إسلام عمر
  • عنوان المقال: إسلام عمر
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 10:33:32 2-10-1403

هذه قصّة جديرة بالتأمّل تتعلّق بعمر بن الخطاب قبل الإسلام. قال الماوردي الشافعي: ومن بشائر هتوفهم: ما رواه إبراهيم [..]عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب حدّث يوما في مجلس بعد رسول الله (ص) فقال: خرجنا قبل مظهر النبي(ص) بشهرين إلى الأبطح بمكّة معنا عجل نريد ذبحه و نحن نفر، فلمّا ذبحناه وتصابّ دمه ومات، إذ صاح من جوفه صائح "يا زريح، يا زريح، صائح يصيح، بصوت فصيح، نبيّ يظهر الحقّ يفيح، يقول لا إله إلا الله"؛ فصاح كذلك ثلاث مرّات ثمّ هدأ صوته و تفرّقنا و رعبنا منه فلم يلبث النبي(ص) أن ظهر([1]).

 

أقول:

هذه القصّة تفيد أنّ عمر بن الخطّاب كان يعلم ببعثة النبي(ص) قبل أن يبعث، فكان المفروض أن يكون من المنتظرين لبعثته والمسارعين إليها حين تحقّقها. لكن التّاريخ يحدّثنا بعكس ذلك، فقد تأخّر إسلام عمر وأسلم قبله ابنه ([2]) وأخته وختنه وناس كثير، فما الذي أبطأ به؟!

وقال ابن عاشور في تفسيره: كان الوليد بن المغيرة وعمر بن الخطّاب كافرين، وكان كلاهما يدفع النّاس من اتّباع الإسلام، ولكنّ الوليد كان يختلق المعاذير والمطاعن في القرآن، وذلك من الكيد؛ وعمر كان يصرف النّاس بالغلظة علنا دون اختلاق([3]).

أقول: وهذا صريح في أنّه كان يصرف النّاس عن الإسلام بالغلظة وهو يعلم ببعثة النبي(ص) كما سبق بيانه. وفرق كبير بين من يعلم ومن لا يعلم. فكيف يصبح أفضل من الذين لم يصدّوا عن سبيل الله لحظة واحدة لمجرّد أنّه أسلم. فإنّ الإسلام الذي يجبّ ما قبله لا يبخس الناس أشياءهم. فيكون عمر ساوى من عذّبهم في الإسلام لكنّهم فضلوه بأنّهم لم يتلبّسوا بفعل المضلّين عن سبيل الله الذين يفتنون النّاس في دينهم .

وقال أيضا: كان المشركون يحاولون ارتداد بعض قرابتهم أو من لهم به صلة، كما ورد في خبر سعيد بن زيد وما لقي من عمر بن الخطّاب([4]).

قال محمد بن سعد في خبر إسلام عمر: ... قال[عمر] فلعلّكما قد صبوتما؟ قال: فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك؟ قال: فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر! إن كان الحقّ في غير دينك؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله! فلمّا يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: وكان عمر يقرأ الكتب! فقالت أخته إنّك رجس ولا يمسّه إلا المطهّرون فقم فاغتسل([5]) .

 

أقول:

إن صحّ قولهم "كان عمر يقرأ الكتب" فهذه حجّة أخرى في ذمّته، لأنّه ليس من علم كمن لم يعلم، فإن يكن قد قرأ بعض الكتب فقد قرأ في ما قرأ أخبارا وإخبارا بخصوص بعثة النبي(ص). فهو يختلف عن غيره من المشركين الذين لم يكن لديهم خبر عن ذلك.

قال البغوي: قوله تعالى{يا أيها النّبي حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين} قال سعيد بن جبير: أسلم مع رسول الله(ص) ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة، ثمّ أسلم عمر بن الخطّاب فتمّ به الأربعون فنزلت هذه الآية([6]).

قال ابن عاشور: وهذه الجملة تفيد بيان مزيّة المؤمنين الذين تحمّلوا الأذى من المشركين وصبروا عليه ولم يؤاخذوا به من آمن ممّن آذوهم مثل أخت عمر بن الخطّاب قبل إسلامه، ومثل صهره سعيد بن زيد، فقد قال«لقد رأيتني وإنّ عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر» فكان في صبر سعيد خير دخل به عمر في الإسلام([7]).

 

أقول:

فأين الأذى الذي تحمّله عمر في سبيل الإسلام؟ و هل كان من الممتحنين في شعب أبي طالب؟!

قال[ابن عاشور]: والمؤمنات المفتونات منهنّ: حمامة أمّ بلال أمة أميّة بن خلف، وزنيرة، وأمّ عنيس كانت أمة للأسود بن عبد يغوث، والنّهديّة وابنتها كانتا للوليد بن المغيرة، ولطيفة، ولبينة بنت فهيرة كانت لعمر بن الخطّاب قبل أن يسلم، كان عمر يضربها، وسميّة أمّ عمار بن ياسر كانت لعمّ أبي جهل([8]).

 

أقول:

ومع ذلك تقضي ثقافة الكرسيّ أن يكون من عذّب المسلمين لأجل الإسلام أفضل عند الله من المسلمين الذين تعذبوا على يديه! بأيّ دليل؟ وبأيّ معيار؟ بدليل واحد هو أنّه تربّع على كرسي الحكم ولم يتربّعوا!

قال ابن الأثير: ومنهم: لبينة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بن كعب أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطّاب، وكان عمر يعذّبها حتى تفتن ثمّ يدعها ويقول: إني لم أدعك إلا سآمة! فتقول: كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم؛ فاشتراها أبو بكر فأعتقها. ومنهم: زنيرة وكانت لبني عديّ، وكان عمر يعذّبها؛ وقيل كانت لبني مخزوم وكان أبو جهل يعذّبها حتى عميت فقال لها: إنّ اللات و العزّى فعلا بك، فقالت: وما يدري اللاّت والعزّى من يعبدهما، ولكن هذا أمر من السّماء وربّي قادر على ردّ بصري، فأصبحت من الغد وقد ردّ الله بصرها فقالت قريش: هذا من سحر محمّد! فاشتراها أبو بكر فأعتقها ([9]).

وفي لباب النّقول عن الضّحّاك عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية{ أفمن زيّن له سوء عمله} حيث قال النبي(ص): اللّهمّ أعزّ دينك بعمر بن الخطّاب أو بأبي جهل بن هشام، فهدى الله عمر وأضلّ أبا جهل ففيهما أنزلت([10]).

 

أقول:

أما أبو جهل فقد كانوا يقولون عنه:«مصفّر استه»([11])، ولا يمكن أن يكون مثل هذا مصدرا للعزّ، وعلى وجه الخصوص عزّ الإسلام! وأما عمر بن الخطّاب فيبقى الحكم للقارئ بعد إنهاء قراءة هذا الكتاب.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمّه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنّا لنرحل إلى أرض الحبشة فقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر بن الخطّاب (رض) حتّى وقف عليّ وهو على شركه، وكنّا نلقى منه البلاء والشّدّة علينا (!) فقال: إنّه الانطلاق يا أمّ عبد الله؟ فقلت: نعم والله، لخرجنّ في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتّى يجعل الله لنا مخرجا. فقال: صحبكم الله؛ ورأيت له رقّة لم أكن أراها، ثمّ انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قالت: فجاء عامر بن ربيعة من حاجته تلك فقلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفا ورقّته وحزنه علينا! قال: فتطمعين في إسلامه؟ قلت: نعم. قال: لا يسلم الذي رأيت حتّى يسلم جمل الخطّاب! قال يائسا منه، ممّا كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام([12]).

و عن حصين عن هلال بن يساف قال: أسلم عمر بن الخطّاب بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة([13]).

وقالوا في ترجمة زيد بن الخطّاب: " أخو عمر، كان قديم الإسلام، وشهد بدرا، واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة "([14]).

 

أقول:

وهذا يعني أنّ زيدا أسلم قبل أخيه عمر. وبناء على ما سبق من كون أخته وابنه أسلما قبله يكون عمر بن الخطّاب هو آخر آل الخطّاب إسلاما! وشهد زيد بن الخطّاب بدرا في قلب الهجوم وشهدها عُمر على كرسيّ الاحتياط.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمّه ليلى قالت: كان عمر بن الخطّاب من أشدّ النّاس علينا في إسلامنا([15]).

وعن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول قد أسكنهم الغرف قبل أن يطيعوه وأدخلهم النّار قبل أن يعصوه، وقد كان عمر بن الخطّاب يحمل الطّعام إلى الأصنام والله تعالى يحبّه[!] ما ضرّه ذلك عند الله طرفة عين([16]).

 

أقول:

{ وما قدروا الله حق قدره}، انظر إلى أي مستوى بلغ بهم سوء الأدب مع الله تعالى، وإلاّ فكيف يقبل عاقل موحّد أن يكون الله تعالى محبّا للمشرك حال شركه؟! أوليس هو الذي قال في الكتاب الكريم{إنّما المشركون نجس}؟! فكيف يصف الله تعالى المشرك أنّه (نجس) ويحبّه حال شركه؟! وهل هناك عاقل يحبّ النّجس؟ وعلى كل حال لم يدّع عمر بن الخطّاب يوما أنّ الله تعالى يحبّه. وقد رووا عن علي(ع) أنّ رسول الله(ص) قال: «يا فاطمة، إنّ الله عز وجلّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» أخرجه أبو سعد في (شرف النّبوة) والإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده وابن المثنّى في معجمه([17]). وعليه تغدو محبّة الله تعالى لعمر حال شركه أو إسلامه صعبة الإثبات، لأنّ فاطمة(ع) خرجت من الدّنيا غاضبة عليه. وقد قال رسول الله(ص) أيضا: «من أغضبها فقد أغضبني»([18]). وقد أغضبها عمر بن الخطاب فتحقّق منه الأذى لرسول الله(ص).

قالوا:استدلّ به السّهيلى على أنّ من سبّها([19]) كفر وأنّها أفضل من الشّيخين . قال ابن حجر فيه نظر([20]).

 

أقول:

كلّ ما من شأنه أن يشكّك في منزلة الشّيخين ففيه نظر عند ابن حجر وأتباع مدرسته، حتّى لو كان قرآنا فإنّه يجب تأويله بما ينسجم مع نظريّة أفضليّة الأربعة على التّرتيب والعشرة المبشّرين بالجنّة. وإلاّ فلماذا لم يخرج رسول الله(ص) بالشّيخين إلى المباهلة يوم وفد نجران؟!

سوء الأدب بمحضر النبي (ص):

لعلّ بعض القرّاء يصدمون إذا اكتشفوا أنّ بعض الصّحابة كانوا يقولون الكلام الفاحش البذيء أمام رسول الله(ص)، ولا يعتذرون من ذلك إلاّ إذا رأوا منه (ص) إعراضا يخشون أن يسقطهم نهائيّا من أعين النّاس.

قال ابن إسحاق: حتى إذا كان [رسول الله]بعرق الظبية ـ قال ابن هشام الظبية عن غير ابن إسحاق ـ لقوا رجلا من الأعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا، فقال له النّاس سلّم على رسول الله (ص) قال: أوفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم . فسلّم عليه ثم قال: إن كنت رسول الله فأخبرني عمّا في بطن ناقتي هذه، فقال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله (ص) وأقبل عليّ فأنا أجيبك عن ذلك، نزوت عيها ففي بطنها منك سخلة! فقال رسول الله (ص): مه، أفحشت على الرّجل، ثمّ أعرض عن سلمة([21])..

أقول: وقد تصرّفوا في نقل القصّة وفق ما تقتضيه عدالة جميع الصّحابة، فحذف كلّ ناقل ما استبشعه، لكن لم يمكنهم حذف الكلام البذيء الذي تفوّه به سلامة بن وقش، لاستلزامه حذف كلام رسول الله(ص)، ولعلّ ذلك مما دعاهم إلى عدّ سلمة بن سلامة بن وقش ضمن المنافقين في ما بعد([22]) .

وروى البخاري وغيره (بخصوص صلح الحديبية) قال: قال عروة عند ذلك: «أي محمّد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر(رض): امصص ببظر اللاّت أنحن نفرّ عنه وندعه؟! فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك»([23]).

أقول:

وإن تعجب فعجب قول الشّوكاني«وفيه جواز النّطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحقّ به ذلك» ! لكنّ ابن الجوزي استبشع العبارة فأبهم ولم يصرّح بأبي بكر بل قال: قال رجل من الصّحابة لبعض الكفّار «امصص ببظر اللاّت»، والبظر ما عند القطع([24]). وفي النّهاية في حديث الحديبية «امصص ببظر اللاّت البظر بفتح الباء الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان»([25]).

فهل يستطيع عاقل تفسير هذه العبارة لأحد أولاده أو أقاربه؟وهل يستطيع شرح ذلك للتّلاميذ إن كان مدرّسا ؟! وإنما لكون الناطق بالكلام الفاحش بحضرة رسول الله (ص) أبا بكر جوّزوا النطق بما يستبشع وتجاهلوا حرمة رسول الله (ص) وقوله:" لي المؤمن بالبذيء"!

لاشكّ بعد هذا أنّ المعاصرين لرسول الله(ص) لم يكونوا يعرفون له حرمته؛ والكلام السّابق ومحلّ التّلفّظ به ـ بحضرة النبيّ الكريم(ص) ـ خير دليل على ذلك. فمن زعم أنّ الأمر كان على خلاف ذلك فليبيّن!

في تفسير البغوي: "عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عبّاس عن عمر بن الخطّاب (رض) أنّه قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله(ص) ليصلّي عليه فلما قام رسول الله(ص) وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلّي على ابن أبيّ بن سلول وقد قال يوم كذا وكذا و كذا ؟ أعدّد عليه قوله فتبسّم رسول الله(ص) وقال: أخّر عنّي يا عمر؛ فلمّا أكثرت عليه قال: إنّي خيّرت فاخترت، لو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين يغفر له لزدت عليها. قال: فصلّى عليه رسول الله(ص) ثمّ انصرف فلم يمكث إلاّ يسيرا حتّى نزلت الآيتان من براءة:{ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} إلى قوله: {وهم فاسقون} قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله(ص) يومئذ والله ورسوله أعلم([26]).

أقول:

الحديث وارد في صحيح البخاريّ([27])و مضمونه أنّه لما أراد النّبيّ الصّلاة على جنازة عبد الله بن أبيّ قال له عمر: أتصلّي عليه وقد قال كذا وكذا ؟ أليس قد نهاك الله أن تصلّي على المنافقين ؟ ويدلّ مضمون الحديث على أنّ النّهي عن الصّلاة على المنافقين الذي ورد في {ولا تصلّ على أحد منهم مات} نزل بعد هذه القصّة التي دارت بين النبي(ص) وبين عمر. و قد أثبتوا ـ من باب الموافقات ـ في الحديث أنّ الآية {ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا} نزلت بعد هذه الواقعة...فإذا كان ذلك كذلك، فمن أين اطّلع عمر على النهي قبل أن يتنزل الوحي المتعلق بالنهي ؟ وكيف اطلع عليه قبل أن يطّلع عليه من يتنزّل عليه الوحي ؟ كيف علم عمر أنّ الله تعالى نهى نبيّه (ص) و الآية المشتملة على النّهي لم تكن قد نزلت بعد ؟! ومن أين أتى عمر بهذا النّهي؟ ومثل هذا النّهي حكم شرعيّ وإنّما تتنزّل الأحكام على صاحب الشّريعة؛ والذين ذهبوا إلى الاستدلال بقوله تعالى {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم….}([28]) يعلمون أنّه لا يليق بمن هو رحمة للعالمين إلاّ أن يكون بالمستوى اللاّئق لذلك، وهو إنّما يتألّف الآخرين بسلوكه تلك الطّريقة مع عبد الله بن أبيّ بن السّلول، عسى أن تلين قلوبهم لما يرون من رحمة من خلال تلك الصّلاة.

وأخرج البيهقيّ عن ابن عائذ قال: خرج رسول الله(ص)في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطّاب لا تصلّ عليه يا رسول الله فإنّه رجل فاجر (!)فالتفت رسول الله(ص)إلى الناس قال هل رآه أحد منكم على الإسلام فقال رجل نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله فصلى عليه رسول الله(ص)وحثى عليه التراب وقال:«أصحابك يظنون أنك من أهل النار وأنا أشهد أنك من أهل الجنة وقال يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة([29]) .

والقصة أخرجها ابن عبد البر كالتالي:

عن أبي عطيّة أنّ رجلا توفّي على عهد رسول الله(ص) فقال بعضهم يا رسول الله لا تصلّ عليه فقال رسول الله(ص): هل منكم من أحد رآه على شيء من أعمال الخير؟ فقال رجل: حرس معنا يا رسول الله ليلة كذا وكذا . فصلّى عليه رسول الله(ص) ومشى إلى قبره فجعل يحثو عليه التّراب ويقول: إنّ أصحابك يظنّون أنّك من أهل النّار، وأنا أشهد أنّك من أهل الجنّة ثمّ قال رسول الله(ص):لعمر (رض): إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس، وإنما تسأل عن الغيبة([30]).

أقول:

هذه واقعة ينبغي التوقف عندها والتّأمل بعين البصيرة واستحضار عظمة الله تعالى حين الحكم، فإنّ من أبغض الأمور إلى الله تعالى الحكم بالهوى، وهو الأمر الذي جلب لبني إسرائيل اللعن على لسان داوود وعيسى بن مريم. لدينا في هذه القصة شهادة من رسول الله(ص) للصّحابي المتوفّى يشهد له فيها بالجنة والنّجاة، ولدينا في نفس الواقعة شهادة عمر عليه بخلاف ذلك؛ وشهادة رسول الله (ص) مستندة إلى ما يريه الله تعالى وإلى ارتباطه الدائم بعالم الغيب . فإلام تستند شهادة عمر؟ وقد أمر النّاس في الإسلام بحسن الظّن، كما أمروا أن يذكروا موتاهم بخير. والاختلاف بين رسول الله (ص) وبين عمر بن الخطاب في هذه القضية واضح لا يحتاج إلى بيان، ولا يمكن بحال من الأحوال الجمع بين السلوكين، فمن شاء فليقتد برسول الله(ص)، ومن شاء فليقتد بعمر؛ وأقول مرة أخرى: الجمع بينهما لا يستقيم في العقول. ثمّ ما أعظمها وأنفعها كلمة من رسول الله(ص) إذ يقول لعمر: «إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس». وانظر إلى ابن عبد البرّ يقول: «فقال بعضهم يا رسول الله لا تصلّ عليه» ثمّ يقول في ذيل الحديث: «ثمّ قال رسول الله(ص) لعمر (رض): إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس»، ومن حقّ العاقل أن يتساءل لماذا يوجّه النبي(ص) كلامه إلى عمر ويترك «بعضهم» القائل؟! اللّهمّ إلاّ أن يكون «بعضهم» القائل هو عمر نفسه وذلك به أشبه، لأنّ له مثل هذا السّلوك يوم وفاة عبد الله بن أبيّ بن السّلول؛ لكنّه يعزّ على ابن عبد البرّ أن يقرّ بذلك ويعترف بالحقيقة خشية أن يتزعزع اعتقاده في الرّاشدين والعشرة المبشرين، وتتسرب تلك الزعزعة إلى تلامذته وأتباعه.

قال الزّهري في حديثه عن عروة عن (مروان) والمسور، ورواه أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطّاب (رض): فأتيت النبي(ص) فقلت: ألست نبيّ الله حقّا ؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: بلى؛ قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذن ؟ قال: إنّي رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري . قلت: أو ليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام ؟ قلت: لا . قال: فإنّك آتيه ومطوّف به . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا ؟ قال: بلى؛ قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل ؟ قال: بلى؛ قلت: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار ؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنيّة في ديننا إذا ؟ قال: أيّها الرّجل ! إنّه رسول الله ليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنّه على الحقّ . قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال: بلى، أ فأخبرك أنّك تأتيه العام ؟ قلت لا . قال: فإنّك آتيه ومطوّف به . قال الزّهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا([31]).

يخيّل للسّامع أنّ الكلام في محلّه، والحال أنّه خلاف الواقع. وفي المغرب العربي مثل يقول: " يمدد المرء رجليه على قدر فراشه ". نعم، إنّما يدّعي الإباء الأبيّ فعلا، أمّا من لا يتحلّى بذلك ثمّ يدّعيه فإنّه كلابس ثوبي زور. كيف سمح عمر بن الخطّاب لنفسه بترديد تلك العبارة أمام رسول الله(ص) وكأنّه لم يعط الدّنيّة في دينه؟! أوليس هو الذي فرّ مرّة بعد مرّة تاركا رسول الله(ص) بين يدي الأعداء عرضة للقتل؟ أليس هذا من الدّنيّة؟ وهل هناك دنيّة على المسلم أعظم من فراره من المشرك ؟ ألم يشهد على نفسه بالفرار يوم أحد؟ ألم يشبه نفسه بالأروى في قوله: « أنزو كأنني أروى»؟ فكيف صار لا يعطي الدنية في دينه؟ إنّ الذي لا يعطي الدّنيّة في دينه لا يسلم نبيّه(ص) للقتل، ولا يفكّر في نجاة نفسه قبل نجاة نبيّه(ص) الذي هو أولى به من نفسه! وما أقبح بالمسلم أن يفرّ من المشرك بعد أن وعده الله تعالى إحدى الحسنين. وما أقبح به ذلك بعد أن عاهد الله تعالى ألا يفرّ من الزّحف{ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا}([32]).

ورووا أن ّ رسول الله« لما كان دوين بدر([33]) أتاه الخبر بمسير قريش فأخبر رسول الله (ص) بمسيرهم واستشار الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن! ثمّ قام عمر فقال فأحسن ثمّ قال: يا رسول الله، إنّها قريش وعزّها! والله ما ذلّت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزّها أبدا، و لتقاتلنّك، فاتّهب لذلك أهبته وأعد عدته»([34])..

أقول:

ما هو القول الحسن الذي قاله أبو بكر ولم يحفظه الرّواة؟ وما هو القول الحسن الذي قاله عمر قبل أن يبدأ بتخويف رسول الله(ص) وتثبيط العزائم وتعظيم شأن قريش؟! حقيقة ذلك نجدها في صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل: عن ثابت عن أنس أن رسول الله (ص) حيث بلغه إقبال أبي سفيان قال فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه! ثم تكلّم عمر فأعرض عنه! فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها»([35]). وليس في الرواية
«فقام أبو بكر فقال فأحسن! ثمّ قام عمر فقال فأحسن»، وإنّما فيها أنّ النبي(ص) أعرض عنهما جميعا، عن أبي بكر أوّلا ثم عن عمر بعد ذلك. وانطلاقا من هذه الرواية أقول:

إذا كان كلام أبي بكر حسنا فلماذا أعرض عنه رسول الله(ص)؟! ومتى أعرض بسطاء المتخلّقين عن الحديث الحسن فضلا عن صاحب الخلق العظيم؟! وقد نقلوا كلام عمر لكون الكلمات النّابية كثيرة في حديثه، لكنهم حذفوا كلام أبي بكر خشية أن يختلّ الترتيب المعلوم فتسقط ورقة التّوت!

ويوم بدر كان لعمر موقف مشابه، وكان يريد قتل العبّاس بن عبد المطلب، والعباس لم يحارب رسول الله(ص) في مكّة لا بيد ولا بلسان. فقد استشار النبي(ص) النّاس في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله أضرب أعناقهم فأعرض عنه النبيّ (ص) ثمّ عاد رسول الله(ص) فقال: يا أيها الناس إنّ الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس. فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي(ص)ثمّ عاد النبي(ص) فقال للنّاس مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق (رض) فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول الله (ص) ما كان فيه من الغم..([36]).

فالحديث يصرّح أنّ رسول الله(ص) أعرض عنه مرّتين ويصرّح أيضا أنّ فعل عمر بن الخطاب تسبّب في ظهور الغمّ على وجه رسول الله(ص)، وهذا يعني أنه آذاه!

قال ابن تيمية: وكلّ من كان عالما بالصّحابة يعلم أنّ عمر(رض) كان متأدّبا معظّما بقلبه لأبي بكر(رض) شاهدا أنّه أعلى منه إيمانا ويقينا، فكيف يكون حال عمر وغيره مع النبيّ(ص)، وإذا كان هذا حال أفضل المحدّثين المخاطبين فكيف حال سائرهم([37]) ..

أقول:

لابن تيمية الحقّ في أن يقول ما شاء، لكن ليس له الحقّ أن يفرض على النّاس ما لا دليل على صحّته، ويكفي لبيان سوء أدب من ذكرهم بحضرة الرّسول الكريم (ص) ما جرى يوم الحديبية بين أبي بكر وعروة بن مسعود الثّقفي، وتلك الكلمة القبيحة المستهجنة التي قالها أبو بكر بمحضر النبي (ص)ولم يرع له حرمته، إضافة إلى كلمة سلمة بن وقش قبله يوم بدر.

