مناظرة رسول الله(ص) مع النصارى
  • عنوان المقال: مناظرة رسول الله(ص) مع النصارى
  • الکاتب:
  • مصدر: الاحتجاج 1/ 18
  • تاريخ النشر: 4:32:6 2-10-1403

قالت النصارى : نحن نقول إن المسيح ابن الله اتحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت والطاغوت و بكل معبود سواه.

ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا وحجة على العالمين ، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره .

ثم أقبل على النصارى فقال لهم : وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه ، فما الذي أردتموه بهذا القول ، أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى ، أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما كوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ، فإن أردتم أن القديم صار محدثا فقد أبطلتم ، لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، وإن

أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما ، وإن أردتم أنه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله ، لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به – بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده – فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه .

فقالت النصارى : يا محمد إن الله لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله ، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم فقال له : يا محمد أو لستم تقولون إن إبراهيم خليل الله ؟ قال : قلنا ذلك . قال : فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنهما لن يشتبها ، لأن قولنا إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة والخلة إنما معناها الفقر والفاقة ، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا وإليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا ، وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له :

أدرك عبدي ، فجاء فلقيه في الهواء فقال له : كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك .

فقال إبراهيم : حسبي الله ونعم الوكيل إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه ، فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه ، وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان الخليل معناه العالم به وبأموره ، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه . ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، وأن من يلده الرجل وإن

أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأن معنى الولادة قائم به .

ثم إن وجب لأنه قال لإبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأن عيسى ابنه وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى إنه ابنه ، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا إن موسى أيضا ابنه ، وإن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما قد ذكرته لليهود.

فقال بعضهم لبعض وفي الكتب المنزلة إن عيسى قال ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ، ثم إن ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من وجهة الاختصاص كان ابنا له ، لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” ، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى ، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها ، لأنه إذا قال ” أذهب إلى أبي وأبيكم ” فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح وأن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا .

قال : فسكت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك وسننظر في أمورنا .