستمرار على النقل المحض أولاً ، لموافقته منهاج المعتزلة في عدة من الأصول ثانياً.

 

أحداث ووقائع :

كثر الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة، ونجد الماتريدي في كتبه يركز كثيراً في الرد على المعتزلة، وهذا ما نجده في معظم مؤلفاته، وكذلك الحال بالنسبة لأتباعه، ولكن هذا لا يمنع من القول إنّ الماتريدية قد تأثرت بالمعتزلة، إذ أنّ المتكلمين جميعاً انطلقوا في مناهجهم من أصول واحدة، كما تعتبر المعتزلة هي المؤسسة لعلم الكلام، والمناهج الكلامية، وهذا التوافق والتشابه بينهما دفع بعض الباحثين إلى القول بالتوافق بين الماتريدية والمعتزلة، وإنّ الخلاف بينهما لفظي، ولكن عند استعراض أهم المسائل الخلافية والوفاقية بينهما، يتبين ضعف هذا القول وأنّ الماتريدية اقرب للأشعرية منها للمعتزلة.

 

من ذاكرة التاريخ :

ـ بعد انتشار كُلّ من المذهب الماتريدي والمذهب الأشعري وذيوعهما، التقى اتباع كلا المذهبين فحدث في أوّل الأمر بينهما نزاع وتنافر، ثُمّ لما تبين لهما حقيقة الخلاف بينهما آل النزاع إلى الإغضاء . وهذا مما دفع كلاً من الطرفين فيما بعد إلى حصر مسائل الخلاف حتى تقترب وجهة النظر ويزول النزاع. قال تاج الدين السبكي في الطبقات : تفحصت كتب الحنفية فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاثَ عشرةَ مسألة، منها ست مسائل معنوية، والباقي لفظية، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم تكفيراً.

 

خلاصة البحث :

ـ هي إحدى الفرق الإسلامية التي ظهرت في أوائل القرن الرابع في سمرقند، ودعت إلى مذهب أهل الحديث والسنّة وجمعت بين النقل والعقل، أسسها أبو منصور محمد بن محمد السمرقندي الماتريدي.

ـ ساعد على نشوئها الصراع الكلامي بين الإسلاميين، ومقدرة الماتريدي على طرح آرائِهِ وأفكاره في منهج يقتفي اثر المذهب الحنفي فقهاً وكلاماً.

ـ انتشار المذاهب العقلية الكلامية في البلاد الإسلامية، مهد الطريق أمام فكرة الماتريدي الداعية للجمع بين الحديث والعقل.

ـ نشاط الحركة العلمية في عصر الملوك السامانيين، وبناؤهم المدارس العلمية، والمكتبات، كان له الدور الفعّال في أن يبرز الماتريدي لمناقشة معتقدات المعتزلة وإقصائها عن الساحة في بلاد ما وراء النهر.

ـ اعتمدت الفرقة الماتريدية في أسسها على المذهب الحنفي فقهاً وكلاماً، حتى كانت آراء أبي حنيفة هي الأصل، الذي تفرعت منه آراء الماتريدي.

ـ طرحت الفرقة الماتريدية افكاراً ومعتقداتٍ ميزتها عن غيرها من الفرق الإسلامية، كان من أبرزها أنهم قالوا إنّ مصدر التلقي في الإلهيات والنبوات هو العقل، وأنّ المعرفة واجبة بالعقل قبل ورود السمع، وفسروا الإيمان بأنّه عبارة عن الإقرار والتصديق، واعتبروا الذكورة شرطاً في النبوّة. وقالوا بإمكان الرؤية إلاّ إنهم جهلوا كيفيتها. وعدّوا الحسن والقبح من اللوازم الذاتية للأشياء، واعتقدوا بحدوث القرآن، وقالوا بعدم جواز التكليف بما لا يطاق. وغيرها من الأفكار.

ـ انتشر المذهب الماتريدي في بخارى وسمرقند.

ـ تصدّى كبار علمائهم ومفكريهم لنشر آراء هذه الفرقة، ونظرياتها أمثال : محمد بن محمد البزدوي، ومحمد بن محمد النسفي أبي المعين، ونجم الدين عمر بن محمد بن احمد الحنفي أبي حفص، وغيرهم.