قال ابن القيّم: وذكر ابن الهادي عن محمّد بن إبراهيم التّيمي قال: قال عمر بن الخطّاب: «إياكم والرّأي فإنّ أصحاب الرّأي أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلّتت منهم أن يحفظوها فقالوا في الدّين برأيهم». وقال الشّعبي عن عمرو بن حريث قال: قال عمر بن الخطّاب (رض): «إيّاكم وأصحاب الرّأي فإنّهم أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرّأي، فضلّوا وأضلّوا»([38]). وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصّحّة. وروى محمّد بن عبد السّلام الخشني عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطّاب أنّه قال:« أيّها النّاس اتّهموا الرّأي في الدّين فلقد رأيتني وإنّي لأردّ أمر رسول الله(ص) برأيي فأجتهد ولا آلو وذلك يوم أبي جندل والكتاب يكتب وقال: اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا: يكتب باسمك اللهمّ فرضي رسول الله(ص) وأبيت فقال: يا عمر تراني قد رضيت وتأبى([39])..؟!

يقول عمر بن الخطّاب "رضي رسول الله (ص) وأبيت "، وكأنّه شريك لرسول الله(ص) في رسالته ! ويقول القرآن الكريم: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا}([40]). فكأنّ عمر بن الخطاب لا يعلم أنّ من يخالف رسول الله (ص) في ضلال مبين. وانظر إلى قول النبي(ص) " تراني رضيت وتأبى " وتدبّر!! فإن يكن هذا وقع بعد نزول سورة الحجرات فهو تمرّد من جهة عمر، لقوله تعالى { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}([41]) وإلاّ فهو سوء أدب.. ولا يفوت المتتبع أنّ عمر أوّل من فتح باب الرّأي بشهادة الصّحابة. روى البخاري في صحيحه عن عمران (رض) قال تمتعنا على عهد رسول الله (ص) فنزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء([42]). والحديث موجود أيضا في صحيح مسلم وسنن النسائي وغيرهما.

وعن عبد الله بن سلام قال: لما أراد الله تعالى هدي زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيء إلاّ وقد عرفتها في وجه محمد (ص) حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدّة الجهل عليه إلاّ حلما ؛ فكنت ألطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله . قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله(ص) يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب (رض) فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله إنّ قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام وكنت حدّثتهم إن أسلموا أتاهم الرّزق وأصابتهم سنة وشدّة
و قحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا؛ فإن رأيت أن ترسل إليهم بشئ تعينهم به فعلت . فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليّا فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء. قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمّد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: لا يا يهودي، ولكنّي أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا يسمي حائط بني فلان قلت: نعم. فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا فأعطاها الرّجل فقال: أعجل عليهم وأعنهم بها. قال زيد بن سعنة: فلمّا كان قبل محلّ الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: ألا تقضيني يا محمّد حقّي؟ فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطّلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر بن الخطّاب (رض) وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثمّ رماني ببصره وقال: يا عدوّ الله! تقول لرسول الله(ص) ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فو الذي بعثه بالحقّ لولا ما أحاذر قوّته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله(ص) ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسّم ثمّ قال: يا عمر، أنا وهو كنّا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التّباعة. اذهب يا عمر فأعطه حقّه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته"([43]).

أقول:

قول النبي(ص)"رعته"صريح في أنّ عمر عنّف الرّجل بمحضره الشّريف، وهذا أمر غير مقبول، ولو كان مقبولا لما نزل قرآن يقول
{ لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}، غير أنّ عمر لم يلتفت إلى هذه الآية أبدا، وقد بقي يقدم بين يدي رسول الله(ص) حتى كان ما كان في رزية الخميس. والمغزى الثاني يستشفّ من قول النبي(ص)« أنا وهو كنّا أحوج إلى غير هذا» وهذا يعني أنّ عمر جانب الصواب وتسكّع في الخطإ! ثمّ انظر إليه يقول: « لضربت بسيفي رأسك » وسائل نفسك أين كان هذا السّيف يوم أحد ويوم خيبر ويوم حنين ويوم الأحزاب؟!!

وفي تفسير الزمخشري: كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لثقيف: لا يعشرون ولا يحشرون فقالوا: ولا يجبون . فسكت رسول الله(ص) ثم قالوا للكاتب: اكتب: ولا يجبون، والكاتب ينظر إلى رسول الله فقام عمر بن الخطّاب (رض) فسلّ سيفه وقال: أسعرتم قلب نبيّنا يا معشر ثقيف أسعر الله قلوبكم نارا ! فقالوا: لسنا نكلّم إيّاك، إنّما نكلّم محمّدا. فنزلت{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك }([44]).

أقول:

وأنت ترى كيف تعاملوا معه ببرود بعد أن سلّ سيفه لعلمهم أنّ سيفه وسيفا من خشب بمنزلة واحدة . وقالوا له ببساطة ووضوح: «لسنا نكلّم إيّاك»، لأنّ ثقافة الكرسيّ لم تكن يومها قد أحاطت به تلك الهالة! ثمّ ما أسهل سلّ السيوف خارج ميدان الحرب!

قال ابن عاشور: وفي كلام عمر بن الخطّاب في صحيح البخاريّ أنّه قال للنّسوة اللاتي كنّ بحضرة النّبيّ فلمّا دخل عمر ابتدرن الحجاب لما رأينه
" يا عدوّات أنفسهن " ([45]).

وفي حديث عمر بن الخطّاب " أن رجلا جاء إلى رسول الله(ص) فسأله أن يعطيه فقال النبي(ص) ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ فإذا جاءني شيء قضيته، فقال عمر: يا رسول الله ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيّ(ص) قول عمر . فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا . فتبسّم رسول الله(ص) وعرف في وجهه البشر لقول الأنصاري ثمّ قال: " بهذا أمرت " . رواه الترمذي في كتاب الشمائل([46]).

أقول:

النبي(ص) هو الذي يبيّن للنّاس ما كلّفهم الله تعالى وما لم يكلّفهم، لأنّه أعلم بذلك، وليس لهم أن يبيّنوا له شيئا، لأنّهم بين يديه بمنزلة الأعمى بين يدي البصير. لكنّ عمر لا يكتفي بالتدخّل في ما لا يعنيه مع الآخرين، بل يسمح لنفسه أن يشير على رسول الله(ص) بما لا يليق، وذلك واضح في قول الراوي " فكره النبيّ(ص) قول عمر ". وهذه الواقعة دليل على بعد عمر بن الخطّاب من الكرم والسّخاء. وقوله(ص) «بهذا أمرت» يعني أنه خلاف ما ذهب إليه عمر بن الخطاب المحدّث، فيبدو أن خطّ الاتصال هذه المرّة كان منقطعا، فانتهزها الشّيطان وقذف على لسان عمر ما قذف.

وفي معجم الطبراني عن نافع عن ابن عمر عن عمر (رض) أنّه قال: يا أيّها النّاس اتّهموا الرّأي على الدّين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله(ص) برأيي اجتهادا فوالله ما آلو عن الحقّ وذلك يوم أبي جندل والكتاب بين رسول الله(ص) وأهل مكّة فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا ترانا قد صدّقناك بما تقول؟ ولكنّك تكتب باسمك اللّهمّ، فرضي رسول الله(ص) وأبيت حتى قال لي رسول الله(ص) تراني أرضى وتأبى أنت؟ قال: فرضيت([47]).

أقول:

تأمّل قول رسول الله(ص) «تراني أرضى وتأبى أنت» يتبيّن لك أنّ الرجل يتصرّف وكأن له وصاية على الإسلام، بل على رسول الله(ص) أيضا، وإلاّ فأي معنى لاعتراضه بعد أن رضي النبي(ص)، ومن هو عمر في حضور رسول الله(ص)؟ ومن الذي أذن الله أن يتكلّم باسم المسلمين ورسول الله(ص) حي يرزق في هذه الدّنيا؟

وقال النبي(ص) لعمر إذ نهى النّساء عن البكاء: دعهنّ يا عمر، فإنّ النّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب.

أقول:

انظر كيف يتصرّف بحضرة النبي(ص) دون استئذان([48]). وفي قول رسول الله(ص):« النّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب» إشارة إلى أن عمر غافل عن الإحساس بهذه الأمور، ولهذا هجم فيما بعد على بيت فاطمة(ص) و النّفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب!

قال ابن حبّان: فلمّا طلع (سعد بن معاذ) على رسول الله(ص) قال رسول الله(ص): قوموا إلى سيدكم فأنزلوه . قال عمر: سيدنا الله! قال: أنزلوه. فأنزلوه فقال له: رسول الله(ص) احكم فيهم قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. قال رسول الله(ص): لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله([49]).

أقول:

إنّما قال عمر"سيدنا الله" حسداً لسعد بن معاذ، فإنّ سيادة يشهد بها رسول الله(ص) غير مدفوعة، وقول عمر"سيّدنا الله " يوهم أنّ غير الله لا يوصف بالسّيادة وهو اعتقاد غير صحيح بدليل قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصّالحين}([50])وقوله تعالى{وألفيا سيّدها لدى الباب}([51]). على أنّهم نسبوا إلى عمر قوله «أبو بكر سيّدنا أعتق بلالا سيدنا»([52]) . فكيف ينفرد الله تعالى بالسيادة حينما تنسب السيادة إلى سعد بن معاذ ثمّ يشاركه فيها أبو بكر وبلال وصاحب القولين واحد؟! لكنّ الذي لا شكّ فيه هو أنّ عمر بن الخطاب لم تطب نفسه للأنصار يوما من الأيام ولا أدلّ على ذلك من قصّة غلامه والغلام الأنصاري والهتاف المفرّق يومها حتى تدخّل النبي(ص) بنفسه وقال تلك العبارة التي لا تزال تدوي في مسمع الزمن:

«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم »؟!

قال السيوطي:

وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أنّ الأقرع بن حابس قدم على النبي(ص) فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه ! فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله ! فتكلّما عند النبيّ(ص) حتّى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلاّ خلافي، قال: ما أردت خلافك! فنزلت هذه الآية{يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}[53] فكان عمر بعد ذلك إذا تكلّم عند النبي(ص) لم يسمع كلامه حتى يستفهمه.

أقول:

بل رفع صوته يوم كان رسول الله(ص) على فراش الموت بقوله «غلبه الوجع» و «إنّه يهجر» على رواية أخرى، وقد تفنّن المدافعون عنه في محاولة التبرير والتوجيه، واختاروا أن يكونوا في صفّه على أن يكونوا في صف رسول الله(ص)..

وعن نافع يعنى ابن عمر عن بن أبي مليكة قال ابن الزبير فما كان عمر يسمع النبي(ص) بعد هذه الآية حتى يستفهمه يعنى قوله تعالى{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}([54]).

قال ابن كثير: ثمّ أتى [عمر] رسول الله(ص) فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أو لسنا مسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدّنيّة في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيّعني؛ وكان عمر(رض) يقول:
ما زلت أصوم وأتصدّق وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلّمته يومئذ حتّى رجوت أن يكون خيرا([55]).

أقول:

هذا اعتراف منه أنّه كان يومها على خطإ لكنّه ـ مع بالغ الأسف ـ بقي يخالف رسول الله(ص) في حياته و خالفه بعد وفاته، وخرج من الدّنيا مصرّا على مخالفته!

وتعجّب عمر من فصاحة رسول الله(ص)فقال له: يا رسول الله مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفّظنيها فحفظتها([56]).

أقول:

أين عمر بن الخطّاب من تدبّر قوله تعالى{وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}؟ وما أيسر لغة إسماعيل في جنب ما علّم تعالى الله نبيه(ص).

وروى النسائي وفي خصائص أمير المؤمنين(ع)أنّه كان لنفر من أصحاب رسول الله(ص)أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله(ص) يوما: سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ . فتكلّم في ذلك النّاس، فقام رسول الله (ص)، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ، وقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته ولكنّي أمرت فاتّبعته ([57]).

أقول:

ما معنى تكلّم الناس؟ ومن هؤلاء الناس الذين تكلموا ؟
إنّ قوله(ص) " قال فيه قائلكم" صريح في أنّ أفعاله وتصرّفاته التي يفترض أنّها أقسام السّنّة (القول والفعل والتّقرير) كانت محلّ انتقاد بعض الصّحابة، فمن هم بالذّات ؟ الرّواية لا تسمّيهم بأسمائهم، لكنّ القرائن المنفصلة تشخّصهم لكلّ من تتبّع سيرة من كثرت اعتراضاتهم على رسول الله(ص) . وقد كان النّبي(ص) يردّ عليهم و يخطّئهم، ويبيّن لهم وجه الخطإ، ومع ذلك فقد استمرّوا في انتقاد تصرّفاته بدليل قول قائلهم أو قائليهم في تأميره أسامة بن زيد على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار، وهناك أيضا خرج النبيّ(ص)يجرّ رجليه إلى المسجد وخطب فيهم وخطّأهم في ما ذهبوا إليه، ولكن ما تغني الآيات و النّذر ...

أشرف أبو سفيان (يوم أحد) فقال([58]): أفي القوم محمّد؟ فقال(ص): لا تجيبوه فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك قال أبو سفيان: أعل هبل...([59]).

أقول:

قوله " لم يملك عمر نفسه " يعني غلبته نفسه وهذا يعني أنّ رصيده في جهاد النفس قريب من الصّفر خصوصا بعد أن قال النبي(ص):«لا تجيبوه» ولا خلاف بين المسلمين في وجوب العمل بقوله تعالى
{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فعمر بن الخطاب في المقام مخالف لله تعالى ورسوله(ص).

نماذج من اعتراضات عمر على النبي(ص):

اعتراضات عمر بن الخطّاب على رسول الله(ص) كثيرة، اعترض عليه في حياته، وخالفه بعد وفاته، ويبقى المسلم متحيّرا في مبرّرات تلك الاعتراضات؛ هل كان عمر بن الخطاب شريكا لرسول الله(ص) في رسالته؟ هل كان لعمر بن الخطاب اتّصال بالسّماء أقوى من اتّصال رسول الله(ص)؟ هل كان عمر أحرص على الإسلام والمسلمين من رسول الله(ص)بعد قول الله تعالى{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}؟ ومن حقّ الباحث المسلم ـ أو الباحث غير المسلم إن كان الإسلام يحرّم البحث في أحوال عمرـ أقول: من حقّه أن يتوقّف عند هذا ويتأمّل. ومع أنّ النّبي(ص)كان يغضب من تصرّفات عمر ويخطّئه في تلك الوقائع والأحداث إلاّ أنّ عمر تمادى في الاعتراضات حتى آخر لحظة من عمر النبي الكريم(ص) وكأنّه لم يقرأ قوله تعالى{لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله}ولا قوله تعالى{من يطع الرسول فقد أطاع الله}([60])ولا قوله تعالى{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}([61]) ولا قوله تعالى{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضّل ضلالا مبينا}([62]) وآيات كثيرة في هذا الباب؛ لابدّ أنّ عمر بن الخطّاب قرأها ولو مرّة، لكنّ الذي لا شكّ فيه أنّه لم يتدبّر الآيات ولم يفهم معانيها. ولو أنّه فهمها لأثمر ذلك الفهم طاعة بدل المخالفة، وانقيادا بدل الاعتراض، وتسليما تامّا بدل الجدال.

و لم يترك عمر مخالفته للنبي بعد وفاته (ص)، فهذا القوشجيّ الحنفيّ يذكر في شرح التّجريد في مبحث الإمامة ما نصّه أنّ عمر قال وهو على المنبر: أيّها النّاس ثلاث كنّ على عهد رسول الله(ص) وأنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ: متعة النّساء . ومتعة الحجّ . وحيّ على خير العمل . ثمّ راح القوشجيّ يبرّر فعل عمر و يلتمس له العذر إذ يعتبره في ذلك مجتهدا فقال:" إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع "([63]).

يقول القوشجي:(مخالفة المجتهد لمثله)!وإذا، فرسول الله وعمر مثلان! هذا رأي متكلّمين من أهل القبلة في رجلين أحدهما بشّرت به الأنبياء والكتب السماوية([64])، والثاني عبد الصّنم أكثر من ثلاثين سنة، يقولون عنهما «مثلان»!

وروى البخاريّ في صحيحه عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال: لما اشتدّ بالنبي(ص) وجعه قال ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده قال عمر: إنّ النبي(ص) غلبه الوجع[!]([65]) وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللّغط قال: قوموا عنّى ولا ينبغي عندي التّنازع فخرج ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله(ص) وبين كتابه الكتاب([66]).

و في رواية بكى ابن عبّاس حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله(ص) وجعه فقال:أتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي التّنازع فقالوا: هجر رسول الله(ص)([67]).

أقول:

من هم الذين قالوا؟ وهل يجوز لهم أن يقولوا مثل هذا؟ ولماذا لم يردّ عليهم أحد؟

قال ابن إسحاق: وحدّثني الزّهري، قال حدّثني أنس بن مالك قال: لمّا بويع أبو بكر في السّقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلّم قبل أبى بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ممّا وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهده إلى رسول الله (ص)، ولكنّي قد كنت أرى[!] أن رسول الله سيدبّر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإنّ الله قد أبقى في كم كتاب الذي به هدى الله رسوله (ص) فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإنّ الله قد جمع أمركم على خيركم([68]) صاحب رسول الله (ص)، ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع النّاس أبا بكر بيعة العامّة، بعد بيعة السّقيفة ([69]).

أقول: إذا كان عمر يرى أن رسول الله سيدبّر أمرهم، فلماذا يقول:
« حسبنا كتاب الله»، ما معنى «حسبنا كتاب الله» حين يكون رسول الله بين أظهرهم يدبّر أمرهم؟!

قال ابن كثير: وروى الإمام أحمد عن زهرة بن معبد عن جدّه قال: كنّا مع رسول الله(ص)وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ من نفسي! فقال رسول الله(ص): «لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه». فقال عمر: فأنت الآن والله أحبّ إلي من نفسي فقال رسول الله(ص): « الآن يا عمر»([70]).

نفس عمر أحبّ إليه من رسول الله (ص)، وإذا كان (ص) قد أصبح أحبّ إليه من نفسه فكيف طابت نفسه بالفرار عنه في المعارك وتركه بين أيدي الأعداء؟! وانظر إلى قولهم" وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب" يتبين لك بعد مكرهم في ما يرومون من اختلاق حميمية تمكّنهم من التّلاعب بمشاعر النّاس. ولنفرض أنّ رسول الله(ص)لم يقل في ذلك المقام«لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه»، هل كان عمر بن الخطاب يغير رأيه ويقول: « بل أنت أحب إلي من نفسي يا رسول الله»؟

وههنا عبارة لابن حزم تستحقّ أن يتوقّف عندها الباحثون، فإنّه ذكر رواية يصعب العثور عليها في أيّامنا، ولأنّ الراوي موثّق عند غير ابن حزم فإنّ المرء يبقى متحيّرا في المسألة. قال ابن حزم: وأمّا حديث حذيفة فساقط لأنّه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنّه قد روى أخبارا فيها أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رض) أرادوا قتل النبي (ص) وإلقاءه من العقبة في تبوك وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى واضعه فسقط التعلق به([71]).

والكلام حول الرواية أين ذهبت، لأنّها كانت موجودة على عهد ابن حزم، وليس رواية واحدة، فإنّه يقول "روى أخبارا"!

وقد ختم عمر بن الخطاب سيرته مع النبي(ص) بشيء يخالف قوله
"فأنت الآن والله أحبّ إلي من نفسي" . فعن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول (ص) حتّى سمعنا صوت المساحي من جوف اللّيل ليلة الأربعاء، وصلّى عليه علي والعبّاس (رض) وبنو هاشم، ثم خرجوا ثم دخل المهاجرون ثم الأنصار ثمّ النّاس يصلّون عليه([72]). والمتتبع للروايات التي تتحدث عن دفنه(ص) لا يجد أثرا لعمر بن الخطاب، فأين كان عمر؟ وإذا كان النبي(ص) أحبّ إليه من نفسه فكيف غاب عن دفنه؟

 

 

مع أهل البيت عليهم السلام

قال أبو الفداء: فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدّار فلقيته فاطمة وقالت‏:‏«إلى أين يا ابن الخطّاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟». قال‏:‏ نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمّة! فخرج عليّ حتّى أتى أبا بكر فبايعه. كذا نقله القاضي جمال الدّين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربّه المغربيّ([73]).

أقول: ابن عبد ربّه المغربيّ(الأندلسي)صاحب منظومة في تاريخ الخلفاء حذف فيها من قائمة الخلفاء الرّاشدين علي بن أبي طالب (ع) وجعل مكانه معاوية([74])ا، فهل يتوقّع منه غير أن يدخل في القصّة ما ليس منها ويدّعي أنّ عليّا (ع) بايع أبابكر؟!

قال ابن قتيبة في ترجمة عقيل ابن أبي طالب: له دار بالبقيع واسعة كثيرة الأهل، وكان عقيل قذف رجلا من قريش فحدّه عمر بن الخطّاب([75]).

أقول:

من هو الرجل من قريش الذي قذفه عقيل بن أبي طالب ؟

معلوم أنّ عقيلا كان نسّابة، عالما بأنساب العرب وقريش خاصّة وهذا ما يسمح له أن يميّز الصريح من اللّصيق، فلا عجب أن تكون لديه قوائم !!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السديّ في قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء..}الآية قال: غضب رسول الله(ص)يوما من الأيّام فقام خطيبا فقال: سلوني فإنّكم لا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة ـ وكان يطعن فيه ـ فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك فلان فدعاه لأبيه. وقام إليه عمر فقبّل رجله [!] وقال: يا رسول الله، رضينا بالله ربّا، وبك نبيّا، وبالقرآن إماما، فاعف عنّا عفا الله عنك؛ فلم يزل به حتّى رضي. فيومئذ قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر وأنزل عليه {قد سألها قوم من قبلكم}([76]).

أقول: يوما يقبّل رجله ويوما يلبّبه بتلابيبه! وتلك الأمثال نضربها للناس..، و هو تصرّف عجيب من عمر بن الخطّاب، ومن حقّ كل من يطّلع على هذا الخبر أن يتساءل عن مسارعة عمر إلى تقبيل رجل رسول الله(ص)! هل كان عمر يخشى أن يقول النبي(ص)شيئا يتعلّق بعمر ممّا لا يحبّ عمر أن يطّلع عليه النّاس؟ ولعلّ ذلك ما تشير إليه القصّة كما وردت في مصنّف ابن أبي شيبة، فقد ذكر أنّ النبي(ص) قال: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به ؛ قال فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أفي الجنّة أنا أم في النّار؟ قال: لا، بل في النّار. قال: فقام إليه آخر فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة . قال فقام إليه آخر فقال: أعلينا الحجّ في كل عام؟ قال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لهلكتم. قال فقام عمر بن الخطّاب فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد(ص) رسولا. يا رسول الله، كنّا حديثي عهد بجاهليّة، فلا تبد سوءاتنا ولا تفضحنا لسرائرنا، واعف عنّا عفا الله عنك قال فسري عنه([77]).

لكنّ ابن أبي شيبة حذف من القصّة تقبيل رجل النّبي(ص) كما حذف غيره عبارة "سوءاتنا "، ومثل هذا كثير في تراثنا الذّهبي، تراث "ثقافة الكرسي".

ثمّ ههنا كلام وهو أنّ النّبي(ص)قال لهم: «فإنّكم لا تسألونني عن شيء إلاّ أنبأتكم به» فلماذا لم يسألوه عن الخليفة الشّرعيّ من بعده ويريحوا العالم من الفتن؟! أم أنّ هذه القضيّة لم تكن مهمّة في نظرهم؟!

وعن أمّ الفضل أنّ رسول الله(ص) قام ليلة بمكّة فقال: " هل بلّغت ؟ يقولها ثلاثا، فقام عمر بن الخطّاب ـ وكان أوّاها ـ فقال: اللّهمّ نعم، وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر([78]).

وكان بين عمر بن الخطّاب وبين العبّاس قول فأسرع إليه العبّاس، فجاء عمر النّبيّ فقال: يا نبيّ الله، ألم تر عبّاسا فعل بي وفعل بي، فأردت أن أجيبه فذكرت مكانه منك فكففت عنه! فقال: يرحمك الله إنّ عمّ الرجل صنو أبيه([79]).

أقول: قد عرف العبّاس برجاحة العقل والتّأنّي والتّروّي كما عرف عمر بالتّسرّع والغلظة والجفاء؛ فإن كان عمر صادقا في عرفانه مكان العبّاس من رسول الله(ص) فما باله لم يعرف مكان فاطمة(ع) يوم هجم على بيتها وهدّد بتحريق البيت عليها؟! وما باله لم يعرف مكان علي(ع)أيضا؟! وليس العبّاس أقرب إلى رسول الله(ص) منهما . وليت عمر شرح ما حصل بدل قوله: «ألم تر عبّاسا فعل بي وفعل بي»، اللّهم إلا أن يكون الإبهام والتّعتيم من الرّواة. ثمّ لا يخفى على القارئ ما في كلام عمر من المنّ على رسول الله(ص). ولعلّ ما حدث في هذه القصّة سبّب موقف عمر من العباس في ما بعد يوم جاءه يكلّمه عن البحرين([80]).

قال النّحّاس(بخصوص صلح الحديبية): وفيه من المشكل أنّه قاضاهم على أنّه من جاءه منهم مسلما ردّه إليهم، حتى نفر جماعة من الصّحابة من هذا منهم عمر بن الخطّاب(رض) حتّى ثبّته أبو بكر(رض) ؛ وتكلّم العلماء في هذا الفعل، فمنهم من قال فعل النّبي(ص) هذا لقلّة أصحابه وكثرة المشركين وأنّه أراد أن يشتغل بغير قريش حتى يقوى أصحابه ([81]).

