التعريف :
ـ فرقة من الفرق المجسمة أسسها محمد بن كرام السجستاني في القرن الثاني الهجري، عاصرت الخلافة العباسية، وسميت بالكرامية نسبة إلى مؤسسها الذي دعا إلى تجسيم معبودة.
عوامل الظهور :
ـ في ظلّ الخلافة العباسية تعددت الفرق الكلامية، ونبغ علماء وفلاسفة في الأنحاء المختلفة، وكثر نقل الآراء والنحل وتعريبها عن الأمم الداخلة في الإسلام، وبرزت آراء متناقضة ومختلفة ساعدت على بروز هذه الفرقة، التي تبنت القول بالتجسيم، واستطاعت أن تجمع حولها الاتباع والأنصار.
ـ ساعد دعم السلاطين المتواصل للكرامية من أمثال السلطان محمود بن سبكتين، وابنه محمد إلى نشوء وتوفير الأجواء الملائمة على انطلاق الكرامية وذلك لأنّ الكرامية كانت تدين بالوفاء والولاء للسلاطين الذين ساروا على وفق تعاليمها.
ـ كان للمظهر الصوفي لمحمد بن كرام من إبراز الزهد والتنسك والتقشف الدور الأكبر في اغترار جماعة من أهل السواد فبايعوه.
النشأة والتطور :
ـ ظهرت هذه الفرقة في مدينة سجستان، في القرن الثاني الهجري، على يد محمد بن كرام، وكانت دعوتهم الأولى إلى التجسيم.
ـ كثرة الأسفار التي قام بها محمد بن كرام في الأنحاء المختلفة، ونفيه إلى المدن البعيدة، استطاع أن يجمع حوله المريدين ممن تأثروا بأفكاره.
ـ في القرن السادس الهجري كان عصرهم الذهبي على يد إسحاق بن محمش، وأبنه أبو بكرن ثُمّ من بعد ذلك على يد محمد بن الهيصم، وقد ساعد على نصرة مذهبهم وارتفاع شأنهم، أنّ السلطان محمود بن سبكتين وابنه محمد يسيران على وفق التعاليم الكرامية.
ـ دعم السلاطين أمثال طغرل بك السلجوقي، الذي كان ينتصر للكرامية، الأمر الذي ساعد على انتشارهم.
الأفكار والمعتقدات :
ـ تجسيم المعبود، وزعموا أنّه جسم له حدّ ونهاية، وقالوا إنّ له وجهاً ويدين، يد لا كالأيدي، ووجه لا كالوجوه، واثبتوا جواز رؤيته. ـ إنّ الله لا يقدر على إعادة الأجسام والجواهر أنما يقدر على ابتدائها.
ـ إنّ الإمامة تثبت بإجماع الأمّة دون النصّ والتعيين، وجوّزوا البيعة لإمامين في قطرين، وغرضهم من ذلك إثبات خلافة معاوية في الشام، واثبات إمامة أمير المؤمنين علي في الكوفة.
ـ اعتنقوا فكرة التحسين والتقبيح العقليان، والعقل عندهم يحسن ويقبح قبل ورود الشرع، وتجب عندهم معرفة الله بالعقل.
ـ قالوا إنّ الله محل الحوادث، وإنّما يرى الأشياء برؤية تحدث فيه، ويدرك ما يسمعه بادراك يحدث فيه، ولولا حدوث الإدراك لم يكن مدركاً لصوت ولا مدركاً لمرئي.
ـ إنّ جميع فرق الأمّة من أهل الجنة، وإنّ أهل الأهواء بعد العقاب يصيرون إلى الجنة ولا يدوم عقابهم.
ـ إنّ جميع رسل الله ( صلوات الله عليهم ) يعصون الله تعالى في جميع الكبائر والصغائر ،عمداً حاشا الكذب في التبليغ، فأنّهم معصومون فيه .
ـ صحة الصلاة المفروضة، والصوم المفروض، والحج المفروض بلا نية، وزعموا إنّ نية الإسلام في الابتداء كافية عن نية كُلّ فريضة من فرائض الإسلام.
ـ إنّ غسل الميت والصلاة عليه سنتان غير مفروضتين، وإنّما الواجب كفنه، ودفنه.
ـ إنّ الرسالة والنبوة صفتان حاَّلتان، أو عرضان حاَّلان بالنفس، وإنّ النبوة والرسالة معنى مركوزاً أزلاً في نفس النبيّ أو الرسول، وهذا هو الاصطفاء.
ـ لا يحدث في العالم جسم ولا عرض إلاّ بعد حدوث أعراض كثيرة في ذات معبودهم، منها إرادته لحدوث ذلك الحادث، ومنها قوله لذلك الحادث كن على الوجه الذي علم حدوثه فيه.
ـ رأوا تصويب معاوية في ما استبدّ به من الأحكام الشرعية، قتالاً على عثمان، واستقلالاً ببيت المال.
ـ جعلوا الإيمان قولاً بلا معرفة وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن.
ـ التفريق بين الخلق والمخلوق، والإيجاد والموجود، وكذلك بين الإعدام والمعدوم، فالمخلوق إنما يقع بالخلق، والخلق إنما يقع في ذاته بالقدرة والمعدوم يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة.