أقول: لا يسلّم لرسول الله(ص) من لم يفهم قوله تعالى:{فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}([82]). وما أكبر حرج عمر في الواقعة السّابقة ووقائع أخرى !.

وعن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطّاب قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله(ص) ليصلّى عليه، فلما قام رسول الله(ص) وثبت إليه فقلت: يا رسول الله تصلّي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟أعدّد عليه فتبسّم رسول الله(ص) وقال أخّر عنّى يا عمر؛ فلمّا أكثرت عليه قال: إنّي قد خيّرت فاخترت فلو علمت أنّى لو زدت على السّبعين غفر له لزدت عليها ؛ فصلّى عليه رسول الله(ص) ثمّ انصرف؛ فلم يمكث إلاّ يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة{ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}([83])، فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله(ص)يومئذ ([84]).

و عن سالم بن عبيد الأشجعيّ قال: لما مات رسول الله(ص) كان من أجزع النّاس كلّهم عليه عمر بن الخطّاب (رض).

أقول: لأجل ذلك لم يحضر غسله ولا دفنه(ص)! ولم يمنعه جزعه عليه (ص)أن يهجم على بيت ابنته فاطمة(ع) ويهدّد بتحريقه بالنّار!

و عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول أرسل إليّ النبي(ص) بمال فرددته، فلمّا جئته به قال ما حملك أن تردّ ما أرسلت به إليك؟ قال قلت: يا رسول الله أليس قد أخبرتنا أن خيرا لك ألاّ تأخذ من النّاس؟ قال: إنّما ذاك أن تسأل النّاس، وما جاءك من غير مسألة فإنّما رزق رزقه الله([85]).

أقول:

يتردّد هذا السؤال دائما في حوار عمر بن الخطّاب مع النبي(ص)، «أليس قد قلت لنا؟ أليس قد قلت لنا؟ ومن يسمع هذا يتصوّر أنّه من دقّة عمر في اتّباع أوامر النبي(ص)ونواهيه، والأمر على خلاف ذلك تماما. فإنّ الله تعالى أمر عمر بن الخطّاب وغيره من المسلمين أن يطيعوا رسول الله(ص) دون أي قيد أو شرط ولم يفعل أكثرهم ذلك. ونهاه الله تعالى في سورة الحجرات أن يقدّم بين يدي الله ورسوله، ومع ذلك بقي يعترض على النبي حتى آخر عمره الشّريف، كما مرّ بك في قصّة رزيّة الخميس التي منع فيها رسول الله(ص) من كتابة كتاب يضمن للمسلمين ألاّ يضلّوا أبدا! وأمره الله تعالى بمودّة قربى النبي(ص) فاستبدل المودّة بالإرهاب وهدّد بتحريق أفضل بيت على الأرض . ونهاه الله تعالى أن يكون في صدره حرج مما يقضي به النبيّ(ص) ومع ذلك كان الحرج ظاهرا في أقواله وأفعاله. وأمور أخرى كثيرة.

قالوا: ثمّ قال [النبي] أشيروا عليّ، فقال عمر بن الخطّاب يا رسول الله، إنّها قريش وعزّها! والله ما ذلّت منذ عزّت ولا آمنت منذ كفرت ! والله لتقاتلنّك فتأهّب لذلك أهبته وأعدد له عدّته([86])!.

أقول:

يأتي التّعليق على هذا وأمثاله لاحقا في فصل " شجاعة عمر ".

قال أنس: مرّت بعمر بن الخطّاب جارية متقنعة فعلاها بالدّرّة وقال: يا لكاع، أتتشبهين بالحرائر؟ ألقي القناع([87]).

أقول: أين الضّرر في أن تتقنّع جارية؟! وهل العفّة محصورة في الحرائر؟ وهل تستحقّ الجارية أن يعلوها بالدّرّة لمجرّد أنّها تقنّعت ؟ كان يكفيه أن يقول لها: ألقي القناع، وتفهم إن لم تكن صمّاء! فما الحاجة إلى الضرب؟ إضافة إلى ما تشعر به فتاة تضرب أمام الرّجال.

قالوا: أرسل رسول الله(ص)إلى حاطب فأتاه فقال: هل تعرف الكتاب ؟ قال: نعم . قال: فما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاّ وله بمكّة من يمنع عشيرته([88])، وكنت غريبا في هم، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يدا ! وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئا ! فصدّقه رسول الله(ص) وعذره . فقام عمر بن الخطّاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ؛ فقال رسول الله(ص): وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطّلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم([89]).

أقول : شاهدنا قول عمر: دعني أضرب عنقه وإلاّ فإن في متن الحديث كلاما.

وهذه قصة تبين بوضوح الفرق الكبير بين رسول الله(ص)وبين عمر بن الخطاب في معالجة الأزمات السياسية والاجتماعية؛ قالوا :

فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني: "يا معشر الأنصار" وصرخ جهجاه: "يا معشر المهاجرين" !فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك! أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثمّ أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم. فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله وذلك عند فراغ رسول الله من غزوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن وقش فليقتله! فقال رسول الله: فكيف يا عمر إذا تحدّث النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه؟! لا ولكن أذّن بالرّحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها؛ فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي إلى رسول الله حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلّمت به! وكان عبد الله بن أبي في قومه شريفا عظيما. فقال من حضر رسول الله من أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدباً على عبد الله بن أبي ودفعاً عنه فلما استقلّ رسول الله (ص) وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوّة وسلّم عليه ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها! فقال له رسول الله: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: فأي صاحب يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبيّ قال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت. هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه فإنّه ليرى أنّك قد استلبته ملكا. ثمّ مشى رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نياما، وإنّما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء فلما راح رسول الله هبّت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله(ص): لا تخافوا فإنّما هبّت لموت عظيم من عظماء الكفّار فلمّا قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود وكهفا للمنافقين قد مات ذلك اليوم فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أبي بن سلول ومن كان معه على مثل أمره فقال {إذا جاءك المنافقون} فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله بأذن زيد فقال هذا الذي أوفى الله بأذنه؛ وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أبيه [حدثنا ابن حميد..] أن عبد الله بن عبد الله بن أبي أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد الله بن أبيّ في ما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالده منّي، وإنّي أخشى أن تأمر به غيره في قتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله(ص): بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنّفونه ويتوعّدونه فقال رسول الله(ص) لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم أمرتني بقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. قال فقال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله (ص) أعظم بركة من أمري([90]).

أقول: هذا الكلام من رسول الله(ص) يكشف عن قصور عمر بن الخطاب في فهم سياسة الرّعيّة، فإنّه لا يفكّر إلا في ضرب العنق، مع أنّه في حالة الحرب أبعد الناس من ضرب الأعناق أو الأذناب، وهذا أمر جدير بالتّأمّل. وقد قال عمر كما في آخر القصّة: « قد والله علمت لأمر رسول الله(ص) أعظم بركة من أمري»! فإذا كان صادقا في ذلك فلماذا لم يستفد من بركة أمر رسول الله(ص) يوم رزيّة الخميس؟ ولماذا جبهه بتلك الكلمة التي لا تزال تفرّق المسلمين جيلا بعد جيل، فزعم أنّ حسبه ومن معه كتاب الله، وكأنّ رسول الله(ص) أجنبي عن كتاب الله، وكأنّ رسول الله يريد أن يخلط بكتاب الله ما يعارضه؟! وكأنه هو أعلم بكتاب الله من رسول الله الذي أنزل عليه!

شجاعة عمر:

قالوا : دعا رسول الله(ص) عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفّان فدعا رسول الله(ص) عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب وإنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته([91]).

أقول:

هذا عمر يخاف على نفسه من القتل وهو الذي قال: والله لو أمرنا الله قتل أنفسنا لفعلنا!. وانظر إلى قوله: "أدلّك" وكأنّ رسول الله(ص) في حاجة إلى دلالته. والعجيب أنّهم رووا أنّه في هجرته إلى المدينة هاجر نهارا متحدّيا قريشا !

وفي المستدرك: اقبل عليّ(رض)نحو رسول الله(ص) ووجهه يتهلّل([92]) فقال عمر بن الخطّاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خيرا منها؟فقال: ضربته فاتّقاني بسوءته، واستحييت ابن عمّي أن استلبه. وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق([93]).

أقول: وأنت ترى الفارق بين الهمّتين، همّة رجل مشغول بالدّفاع عن دين الله تعالى فلا يلتفت إلى حطام الدّنيا، وهمّة رجل مشغول بدرع لم يقاتل عليها! وفي جواب الإمام علي(ع) درس تربويّ عالي المضامين.

وقال[عمر]: فما زلت أضرب النّاس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام([94]).

إذاً فهو يَضرب ويُضرب، وهذا شأن كلّ واحد في الدّفاع عن نفسه، لا يتميّز فيه عمر بن الخطّاب عن غيره، ولم نسمع أنّ رجلا ضرب عليّا أو حمزة عليهما السّلام؛ فأين إعزاز الله الإسلام بعمر؟!

موقف عمر من المتحيّزين:

عن سفيان بن عوف قال بعثني أبو عبيدة بن الجراح ليلة غدا من حمص إلى أرض دمشق فقال: أئت عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين وأبلغه مني السّلام، وأخبره بما قد رأيت وعاينت، وبما قد حدّثتنا العيون، وبما استقرّ عندك من كثرة العدوّ والذي رأى المسلمون من الرأي من التّنحّي؛ وكتب معه: بسم الله الرحمن الرحيم.. فذكر الكتاب. قال سفيان بن عوف: فلمّا أتيت عمر فسلّمت عليه قال: أخبرني بخبر النّاس؛ فأخبرته بصلاحهم ودفع الله عز وجل عنهم، قال فأخذ الكتاب فقال لي: ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت: أصلحك الله خرجت من عندهم ليلا بحمص وتركتهم وهم يقولون نصلّي الصّبح ونرتحل إلى دمشق، وقد أجمع رأيهم على ذلك؛ قال فكأنّه كرهه ورأيت ذلك في وجهه، فقال لي: وما رجوعهم عن عدوهم وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن! وما تركهم أرضا قد حووها وفتحها الله عليهم فصارت في أيديهم؟! إنّي لأخاف أن يكونوا قد أساءوا الرّأي وجاءوا بالعجز وجرّوا عليهم العدوّ. قال فقلت له: أصلحك الله إنّ الشّاهد يرى مالا يرى الغائب، إنّ صاحب الرّوم قد جمع لنا جموعا لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا، ولقد جاء بعض عيوننا إلى عسكر واحد من عساكرهم أمر بالعسكر في أصل الجبل فهبطوا من الثّنية نصف النّهار إلى عسكرهم فما تكاملوا فيها حتى أمسوا، ثمّ تكاملوا حين ذهب أوّل الليل، هذا عسكر واحد من عساكرهم، فما ظنك بمن قد بقي؟ فقال عمر: لولا أنّي ربّما كرهت الشّيء من أمرهم يصنعونه فإذا الله يخير لهم في عواقبه لكان هذا رأيا أنا له كاره. أخبرني أجمع رأي جماعتهم على التّحوّل؟ قال قلت: نعم؛ قال: فإنّ الله إن شاء الله لم يكن يجمع رأيهم إلاّ على ما هو خير لهم([95]).

وعن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطّاب يذكر له جموعا من الرّوم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنّه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدّة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإنّ الله يقول في كتابه:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}([96]).

أقول:

ههنا يأمر غيره بالصّبر في الجهاد، لكنّه لايلتزم بذلك حين يكون هو على رأس الجيش، وقصّة "يجبّنهم ويجبّنونه" أشهر من نار على علم. هذا مع أنّ الإسلام قد أجاز للجيش أن يناور وينسحب إذا كان عدد العدوّ يفوق بأضعاف كثيرة عدد المسلمين.

على أنّهم قد رووا في قضيّة مشابهة ما يخالف ما سبق ذكره. قال الجصّاص: قال عمر بن الخطّاب لمّا بلغه أنّ أبا عبيد بن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم: رحم الله أبا عبيد، لو انحاز إليّ لكنت له فئة؛ فلمّا رجع إليه أصحاب أبي عبيد قال: أنا فئة لكم ولم يعنّفهم([97]).

قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن المنذر عن كليب قال: خطبنا عمر بن الخطّاب فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول: إنها أحديّة ثمّ قال: تفرّقنا عن رسول الله(ص) يوم أحد فصعدت الجبل([98]) فسمعت يهوديّا يقول: قتل محمّد فقلت: لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلاّ ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله(ص) والنّاس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية {وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل.} ([99]).

أقول:

هذا عمر يعترف بفراره وصعوده الجبل وتركه رسول الله بين سيوف الأعداء.!

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة [..]عن ابن عبّاس عن عمر بن الخطّاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب محمّد (ص) عنه، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، فأنزل الله عز وجل: {أو لما أصابتكم مصيبة } الآية([100])..

أقول:

يتحدّث عمر عن الصّحابة يوم أحد ولا يدخل نفسه في الفارّين مع أنّه كان أوّلهم فرارا، وقد شهد عليه بذلك قتادة وشهد هو على نفسه كما في صحيح البخاريّ . ومع ذلك فقد أدخل نفسه في الفارّين يوما من الأيّام وهو يخطب.أخرج ابن جرير عن كليب قال خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله{إنّ الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان} قال: لمّا كان يوم أحد هزمنا ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى([101]) والناس يقولون "قتل محمد" فقلت: لا أجد أحدا يقول قتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل.([102])..

أقول:

كالأروى، أي كتيس الجبل، هكذا يصف عمر بن الخطاب نفسه وهو في حالة الفرار؛ ومن حقّ كل من يقرأ هذا الكلام أن يتخيّل شيخا في حدود الخمسين يطارده مشرك وهو ينزو كما ينزو تيس الجبل! إلى أين كان ذاهبا في فراره ذاك؟ أليس في القرآن الكريم {ففرّوا إلى الله..)؟

ولقد تفرّس عروة بن مسعود الثقفي في وجوه جماعة كانوا مع النبي(ص) يوم الحديبية وصدقت فراسته: قال عروة للنبي (ص)([103]): أي محمّد أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إنّي لأرى وجوها وأرى أوباشا من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك! فقال له أبو بكر: امصص بظر اللاّت! أنحن نفرّ عنه وندعه؟ قال: من ذا؟ قال: أبو بكر؛ قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلّم النبي(ص). والحقّ أنّ فراسة عروة بن مسعود الثّقفي كانت صادقة إذ فرّ أبو بكر وفريقه يوم حنين وتركوا رسول الله(ص) بين أيدي الأعداء.

قال ابن قتيبة: وكانت قريش يومئذ ثلاثة آلاف ورسول الله(ص) في سبعمائة وظاهر يومئذ بين درعين وأخذ سيفا فهزه وقال: من يأخذه بحقّه؟ فقال عمر بن الخطّاب: أنا! فأعرض عنه. وقال الزبير: أنا. فأعرض عنه؛ فوجدا في أنفسهما، فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقّه يا رسول الله؟ قال: تضرب به حتّى ينثني، فقال: أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه([104]).

أقول:

وأنت ترى كيف أعرض النّبي(ص) عن عمر حين قال:"أنا"، والإعراض ضدّ الإقبال؛ وفي وسع النبي الكريم(ص) غير ذلك وهو صاحب الخلق العظيم؟ لمَ يعرض عنه ؟ نعم، لابدّ من التّذكير أنّ النبي(ص) حكيم في أفعاله ولا يحبّ المجاملات على حساب الحقّ. والمقام مقام جدّ وشجاعة، وليس في سجلّ عمر بطولات يستحقّ بموجبها هذا السيف في مثل هذا اليوم. لذلك كان موقف النبّي(ص)حاسما.

قال الشّوكانيّ:وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب قال: لا تغرّنّكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم([105]).

الفرار من الزحف:

قال محمد بن الحسن الشيباني في باب الفرار من الزّحف: لا أحبّ لرجل من المسلمين به قوّة أن يفرّ من رجلين من المشركين. وهذا لقوله تعالى {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}. وفيها تقديم وتأخير معناه:ومن يولّهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم و بئس المصير إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة، أي سريّة، للقتال بالكرّة على العدوّ من جانب آخر([106]).

قال السيوطي: وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطّاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدّة يجعل الله بعدها فرجا، وإنّه لن يغلب عسر يسرين، وإنّ الله يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلّكم تفلحون([107]).

أقول:

هذا رأي عمر في الصّبر على لقاء العدو حين يكون هو بعيدا عن ساحة القتال، ولم يعمل به حين كان في المواجهة، والدّليل على ذلك تكرّر الفرار منه حتّى أعرض عنه النبي(ص).

قال الآلوسيّ: وفي كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه ما يقتضي بسوقه خلاف ما عليه الشيعة ففي نهج البلاغة أنّ عمر بن الخطّاب (رض) لمّا استشار الأمير كرّم الله تعالى وجهه لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمّعوا للحرب قال له: إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعزّه وأيّده حتّى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عزّ اسمه{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا}، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده؛ ومكان القيّم في الإسلام مكان النّظام من الخرز فإن انقطع النّظام تفرّق وربّ متفرّق لم يجتمع والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض تنقّضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك. وكأن قد آن للأعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، في كون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وطعمهم في ك؛ فأمّا ما ذكرت من عددهم فإنّا لم نقاتل في ما مضى بالكثرة وإنّما نقاتل بالنّصر والمعونة([108]).

أقول:

كلام الإمام عليّ (ع) مبنيّ على علمه بجبن الرّجل وتكرّر فراره من المعارك، وإلاّ فإنّ النبي(ص) كان دائما على رأس الجيش، وكذلك الإمام عليّ (ع) نفسه فيما بعد في "النهروان" و "الجمل" و"صفين" ، ولا شكّ أن الكفّار أشدّ رغبة في قتل رسول الله(ص) منهم في قتل عمر. ولا يعقل أن ينهى علي بن أبي طالب (ع) عن شيء ثم يكون أوّل المقدمين عليه.

و عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطّاب (رض) عنه أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة فكان (رض) يضربها على إسلامها، وكان كفّار قريش يقولون: لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله تعالى في شأنها{وقال الذين كفروا ..الآية} ولعلّهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضا، وفي الآية تغليب المذكّر على المؤنّث([109]).

وجاء في تفسير الثعالبي أنّ أبا الفضل الله الجوهري سُمع على المنبر يقول وقد سُئل أن يتكلّم في شيء من فضائل الصّحابة فأطرق ثمّ رفع رأسه وأنشد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد

ماذا تريد من قوم قرنهم الله بنبيّه وخصّهم بمشاهدة وحيه، وقد أثنى الله تعالى على رجل مؤمن ومن آل فرعون كتم إيمانه وأسرّه فجعله تعالى في كتابه وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر، وأين هو من عمر بن الخطّاب (رض) إذ جرّد سيفه بمكّة وقال والله لا أعبد الله سرّا بعد اليوم([110]).

أقول:

أين كان هذا السيف في بدر وأحد وخيبر وحنين...؟لعلّه أصابه الصّدأ فلم يعد يصلح للقتال! مثل هذه الروايات إن دلّت على شيء فإنّما تدّل على تفاهة عقول أصحابها ! وإلاّ فإنّ الثعالبيّ نفسه روى أنّ النّبيّ أراد بعث عمر بن الخطّاب إلى مكّة فقال له عمر: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بمكّة من بني عديّ أحد يحميني([111]) ! فكيف انتقل من الشّجاع الذي يتحدّى قريشا في بطن مكّة إلى الشّخص الذي يخاف قريشا على نفسه وهو خارج مكّة، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .

قال السيوطي: وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدّم رجل فقاتل حتّى قتل فقالوا: ألقى بيده إلى التّهلكة فكتب فيه إلى عمر فكتب عمر ليس كما قالوا هو من الذين قال الله في هم {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله }([112]) .

أقول: هذه الآية لم يعمل بها عمر مرة واحدة في حياته.

ولأنّ سجلّ عمر الحربيّ خال من البطولات فإنّه تعيّن على محبّيه أن يبحثوا له عن بطولات مع الملائكة والجنّ . أخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشّيطان عن ابن مسعود قال: خرج رجل من أصحاب رسول الله(ص) لقيه الشّيطان فاتّخذا فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد، فقال الشيطان أرسلني أحدّثك حديثا فأرسله، قال: لا. فاتّخذ الثّانية فاصطرعا فصرعه الذي من أصحاب محمّد فقال: أرسلني فلأحدّثنّك حديثا يعجبك فأرسله فقال: حدّثني، قال: لا. فاتّخذ الثّالثة فصرعه الذي من أصحاب محمّد ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها فقال أرسلني فقال: لا أرسلك حتّى تحدّثني، قال سورة البقرة فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط الشّياطين إلاّ تفرّقوا، أو لا تقرأ في بيت في دخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن فمن ذلك الرّجل؟ قال: فمن ترونه إلاّ عمر بن الخطّاب([113]).

أقول: هذا عمر يصارع الجنّي ويتغلّب عليه، ويتعلّم منه حديث النبي(ص) بخصوص سور القرآن، وعليه فقد بدأت رواية الحديث في حياة النبي(ص) وروادها من الجنّ!

وعن أبي غطفان عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص) كيف أنت يا عمر إذا انتهى بك إلى الأرض فحفر لك ثلاثة أذرع وشبر ثم أتاك منكر ونكير أسودان يجران أشعارهما كأن أصواتهما الرعد القاصف، وكأن أعينهما البرق الخاطف، يحفران الأرض بأنيابهما، فأجلساك فزعا فتلتلاك وتوهّلاك؟ قال: يا رسول الله و أنا يومئذ على ما أنا عليه؟ قال: نعم؛ قال أكفيكهما بإذن الله يا رسول الله([114]).!

أقول:

لقد كان على ما هو عليه آنذاك ومع ذلك فرّ من مرحب ورجع مع أصحابه يجبّنهم و يجبّنونه، وكان على ما هو عليه وفرّ يوم أحد ويوم حنين ! يخشى اليهود الذين هم أحرص الناس على حياة، ويخشى المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والنّشور ولا يخشى ملائكة غلاظا شدادا لا يعصون الله ما أمرهم ! لعل منكرا ونكيرا أهون شأنا من مرحب والمشركين في نظر عمر بن الخطاب؟!. والعجيب أنّ عمر بن الخطّاب نفسه يروي أن النبي(ص) كان يتعوّذ من عذاب القبر؛ فقد روى البيهقي عن عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطّاب أنه قال: سمعت رسول الله فوق المنبر يتعوّذ من خمس اللهم إنّي أعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من سوء العمر وأعوذ بك فتنة الصّدر وأعوذ بك من عذاب القبر ([115]).

و عن محمد بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قلت لأبي: من الرّجل الذي خلّصك من المشركين يوم ضربوك؟ قال: ذاك العاص بن وائل السهمي([116]).

أقول:

كيف يصحّ أن يكون أعزّ الله به الإسلام وهو لا يخلص نفسه من ضرب المشركين إيّاه إلاّ بواسطة العاص بن وائل السّهميّ الذي سمّاه القرآن الكريم " الأبتر "؟

وعن عدي بن سهيل قال: لما استمدّ أهل الشّام عمر على أهل فلسطين استخلف عليّا وخرج ممدّا لهم فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ إنّك تريد عدوّا كلبا. فقال: إنّي أبادر بجهاد العدوّ موت العبّاس. إنّكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشرّ كما ينتقض الحبل. فمات العبّاس لستّ سنين خلت من إمارة عثمان فانتقض والله بالنّاس الشّرّ([117]).

أقول:

لا يخفى على من تتبّع سيرة عمر بن الخطّاب أنّ الإمام عليا (ع) إنّما نصحه بعدم الخروج لأنّه يعرف سوابقه في أحد وحنين وخيبر، وجبنه يوم الأحزاب، وقد قال النبي(ص) يوم خيبر في حقّ علي (ع) كرّار غير فرّار بعد فرار الرّجلين وبعد أن قيل في عمر "يجبّنهم ويجبّنونه ". وأمّا قولهم "انتقض بالنّاس الشرّ بعد وفاة العباس" فتعتيم على الحقيقة، لأنّ الشّرّ انتقض بالنّاس يوم السّقيفة بشهادة فاطمة بنت رسول الله(ص).

وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطّاب لما فرض للناس فرض لعبد الله بن حنظلة ألفي درهم فأتاه حنظلة بابن أخ له ففرض له دون ذلك فقال له: يا أمير المؤمنين فضلت هذا الأنصاريّ على ابن أخي؟ فقال: نعم، لأني رأيت أباه يوم أحد يستنّ بسيفه كما يستنّ الجمل ([118]).

أقول:

رآه عمر، ولكن على أية حال كان عمر حين رأى الرّجل يستنّ بسيفه كما يستنّ الجمل ؟ محاربا أم متفرّجا؟! أمّا الشّواهد فتثبت أنّ عمر فرّ يوم أحد.

وعن أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه كان في سيف عمر بن الخطّاب الذي شهد به بدرا سبيكة أو سبيكتان من ذهب([119]).

أقول: لا عجب، لأنه سيف تحفة لا سيف جلاد.

و عن الشعبي عن مسروق قال: إنّ الشهداء ذكروا عند عمر بن الخطّاب قال فقال عمر للقوم: ما ترون الشهداء؟ قال القوم: يا أمير المؤمنين هم ممّن يقتل في هذه المغازي. قال فقال عمر عند ذلك: إنّ شهداءكم إذن لكثير إني أخبركم عن ذلك، إنّ الشّجاعة والجبن غرائز في النّاس يضعها الله حيث يشاء، فالشّجاع يقاتل من وراء لا يبالي أن لا يؤوب إلى أهله والجبان فارّ عن خليلته، ولكنّ الشّهيد من احتسب بنفسه والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده([120]).

أقول:

في قوله يضعها الله حيث يشاء مغالطة لا تخفى، ويستشعر منها سلب الإرادة عن المكلّف، وقد أمر الله تعالى عباده بالقتال والغلظة على الكفّار، ومدح الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص، وذمّ الجبناء الذين يولّون الأدبار وتوعّدهم بالنّار، ولولا أن الشّجاعة والجبن أمور قابلة للتّحوّل والتّغيّر شدّة وضعفا لما كان ذلك المدح وجيها ولا ذلك الذّم مقبولا. وكيف يضع الله غريزة الجبن في شخص ثم يذمّه عليها؟! أهكذا يكون فعل الحكيم؟

قال الطبري: ثمّ دعا النبي(ص) عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكة في بلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله، إنّي أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدى بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها (!) ولكنّي أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفان فدعا رسول الله(ص) عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب وإنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته([121]).

أقول:

هذا عمر بن الخطاب نفسه يقول:« أدلّك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفان»، وهو اعتراف منه أن عثمان كان أعزّ منه، وعثمان فرّ من المعركة مسير ثلاثة أيام حتى قال له النبي (ص) ولمن معه:« لقد ذهبتم بها عريضة»، فكيف يقال بعد هذا إنّ عمر أعزّ الله به الإسلام، ولماذا لم يظهر عزّه حين دعاه النبي(ص) ليرسله إلى مكّة؟

وعن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين ...وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. ثم تراجع الناس إلى رسول الله(ص) ([122]).

أقول: ينهزم عمر يوم حنين ويدّعي أنه "أمر الله" وهو يعلم أنّ الله تعالى أمر بالثّبات ولم يأمر بالانهزام!

قال السيوطي: أخرج ابن عساكر عن عليّ قال: ما علمت أحدا هاجر إلاّ مختفيا إلاّ عمر بن الخطّاب فإنّه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه وتنكّب قوسه وانتضى في يده أسهما وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها فطاف سبعا، ثمّ صلّى ركعتين عند المقام، ثمّ أتى حلقهم واحدة واحدة فقال: شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمّه وييتم ولده وترمّل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه منهم أحد([123])!

أقول:

قد مرّ بك سابقا قوله "يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي"، وهو ما لا ينسجم مع ما أخرجه ابن عساكر؛ وحتى يقوّوا القصّة ويمرّروها بسلام نسبوا الرّواية إلى علي (ع) وهو أعلم الناس بجبن عمر. وكيف يكون شجاعا في مواجهتهم في أوّل إسلامه ثمّ يصبح يخاف منهم بعد سنين ؟ أترى الإسلام يعلّم الجبن؟!

قال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة:كان عمر بن الخطّاب (رض) يقدّم درجة الكسب على درجة الجهاد فيقول: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحبّ إليّ من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله، لأنّ الله تعالى قدّم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين بقوله تعالى{وآخرون يضربون في الأرض}([124]) .

أقول: هذا استنباط سقيم، لأنّ الله تعالى حثّ على الجهاد وفضّل المجاهدين على القاعدين، وأخبر أنّه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص، وحسم المسألة في سورة التّوبة بقوله جلّ ذكره{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين }([125]). فمن كانت التّجارة أحبّ إليه من الجهاد فليتربّص.

قال ابن تيمية:كما أنّ عمر بن الخطّاب (رض) كتب إليه أبو عبيدة بن الجراح عام اليرموك يستنصره على الكفّار و يخبره أنّه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلمّا وصل كتابه بكى النّاس وكان من أشدّهم عبد الرّحمن بن عوف و أشار علي عمر أن يخرج بالنّاس، فرأى عمر أنّ ذلك لا يمكن، و كتب إلى أبي عبيدة: مهما ينزل بامرئ مسلم من شدّة في نزلها بالله يجعل الله له فرجا و مخرجا؛ فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن بالله و قاتلهم فأخبره أنه لا يمكنه أن يعاونه في هذه([126]).

قال تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}([127]). وليت عمر بن الخطّاب أنزل شدّته بالله يوم خيبر ليجعل له فرجا ومخرجا!

قال ابن تيمية: ذكر أحمد أنّه كان لعمر بن الخطّاب سيف فيه سبائك من ذهب([128]).

أقول: وما هي إنجازات السيف المذهّب؟!

قال ابن هشام: وكان ضرار بن الخطّاب لحق عمر بن الخطّاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرّمح ويقول: انج يا ابن الخطّاب لا أقتلك! فكان عمر يعرفها له بعد الإسلام([129])!

أقول:

ومعنى هذا أنّ ضرار بن الخطّاب كان يلاحق عمر بن الخطّاب وعمر بن الخطّاب في حالة فرار، وبدل أن يقتله كما هو شأن غيره من المقاتلين سمح له بالنجاة! فكيف يقال بعد هذا إن الله تعالى أعزّ الإسلام بعمر؟ وأيّ عزّ يأتي على يد الفرّار؟! وللقارئ أن يتخيّل كهلا في سنّ عمر وطوله وهو يفرّ من عدوّ مشرك ولا يلوي على شيء! وانظر إلى هذا المؤرخ العظيم كيف هوّن من شأن الحادثة واكتفى بقوله " فكان عمر يعرفها له بعد الإسلام "! ومن يدري ما الذي كان يحدث بعد وفاة النبي(ص) لو أنّ ضرار بن الخطاب قتل عمر بن الخطاب يومها بدل أن يسمح له بالنجاة.

عقائد عمر

أوّل ما ينبغي أن يلتفت إليه في مسألة العقائد هو ماضي الشّخص قبل إسلامه، فإنّ الماضي يلعب دورا مهمّا في تقبّل العقائد وترسيخها وهضمها على الوجه الصّحيح. ويكفينا لفهم ذلك تذكّر ما جرى للصّحابة مع رسول الله(ص) في قصّة ذات أنواط؛ فقد جاء في سيرة ابن هشام أنّ الصّحابة خرجوا مع رسول الله(ص) إلى حنين وكانت لكفّار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كلّ سنة يعلّقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها يعكفون عندها يوما. يقول الصحابي الراوي: فرأينا يوما ونحن نسير مع النبيّ (ص) شجرة عظيمة خضراء فسترتنا من جانب الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط! فقال رسول الله(ص): الله أكبر . . الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنّكم قوم تجهلون ([130]).

أقول:

هذه الواقعة كانت في الطّريق إلى حنين، وغزوة حنين كانت بعد فتح مكة في السنّة الثامنة للهجرة، وقد كان مرّ على بعثة النّبيّ وابتداء نزول الوحي يومها عشرون سنة !وهذا يعني أن الذين كانوا حول رسول الله(ص) وإن كانوا قد قاتلوا كثيرا وغيّروا أسلوب حياتهم الشّكلي إلاّ أنهم من ناحية المعتقد لم يحقّقوا تقدّما يستحق الذّكر، بل أسوأ من ذلك أنّهم راحوا يطلبون من رسول الله(ص) أن يشاركهم في التّشبّه بالمشركين. ومن هؤلاء الذين كانوا مع رسول الله(ص) عمر بن الخطّاب العدوي. ولا أحد يستطيع أن ينكر أنّ عمر بن الخطاب عبد الأصنام مدّة طويلة من حياته، حتى إنّه هو نفسه يحدّث بذلك؛ ومع الأسف فإنّ المحدّثين والمفسّرين كأنّما أخذوا على أنفسهم أن يئدوا الأخبار الواردة في ذلك كما وأد عمر ابنته. ومع ذلك فقد أفلتت منهم قصص ووقائع تسمح باستشفاف ما كان يجري هناك. أورد العقّاد في كتابه "عبقرية عمر" أنّ عمر قال:«كنّا في الجاهلية، نصنع صنما من العجوة فنعبده، ثمّ نأكله». ولأنّ الشّرك أمر عظيم فقد وصف الله تعالى المتلبسين به بأبشع الأوصاف فقال{ إنّما المشركون نجس}، فالمشرك حال شركه نجس، وهذا هو المعروف لدى الفقهاء، وعليه يكون عمر بن الخطّاب أيّام شركه نجسا، ثمّ طهره الإسلام في ما بعد؛ فالذين ينسبون إلى النبي(ص) أنّه قال«لو لم أبعث في كم لبعث عمر» إنّما يفترون على الله الكذب، ويسيئون معه الأدب، لأنهم يعنون بذلك أنّ الله تعالى قد يبعث نبيّا من قضى عشرات السّنين في نجاسة الجاهليّة وكان هو نفسه نجسا كما يقتضي سياق الآية{ إنما المشركون نجس}!

قال السيوطي:أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمر بن الخطّاب: أنّه خطب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له فقال له فتى بين يديه كلمة بالفارسية فقال عمر لمترجم يترجم له: ما يقول؟ قال: يزعم أن الله لا يضلّ أحدا . فقال عمر: كذبت يا عدوّ الله! بل الله خلقك وهو أضلّك وهو يدخلك النّار إن شاء الله، ولولا ولث عقد لضربت عنقك! فتفرّق الناس وما يختلفون في القدر والله أعلم([131]).

أقول:

إن صحّ الخبر فإنّ الفتى ذهب إلى غير ما يذهب إليه عمر، فإنّ الإضلال ابتداء لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، وفي سورة الفاتحة قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضّالين ولم يقل المضلّلين. وأما الإضلال بمعنى الجزاء فلا إشكال فيه، ومجرّد خذلانه إيّاهم إضلال لهم هو عدل لا ظلم فيه. وقد قال تعالى {وما كنت متخذ المضلّين عضدا} فكيف يكون مضلاّ. ومن أسمائه تعالى الهادي، وفي كلام عمر سوء أدب عند قوله يدخلك النّار إن شاء الله، وموقف عمر ممّن يتكلم بالفارسيّة معلوم، فقد قال فيما قال: وددت أن بيني وبين هذه الحمراء جبلا من نار . وقد أكمل الراوي وضع اللمسات الأخير على روايته بقوله: " فتفرّق الناس وما يختلفون في القدر "!

قال الشّوكانيّ: وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشّعب عنه نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنه قال وهو يطوف بالبيت: اللهمّ إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة([132]).

أقول:

وهذا حين يقول بمثله أتباع أهل البيت عليهم السلام ينسبون بسببه إلى الكفر، و يقال عنهم إنّهم ينسبون الجهل إلى الله سبحانه وتعالى، لكن عندما يقوله عمر يصبح دينا غير قابل للنّقاش، مع أنّ المقول واحد وحكم الأمثال واحد!

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب أنه قال: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري فقال قائل: يا أمير المؤمنين هذا الظّلم فما بال الكفر ؟ قال: إنّ الإنسان لظلوم كفار([133]) .

أقول:

لا شك أنّ عمر بن الخطّاب يعلم أنّ الله لا يغفر الكفر حال التلبّس به، وأما بعد تركه فالإسلام يجبّ ما قبله ولا معنى حينئذ لطلب المغفرة بخصوصه!.

وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عبّاس أن عمر بن الخطّاب قال: كنت أتأوّل هذه الآية {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}([134]) فوالله إن كنت لأظنّ أنّه سيبقى في أمّته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها وأنّه هو الذي حملني على أن قلت ما قلت([135]).

هذا مبلغ فهم عمر بن الخطّاب للقرآن الكريم، وهذا معتقده في رسول الله (ص)، والقرآن الكريم يهتف: { كل نفس ذائقة الموت}.

ألم يقل رسول الله(ص) يوم عرفة يوشك أن أدعى فأجيب؟ ألم يقل يومها لعلّي لا ألقاكم بعد يومي هذا ؟ ألم يقل إنه لم يكن نبي إلاّ عمّر...؟).

و رووا أن عمر بن الخطّاب لما سمع النبي(ص) يناديهم فقال: يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ؟ يقول الله إنك لا تسمع الموتى فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا([136]). وأمّا البخاري فقد روى القصة عن ابن عمر بالبناء للمجهول، مع أن البقية صرّحوا باسم عمر وأنه هو القائل لرسول الله(ص). وفي هذا تفنيد لمزاعم الوهّابية الذين يدّعون أن كلّ من خرج من هذه الدنيا حجب عن السّمع والمشاهدة.

وفي هذا الباب أيضا أورد الصنعاني في تفسيره أن عمر بن الخطّاب قال للنبي(ص): كيف يسمع يا نبي الله قوم أموات؟ قال النبي: ما أنتم بأعلم بما أقول منهم. أي أنّهم قد رأوا أعمالهم([137]).

و عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله(ص) أدرك عمر بن الخطّاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله(ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت([138]).

أقول:

يحلف بالخطّاب وهو يعلم أنّه مات على الكفر.

وقال عمر ـ في قصة صلح الحديبية ـ : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ([139]).

أقول:

هذا عمر يشهد على نفسه بالشّكّ. فإمّا أن يكون شكّ في رسول الله(ص)، وإما أن يكون شكّ في وعد الله تعالى. وهو في كلا الأمرين على خطر عظيم.

مع أهل الكتاب:
هل أعرض عمر عن التّوراة وعن أهل الكتاب بعد أن نهاه النبي(ص) كما هو مذكور في صحيح البخاري وغيره ؟

الواقع يوقفنا على خلاف ذلك. فإنّه بعد وصول عمر إلى الخلافة، وجد أهل الكتاب منفذا إلى شؤون المسلمين عن طريق كعب الأحبار خاصّة، وآخرين من أمثال وهب بن منبه وتميم الدّاريّ وزيد بن ثابت. .

جاء في تاريخ المدينة:عن ابن شهاب قال: أوّل من قصّ في مسجد رسول الله(ص) تميم الدّاريّ: استأذن عمر (رض) أن يذكر الله مرّة فأبى عليه، ثمّ استأذن أخرى، فأبى عليه، حتّى كان آخر ولايته، فأذن له أن يذكر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر. فاستأذن تميم في ذلك عثمان بن عفان فأذن له أن يذكر يومين من جمعة([140]) .

هذا في ما يخصّ الدّاريّ . أمّا كعب الأحبار فقد كان حرّا مطلق اليد يتحدّث بما شاء متى شاء ولا أحد يعترض عليه، لأنّه كان محميّا من طرف الدّولة ـ حصانة دبلوماسيّة باللّسان المعاصر ـ وإن كان عمر قد تنبّه إلى خطورة ذلك في وقت معيّن حينما بالغ كعب وتجاوز الحدّ المسموح به، فنهاه عن الإكثار من الحديث عن " الكتاب الأوّل"، والواقع أنّه حدث ذلك بعد أن بثّ كعب ما أراد من الخرافات والأساطير، وأعانه في ذلك آخرون أصبحوا تلامذة له، من أمثال أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، في وقت كانت الدّولة قد منعت كتابة ورواية الحديث النبويّ الشّريف ! ! ولقد كان كعب ذكيّا في تمرير افتراءاته حتّى قال بعض أهل العلم ممن أخذ عن أبي هريرة كما ينقل ابن كثير: " اتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله ويحدّث عن كعب الأحبار، ثمّ يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله(ص) عن كعب وحديث كعب عن رسول الله(ص) . وفي لفظ يجعل ما قاله كعب عن رسول الله وما قاله رسول الله عن كعب. فاتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث "([141]).

لم يكن كعب الأحبار قد رأى رسول الله(ص) أو سمع منه، لكنّه مع ذلك أصبح من أكثر النّاس رواية، ومن طبقة عالية بحيث يروي عنه صحابة من أمثال أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر. وقد صار في ما بعد المستشار الشخصيّ للخليفة عثمان، ولعلّ ذلك كان بوصيّة من عمر ؛ ولم يتجرّأ أحد من المسلمين أن يشير إليه بتهمة على الدّين، لأنّ إشاراته وتوجيهاته كانت دائما متناغمة مع هوى الموجودين في السّلطة، المدعومين من طرف حاربوا الإسلام بكلّ ما استطاعوا ولم يدخلوا فيه إلاّ مكرهين، والذين تبرّموا بأبي ذرّ حينما صدع بفضح كعب على مرأى ومسمع من الملإ قائلا له في مجلس عثمان: " يا بن اليهوديّين ...، فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك " ! ووقفت السّلطة إلى جنب كعب الأحبار، ودفع أبو ذرّ ثمن ذلك . إنّ كعب الأحبار لم يكن ليصل إلى هذا المقام لولا ما كان له من الوجاهة في حياة عمر، مع أنّه لم يكن أحد من المسلمين يجهل يهوديّته، ولو كان قد اعتنق الإسلام فعلا كما كان يزعم لتخلّى عن التّوراة المحرّفة، لكنّه لم يكتف بالبقاء عليها، بل فتح على النّاس منها سيلا لا تزال آثاره إلى اليوم . وهل نال كعب ذلك المقام إلاّ بدعواه العلم بما في الكتاب الأوّل ؟ هذا مع العلم أن رسول الله(ص) صدع في هم قائلا: أنا مدينة العلم وعليّ بابها. عليّ الذي أشير إليه في القرءان الكريم بــقوله تعالى {من عنده علم الكتاب}، ألم يكن لديه ما يغني عن إسرائيليات كعب؟ إنّهم لم يكونوا يتوجّهون إلى باب مدينة العلم إلاّ عند الضّرورة الملحّة حيث لا يغني عنهم كعبهم شيئا!!

لم يتخلّ عمر عن اعتقاده بالتّوراة الموجودة عند اليهود، وقد أخبره كعب يوما أنّه يجده فيها، فسأله عمر: تجدني فيها باسمي ؟ فقال لا ولكن بصفتك. ولعلّه بهذا القول يريد أن يوهم بشرعيّة خلافة عمر. وبما أنّ القرءان الكريم يصرّح بوجود اسم النبي(ص) و صفاته: {النبيّ الأمّيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة . . .}[142] فلمَ تأخّر كعب ولم يسلم على عهد رسول الله؟ ألا يكون كلام كعب منطويا على شيء من الكيد اليهودي ؟

ومن حقّ المسلم أن يتساءل عن سرّ موافقة اعتقادات المسلمين لاعتقادات أهل الكتاب في ما يخصّ التّوحيد بأقسامه، وعصمة الأنبياء والقيامة، وأشياء من هذا القبيل ممّا يتعارض قطعا مع ما جاء به القرءان الكريم . ومن المهمّ أيضا أن يدرك كيف تسرّب التيّار المشكّك الذي يستند إلى الآيات المتشابهات، ونقل أخبار الكتاب الأوّل على لسان أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر، ويتساءل عن مدى شرعيّة وجود تميم الدّاريّ وكعب الأحبار في حاضرة الخلافة الإسلاميّة وهما يرويان من الإسرائيليّات ما يروق لهما في المسجد النّبوي نفسه، بينما كان الحصار الفكريّ مضروبا على أهل بدر وأحد يمنعهم من رواية الحديث. وعلى كلّ حال هذا أمر لا يتمّ إلاّ في ظل تحرّر فكريّ من التعصّب المقيت، وصمود في وجه المتلبّسين بالدّين الذين يدافعون عن اليهوديّة المحرّفة المتستّرة بلباس الإسلام .

وقد فضح العلم كثيرا من مرويّات كعب الأحبار، وهذا وحده كاف للتّنبّه لخطر هذا اليهوديّ على تراث المسلمين، وكفيل بتوجيه الباحثين والمحققين إلى إعادة النّظر فيه بصورة موضوعيّة نزيهة .

لقد كان كعب يحضر مجالس يكون فيها تلميذه أبو هريرة، فربّما حدّث أبو هريرة بشيء ينفرد به، في سارع كعب الأحبار إلى تصديقه ولا ينكر عليه أحد، وليس بأيدينا اليوم استنكارات صارمة متوجّهة إليه سوى ما كان من أبي ذرّ الذي لا تأخذه في الله لومة لائم بشهادة الفريقين . ولو كان كعب مؤتمنا على الدّين لما واجهه أبو ذرّ رضي الله تعالى عنه بتلك الطّريقة . والمتمعّن في الموقف يفهم من سلوك أبي ذرّ (رض) خطابا تحذيريّا موجّها إلى المسلمين ينبّههم فيه إلى مسألتين اثنتين، أولاهما انحراف الدّولة حيث أصبح اليهوديّ لديها مكينا أمينا، والثّانية تتمثّل في وجود تيّار تخريبيّ يعمل على تحريف القرءان تفسيرا وتأويلا بإذن من الدّولة ! لأنّ كعبا لم يشهد نزول آية واحدة من الذّكر الحكيم، ولم يكن له صلة بعترة النبي(ص) ـ عدل القرآن ـ لا من قريب ولا من بعيد . فمن أين له التّفسير والفتوى ؟ ! وقد غضب عثمان على أبي ذرّ لأنّه وقف ضدّ التّحريف، وكان أولى به أن ينتهر كعبا، لتقوّله بلا علم وتقدّمه على أصحاب رسول الله (ص)، لكنّ ذلك لا يتناسب مع سياسته الطّبقة الحاكمة وأهدافها.

إنّ مجرّد وصول هذه الحادثة إلينا عن طريق كتب المخالفين لأهل البيت عليهم السلام هو بنفسه آية لمن تدبّر، فإنّ السّلطة الحاكمة آنذاك كانت تمارس التّرغيب والتّرهيب، ولا تتردّد في معاقبة من تسوّل له نفسه إبداء رأي مخالف للرّأي الرّسميّ ولو كان قد تلقّاه من فم النبي (ص)، وقد تطوّرت المسألة أكثر في زمن معاوية بحيث مورست رقابة لم يسبق لها مثيل ووضعت أحاديث وأخبار قصد من ورائها إفراغ الدّين من محتواه، حتّى وصلت الخلافة إلى المستهترين والمعربدين، وحكم في الأمّة أراذلها وأوباشها وهي نتيجة منطقيّة لسلوك الدّولة تجاه السّنّة النّبويّة في ظلّ حكم عثمان وقبله وبعده، باستثناء فترة حكم الإمام علي (ع) التي تميّزت بالاضطرابات والقلاقل .

عاش كعب الأحبار اليهوديّ عمرا طويلا لم ير فيه رسول الله (ص)، ولا قدّم للإسلام والمسلمين شيئا غير المؤامرات والدّسّ، وقد فرّ إلى حمص لأنّه كان متّهما بالمشاركة في مؤامرة قتل عمر، وبقي بها حتى هدأت الأمور ثمّ رجع ليكون من أصحاب عثمان المقرّبين، ثمّ عاد ثانية إلى حمص عندما بدأت الفتنة، وبقي إلى أن مات، كما في هامش الكامل لابن عدي([143]). ومع ذلك لم يتلقّ أذى ولا ضيّق عليه ؛ بل كان ينعم بمقام عند الخلفاء لا يحلم به كثير من المهاجرين والأنصار . وعاش أبو ذرّ ـ وهو من أوائل المسلمين ـ مسيّرا من بلد إلى بلد، وانتهى به الأمر إلى أن يموت منفيّا بالرّبذة .

صحابي شهد مع رسول الله المشاهد كلّها على ضعف بدنه، وشبّهه رسول الله(ص) بعيسى بن مريم في ورعه، كان مثالا في الورع والتّقوى والدّفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين ينتهي به الأمر إلى النّفي، لأنّه رفض أن يملي اليهود على المسلمين دينهم، ولأنّه لم يهب أن يقول للحاكم (لا) عندما انحرف الحاكم محييا سيرة الجاهليّة . مثل هذا الصّحابيّ هو الذي يستحقّ أن يدافع عنه، ويغار على حرمته، ويتأسّى به في فعل الخيرات . فهل أنصفه المسلمون حينما همّشوه ورضوا له ما لقيه من عنت الحكّام، والتمسوا لليهوديّ ومقرّبيه المعاذير في تصويب أعمالهم وتوجيهها ؟

وعن أم بكر بنت المسور أن عمر بن الخطّاب قال لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل([144]).

أقول: هذا موقف عمر بن الخطاب من التبرّك، فعلى ابن تيمية وابن عبد الوهاب أن يحدّدا موقفهما منه ولا ينبغي أن تأخذهما في الله لومة لائم. فإنّ مسجد قباء ليس من المساجد التي تشد لها الرحال وتضرب لها آباط الإبل. وقد قال عمر« لو كان مسجد قباء في أفق من الآفاق..< و لا يخفى ما في هذه العبارات من إرادة بعد المسافة.

قال السيوطي: أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله(ص) لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال أسألك بحقّ محمّد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه ومن محمّد؟ فقال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك ولولا هو ما خلقتك([145]).

أقول:

مادام عمر بن الخطاب نفسه يروي هذا فهل تعامل مع النبي(ص) من هذا المنطلق؟ .

قالوا: وقد جاء أنه لما مات (ص) أنكر عمر بن الخطّاب (رض) موته حتى احتج عليه أبو بكر الصديق بهذه الآية{إنك ميت..}فرجع إليها([146]).

أقول:

ومع ذلك يعدّونه في المفسّرين.