ـ إنّ الإيمان إقرار فرد على الابتداء، وإنّ تكريره لا يكون إيماناً إلاّ من المرتدّ إذا أقرّ به بعد ردّته، وإنّ المقرّ بالشهادتين مؤمن حقاً وإن اعتقد الكفر بالرسالة، فالإيمان قول باللسان بلا معرفة.
ـ القول بالشفاعة يوم القيامة.
ـ إنّ الله لم يزل متكلماً قائلاً. ثُمّ فرقوا بين الأسمين في المعنى ( متكلماً، قائلاً ) فقالوا أنّه لم يزل متكلماً بكلام هو قدرته على القول، ولم يزل قائلاً بقائلية لا بقول ـ والقائلية قدرته على القول ـ وقوله حروف حادثة فيه. فقول الله حادث وكلامه قديم.
ـ أنّه لا يجوز في حكمة الله اخترام الطفل الذي يعلم أنّه لو أبقاه إلى زمان بلوغه الآمن، آمن ولا اخترام الكافر الذي لو أبقاه إلى مدة آمن، إلاّ أن يكون في اخرامه إياه قبل وقت إيمانه صلاح لغيره.
ـ إنّ في ذاته سبحانه حوادث كثيرة مثل الأخبار عن الأمور الماضية والآتية، والكتب المنزلة على الرسل (عليهم السلام)، والقصص والوعد والوعيد والأحكام.
ـ صحة الصلاة في ثوب كله نجس، وعلى ارض نجسة، ومع نجاسة ظاهر البدن، وإنّما أوجبوا الطهارة عن الإحداث دون الانجاس.
ـ لهم معنى في العظمة : قالوا إنّ معنى عظمته أنّه مع وحدته على جميع أجزاء العرش، والعرش تحته وهو فوق كله، على الوجه الذي هو فوق جزء منه.
ـ إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) إذا ظهرت دعوته فمن سمعها منه، أو بلغه خبره، لزمه تصديقه، والإقرار به، من غير توقف على معرفة دليله.
ـ في صلاة المسافر يكفيه تكبيرتان من غير ركوع ولا سجود، ولا قيام ولا قعود، ولا تشهد.
ـ من أصولهم إنّ الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء، حتى يستحيل عدمها، إذ لو جاز عليها العدم لتعاقبت على ذاته الحوادث، ولشارك الجوهر في هذه القضية، وأيضاً لو قدر عدمها فلا يخلو أمّا يقدر عدمها بالقدرة أو بإعدام يخلقه في ذاته، ولا يجوز أن يكون عدمها بالقدرة لأنّه يؤدّي إلى ثبوت المعدوم في ذاته، وشرط الموجود والمعدوم أن يكونا متباينين لذاته، ولو جاز وقوع معدوم في ذاته، بالقدرة من غير واسطة إعدام لجاز حصول سائر المعدومات بالقدرة ثُمّ يجب طرد ذلك في الموجود، حتى يجوز وقوع موجود محدث في ذاته وذلك محال عندهم.
ـ قالوا إنّ الله تعالى لو اقتصر على رسول واحد من أول زمان التكليف إلى القيامة وأدام شريعة الرسول الأول ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن حكيماً.
أبرز الشخصيات :
ـ محمد بن كرام.
ـ إسحاق بن محمش.
ـ أبو بكر بن إسحاق بن محمش.
ـ محمد بن الهيصم.
ـ إبراهيم بن مهاجر.
ـ عبد الله بن مسلم قتيبة.
ـ مجد الدين عبد المجيد المعروف بالقدوة.
الانتشار ومواقع النفوذ :
ـ انتشرت الكرامية في البدء في مدينة سجستان، وعندما نفي محمد كرام إلى مدينة غرجستان التفّ حوله أهلها، وبالخصوص أهل سوفين، وافشين، ثُمّ كان لها الحظ الأوفر في مدينة نيسابور، وبعد أن انتقل محمد بن كرام إلى ثغور الشام، وروّج لدعوته هناك أخذ أهل الشام يلتفون حوله، واستطاع أن يكسب من أهالي بيت المقدس حوالي عشرين ألف.
أحداث ووقائع :
ـ كان السلطان محمود بن سبكتين وابنه محمد يسيران على وفق التعاليم الكرامية، وكانت معظم المناظرات التي كانت تدور بين الكرامية والأشاعرة في مجلس السلطان وعلى مرأى ومسمع منه، وكان يروق له رؤية كرامي ينتصر في مناقشة، أو جدال، مع أشعري أو معتزلي، ولم يكتف السلطان باعتقاده عقيدة الكرامية، بل انزل سخطه بأصحاب الحديث والشيعة.
ـ حدث خلاف في نيسابور بين الكرامية والأشاعرة، وقد انتصر للكرامية السلطان طغرل بك السلجوقي، فأمر بالقبض على الرئيس الفراتي، والأستاذ أبي القاسم القشيري، وإمام الحرمين أبي سهل بن الموفق ومنعهم، من المحافل.