قال السيوطي:وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي شيبة و هناد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطّاب أنّه انقطع شسعه فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون فقيل له مالك؟ فقال: انقطع شسعي فساءني، وما ساءك فهو لك مصيبة([147]).

أقول:

هذا معنى المصيبة عند عمر بن الخطّاب . إذا انقطع شسع النعل فهي مصيبة، وإذا انكسر القلم فهي مصيبة أيضا،وإذا انثقبت عجلة السيارة فهي مصيبة، وكذلك الشأن بالنسبة لأزرار القميص..، فنحن بحمد الله تعالى في مصائب متجدّدة حسب رأي عمر بن الخطاب.

قال الآلوسيّ:أخرج عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطّاب (رض) أنه سمع رجلا يقرأ هل أتى على الإنسان شيء من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا فقال:« ليتها تمّت»([148]).

أقول:

وهذا معناه أنّ عمر يتمنّى لو لم يكن هناك رسالات ولا عبادة ولا جنّة ولا نار، وهذا لا ينسجم مع قوله تعالى {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}. ولا يختلف العقلاء في أنّ الوجود خير من العدم، لكنّ عمر يرى غير ذلك! وإذا أضيف هذا القول إلى أقوال عمر الأخرى " ليتني كنت كبش أهلي" و " ليتني كنت هذه التّبنة " يتبيّن أنّ عمر بن الخطّاب لم يسمع بحديث العشرة المبشّرين، وأن هذا الحديث قد اختلق بعده بزمان.

قال ابن الجوزي: و عن عبد الله بن مغفل قال: كان رسول الله(ص) تحت الشّجرة يبايع الّناس وإنّي لأرفع أغصانها عن رأسه وقال بكير بن الأشج كانت الشجرة بفجّ نحو مكّة . قال نافع: كان النّاس يأتون تلك الشّجرة فيصلّون عندها، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت([149]).

أقول:

هل خاف عمر على الصّحابة الشّرك لأنّهم كانوا يتّبركون بالصّلاة عند الشّجرة التي بايعوا رسول الله تحتها ؟

قال النّحاس: وقال خالد: سمع عمر بن الخطّاب (رض) رجلا يقول:
"يا ذا القرنين" ، فقال عمر: اللهمّ غفرا أما رضيتم أن تسمّوا بالنبيين حتى تسمّيتم بالملائكة([150]).

أقول:

المعلوم أنّ ذا القرنين المذكور في سورة الكهف بشر ولم يكن من الملائكة. ولعلّ قراءة عمر لتوراة أثّرت عليه.

وروى عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث أن عاملا لعمر بن الخطّاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرؤون التوراة و يسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث فما ترى فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب([151]).

وفي كتاب الناسخ والمنسوخ: قال عمر بن الخطّاب (رض) والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي فقلت ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت قد وعدتنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى أ فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال لا ! قال فإنك تأتيه وتطوف به . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال: أيّها الرّجل إنّه رسول الله وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنّه لعلى الحقّ. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال بلى؛ أ فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قال لا! قال: فإنّك آتيه وتطوف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا([152]).

ههنا لا يقتنع عمر بكلام رسول الله(ص) حتى يمضي إلى أبي بكر، ثم هو بقوله " والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ "يعترف ويقرّ أنّه شكّ في الإسلام.

وهذه قصة رويت بصيغ متعددة تكشف عنة موقف عمر من التسمّي بأسماء الأنبياء. عن زيد بن أسلم عن أبيه قال جاءت أمّ ولد لابن عمر بن الخطّاب إلى عمر فقالت: أكسني! فقال: من سيدك لا يكسوك؟! قالت: أبو عيسى. قال: أبو عيسى؟! قال أسلم فقيل لي اذهب وادعه ولا تخبره لمَ تدعوه، وقد كان يقول لنا إذا أرسلتكم إلى أحد تدعونه فلا تخبروه لم أدعوه فإنّ الشّيطان يعلّمه كذبة فيأتيني بها. فجئته فدعوته فقال: لم تدعوني؟ قال:لا أدري. قال: فأقبل معي وجعل يسألني وأنا أخبره حتى جئنا الباب وقد وجدت له دجاجا عظيما قال وأعطاني منهنّ دجاجة على أن أخبره فأخبرته؛ قال: ودخلت ودخل في أثري قال: أخبرك لم أرسلت إليك؟ قال: نعم. قال: ودعاني فجمع يدي في يده اليسرى ثم جعل يضربني بالدّرّة وجعلت أنزوي! قال أسلم ويقول إنه لحديد. قال ثم أرسلني وقال: والله إنّكم تحملونني على أنفسكم وأنا كاره ثم قام إلى ابنه فلوا رداءه في عنقه ثم جعل يضربه بالدرة حتى فتر فقال هل تدري ما أسماء العرب لا أمّ لك؟ عامر و عويمر ومالك وصرما ومويلك و سررة ومرّة! ثمّ جعل يضربه ويقول له ذلك "هل تدري ما أسماء العرب"؟ ثمّ يردّد عليه ذلك مثل مقالته الأولى مرتين أو ثلاثا ثم قال دع عنك عيسى فإنّا والله ما نعلم لعيسى أبا([153]).

وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي في (المختارة): وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب (رض) ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى وأنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنّى بأبي عبد الله؟ فقال: رسول الله(ص) كنّاني. فقال: إنّ رسول الله(ص) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (!) وإنّا في جلجتنا! فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك . كذا رواه أبو داود في سننه وهو بمسند المغيرة بن شعبة أشبه لكن بعضهم أخرجه في مسند عمر بن الخطّاب وقد رواه حبيب الشهيد عن زيد بن أسلم إسناده صحيح ([154]).

وروى الحاكم القصّة نفسها عن حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء فنادى يستأذن أبو عيسى على أمير المؤمنين عمر. فقال عمر: ومن أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا. فقال عمر: وهل لعيسى من أب؟ أما في كنى العرب ما تكتنون بها أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن؟ فقال رجل: أشهد لقد سمعت رسول الله(ص)كنى بها المغيرة. فقال عمر: إنّ النبي(ص) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في خلج ما ندري ما يفعل بنا فكنّاه بأبي عبد الله([155]).

أقول:

ماذا يقصد عمر بقوله " إنّ النّبيّ قد غفر له ما تقدّم من ذنبه"؟ هل يقصد أنّه ما كان ينبغي للنّبيّ أن يسمّي أحدا بأسماء الأنبياء؟ إذاً فعمر يعلّم رسول الله(ص) ما ينبغي وما لا ينبغي في الإسلام ! ولماذا لم يقله للنبي(ص) في حياته؟ لماذا لم يقل له: « لا ينبغي لك يا رسول الله أن تسمّي النّاس بأسماء الأنبياء»؟! أوليس النّبي(ص) أوّل من سنّ للمسلمين هذه السنّة حين سمى ابنه عليه السلام إبراهيم؟! ألا تكون فكرة عمر هذه من وحي كعب الأحبار اليهودي؟!.

وروى ابن عساكر عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب قال لابنه عبد الرحمن: ما أبو عيسى؟ قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة بن شعبة على عهد النبي(ص)([156]).

قال ابن الأثير: ومنه حديث أسلم أنّ المغيرة بن شعبة تكنّى أبا عيسى فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنّى بأبي عبد اللّه ؟ فقال: إن رسول الله(ص) كنّاني أبا عيسى فقال إن رسول الله(ص) قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وإنا بعد في جلجتنا ! فلم يزل يكنى بأبي عبد اللّه حتى هلك([157]).

نسخ عمر فعل رسول الله(ص) وقال كلاما لا يصحّ في مقابل قوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.

وروى الطبراني عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن عمر خرج يستسقي وخرج بالعباس معه يستسقي فيقول اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا (ص) توسلنا إليك بنبينا عليه السلام وإنا نتوسل إليك بعم نبينا (ص) ([158]).

أقول:

يوهم عمر بن الخطّاب المسلمين أنّ النبي(ص) قد فقد مقامه بخروجه من الدّنيا، والحال عكس ما يقول، فإنّ النبي(ص) بخروجه من الدّنيا تخلّص من كدوراتها، وخسر المسلمون وجوده بدليل قوله تعالى{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، ولعلّ عقائد ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب مبنيّة على تصرفات عمر. وقد كان الصّحابة يخالفون عمر في مسألة التّبرّك والتّوسّل بشهادة أحاديث رواها كل من أبي أيوب الأنصاري وعائشة زوج النبي(ص) وغيرهما. ومن زعم أنّ مقام العباس بن عبد المطّلب في دار الدّنيا أعظم لدى الله تعالى من مقام رسول الله(ص) عند مليك مقتدر فقد ضلّ سواء السبيل. ثمّ ما دام عمر أفضل من العبّاس في التّرتيب ـ ثاني الخلفاء وثاني المبشرين بالجنة ـ فلماذا لا يتوسّلون به هو؟

والحقّ أنّ عمر يعلم أنّ للعبّاس جاهليّة ورباً، وأنه ليس من المطهّرين بنص الكتاب الكريم، ويعلم أيضا أنّ النبي(ص) باهل بعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ولم يباهل بالعبّاس، ومع ذلك يستسقي بالعبّاس لأنّه يريد أن يغيّب عصمة وطهارة أهل البيت عليهم السّلام. و لا أستبعد أن يكون هذا الحديث ممّا وضع في أيّام الدّولة العباسية، فإنّ الحكّام العبّاسيّين يهتمّون لكلّ رواية في فضل جدّهم العباس يعتّمون بها على أهل البيت عليهم السلام وحقّهم الشرعيّ.

وعن محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطّاب (رض) قال للرّكن: أما والله إني لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله(ص) استلمك ما استلمتك فاستلمه ثم قال: فما لنا والرّمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي(ص) فلا نحبّ أن نتركه([159]).

أقول:

قوله للركن"أما والله إني لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع" لو قاله للصّنم أيّام كان ينحني له لكان أبلغ وأصوب.

عن طاووس قال كان عمر يقبل الحجر ثمّ يسجد عليه ثلاث مرات ويقول لولا أني رأيت رسول الله(ص) يقبّلك ما قبّلت([160]).

أقول: هذا شأن كل المسلمين؛ كل مسلم يقبّل الحجر لأن النبي(ص) قبّله، وكل مسلم يصلّي الظّهر أربعا لأن رسول الله(ص) صلاها كذلك، فأين الخصوصية لعمر في قوله " لولا أنّي..."؟

وفي سنن البيهقيّ عن محمّد بن مسلم بن خباب قال: جاء أنس بن مالك فقعد مكانك فقال: تدرون ما هذا العود؟ قلنا: لا . قال: إنّ رسول الله(ص)كان إذا قام إلى الصّلاة أخذه بيمينه فقال:"اعتدلوا سووا صفوفكم ثم أخذه بيساره فقال اعتدلوا سووا صفوفكم" فلمّا هدم المسجد فُقد، فالتمسه عمر بن الخطّاب (رض) فوجده قد أخذه بنو عمرو بن عوف فجعلوه في مسجدهم فأخذه فأعاده.

لماذا أخذه بنو عمرو بن عوف؟ ولماذا أعاده عمر؟وإذا كان الرّكن لا يضرّ ولا ينفع فمن باب أولى أن يكون العود المذكور لا يضرّ ولا ينفع، فلماذا حرص عمر على إعادته؟ ما أكثر تناقضات عمر!

قال الّسيوطي: وأخرج ( ابن سعد ) عن معمر عن ليث بن أبي سليم أنّ عمر بن الخطّاب قال لا تسمّوا الحكم ولا أبا الحكم فإن الله هو الحكم ولا تسموا الطّريق السكة.

أقول:

فإن الله تعالى يقول { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما..}([161]). وهو يتحدّث عن بشر لا غير! وكان في معاصري رسول الله(ص) رجل من بني أمية اسمه الحكم، وهو والد مروان بن الحكم، وقد لعنه النبي (ص) وطرده من المدينة ولم يأمر بتغيير اسمه، فكيف يلعن النبي(ص) صاحب هذا الاسم إن صحّ ما يقوله عمر؟ ولا زالت إيحاءات كعب الأحبار تؤثر على عقائد عمر حتى انفرد بأمور تدعو إلى العجب.

وقال الرازي في ترجمة مسروق بن الأجدع بن مالك: يقال إن عمر بن الخطّاب غيّر اسم أبيه وسمّاه عبد الرحمن([162]).

أقول:

إنّ عمر مولع باسم عبد الرحمن ولذلك سمى ثلاثة من أولاده عبد الرّحمن ولم يسمّ أحدا منهم محمّدا ولا عليّا، وكان أمين سرّه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى عمرو بن العاص بعبد الرحمن بن ملجم..

قال البخاريّ:عاصم بن عدي أخي بني العجلان سمع عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أخا بني عمرو بن عوف وكان إمام مسجد قومه قال: كان عمر يأتي مسجدنا هذا وكان أدركه وعقل زمانه كلّه وقال: اعمروا مسجدكم فو الذي نفس عمر بيده لو كان ببعض الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل([163]).

أقول: يعني بمسجد قومه مسجد قباء كما أشار إليه المفسرون، وكلام عمر السّابق يعارض ما استنبطه ابن تيمية من حديث " شدّ الرحال "، فإنّ مسجد قباء ليس من المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وقد عبّر عمر بن الخطّاب بعبارة شديدة الوقع على سمع ابن تيمية حيث قال
" لضربنا إليه أكباد الإبل ".

قال ابن تيمية:

وأما ما فعله بحكم الاتّفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلّي فيه لكونه نزله لا قصدا لتخصيصه به بالصّلاة والنّزول فيه فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصّلاة فيه أو النّزول لم نكن متّبعين بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطّاب، كما ثبت بالإسناد الصّحيح من حديث شعبة عن سليمان التّيمي عن المعروف بن سويد قال: كان عمر بن الخطّاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلّى فيه النّبيّ، فقال عمر: إنّما هلك أهل الكتاب أنّهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتّخذوها كنائس وبيعا فمن عرضت له الصّلاة فليصلّ وإلاّ فليمض([164]).

أقول: مكان صلى فيه رسول الله(ص) من حقّ النّاس أن يعتبروه مباركا ويصلّوا فيه تبرّكا وتيمّنا؛ وإذا كان عمر بن الخطّاب صادقا في قوله فلماذا أصرّ على أن يدفن في نفس المكان الذي دفن فيه النبي(ص) وهو الذي يشنّع على الناس أنّهم اتبعوا آثار أنبيائهم؟ كان المفروض أن يدفن في البقيع أو في بيته لا أن يتبع أثر نبيّه. على أن الله تعالى يقول:
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} ولم يقل« لقد كان لكم في عمر بن الخطاب...<

قال ابن تيمية: ولما ظهر قبر دانيال بتستر كتب فيه أبو موسى إلى عمر بن الخطّاب (رض)، فكتب إليه عمر: "إذا كان بالنّهار فاحفر ثلاثة عشر قبرا ثمّ أدفنه بالليل في واحد منها وعفّر قبره لئلا يفتتن به الناس"([165]) .

أقول:

ذهب عمر بن الخطاب وبقي دانيال عليه السلام، والقبر موجود إلى يومنا هذا في المدينة المذكورة في إيران، والنّاس يزورونه ويدعون الله تعالى عنده غير فاتنين ولا مفتونين. ولئن استكثر عمر بن الخطاب الزيارة في نبي الله دانيال عليه السلام فإنّ المسلمين عبر العصور أعيانهم وعوامّهم كانوا ولا زالوا يزورون الصالحين الذين صحّ عندهم أنّهم خدموا الإسلام، غير ملتفتين إلى قول عمر وفعله. فهذا الشافعي"ولد سنة150 هـ، في اليوم الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة وتوفي بمصرـ بعد العصرـ يوم الجمعة سنة204هـ ودفن بالقرافة الصغرى وقبره يزار بها "([166]). وهذا مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب الصحيح مات في رجب سنة إحدى وستين ومائتين وقبره يزار([167]). وذاك إبراهيم الهروي ـ بقزوين ـ قبره يزار ويتبرك به([168])، وأحمد بن عمر بن سريج الشافعي قبره يزار([169])، وخلق كثير من أهل العلم والعبادة؛

قال ابن تيمية: وقد بلغ عمر بن الخطّاب أن قوما يقصدون الصلاة عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان التي بايع النبي(ص) تحتها فأمر بتلك الشجرة فقطعت([170]).

أقول: وأنت ترى أن بقيّة الصحابة يخالفون عمر، وإنّما يخالفهم هو باعتباره حاكما صاحب نفوذ لا لأنّ لديه دليلا شرعيّا على فعله، وإذا جاز لكل من كان حاكما أن يستند إلى منصبه في قبول الأمور وردّها فعلى شريعة الإسلام السّلام!

وروى الحاكم: عن موسى بن عليّ بن رباح اللحمي عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب خطب النّاس فقال من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب! ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل! ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني! فإنّ الله تعالى جعلني خازنا.

أقول:

هناك تشابه كبير بين عقائد معاوية وعقائد عمر، فمعاوية يقول: قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، وعمر يقول: إن الله جعلني خازنا! ولعل الرجلين ينهلان من معين واحد ساقيه هو كعب الأحبار. إذ متى نصبه الله خازنا؟! فالمعلوم أنّ أبا بكر هو الذي نصبه على المسلمين، ولم يدّع أبو بكر أن الله تعالى أوحى إليه أن ينصّب عمر. وهناك قولة مشهورة لعلي بن أبي طالب (ع) تكشف حقيقة الأمر لمن خفي عليه ذلك وهي قوله له يوم السّقيفة: " اِحلب حلبا لك شطره يا عمر! اشدد له أمره اليوم يردده إليك غدا ! لشدّ ما تشطّرتم ضرعيها "!

ثمّ لينظر النّاظر إليه كيف غيّب باب مدينة العلم وجعل مكانه أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وهو يعلم أنّهما فاتهما قرآن مكّي كثير! أمّا أبي بن كعب فمدنيّ فاته القرآن المكي كلّه، وأمّا معاذ بن جبل فقد كان من المقربين عند عمر لموقفه من علي (ع). ومع ذلك فإن عمر كان يقول:
" أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن([171]) ". فمادام القرآن عند أبي بن كعب، والحلال والحرام عند معاذ فإنه ينبغي لعمر أن يقول:
" أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا معاذ" أو " أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبي بن كعب ".

وقال ابن تيمية في منهاجه: كان عمر بن الخطّاب إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلّون فيه لكونه موضع نبيّ ينهاهم عن ذلك ويقول إنّما هلك من كان قبلكم باتّخاذ آثار أنبيائهم مساجد من أدركته الصلاة فيه فليصلّ وإلا فليذهب ([172]).

وقال أيضا:روى محمد بن وضّاح وغيره أن عمر بن الخطّاب أمر بقطع الشّجرة التي بويع تحتها النبي(ص) بيعة الرّضوان لأنّ النّاس كانوا يذهبون تحتها فخاف عمر الفتنة عليهم([173]).

أقول: علما أنّ عمر نفسه يقول: سمعت رسول الله(ص) وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي عزّ وجلّ فقال صلّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجّة. رواه أحمد والبخاريّ وأبو داود وابن ماجة وفي لفظ للبخاري وقل عمرة وحجة([174]).وإذا فلا مانع أن يكون مكان ما مباركا.وقد ذكر القرآن الكريم " البقعة المباركة "، وذكر " المسجد الأقصى {الذي باركنا حوله}، وذكر القرى التي{ باركنا فيها} ولكن تناقضات عمر بن الخطّاب لا تكاد تنتهي.

وقال ابن تيمية: وأيضا فلما فتح المسلمون تستر وجدوا فيها قبر دانيال عليه السلام و كان أهل البلد يستسقون به فكتب في ذلك أبو موسى إلى عمر بن الخطّاب فكتب إليه أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا و ادفنه في الليل في واحد منها لئلا يفتتن به الناس فيستسقون به([175]).

عمر و القرآن

قال السيوطي:وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطّاب مرفوعا: القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين. رجاله ثقات إلاّ شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم أبي إياس تكلّم فيه الذهبي لهذا الحديث. وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد([176]).

تكلم فيه الذهبي دفاعا عن عمر، لكن تبقى مشكلة منسوخ التلاوة!

قال الزرقاني: وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطّاب>أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن([177]).

عن محمد بن المنتشر قال: قال رجل لعمر بن الخطّاب إني لأعرف أشد آية في كتاب الله تعالى فأهوى عمر فضربه بالدّرة وقال: مالك نقبت عنها حتى علمتها؟ ما هي؟ قال: من يعمل سوءا يجز به فما منا أحد يعمل سوءا إلا جزي به. فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما([178]).

أقول:

وأنت ترى أنه ضرب الرجل لأنّه تدبّر القرآن وأعمل فكره لمعرفة أشد آية. وتدبر القرآن أمر مرغّب فيه، ولا يرغب عنه إلا من على قلوبهم أقفالها.

روى البخاريّ عن ابن عبّاس قال: قال عمر بن الخطّاب يوما لأصحاب النبي: فيمن ترون هذه الآية نزلت أيودّ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب؟ قالوا الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عبّاس: في نفسي منها شيء. فقال: يا بن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال: ابن عبّاس: ضربت مثلا لعمل قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عبّاس: لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله([179]).

وفي الإتقان: أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال كان عمر بن الخطّاب إذا ذكر له سورة براءة فقيل سورة التوبة قال هي إلى العذاب أقرب، ما كادت تقلع عن الناس حتى ما كادت تبقي منهم أحدا([180]).

وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطّاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟ قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقال: علي هذه كلمة وسيكون لها ثمرة لو وليت من الأمر ما وليت ضربت عنقه([181]).

و عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: قرأت الليلة آية أسهرتني {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} ما عنى؟ فقال بعض القوم: الله أعلم. فقال: إني أعلم أن الله أعلم، ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها بشيء أن يخبر بما سمع. فسكتوا فرآني وأنا أهمس قال: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك. قلت عنى بها العمل. قال: وما عنى بها العمل؟ قلت: شيء ألقي في روعي فقلته. فتركني وأقبل وهو يفسرها قال:صدقت يا ابن أخي، عنى بها العمل. ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثرت عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة صدقت يا ابن أخي([182]).

عبد بن حميد وابن المنذر قال السيوطي:وأخرج ابن مردويه والشيرازي في الألقاب والهروي في فضائله عن ابن عمر أن عمر بن الخطّاب خرج ذات يوم إلى الناس فقال أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن وأعدلها وأخوفها وأرجاها؟ فسكت القوم. فقال ابن مسعود: على الخبير سقطت سمعت رسول الله(ص) يقول أعظم آية في القرآن{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم} وأعدل آية في القرآن {إن الله يأمر بالعدل والإحسان }النحل الآية 90 إلى آخرها . وأخوف آية في القرآن{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} الزلزلة الآيتان 7
و 8 وأرجى آية في القرآن {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} الزمر الآية 53([183]).

قصة صبيغ

قصّة صبيغ بن عسل التّميمي مع عمر بن الخطّاب تستحقّ أن يفرد لها كتاب، وذلك لما حوته من التّناقضات والمفارقات التي تكشف عن التوجّه الفكريّ أيّامها، وسيطرة الحكم على الثّقافة والتّفكير بقبضة من حديد. هذه القصّة تبيّن بوضوح كيف كان الخليفة يحاسب النّاس على السّؤال والجواب ويتدخّل في كل صغيرة وكبيرة تدخّلا لا يمتّ إلى الإسلام بصلة. والعجيب أنّ الفقهاء والأصوليّين في ما بعد أخذوا بسلوك الخليفة وجعلوه تشريعا في مقابل شريعة السّماء رغم كونه سلوكا مزاجيّا صادرا من شخص غير معصوم، معروف بكثرة التعثر والتراجع!

زعم أولئك الفقهاء والأصوليون والمفسرون أنّ في سلوك عمر مع صبيغ التّميمي حفاظا على عقائد الناس من التّزلزل والاضطراب، لكنّهم تجاهلوا فعل الخليفة عمر حين صدر منه نفس ما صدر من صبيغ مرّات ومرّات، وبذلك تمّت عليهم الحجّة وفقدوا مصداقيّتهم عند أولي الألباب، فإنّ حكم الأمثال واحد لا يتغيّر ولا يتبدّل .

أوّل ما يلفت نظر الباحث هو إصرارهم على تسمية التّميمي صَبيغاً على وزن عظيم بفتحة في أوّله، وهو ما جعل الرجل ينفرد بهذه التّسمية بين أبناء عصره ومن جاء بعدهم! ويبدو أنّ تصرّفهم هذا متعمّد لأنّ المشتقّ إذا كان على وزن "فَعيل" يقصد به عادة " مفعول " كقولهم " سجين " يقصد به " مسجون "و "طحين " يقصد به " مطحون " و "عليل" يقصد به "معلول" و "عجين " يقصد به معجون " و"دقيق "يقصد به " مدقوق " وهكذا. فقولهم "صبيغ " يقصد به "مصبوغ ". لكن ذلك لم يسلم لهم من المعارضة، فإنّ ابن حجر العسقلاني نفسه يقول في ترجمته في الإصابة (تحت رقم 4127): صبيغ بوزن عظيم وآخره معجمة بن عسل بمهملتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة ويقال بالتّصغير ويقال بن سهل الحنظلي له إدراك وقصّته مع عمر مشهورة([184]) .ويقول أيضا في ترجمة سويد بن صبيع:

سويد بن صبيع وقع ذكره في رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بما يوهم أنّ له صحبة وليس كذلك، فقال أبو العلاء ما نصّه: ولو أدرك سويد بن صبيع لشاغبه أيام الربيع وسويد هو الذي يقول:

إذا طلبوا مني اليمين منحتهم يمينا كبرد الأتحمي الممزق*

وإن أحلفوني بالطلاق أتيتها على خير ما كنا ولم نتفرق ([185])

وابن منظور يقول في لسان العرب: صبيغ وأصبغ و صبيغ أسماء و صبغ اسم رجل كان يتعنّت النّاس بسؤالات في مشكل القرآن فأمر عمر بن الخطّاب (رض) بضربه ونفاه إلى البصرة ونهى عن مجالسته([186]). ويذكر
[ابن حجر] في مقدمة فتح الباري " الرباب " بنت صبيع بضم الصاد المهملة مصغّرا([187]) . في قول: " تابعية لها حديث في العقيقة..".و هذا يعني أنّ العرب تسمّي بالمهملة. ويترجم البخاريّ في تاريخه الكبير لربيع بن صبيع بالمهملة أيضا فيقول: أبو حفص البصري، سمع الحسن وعطاء، روى عنه الثّوري و وكيع وابن مهديّ، وكان يحيى القطّان لا يحدّث عنه([188]). ويستشهد ياقوت الحموي في معرض حديثه عن الأقيصر([189]). ببيت شعر لربيع بن ضبيع الفزاري وهو قوله:

فإنني والذي نعم الأنام له حول الأقيصر تسبيح وتهليل([190])

وتردّد الزّرقاني بين صبغ وصبيغ فقال«..الأمر الذي نهانا القرآن عنه والذي جعل عمر يفعل ما يفعل بصبغ أو بابن صبيغ وجعل مالكا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل بالذي سأله عن الاستواء([191]).

هذا في ما يخصّ التّسمية.

وأما مضمون القصّة فإنّ صبيغا هذا كان يسأل عن تفسير القرآن الكريم، ومعلوم أنّ فهم القرآن يتوقّف على فهم عباراته، وقد أمر المسلمون بتدبّر القرآن، والتدبّر فرع فهم العبارات، لا يختلف في ذاك عاقلان . لكن الدّولة كانت قد منعت رواية الحديث النبّويّ الشّريف وتفسير القرآن الكريم وذكر أسباب النّزول، وسمحت بتلاوة وإقراء القرآن لا غير، ومن سوّلت له نفسه تجاوز ما خطّته الدّولة عرّض نفسه للنّكال . وفعلا تعرّض صبيغ المذكور لتنكيل ليس بعده تنكيل حين سأل عن معنى قوله تعالى
{و الذّاريات ذروا} .

تجرّأ صبيغ وسأل عن قوله تعالى {والذّاريات ذروا}، وبلغ خبره الخليفة عمر بن الخطّاب، فتهيأ لمواجهة الخطر الذي يهدّد أمن الدّولة؛

ولأنّ الدّولة سخطت على صبيغ فقد تفنّن المؤرخون وكتّاب السّير والتّراجم في وصفه بالحماقة وتبنّي معتقدات الخوارج والمشاركة في الفتن، مبرّرين ما تعرّض له من الأذى. قال السيوطي: وأخرج ابن عساكر عن محمّد بن سيرين قال كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه([192]). وأشار النّووي إلى مثل ذلك فقال في شرح مسلم: وقد اتّفق أصحابنا وغيرهم من المحقّقين على أنّه يستحيل أن يتكلّم الله تعالى بما لا يفيد، والله اعلم. وفي هذا الحديث التّحذير من مخالطة أهل الزّيغ وأهل البدع ومن يتّبع المشكلات للفتنة، فأمّا من سأل عمّا أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطّف في ذلك فلا بأس عليه، وجوابه واجب. وأمّا الأوّل فلا يجاب بل يزجر ويعزّر كما عزّر عمر بن الخطّاب صبيع بن عسل حين كان يتّبع المتشابه، والله أعلم([193]).

قال ابن حجر: صبيغ بوزن عظيم وآخره معجمة بن عسل بمهملتين الأولى مكسورة والثّانية ساكنة ويقال بالتّصغير، ويقال ابن سهل الحنظلي. له إدراك، وقصّته مع عمر مشهورة؛ روى الدّارمي من طريق سليمان بن يسار قال: قدم المدينة رجل يقال له صبيغ بوزن عظيم وآخره مهملة [كذا] بن عسل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر فأعدّ له عراجين النّخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال: وأنا عبد الله عمر. فضربه حتى أدمى رأسه فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي. و أخرجه من طريق نافع أتمّ منه قال: ثمّ نفاه إلى البصرة. وأخرجه الخطيب وابن عساكر من طريق أنس و السّائب بن زيد وأبي عثمان النّهدي مطوّلا ومختصرا؛ وفي رواية أبي عثمان وكتب إلينا عمر: لا تجالسوه. قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرّقنا. وروى إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق هشام عن محمّد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى لا تجالس صبيغا واحرمه عطاءه. وروى الدارمي في حديث نافع أنّ أبا موسى كتب إلى عمر أنه صلح حاله فعفا عنه. وذكر ابن دريد في كتاب الاشتقاق أنّه كان يحمّق (!) وأنّه وفد على معاوية. وروى الخطيب من طريق عسل بن عبد الله بن عسيل التميمي عن عطاء بن أبي رباح عن عمه صبيغ بن عسل قال جئت عمر فذكر قصّة. ومن طريق يحيى بن معين قال: صبيغ بن شريك. قلت: ظاهر السّياق أنّه عمّ عطاء وليس كذلك بل الضمير في قوله عن عمّه يعود على عسل، وذكره ابن ماكولا في عسل بكسر أوّله وسكون ثانيه والمهملتين وقال مرة عسيل مصغرا؛ وقال الدارقطني في الأفراد بعد رواية سعيد بالإجماع (..) عن أبي بكر بن أبي سبرة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال جاء صبيغ التميمي إلى عمر فسأله عن الذاريات الحديث، وفيه فأمر به عمر فضرب مائة سوط فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى ثمّ حمله على قتب وكتب إلى أبي موسى حرّم على النّاس مجالسته، فلم يزل كذلك حتّى أتى أبا موسى فحلف له أنّه لا يجد في نفسه شيئا، فكتب إلى عمر فكتب إليه خلّ بينه وبين النّاس. غريب تفرّد به ابن أبي سبرة. قلت: وهو ضعيف والرّاوي عنه أضعف منه، ولكن أخرجه ابن السكن من وجه آخر عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عن عمر بسند صحيح وفيه" فلم يزل صبيغ وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم" . قلت وهذا يدلّ على أنّه كان في زمن عمر رجلا كبيرا. وأخرجه الإسماعيلي في حديث يحيى بن سعيد من هذا الوجه وأخرجه أبو زرعة الدمشقي من وجه آخر من رواية سليمان التميمي عن أبي عثمان ألنهدي به وأخرجه الدارقطني في الأفراد مطوّلا قال أبو أحمد العسكري: أتّهمه عمر برأي الخوارج([194]).

هذا ما ذكره ابن حجر، وقد تناول القصّة كثيرون غيره بين مفصّل ومختصر([195])، وقد اعتمد عليها الفقهاء والمفسّرون وغيرهم في استنباط أحكام يتوقعون أن تكون مقبولة عند الله تعالى لأنها تستند إلى شخص حاكم، حجّته الوحيدة فيما يقوم به أنّه حاكم. قال السمعاني في معرض ذكر عبد الرحمن بن ملجم المرادي: ويقال هو أي عبد الرحمن بن ملجم الذي كان أرسل صبيغ بن عسل التّميمي إلى عمر بن الخطاب فسأله عما سأله من معجم القرآن، وقيل إن عمر بن الخطّاب (رض) كتب إلى عمرو بن العاص أن قرّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه فوسع له مكان داره التي في الرّاية في الزّيارتين إلى جانب دار ابن عديس البلوي قاتل عثمان([196]).

واستفاد المفسّرون من الواقعة على طريقة من يقدّس الحاكم، فأثنوا على عمر بن الخطّاب مبلغ ما استطاعوا، وتهجموا على صبيغ جهد ما استطاعوا. قال الزرقاني بعد أن أورد قصّة صبيغ: و الدّبرة بفتحات ثلاث هي قرحة الدّابّة في أصل الوضع اللّغويّ والمراد هنا أنه صيّر في ظهره من الضرب جرحا داميا كأنّه قرحة في دابّة، ورضي الله عن عمر فإنّ هذا الأثر يدلّ على أنّ ابن صبيغ فتح أو حاول أن يفتح باب فتنة بتتبّعه متشابهات القرآن يكثر الكلام فيها ويسأل الناس عنها([197]) . وقال في مناهل العرفان أيضا: ثمّ إنّ كلامهم بهذه الصورة(الكلام في متشابه الصفات) فيه تلبيس على العامّة وفتنة لهم فكيف يواجهونهم به ويحملونهم عليه وفي ذلك ما فيه من الإضلال وتمزيق وحدة الأمّة الأمر الذي نهانا القرآن عنه والذي جعل عمر يفعل ما يفعل بصبغ أو بابن صبيغ، وجعل مالكا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل بالذي سأله عن الاستواء([198]) . وقال السيوطي في الإتقان([199]): وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطّاب قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسّنن فإنّ أصحاب السّنن أعلم بكتاب الله . فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله وأن الخوض فيه مذموم وسيأتي قريبا زيادة على ذلك.

وقال الآلوسيّ بعد أن أورد قصة صبيغ مع عمر: ويدلّ هذا أنّ الرجل لم يكن سليم القلب وأنّ سؤاله لم يكن طلبا للعلم وإلاّ لم يصنع به عمر (رض) ما صنع([200]) .

وأقول: بناء على قول الآلوسيّ يحقّ للمسلمين أن يحمدوا الله تعالى على أن أشرك معه عمر بن الخطّاب في علم النّيات والاطّلاع على القلوب!.

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى {أما الذين في قلوبهم زيغ}
و هذه الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران. وقال قتادة في تفسير قوله تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيغ} إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج فلا أدرى من هم. قلت: قد مرّ هذا التفسير عن أبي أمامة مرفوعا وحسبك. السادسة قوله تعالى{فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله} قال شيخنا أبو العبّاس رحمة الله عليه متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسّم وصورة مصوّرة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع تعالى الله عن ذلك أو يتّبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها أو كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال؛ فهذه أربعة أقسام .. ( إلى أن قال )..أن صبيغ بن عسل قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء فبلغ ذلك عمر (رض) فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعدّ له عراجين من عراجين النّخل فلما حضر قال له عمر من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فقال عمر (رض) وأنا عبد الله عمر، ثمّ قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجّه ثمّ تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه فقال: حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي قد اختلفت الروايات في أدبه وسيأتي ذكرها في الذّاريات. ثمّ إن الله تعالى ألهمه التّوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته([201]).

هذا مع أنهم قد رووا أنّ النّبي(ص) كان يسأل عن تفسير الآية فيفسّرها، ومن السّائلين عمر بن الخطّاب نفسه! قال السيوطي: وأخرج مالك في الموطأ وأحمد وعبد بن حميد والبخاريّ في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والآجري في (الشريعة) وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في (الأسماء والصفات) عن مسلم بن يسار الجهني أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}.. الآية، فقال: سمعت رسول الله(ص) سئل عنها فقال: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرّية فقال: خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنّة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله الله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النّار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله الله النّار([202]).

إذاً، سئل عنها رسول الله(ص) بمحضر عمر ولم يعنّف السائل ولا جلده بجريد النّخل!

 

أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في الإيمان عن عمر بن الخطّاب قال: ” الجبت السّاحر والطّاغوت الشّيطان "([203]) .

وهذه بعض أخبار عمر وهو يجيب السائلين بغير ما أجاب به صبيغ بن عسل التميمي:

نقل السيوطي عن الطبري عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال سألت عمر بن الخطّاب عن قوله وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم قال سألت رسول الله(ص) كما سألتني فقال خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذرا فقال ذرء ذرأتهم للجنة ثم مسح ظهره بيده الأخرى - وكلتا يديه يمين - فقال ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل ثم أختم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار([204]). وهذا يعني أن عمر نفسه سأل رسول الله(ص) عنها ولم يضربه بجريد النخل؟!).

وفي تفسير الطبري: قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس و عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدّثه أنه سمع عمر بن الخطّاب (رض) يقول: قال الله { وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا } كلّ هذا قد علمناه فما الأبّ؟ ثمّ ضرب بيده ثمّ قال: لعمرك إنّ هذا لهو التّكلّف واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب. قال عمر: وما يتبين فعليكم به وما لا فدعوه وقال آخرون: الأبّ: الثّمار الرّطبة([205])..

قال الشّوكانيّ:وقد أخرج مالك في الموطأ وأحمد في المسند وعبد بن حميد والبخاريّ في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه و البيهقي في (الأسماء والصفات) والضياء في (المختارة): أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية ﴿وإذ أخذ ربك ﴾ الآية فقال: سمعت رسول الله(ص) يسأل عنها فقال: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل ؟ فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار ([206]).

قال الشّوكانيّ في تفسير قوله تعالى{والذين اتبعوهم بإحسان}: قرأ عمر بن الخطّاب (رض): { الذين اتبعوهم } محذوف الواو وصفا للأنصار على قراءته برفع الأنصار فراجعه في ذلك زيد بن ثابت فسأل أبي بن كعب فصدق زيدا فرجع عمر عن القراءة المذكورة([207]).

أقول: أليس هو القائل كما في تفسير القرطبي (ج18 ص20 ):" من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت " ؟!

قال الشّوكانيّ:وأخرج وكيع وأبو سعيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يقرأ ـ صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين([208]).

قال السيوطي في الدّرّ المنثور: وأخرج ابن جرير وأبو الشّيخ عن محمّد بن كعب القرظيّ قال مرّ عمر>برجل يقرأ: السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا ؟ قال أبيّ بن كعب . قال: لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا ؟ قال نعم . قال وسمعتها من رسول الله(ص) ؟ قال نعم . قال: لقد كنت أرى أنّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ! ! فقال أبيّ: تصديق ذلك في أوّل سورة الجمعة وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم. وفي سورة الحشر والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وفي الأنفال والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم . وأخرج أبو الشّيخ عن أبي أسامة ومحمّد بن إبراهيم التيميّ قالا: مرّ عمر بن الخطّاب برجل وهو يقرأ والسابقون الأوّلون . . . وأورد رواية الحاكم([209]) !

آيات منسوخة التلاوة!!

قال الشنقيطي :لم يبين هنا هل جعل لهن سبيلا أو لا ولكنه بين في مواضع أخر أنه جعل لهن السبيل بالحد كقوله في البكر الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما وقوله في الثّيب الشيخ و والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم، لأن هذه الآية باقية الحكم كما صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب (رض) وأرضاه وإن كانت منسوخة التلاوة([210]).

أقول:

ومنسوخ التلاوة من أعجب ما يلاقيه الباحثون؛ وههنا كلام آخر في هذا المعنى، أوردوه تصحيحا منهم لما يذهب إليه عمر من نسخ التلاوة. قال القرطبي في تفسيره: فقد كان الكلام مباحا في الصلاة وقد روي في هذه القصة أنه كان مما يقرأ أفرأيتم اللاّت والعزى ومناة الثالثة الأخرى
و الغرانقة العلا وإنّ شفاعتهن لترتجى. روى معناه عن مجاهد. وقال الحسن أراد بالغرانيق العلا الملائكة، وبهذا فسر الكلبي الغرانقة أنّها الملائكة، وذلك أنّ الكفّار كانوا يعتقدون أنّ الأوثان والملائكة بنات الله كما حكى الله تعالى عنهم وردّ عليهم في هذه السورة بقوله ألكم الذكر وله الأنثى. فأنكر الله كلّ هذا من قولهم؛ ورجاء الشّفاعة من الملائكة صحيح فلما تأوّله المشركون على أن المراد بهذا الذّكر آلهتهم ولبّس عليهم الشيطان بذلك نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته ورفع تلاوة تلك اللفظتين اللتين وجد الشيطان بهما سبيلا للتلبيس كما نسخ كثير من القرآن ورفعت تلاوته([211]).

قال الشّوكانيّ: وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: قرأ عمر بن الخطّاب هذه الآية {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ثم قال لي: ادع لي رجلا من بني مدلج قال عمر: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق([212]).

وقال: أخرج مالك والشافعي والبخاريّ ومسلم وابن حبّان و البيهقيّ في سننه عن عمر بن الخطّاب قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله(ص) فاستمتعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله(ص) فكدت أساوره في الصلاة! فتصبّرت حتّى سلّم فلبّبته بردائه([213]) فقلت: من أقرأك هذه السّورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله(ص) فقلت: كذبت فإن رسول الله(ص) قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله(ص) فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله(ص): أرسله. أقرئنا هشام؛ فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله(ص): كذلك أنزلت ثم قال: أقرئنا عمر؛ فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله(ص): كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه([214]) .

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال: سئل عمر بن الخطّاب عن {نسبا وصهرا} فقال: ما أراكم إلا وقد عرفتم النّسب وأما الصّهر: فالأختان والصّحابة([215]).

و عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد أيّها الناس إنّ الله بعث محمّدا بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان في ما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها الشيخ و والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ورجم رسول الله(ص) ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله([216]).

وعن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر إياكم أن تهلكوا عن آية الرّجم أن يقول قائل لا أجد حدّين في كتاب الله فقد رجم رسول الله ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها([217]).

عن حذيفة قال: قال لي عمر بن الخطّاب: كم تعدون سورة الأحزاب ؟ قلت: اثنتين أو ثلاثا وسبعين قال: إن كانت لتقارب سورة البقرة وإن كان فيها لآية الرجم([218]). وأخرج البخاريّ في تاريخه عن حذيفة قال: قرأت سورة الأحزاب على رسول الله(ص) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها([219]). وأخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي(ص) مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقرّر منها إلا على ما هو الآن([220]).

قال الرازي: أما قوله تعالى {فجاءته إحداهما تمشى على استحياء} فقوله على استحياء في موضع الحال أي مستحيية قال عمر بن الخطّاب قد استترت بكم قميصها([221]) .

قال الشّوكانيّ:وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي في دلائله عن بجالة: قال مر عمر بن الخطّاب بغلام وهو يقرأ في المصحف النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وهو أب لهم فقال يا غلام حكّها فقال: هذا مصحف أبي؛ فذهب إليه فسأله فقال: إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق في الأسواق([222]).

أقول: ومع ذلك فإنّ قوله " وهو أب لهم " لا توجد في مصحف القرآن الكريم الذي بين أيدي النّاس اليوم!

قال البغويّ: روى هارون بن عنترة عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية بكى عمر (رض) فقال له النبي(ص): ما يبكيك يا عمر ؟ فقال: أبكاني أنّا كنّا في زيادة من ديننا فأمّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قطّ إلا نقص قال: صدقت([223]).

أقول: عجبا لهؤلاء المفسرين أعماهم اسم عمر بن الخطّاب حتى غدوا يمجّدون الضّلال، وإلاّ فكيف يمكن أن ينقص شيء أكمله الله تعالى؟ وما هي هذه القّوة التي تتجاوز قوّة الله تعالى وقدرته وتنقص ما أكمله؟ وكيف يحتجّ الله تعالى على الخلائق يوم القيامة بدين ناقص؟!

قال الآلوسيّ:وأخرج مالك في الموطّأ وأحمد وعبد بن حميد والبخاريّ في التاريخ وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وخلق كثير عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطّاب (رض) سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك..} الخ فقال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عنها فقال: إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّة فقال: خلقت هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذريّة فقال: خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون فقال الرّجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله الله الجنّة؛ وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله الله تعالى النّار([224]) ..

أقول:

هذا هو الأدب النبوي الشريف في إجابة السائلين، وكان على عمر أن يجيب صبيغا كما أجاب رسول الله(ص) هذا السائل؛ بل كما أجاب عمر في هذه المرّة .

قال الآلوسيّ:ولا يأبى هذه الإشارة عند التأمّل ما أخرجه الترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن مردويه وغيرهم عن عمر بن الخطّاب (رض) قال لما نزلت {فمنهم شقيّ وسعيد} قلت: يا رسول الله فعلام نعمل؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال: بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كلّ ميسّر لما خلق له([225]).

قال الرازي: المسألة الثالثة روي أن عمر بن الخطّاب (رض) كان يقرأ والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوهم بإحسان فكان يعطف قوله "الأنصار" على قوله "رحيم والسّابقون" وكان يحذف الواو من قوله "والّذين اتّبعوهم بإحسان" ويجعله وصفا للأنصار. وروي أن عمر كان يقرأ هذه الآية على هذا الوجه قال أبي والله لقد أقرأنيها رسول الله(ص) على هذا الوجه وإنك لتبيع القرظ يومئذ ببقيع المدينة فقال عمر (رض): صدقت؛ شهدتم وغبنا وفرغتم وشغلنا ولئن شئت لتقولن نحن أوينا ونصرنا وروي أنه جرت هذه المناظرة بين عمر وبين زيد بن ثابت واستشهد زيد بأبي بن كعب والتفاوت أن على قراءة عمر يكون التعظيم الحاصل من قوله والسّابقون الأولون مختصا بالمهاجرين ولا يشاركهم الأنصار فيها فوجب مزيد التعظيم للمهاجرين والله أعلم وروي أن أبيا احتج على صحة القراءة المشهورة بآخر الأنفال وهو قوله {والّذين آمنوا من بعد وهاجروا} (الأنفال) بعد تقدّم ذكر المهاجرين والأنصار في الآية الأولى وبأواسط سورة الحشر وهو قوله {والّذين جاءوا مّن بعدهم} (الحشر) وبأوّل سورة الجمعة وهو قوله {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم الجمعة}([226]) .

وقال الغرناطيّ في التّسهيل:وقرأ عمر بن الخطّاب فامضوا إلى ذكر الله وهذا تفسير للسعي فهو بخلاف السعي في قول رسول الله(ص) إذا نودي للصلاة فلا تأتونها وأنتم تسعون([227]). وقال: سأل عمر بن الخطّاب جماعة من الصّحابة (رض) عن معنى هذه السّورة فقالوا إن الله أمر رسول الله(ص) بالتسبيح والاستغفار عند النّصر والفتح وذلك على ظاهر لفظها فقال لابن عبّاس بمحضرهم: يا عبد الله ما تقول أنت؟ قال: هو أجل رسول الله(ص) أعلمه الله بقربه إذا رأى النصر والفتح. فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما علمت([228]).

أقول: هذا حجّة على عمر بخصوص ما جرى بينه وبين صبيغ، فإنّه لا يمكن أن يجوز لعمر ما لا يجوز لصبيغ وهما تابعان لدين واحد؛ فكما جاز لعمر أن يسأل عن معنى الآية يجوز لغير عمر ذلك أيضا، والمسلمون سواسية كأسنان المشط. وفي هذا وأمثاله لا تنفع عمر بن الخطاب تأويلات المتأوّلين وتعديلات المعدّلين.

قال الفخر الرازي: المسألة الثالثة روي أن عمر بن الخطّاب (رض) كان يقرأ والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوهم بإحسان فكان يعطف قوله الأنصار على قوله والسّابقون وكان يحذف الواو من قوله والّذين اتّبعوهم بإحسان ويجعله وصفا للأنصار وروي أن عمر (رض) كان يقرأ هذه الآية على هذا الوجه قال أبي والله لقد أقرأنيها رسول الله(ص) على هذا الوجه وإنك لتبيع القرظ يومئذ ببقيع المدينة فقال عمر (رض) صدقت شهدتم وغبنا وفرغتم وشغلنا ولئن شئت لتقولن نحن أوينا ونصرنا . وروي أنه جرت هذه المناظرة بين عمر وبين زيد بن ثابت واستشهد زيد بأبي بن كعب والتفاوت أن على قراءة عمر يكون التّعظيم الحاصل من قوله والسّابقون الأولون مختصّا بالمهاجرين ولا يشاركهم الأنصار فيها فوجب مزيد التّعظيم للمهاجرين والله أعلم([229]).

وينفرد عمر بن الخطاب في قراءة الفاتحة أيضا، علما أنّ رسول الله(ص) كان يقرؤها مرّات كل يوم، فمهما اختلف المسلمون لا يصحّ أن يختلفوا في شيء يسمعونه من رسول الله(ص) ست مرّات كل يوم. أخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق عمر بن الخطّاب أنّه كان يقرأ: (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين ﴾([230]).

قال السّيوطيّ: وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر بن الخطّاب قال إن الله بعث محمّدا بالحقّ وأنزل معه الكتاب فكان في ما أنزل عليه آية الرّجم فرجم ورجمنا بعده؛ ثمّ قال: قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وأخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر بن الخطّاب قال كنا نقرأ في ما نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ثم قال لزيد بن ثابت أ كذلك يا زيد؟ قال نعم . وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق عدي بن عدي بن عمير بن قزوة عن أبيه عن جده عمير بن قزوة أن عمر بن الخطّاب قال لأبي: أوليس كنا نقرأ في ما نقرأ من كتاب الله إن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال: بلى؛ ثم قال: أوليس كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر في ما فقدنا من كتاب الله؟ فقال أبي: بلى ! وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: ألم تجد في ما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة؟ فإنا لا نجدها! قال: أسقطت من القرآن . وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير! ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه([231]).

أقول: اختلط على عمر ما كان يقرأه من التّوراة وما كان يسمعه من التّنزيل فانفرد بآيات لا هي قرآن محض ولا هي توراة صرفة، ولو صحّ شيء مما يقوله لما غاب ذلك عن باب مدينة العلم.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطّاب أنّه خطب فقال إنّ من آخر القرآن نزولا آية الربا وإنّه قد مات رسول الله(ص) ولم يبيّنه لنا! فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم([232]).

أقول: قال الله تعالى:{ وأنزلنا إليك الذّكر لتبين للناس ما نزّل إليهم} وقال عمر بن الخطّاب: مات رسول الله(ص) ولم يبيّنه لنا.

قال الآلوسي: قال عمر بن الخطّاب: قلت: يا رسول الله أي جمع يهزم؟ فلمّا كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله في آثارهم مصلتا بالسّيف وهو يقول: سيهزم الجمع ويولّون الدّبر، فكانت ليوم بدر([233]).

أقول: إن صحّ كلام عمر فهو يعني أنّ النبي(ص) لم يكن في العريش يوم بدر!

قالوا: واختلف في معنى الطاغوت فقال عمر بن الخطّاب وغيره هو الشيطان وقيل هو الساحر وقيل الكاهن وقيل الأصنام([234]).

أقول: يحتاج قول عمر إلى مزيد من الدقّة في البيان، فإن الله تعالى يقول: {شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}.

وكان ( أي عمر ) لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال إنّ أبي يتخوّفني حقّي؛ فقال عمر: الله أكبر([235]).

لماذا ينتظر عمر حتى يأتي هذا الفتى ويفهمه معنى التّخوّف؟لماذا لم يسأل رسول الله(ص)؟ نعم، لعلّه كان مشغولا عن ذلك بالصّفق في الأسواق كما شهد به هو على نفسه. وقد ذكر الثعالبي القصّة مرّة أخرى في موطن آخر من تفسيره فقال: "روي أنّ عمر بن الخطّاب (رض) خفي عليه معنى التخوف في هذه الآية وأراد الكتب إلى الأمصار يسأل عن ذلك فيروى أنه جاءه فتى من العرب فقال يا أمير المؤمنين إنّ أبي يتخوفنى مالي فقال عمر الله اكبر " .

وأنت ترى أنّه يريد أن يكتب إلى الأمصار في معنى التخوّف ويحاسب صبيغا البصري على سؤاله الصّحابة المقيمين بالبصرة عن قوله تعالى
و الذّاريات ذروا .

قال الداودي: بينما عمر بن الخطّاب بطريق مكّة ليلا إذا ركب مقبلين من جهة فقال لبعض من معه: سلهم من أين اقبلوا؛ فقال له أحدهم: من الفجّ العميق يريد البلد العتيق. فأخبر عمر بذلك فقال: أوقعوا في هذا قل لهم: فما أعظم آية في كتاب الله وأحكم آية في كتاب الله وأعدل آية في كتاب الله وأرجى آية في كتاب الله وأخوف آية في كتاب الله؟ فقال له قائلهم: أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي، وأحكم آية في كتاب الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، وأعدل آية في كتاب الله {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، }وأرجى آية في كتاب الله {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} وأخوف آية في كتاب الله {من يعمل سواء يجز به} فأخبر عمر بذلك فقال لهم عمر: أفيكم ابن أمّ عبد؟ فقالوا: نعم، وهو الذي كلّمك. قال عمر كنيف([236]) ملئ علما آثرنا به أهل القادسية على أنفسنا([237])!

يقول عمر بن الخطاب عن عبد الله بن مسعود " كنيف " والكنيف في لغة العربية معلوم([238])!! .

قال الثعالبي: قرأ عمر بن الخطّاب وغيره قل هو الله الواحد الصمد([239]) .

وقال ابن كثير: وروى أنس عن عمر بن الخطّاب أنه قرأ على المنبر
{وفاكهة وأبا} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبّ ؟ ثمّ رجع إلى نفسه فقال: إنّ هذا لهو التّكلّف يا عمر([240]) .

هكذا تساءل صبيغ بن عسل فقال: " ما هي الذاريات "؟ تماما كما تساءل عمر بن الخطّاب فقال " ما هو الأب "؟ وما على عمر من بأس أن يتساءل ثمّ يتراجع عن تساؤله ويصفه بالتكلّف، أمّا صبيغ فيكلّفه تساؤله مائتي سوط بجريد النّخل على القدر المتيقّن وفق ما ذكرته الرّوايات.

قال البخاري: قال عمر بن الخطّاب يوما لأصحاب النّبي(ص) في من ترون هذه الآية نزلت{أيود أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب}؟ قالوا: الله أعلم؛ فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم! فقال ابن عبّاس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. فقال ابن عبّاس (رض): ضربت مثلا بعمل قال عمر: أي عمل؟
قال ابن عبّاس: لرجل غني يعمل.. ([241]).

وعن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر بن الخطّاب فقال: ( إني لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم.. ([242]).

أقول: نعم الآمر النّاهي من كان كذلك!

ويكفي ألاّ يعجب السؤال عمر كيما يضرب السائل بالدّرّة . فعن ابن سيرين قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطّاب فسأله عن آية فكرهه فضربه بالدّرّة فسأله آخر عن هذه الآية: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} فقال: مثل هذا فاسألوا ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرّجل قد خلا من سنّها فيتزوج المرأة الشابّة يلتمس ولدها فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز([243]) .

و عن مسلم بن يسار الجهني أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية:
{وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} الآية فقال عمر بن الخطّاب: سمعت رسول الله(ص) سئل عنها فقال: " إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية([244])..

لماذا لم يضرب عمر الرّجل السائل كما ضرب صبيغا؟ أليسا على دين واحد لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات؟!

وقال سفيان الثوري عن عمر بن الخطّاب في قوله: {ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا} قال: هم الأفجران من قريش: بنو المغيرة وبنو أميّة فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أميّة فمتّعوا إلى حين . وكذا رواه حمزة الزيات عن عمرو بن مرّة قال: قال ابن عبّاس لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين هذه الآية:{ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار } قال: هم الأفجران من قريش أخوالي وأعمامك. فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم([245]).

قال ابن عاشور في تفسيره: وقد سأل عمر بن الخطّاب أهل العلم عن معاني آيات كثيرة، ولم يشترط عليهم أن يرووا له ما بلغهم في تفسيرها عن النبي(ص) ([246]).

وفي صحيح البخاريّ وغيره أنّ عمر بن الخطّاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ في الصّلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصّلاة فتصبّرت حتّى سلّم فلبّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السّورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال: أقرأنيها رسول الله. فقلت: كذبت فإنّ رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت([247])!

أقول: كاد عمر يساوره في الصّلاة، وقال له كذبت، وتبيّن فيما بعد أن الرّجل كان صادقا ولم يثبت أنّ عمر اعتذر إليه! وتراه يلبّب كلّّ من يخالفه حتّى لو كان رسول الله (ص)، و يتصوّر أنّ كلّ ما غاب عنه باطل لا أصل له، ويتّهم الصّحابة في القرآن الكريم وكأنّه قيّم عليه، ومع ذلك فهو أحد الذين تنتهي إليهم القراءات.

وفي صحيح البخاري وموطّإ مالك وغيرهما عن عمر " أن رسول الله(ص) كان يسير في بعض أسفاره " " أي منصرفه من الحديبية " ليلا وعمر بن الخطّاب يسير معه فسأله عمر بن الخطّاب عن شيء فلم يجبه ثمّ سأله فلم يجبه ثمّ سأله فلم يجبه فقال: عمر ثكلت أمّ عمر نزرت رسول الله(ص) ثلاث مرّات كلّ ذلك لا يجيبك . قال عمر: فحرّكت بعيري وتقدّمت أمام النّاس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن فجئت رسول الله فسلّمت عليه فقال: " لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس ثمّ قرأ { إنّا فتحنا لك فتحا مبينا }([248]).

هذا مبلغ ظنّ عمر بنفسه، يخشى أن ينزل فيه قرآن، وفيه إفحام لمن يحبّون أن يظهروا عمريّين أكثر من عمر نفسه.

في الصّحيح عن ابن عبّاس قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجّا فخرجت معه فلمّا رجع ببعض الطّريق قلت: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا على رسول الله من أزواجه ؟ فقال: تلك حفصة وعائشة وساق القصة بطولها([249]).

وروى عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: كان عمر بن الخطّاب إذا قرأ يبيّن الله لكم أن تضلّوا قال " من بيّنت له في الكلالة فلم تبين لي "([250]).

قال النحّاس:وقرأ عمر بن الخطّاب (رض) القيّام([251]).

وقال الزّركشي: وقوى هذا الوجه بما أخرجه عن الشّعبي عن قرظة بن كعب قال لمّا خرجنا إلى العراق خرج معنا عمر بن الخطّاب يشيّعنا فقال إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدّوهم؛ جرّدوا القرآن. قال فهذا معناه أي لا تخلطوا معه غيره([252]).

أقول:

أين الضّرر في أن يتعلّم المسلمون حديث نبيّهم ويسجّلوه قبل أن يقدم العهد ويموت من المحدّثين من يموت وينسى من ينسى. وكيف يكون فقيها من يعرف القرآن الكريم ولا يعرف من الحديث شيئا؟! وكيف يكون الحديث النبوي الشريف شاغلا عن القرآن الكريم وهما من مشكاة واحدة؟! ولو أنّ الصّحابة رووا وحدّثوا كلّ ما سمعوا من رسول الله(ص) لانسدّت الأبواب في وجوه الوضّاعين؛ لكنّ عمر بن الخطاب له نظرته الخاصّة في كلّ شيء وهو دائما على حقّ.

قال الزركشي: قيل وكان سبب نزولها أنّه أسلم عيّاش بن أبى ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ثمّ فتنوا وعذّبوا فافتتنوا؛ قال: وكنّا نقول: قوم لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذّبوا به فنزلت؛ وكان عمر كاتبا فكتب بها عمر بن الخطّاب إليهم حين فهم قصد التّرغيب فآمنوا وأسلموا وهاجروا([253]).

نعم، لا يؤثّر القرآن في القلوب إلاّ حين يكتبه عمر .

قال المقري:وأما ما نسخ خطّه وبقي حكمه فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب (رض) أنه قال لولا أن أخشى أن يقول الناس قد زاد عمر في القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرجم وأثبتها في المصحف و والله لقد

قرأناها على عهد رسول الله(ص) لا ترغبوا عن آبائكم فان ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم([254]).

أقول:

العجيب في هذه القصّة هو إجماع الصّحابة على ترك آية قرأوها على عهد رسول الله (ص)، وهذا بناء على قول عمر" لقد قرأناها على عهد رسول الله "؛ فإن يكونوا تركوها بأمر من رسول الله(ص) فلا معنى لكلام عمر، وإن يكونوا تركوها بدون أمر من رسول الله(ص) ينفتح عليهم باب واسع للنّقد بخصوص نقل القرآن الكريم.

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع عبد الله بن عبّاس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله(ص): إن الله قد بعث محمدا (ص) بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله(ص) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرّجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف([255]) .

قال السّيوطي: وأخرج أبو عبيد وابن الضّريس وابن الأنباريّ عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة فإنّّا لا نجدها؟ قال: أسقطت من القرآن([256]) . وهذا يعني أن قرآن قريش أسقط منه شيء كثير! والخبر نفسه يرويه ابن عساكر بزيادة؛ قال: أخبرناه أعلى من هذا بأربع درجات أبو بكر بن المزرفي [..] عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر بن الخطّاب لعبد الرّحمن بن عوف: ألم تجد في ما أنزل الله جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة؟ قال: بلى. قال: فإنّا لا نجدها. قال: أسقطت في ما أسقط من القرآن. قال: أتخشى أن يرجع الناس كفّارا؟ قال: ما شاء الله! قال: لئن رجع الناس كفّارا ليكوننّ أمراؤهم بني فلان ووزراؤهم بني فلان!

قالوا( في رواية عن عائشة): ثمّ جاء أبو بكر يستأذن فقال ما لرسول الله(ص) يا عائشة؟ فقلت: أغمي عليه منذ ساعة. فكشف عن وجهه فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال: وانبيّاه! واخليلاه! صدق الله ورسوله قال الله تعالى {إنك ميّت وإنّهم ميّتون}وقال{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون} {كلّ نفس ذائقة الموت} ثمّ غطّاه وخرج فقال: ألا من كان يعبد محمّدا فإن محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله عز وجل {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت} فقال عمر: يا أبا بكر أفي كتاب الله هذا؟! قال: نعم([257]).

يسأل عمر بن الخطاب أبا بكر بن أبي قحافة: "يا أبا بكر أفي كتاب الله هذا " ؟! هذا مبلغ علمه بكتاب الله! ألاّ يعلم ما فيه مما ليس فيه! هذه من المصائب التي يُسترجع لها ـ أيها الخليفة ـ لا شسع النّعل وما جرى مجراه.

قال عمر بن الخطاب فيما يرويه ابن حبان: " إنّما أتخوّف أحد رجلين: إمّا رجل يرى أنّه أحقّ بالملك من صاحبه فيقاتله، أو رجل يتأوّل القرآن. في كتاب الله الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ألا فلا تهلكوا عن آية الرّجم فقد رجم رسول الله(ص) ورجمنا معه، ولولا أن يقول النّاس" زاد عمر في كتاب الله" لكتبتها بيدي، فقد قرأناها بكتاب الله "([258]).

أقول:

ولا تنقضي عجائب قرآن عمر بن الخطاب.

روى البيهقي: [..]عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: ما سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها إلاّ فامضوا إلى ذكر الله([259]).

إذا سمع عمر بن الخطاب قراءة تخالف قراءته يتّهم القارئ ويلبّبه ويعنّفه شديد العنف، لكنه لا يبالي أن يخالف هو جميع الصحابة بقراءة لا توجد في أيّ مصحف!

وعن ابن أبي مليكة أنّ عمر بن الخطّاب (رض) تلا هذه الآية {أيودّ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثمرات إلى هاهنا فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت} فسأل عنها القوم وقال: فيم ترون أنزلت أيودّ أحدكم أن تكون له جنة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم؛ فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم! فقال: ابن عباس:في نفسي شيء منها يا أمير المؤمن..([260]).

أقول:

حينما يسأل صبيغ عن معنى آية قرآنيّة يستحقّ الجلد بجريد النّخل، وينكّل به بما يفوق حدّ الزّاني؛ لكن حينما يسأل عمر لا حرج ولا تثريب، لأنّ ثقافة الكرسي قضت أن يكون للدّين حكمان في واقعة واحدة، حكم خاصّ بالسّلطان وحكم لبقيّة المسلمين!.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول: أمر عمر بن الخطّاب مناديا فنادى أن الصلاة جامعة ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا أيّها الناس لا تخدعنّ عن آية الرّجم فإنّها قد نزلت في كتاب الله عزّ وجلّ و قرأناها ولكنّها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد (ص)، وآية ذلك أنّه (ص) قد رجم وأنّ أبا بكر قد رجم ورجمت بعدهما؛ وإنّه سيجيء قوم من هذه الأمّة يكذّبون بالرّجم ويكذّبون بطلوع الشّمس من مغربها، ويكذّبون بالشّفاعة، ويكذّبون بالحوض، ويكذبون بالدّجال، ويكذّبون بعذاب القبر، ويكذبون بقوم يخرجون من النّار بعد ما أدخلوها([261]).

أقول: ههنا كلمة خطيرة هي قوله: " قرآن كثير ذهب مع محمّد (ص) ". ثمّ إنّ في هذا الكلام ما يفنّد مزاعم السّلفيين الذين يكذّبون بالشّفاعة.

وأخرج سفيان وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر و البيهقي عن عكرمة قال كان عمر بن الخطّاب يقرؤها ولا يضارر كاتب ولا شهيد يعني بالبناء للمفعول([262]).

عن سالم بن عبد الله قال كان عمر>يقرؤها([263]) فامضوا إلى ذكر الله([264]).

قال ابن حجر: وفي الموطّأ عن مالك أنّه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال كان عمر يقرؤها إذا نودي للصلاة فامضوا وكأنّه فسّر السّعي بالذّهاب. قال مالك: وإنّما السّعي العمل لقول الله تعالى{وإذا تولى سعى في الأرض} وقال {وأما من جاءك يسعى}قال مالك: وليس السّعي الاشتداد([265]).

وفي نفس الباب قال ابن تيمية: وقد قرأ عمر بن الخطّاب فامضوا إلى ذكر الله فالسّعي المأمور به إلى الجمعة هو المضيّ إليها والذّهاب إليها([266]).

قال ابن تيمية: وعن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا أدخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه، فدخل ذات يوم فقرأ، فأتى على هذه الآية
{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى إلى أبىّ بن كعب فقال: يا أبا المنذر أتيت قبل على هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وقد نرى أنّا نظلم ونفعل ! فقال: يا أمير المؤمنين إنّ هذا ليس بذلك، يقول الله {إنّ الشّرك لظلم عظيم} إنّما ذلك الشّرك([267]).

أقول: أليس هو أحد المفسرين الكبار؟ فلم يذهب إلى أبيّ بن كعب وهو أعلم منه وأفضل؟

ومرّ(عمر)يوما بشابّ من فتيان الأنصار وهو ظمآن، فاستسقاه، فجدح له ماء بعسل فلم يشربه، وقال: إن الله تعالى يقول{أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا} فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنّها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ ما قبلها{ويوم يعرض الذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا} فقال عمر: كل النّاس أفقه من عمر([268]).

عمر والتوراة

قال الرّازيّ:روي أنّ عمر بن الخطّاب قال يا رسول الله إنّ أناسا من أهل الكتاب يحدّثوننا بما يعجبنا فلو كتبناه فغضب النبي وقال: أمتهوّكون أنتم يا ابن الخطّاب كما تهوّكت اليهود؟! قال الحسن متحيرّون متردّدون. أما والذي نفسي بيده لقد أتيتكم بها بيضاء نقيّة. وفي رواية أخرى قال عند ذلك إنّكم لم تكلّفوا أن تعملوا بما في التّوراة والإنجيل وإنّما أمرتم أن تؤمنوا بهما وتفوّضوا علمهما إلى الله تعالى وكلّفتم أن تؤمنوا بما أنزل عليّ في هذا الوحي غدوة وعشيّا . والذي نفس محمّد بيده لو أدركني إبراهيم وموسى وعيسى لآمنوا بي واتّبعوني . فهذا الخبر يدلّ على أنّ الثّبات على هذا الدّين واجب وعدم التّعلّق بغيره واجب، فلا جرم مدحهم الله في هذه الآية بذلك فقال من أهل الكتاب أمّة قائمة([269]).

وفي الطّبقات: أخرج الدّارمي عن جابر أنّه قال: إنّ عمر بن الخطّاب أتى رسول الله(ص) بنسخة من التّوراة فقال يا رسول الله هذه نسخة من التّوراة فسكت، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغيّر فقال له أبو بكر: ثكلتك الثّواكل، ما ترى ما بوجه رسول الله(ص) ؟ فنظر عمر إلى وجه رسول الله(ص) فقال: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا. فقال رسول الله(ص): والذي نفسي بيده لو بدا لكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السّبيل، ولو كان حيّا وأدرك نبوّتي لاتّبعني([270]).

وفي مصنف ابن أبي شيبة: أخرج عبد الرزّاق عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر فقال يا رسول الله إنّي مررت بأخ لي من يهود من قريظةوكتب لي جوامع من التّوراة قال أفلا أعرضها عليك ؟قال: فتغيّر وجه رسول الله (ص)، فقال عبد الله: مسخ الله عقلك ! أما ترى ما بوجه رسول الله(ص)؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا وبمحمّد رسولا. قال: فسري عن النبي(ص) ثمّ قال: والذي نفسي بيده لو أصبح في كم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين([271]).
مثل هذا الحديث في النّهاية في غريب الحديث، وفي مجمع الزوائد وجمع الفوائد من جامع الأصول، ومجمع الزوائد، ودلائل النّبوّة ([272]) . فالذي لا شك فيه أنّ الصّحابيّ عمر بن الخطّاب كان له أخ من يهود، كما صرّح به هو نفسه غير مكره، وكان يهتمّ بالتّوراة الموجودة عند اليهود وهو الذي مات ولم يحفظ القرآن، مع أنّه قد تنزّل الوحي مرارا يخبر مؤكّدا بتحريف أهل الكتاب لكتابهم، ولو أنّ عمر استشار النبي(ص) قبل أن يفعل لكان معذورا، لكن يبدو أنّه لم يكن يرى أنّ عليه أن يستشير النبي(ص) حتى في ما يتعلق بالدّين، فكيف يكون حينما يخلو له الجوّ وما من معترض !

هذا عمر يقول عن اليهودي " أخ لي من قريظة . ." والقرءان الكريم يهتف: {لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه وإلى الله المصير}([273]).

ألم ينه القرءان الكريم عن اتخاذهم أولياء ؟ وعمر يصرح بأنه أخ له من يهود: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم مّنكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظّالمين}([274]).

ألم ينه القرءان الكريم عن اتخاذ بطانة منهم ؟ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانة مّن دونكم لا يألونكم خبالا ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * هاأنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتاب كلّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن ّالله عليم بذات الصّدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيّئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا إنّ الله بما يعملون محيط}([275]).

وقال تعالى: {ودّت طّآئفة مّن أهل الكتاب لو يضلّونكم وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يشعرون}([276]).

ألم يخبر القرءان الكريم أن اليهود أعداء المؤمنين ؟ {لتجدنّ أشدّ النّاس عداوة لّلّذين آمنوا اليهود والّذين أشركوا}([277]).

ألم يخبر أنهم يحرّفون الكلم عن مواضعه، بل أخبر سبحانه وتعالى أنّهم ماهرون في فنّ التّحريف ولبس الحقّ بالباطل:

{وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}([278]).

{فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرّفون الكلم عن مّواضعه ونسوا حظّا ممّا ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة مّنهم إلاّ قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إنّ الله يحبّ المحسنين}([279]).

يتوالى نزول القرءان الكريم يحذّر من كيد اليهود في الدّين، ولكنّ ذلك كلّه لا يمنع الصّحابيّ عمر من البقاء معهم وحضور مجالسهم التي لم تكن تخلو من المؤامرات على النبي(ص) والمؤمنين . {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا مّن الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا الله إن كنتم مّؤمنين}([280]).

والقرءان الكريم قد وجّه من المطاعن والتّأنيب والتّوبيخ إلى اليهود ما لم يوجّهه إلى أحد من الأمم المذكورة فيه، وليس ذ لك إلاّ لأنّ الكفر قد رسخ في هم حتّى أصبح دينهم. وماذا يتوقّع عمر من التّوراة الموجودة عند اليهود ؟ أليس في القرءان قوله تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لّما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتّبع أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّة واحدة ولـكن لّيبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا في نبّئكم بما كنتم فيه تختلفون}([281])؟

وفي شعب الإيمان:عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عبّاس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه (ص) أحدث الأخبار تقرؤونه محضا لم يشب؟ ثمّ يخبركم الله في كتابه أنّهم قد غيّروا كتاب الله وبدّلوه وكتبوا الكتاب بأيديهم ثمّ قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ! ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم ؟ والله ما رأينا رجلا منهم قطّ سألكم عمّا أنزل الله إليكم. وعن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله تقرؤونه فذكر نحوه . رواه البخاريّ في الصحيح عن يحيى بن بكير وعن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد وقد روينا عن مجالد عن الشّعبيّ عن جابر بن عبد الله عن النبي(ص) أن عمر أتاه فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنّصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة ولو كان موسى حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي. قال أبو عبيد وحدّثنا معاذ عن ابن عون عن الحسن يرفعه نحو ذلك. وقال قال ابن عون فقلت للحسن:متهوكون قال متحيّرون. وعن الشّعبيّ عن جابر قال: قال رسول الله(ص) لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلّوا. زاد القاضي في روايته والله لو كان موسى عليه السّلام حيّا ما حلّ له إلاّ أن يتّبعني. وروي عن جبير بن نفير عن عمر بن الخطّاب عن النبي(ص) في محو ما كتب من قول اليهود بريقه والنّهي عن ذلك([282]).

أقول:

إنّ هذا السّلوك قد انفرد به عمر، ومع أنّ سلمان الفارسيّ قد عرف أحبار اليهود ورهبانهم من قريب، واطّلع على كثير من أخبارهم المتعلّقة بالتّوراة وغيرها إلا أنّنا لا نراه يحضر مجالسهم، ولا يهتمّ بتوراتهم ولا يذكر للنبّيّ (ص) إلاّ ما يعود على المسلمين بالفائدة . نعم إنّه يسأل، لكن يسأل رسول الله(ص). قال السيوطي في الخصائص: أخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال أتى رسول الله بيت المدارس فقال أخرجوا إليّ أعلمكم فقالوا: عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المنّ والسّلوى وظلّلهم به من الغمام أتعلم أنّي رسول الله؟ قال: اللّهم نعم، وإنّ القوم ليعرفون ما أعرف، وإنّ صفتك ونعتك لمبيّن في التّوراة ولكنّهم حسدوك. قال فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم([283]).

وبعد هذا، هل توقّف الأمر عند هذا الحدّ بحيث أعرض عمر عن التّوراة المحرّفة وأهل الكتاب ؟

عمر والصلاة:

قال الرازي:المسألة الرابعة عشرة إذا ثبت أنّّ قراءة الفاتحة شرط من شرائط الصلاة فله فروع. الفرع الأوّل: قد بيّنا أنّه لو ترك قراءة الفاتحة أو ترك حرفا من حروفها عمدا بطلت صلاته، أمّا لو تركها سهوا قال الشّافعي في القديم: لا تفسد صلاته؛ واحتجّ بما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: صلّى بنا عمر بن الخطّاب(رض)المغرب فترك القراءة[!] فلمّا انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة. قال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا حسنا! قال فلا بأس. قال الشّافعيّ فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصّحابة كان ذلك إجماعا (!)([284]) ؛ورجع الشّافعيّ عنه في الجديد وقال: تفسد صلاته لأن الدّلائل المذكورة عامّة في العمد والسّهو، ثمّ أجاب عن قصّة عمر من وجهين: الأوّل أنّ الشعبيّ روى أنّ عمر أعاد الصلاة، والثّاني أنّه لعلّه ترك الجهر بالقراءة لا نفس القراءة. قال الشّافعيّ: هذا هو الظن بعمر([285]) !

أقول:

لكنّ الصّحابة المعترضين على عمر لم يقولوا له " تركت الجهر بالقراءة " وإنما قالوا " تركت القراءة " ! فتكلموا عن أصل القراءة لا عن الجهر بها. ولو كان عمر أسرّ القرّاءة لقال لهم بكلّ بساطة:" إنّي قرأت وإنّما تركت الجهر بالقراءة فلم تسمعوني"، لكنّه أقرّهم على ما قالوا، فدلّ هذا على موافقته عليه؛ غير أنّ الشّافعيّ ومن على نهجه من مدرسة المصوّبين مولعون بتبرير أعمال عمر مهما بلغت. وانظر إلى قوله " فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصّحابة كان ذلك إجماعا"، وكأن الشريعة تدور وفق مزاج قوم عاشوا في الجاهلية أكثر ممّا عاشوا في الإسلام، وهو يعلم أنّ الصحابة أجمعوا على مخالفة رسول الله في أكثر من موطن، وخير دليل على ذلك امتناعهم من الحلق والنحر يوم الحديبية، وامتناعهم من إنفاذ جيش أسامة!

وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسبّ كفّار قريش ويقول: يا رسول الله ما صلّيت العصر حتى كادت الشّمس أن تغيب فقال النبي(ص): وأنا والله ما صلّيتها بعد؛ قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلّى العصر بعد ما غابت الشّمس، ثمّ صلّى المغرب بعدها([286]).

أقول:

وأنت ترى أنّ عمر في هذه القصّة كان أحرص على الصّلاة في وقتها من رسول الله (ص)، فإن عمر صلّى العصر قبل أن تغيب الشّمس، وصلاّها رسول الله(ص) بعد ما غابت الشمس!

وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى قال كنا عند عمر بن الخطاب (رض) فأتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنا نمكث الشّهر والشّهرين لا نجد الماء. فقال عمر: أمّا أنا فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلّي حتّى أجد الماء؛ فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنا بمكان كذا وكذا ونحن نرعى الإبل فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم. فأما أنا فتمرغت في التراب فأتينا النبي فقال إن كان الصعيد لكافيك وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه فقال اتق الله يا عمار فقال يا أمير المؤمنين إن شئت لم أذكره فقال: لا ولكن نوليك من ذلك ما توليت([287]).

وإلى ذلك أشار الغرناطي في التسهيل قال: ولا يجوز التيمّم للجنب وقد قال بذلك عمر بن الخطّاب([288])، والثعالبي حيث قال في تفسيره: قال عمر بن الخطّاب وغيره لا يتيمّم الجنب البتّة بل يدع الصّلاة حتى يجد الماء([289]).

أقول: هذا مع أنّ القرآن الكريم يقول: فتيمّموا ، وآية التيمم واضحة{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ الله كان عفوا غفورا }([290]).وليت الثّعالبي جاء باسم واحد حين قال: " وغيره "؛

وقال ابن كثير: قال سفيان الثوري: قرأ عمر بن الخطّاب سورة مريم فسجد وقال: " هذا السجود فأين البكي ؟ يريد البكاء " ([291]).

أقول: إنّما يكون البكاء حين تخشع القلوب.

قال الزمخشري: وروي أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار فكلّم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطّاب في خلافته أن يأذن لمجمع فيؤمّهم في مسجدهم فقال: لا ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضّرار ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي فوالله لقد صلّيت بهم والله يعلم أنّي لا أعلم ما أضمروا فيه، ولو علمت ما صلّيت معهم فيه؛ كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرؤون من القرآن شيئا! فعذره وصدّقه وأمره بالصلاة بقومه([292]).

أقول: يعذر إمام مسجد الضّرار الذي نزل قرآن بذمّه ولا يعذر صبيغ بن عسل الذي كان سيّدا شريفا في قومه قبل أن يعامله بتلك الطّريقة .

وقال ابن عاشور في تفسيره: روي أنّ عمر بن الخطّاب أطال صلاة الضّحى يوما فقيل له: صنعت شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال: إنّه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أقضيه وتلا قوله تعالى{وهو الذي جعل اللّيل والنّهار خلفة} الآية([293]).

وفي صلاة الضحى هذه كلام. ففي الجمع بين الصحيحين عن مورق العجلي قال: قلت لابن عمر تصلّي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا . قلت: فالنبي(ص) ؟ قال: لا أخاله . وليس لمورق العجلي في صحيح البخاريّ عن ابن عمر غير هذا الحديث([294]).وللسّيوطي بحث مفصل بعنوان " جزء في صلاة الضحى"([295]) .

وعن محمد بن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب قد اعتراه نسيان في الصلاة، فجعل رجلا خلفه يلقّنه فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل([296]).

أقول:

لقد كان أولى به في هذه الحال أن ينيب غيره يصلّي بالنّاس. ويبقى تصوّر المشهد محيّرا، لأنّه إذا كان الرّجل خلفه فكيف يومئ إليه وعمر ينظر أمامه؟!

وعن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنّه صلّى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم فقرأ في ركعة بمائة آية، وفي الثانية بالمائة الباقية([297]).

أقول:

أهل العلم من مختلف المذاهب على خلاف هذا، فقد رووا أنّ معاذ بن جبل قام فصلّى العشاء فطوّل فقال النّبيّ: (ص) أفتان أنت يا معاذ!([298]) . بل إنّ عمر نفسه يقول " لا تبغّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما

فيطوّل عليهم ما هم فيه "([299]).

وأخرج البيهقيّ من طريق سفيان الثوريّ عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أنّ عمر بن الخطّاب قنت بعد الركوع فقال بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق([300]).

ذكروا أن كلّ بسملة منهما بداية سورة .

وعن عمر بن الخطّاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سينين ثمّ رفع صوته فقال: وهذا البلد الأمين([301]) .

قال الزّرقاني: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الرّكعة الأولى من الصّبح بالكهف وفي الثانية بيوسف([302]).

وفي كتاب الصّلاة من صحيح البخاري باب عنوانه: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي (ص) لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وما يكره من الصلاة في القبور، ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال: القبر القبر. ولم يأمره بالإعادة([303]).

وفي سنن البيهقي الكبرى عن قابوس بن أبي ظبيان أنّ أباه حدّثه قال:
مرّ عمر بن الخطاب في مسجد النبي(ص) فركع ركعة واحدة ثمّ انطلق فلحقه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما ركعتَ إلاّ ركعة واحدة! قال: هو التطوّع، فمن شاء زاد ومن شاء نقص . رواه الشّافعيّ عن بعض أصحابه عن سفيان الثوري عن قابوس([304]). قال الجصّاص بخصوص هذه القصّّة مدافعا عن عمر: فإن قيل قد روي عن أبي الدّرداء وجابر أنّهما كانا لا يريان بالإفطار في صيام التّطوع بأسا وأنّ عمر بن الخطّاب دخل المسجد فصلّى ركعة ثمّ انصرف فتبعه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صلّيت ركعة واحدة! فقال: هو التّطوّع فمن شاء زاد ومن شاء نقص، قيل له: قد روينا عن ابن عبّاس وابن عمر إيجاب القضاء على من أفطر في صيام التّطوّع، وأمّا ما روي عن أبي الدّرداء وجابر فليس فيه نفي القضاء وإنّما فيه إباحة الإفطار، وحديث عمر يحتمل أن يريد به من دخل في صلاة يظنّ أنّها عليه ثمّ ذكر أنّها ليست عليه أنّها تكون تطوّعا وجائز أن يقطعها ولم يجب عليه القضاء([305]).

أقول:

انظر ـ رحمك الله ـ إلى هذا الفقيه الفاضل يتكلّم على لسان عمر بما لم يخطر ببال عمر. فكلام عمر صريح في أنّه لا فرق بين الواحدة والاثنتين والثلاث..في التّطوّع، ولم يقل إنّي كنت دخلت في الصّلاة وأنا أظنّ أنّها عليّ ـ أي واجبة ـ ثمّ ذكرت أن ليس عليّ صلاة فقطعتها. لم يقل عمر شيئا من هذا، لكنّ الفقيه الفاضل قوّله حتّى لا ينسب إلى عمر التّسامح في قضيّة الصلاة؛ وهنا يقال له: هل صلّى رسول الله(ص) مرّة واحدة ركعة واحدة على النّحو الذي قام به عمر؟ و على فرض أن صلاة عمر تشبه صلاة الوتر، هل صلّى رسول الله (ص)الوتر منفردة بحيث لم يصلّ قبلها شيئا؟!

قال النووي: وقد قرأ عمر بن الخطّاب في الرّكعة الأولى من الصّبح بالكهف وفي الثّانية بيوسف وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف([306]).

أقول:

يهتمّون بما في صلاة عمر من رعاية ترتيب المصحف ولا يهتمّون بما فيه من المشقّة والحرج، فإنّ قراءة الكهف وسورة يوسف جميعا في الصّلاة تأخذ أكثر من نصف ساعة، وفي المأمومين الكبير والمريض وذو الحاجة والمرأة..، وقد كان رسول الله(ص) على خلاف هذا؛ ففي صحيح البخاريّ عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله(ص): " إنّي لأقوم إلى الصّلاة وأنا أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه "([307]). وقد مرّ بك قول عمر نفسه " لا تبغّضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطوّل عليهم ما هم فيه "([308]). فلا يحقّ لأحد أن يبغّض الله تعالى إلى عباده بالتّطويل عليهم في الصلاة، لكن إذا فعل ذلك عمر بن الخطاب فلا بأس به، لأنّ لعمر معاملة خاصّة عند ربّ العالمين. وروى الطبراني عن محمد بن سعيد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة قال: قال عثمان بن أبي العاص وكان شابّا: وفدنا على النبي(ص) فوجدني أفضلهم أخذا للقرآن وقد فضلتهم بسورة البقرة فقال النبي(ص): قد أمّرتك على أصحابك وأنت أصغرهم، فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم، فإنّ وراءك الكبير والصّغير والضّعيف وذا الحاجة؛ وإذا كنت مصدّقا فلا تأخذ الشّافع وهي الماخض ولا الربّى ولا فحل الغنم
و حزرة الرجل([309]) هو أحقّ بها منك. ولا تمسّ القرآن إلاّ وأنت طاهر، وأعلم أنّ العمرة هي الحجّ الأصغر، وأنّ عمرة خير من الدّنيا وما فيها وحجّة خير من عمرة([310]) .ومع ذلك يصرّ عمر بن الخطاب على الإطالة في القراءة، ويخالف رسول الله(ص) في قول في كتاب كتبه إلى عامله أبي موسى الأشعري " صل الظهر حتى تزول الشمس وصل العصر والشمس حية بيضاء نقية وصل المغرب حتى تغيب الشمس أو حين تغرب الشمس وصل العشاء حين يغيب الشفق إلى نصف الليل الأوّل وإن ذلك سنّة. وأقم الفجر بسواد أو بغلس أو بسواد وأطل القراءة "([311]). عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني سليمان بن عتيق أنّ عمر بن الخطّاب قرأ في الصبح سورة آل عمران([312]).

أقول: وهو بهذا متعمّد مخالفة النبي(ص) ؛ فرسول الله(ص) يقول:" فإذا أممت قوما فأمّهم بأضعفهم فإنّ وراءك الكبير والصّغير وذا الحاجة"([313])، وعمر يقول " وأطل القراءة ".

وعن ربيعة بن دراج أن علي بن أبي طالب (رض) سبّح بعد العصر ركعتين في طريق مكّة فرآه عمر(رض) فتغيّظ عليه ثمّ قال: أما والله لقد علمت أنّ رسول الله(ص)نهى عنها([314]).

وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطّاب (رض)كان يعلّم النّاس التّشهّد في الصّلاة وهو يخطب النّاس على منبر رسول الله(ص) فيقول إذا تشهّد أحدكم فليقل بسم الله خير الأسماء التّحيات الزّاكيات الصّلوات الطّيبات لله السّلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله. قال عمر: >ابدؤوا بأنفسكم بعد رسول الله(ص) وسلّموا على عباد الله الصالحين». رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن الزّهريّ وهشام بن عروة عن عروة عن عبد الرّحمن بن عبد القاري عن عمرو، ذكر فيه التّسمية وزاد وقدّم وأخر([315]).

أقول:

لاحظ في الرّواية حذف الصّلاة على محمّد وآل محمّد. و لا ينقضي العجب من قولهم " يعلّم الناس التّشهد في الصّلاة! أي يعلّمهم شيئا كانوا يمارسونه مع رسول الله(ص) أكثر من مرّة في كل يوم. ونسي الراوي أنّ في ما يروي طعنا في الصّحابة ومدى قابليّتهم لنقل الأمور البسيطة ممّا كانوا يفعلونه يوميّا في حياة رسول الله(ص)، إذ لا يعقل أن يتشّهد النّاس في صلواتهم تسع مرّات كل يوم مدّة عشر سنين في الفرض دون النّافلة، فيكون عدد التّشهد الذي تلفظوا به 31860 مرة! ثمّ إذا بهم ينسون ذلك فجأة ويحتاجون إلى أن يعلّمهم إيّاه عمر بن الخطاب الذي لا ينسى! هذا مع أنّ التشهّد كلّه لا يتجاوز ثلاثة أسطر.

و عن يزيد بن شريك أنّه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب. قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت([316]).

وعن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب صلّى الصّبح بالنّاس ثمّ غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال: إنّا لمّا أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام وأعاد الصلاة([317]).

و عن أبي الزّبير عن مكحول عن عمر بن الخطّاب أنّه أوتر بثلاث ركعات لم يفصل بينهن بسلام([318]).

وعن يحيى بن غسان المرادي عن عمرو بن ميمون أنّ عمر بن الخطّاب لم يقنت في الفجر([319]). و عن أبي الضحى عن سعيد بن جبير أنّ عمر كان لا يقنت في الفجر . وعن وكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم أنّ عمر بن الخطّاب كان لا يقنت في الفجر ([320]).

أقول:

مرّة يقنت بسورة اسمها سورة" الحفد " لا وجود لها في المصحف

ومرة لا يقنت أصلا. ولهذا رووا فيما بعد عن وكيع قال: سمعت سفيان يقول:من قنت فحسن ومن لم يقنت فحسن ومن قنت فإنّما القنوت على الإمام وليس على من وراءه قنوت([321]) . وإليك بعض روايات القنوت:

عن يحيى بن سعيد عن العوام بن حمزة قال: سألت أبا عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع فقلت عمّن فقال عن أبي بكر وعثمان . و عن عوف عن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت بنا قبل الرّكوع .وعن مروان بن معاوية عن عوف قال: ذكرت ذلك لأبي المنهال فحدّثني عن أبي العالية عن ابن عباس بمثله . وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال: قنت النبي(ص) أربعين صباحا في صلاة الصّبح بعد الرّكوع .وعن عيّاش العامري عن ابن مغفل أنّ عمر وعليّا وأبا موسى قنتوا في الفجر قبل الرّكوع .وعن مطرف عن أبي الجهم عن البراء أنّه كان يقنت قبل الرّكعة .وعن يزيد بن أبي زياد قال حدّثنا زيد بن وهب أنّ عمر بن الخطّاب قنت في صلاة الصّبح قبل الرّكوع. و أبو عثمان النهدي قال صليت خلف عمر بن الخطّاب صلاة الصّبح فقنت قبل الرّكوع.

وعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السّلمي أنّ عليّا كان يقنت في صلاة الصّبح قبل الرّكوع .وعن عطاء عن عبيد بن عمير قال صلّيت خلف عمر الغداة قال فقنت فيها قبل الرّكوع . وعن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر مثله . وعن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال صلّيت خلف ربيع بن خثيم فقنت قبل الرّكعة . وعن وكيع قال حدثنا سفيان عن النعمان بن قيس قال صليت خلف عبيدة الفجر فقنت قبل الرّكعة ([322]).

وعن وكيع بن الجراح قال حدثنا سفيان عن مخارق عن طارق بن شهاب أنه صلى خلف عمر بن الخطّاب الفجر فلما فرغ من القراءة كبّر ثمّ قنت ثمّ كبّر ثم ركع([323]).

وعن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان عمر بن الخطّاب يقتل القملة في الصّلاة حتى يظهر دمها على يده([324]).

عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر قال حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّاب صلى صلاة فلم يقرأ فيها فقيل له ذلك فقال أتممت الركوع والسجود؟ قالوا: نعم؛ قال فلم يعد تلك الصلاة([325]).

أقول: لم يعد عمر بن الخطّاب الصّلاة لأن الرّكوع في نظره يغني عن القراءة.

وروى عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أنّ عمر بن الخطّاب صلّى العشاء الآخرة بالجابية فلم يقرأ فيها حتى فرغ فلمّا فرغ دخل فأطاف به عبد الرحمن بن عوف وتنحنح له حتى سمع عمر بن الخطّاب حسّه وعلم أنّه ذو حاجة فقال: من هذا؟ قال: عبد الرحمن بن عوف. قال ألك حاجة؟ قال: نعم. قال: فادخل؛ فدخل فقال: أرأيت ما صنعت آنفا عهده إليك رسول الله(ص) أم رأيته يصنعه؟ قال: وما هو؟ قال: لم تقرأ في العشاء. قال: أو فعلت؟ قال: نعم. قال فإني سهوت جهزت عيراً من الشّام حتّى قدمت المدينة! قال: من المؤذن؟ فأقام الصّلاة ثمّ عاد فصلّى العشاء للنّاس، فلمّا فرغ خطب فقال: لا صلاة لمن لم يقرأ فيها. إنّ الذي صنعت آنفا إنّي سهوت، إنّي جهّزت عيرا من الشّام حتى قدمت المدينة فقسمتها([326]).

و عن جابر وابن عون عن الشعبي أنّ عمر صلّى المغرب فلم يقرأ فأمر المؤذّن فأعاد الأذان والإقامة ثمّ أعاد الصلاة.

أقول:

أمّا إعادة الصّلاة فلا كلام فيها، وأما إعادة الأذان فما هو الوجه فيها؟! هل بطل الأذان الأوّل لأنّ عمر نسي القراءة في الصّلاة؟! ما علاقة الأذان بهذا وأمثاله؟!

وروى عبد الرّزاق أيضا عن مجاهد قال: مرّ عمر بن الخطّاب على ابن له وهو يصلّي ورأسه معقوص فجبذه حتى صرعه([327]).

أقول:

هذا مبلغ احترامه للصّلاة، لم ينتظره حتّى يفرغ من صلاته، بل عامله بعنف وهو في الصّلاة و قد كان يكفيه أن يحدّثه.

أمّهم وهو جنب

و عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن أنّ عمر بن الخطّاب أمّهم وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد الصلاة ولم يعد مَن وراءه([328]).

و عن عمران بن موسى عن أبي الصعبة أنّ عمر بن الخطّاب قال لرجل وهو على المنبر يوم الجمعة: هل اشتريت لنا وهل أتيت لنا بهذا وأشار بأنملة من أصابعه يعني حبّا([329]).

و عن الأعمش عن مسيب بن رافع أنّ عمر بن الخطّاب قال: " من اشتدّ عليه الحرّ يوم الجمعة في المسجد فليصلّ على ثوبه، ومن زحمه النّاس فليسجد على ظهر أخيه([330]).

لم يبيّن عمر إن كان سمع هذا من رسول الله(ص) أم أنه من اجتهاداته!

وعن يحيى بن سعيد قال: اخبرني يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصّلاة يوم الفطر عمر بن الخطّاب لما رأى النّاس ينقصون فلمّا صلّى حبسهم في الخطبة([331]).ولم يثبت أن النبي(ص) قدّم الخطبة في العيد على الصّلاة؛ ففي شرح الزركشي قوله: " قد تضمّن هذا الكلام أنّ خطبة العيد تكون بعد الصّلاة وهذا كالإجماع، وقد استفاضت به الأحاديث عن صاحب الشرّع وعن خلفائه الراشدين([332]) . وقال ابن مفلح: " ويبدأ بالصّلاة قبل الخطبة قال ابن عمر: كان النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة. متفق عليه. فلو قدّم الخطبة عليها لم يعتدّ بها قول الأكثر وكما لو خطب في الجمعة "([333]).وفي المجموع: "ويستحب للناس استماع الخطبة وليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحّة صلاة العيد، لكن قال الشّافعي: لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحجّ أو تكلّم فيها أو انصرف وتركها كرهته ولا إعادة عليه ([334]). وفي روضة الطّالبين: ´ ولو خطب الإمام قبل الصّلاة فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين. قلت الصّواب وظاهر نصّه في الأمّ أنّه لا يعتدّ بها كالسنّة الرّاتبة بعد الفريضة إذا قدمها والله أعلم " ([335]).

وثبت أنّه (ص) خيّر النّاس بين البقاء والانصراف بعد الصّلاة يوم العيد.

و عن ضمرة بن سعيد قال سمعت عبيد الله بن عتبة يقول خرج عمر بن الخطّاب في يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي بأي شيء كان رسول الله(ص) يقرأ في الصلاة يوم العيد؟ فقال: بقاف واقتربت.

أقول: هذا مع أنّ عمر بن الخطاب صلّى مع رسول الله(ص) صلاة العيد عشر سنين!! فهل كان يشكو مشكلة في أذنيه؟ أم أنّه ذاكرته أعجز من أن تتذكّر ما يتذكره أبو واقد الليثي بسهولة؟

وعن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنّه حضر عمر بن الخطّاب يوم الجمعة قرأ على المنبر سورة النّحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد النّاس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السّجدة قال يا أيّها النّاس إنّما نمرّ بالسّجدة فمن سجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه. قال: ولم يسجد عمر . قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر أنّه قال لم يفرض السّجود علينا إلا أن نشاء([336]).

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب([337]).

أقول: سواء كانت القراءة على المنبر أم في الصلاة فإن سورة آل عمران تستغرق وقتا ليس بالقصير، وهو ما يشقّ على المصلّين، وعمر نفسه هو القائل لا تبغضوا الله إلى عباده..!

قال أبو رافع: كان عمر كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصّبح فكان إذا بلغ {يا نساء النبي} رفع بها صوته فقيل له فقال: أذكّرهن العهد([338]).

قال ابن عبد البرّ: و بقول عائشة قال ابن عمر و غيره وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا لأنه رآه عمر بن الخطّاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه و ضربه بالدّرّة فقال له زيد: يا أمير المؤمنين اضرب فوالله لا أدعها بعد أن رأيت رسول الله(ص) يصلّيهما، فقال له عمر: يا زيد لولا أنّي أخشى أن يتّخذها النّاس سلّما إلى الصّلاة حتى اللّيل لم أضرب

فيهما([339]).

أقول: ولم يكن رسول الله(ص) يضرب أحدا لا في مثل هذه الأمور ولا في غيرها، لعلمه بحرمة المسلم، وقصّة كشفه بطنه للصّحابي في الحرب معلومة، وكذلك قصّة الأعرابي الذي بال في المسجد؛ ولو أنّ ذلك الأعرابي بال في المسجد على عهد عمر لنكّل به!

قال ابن حجر العسقلاني: قوله وقرأ عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال: كان عمر يقرأ في الصّبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني . والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها([340]).

قال ابن تيمية: وكان عمر بن الخطاب يقرأ في الفجر بسورة يونس
و يوسف والنحل فمرّ بهذه الآية في قراءته فبكى حتى سمع نشيجه من آخر الصفوف([341]).

وقد ذكروا أنّ علي بن أبي طالب(ع) كان أشبه النّاس صلاة برسول الله(ص)، ولم يكن يطول في الصّلاة لا الصّبح ولا غيرها؛ روى ابن أبي شيبة عن أبي إدريس قال صلّيت خلف على الصبح فقرأ بـ " سبح اسم ربك الأعلى "([342]).

وقال ابن حجر:كان عمر إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصلّ عليه([343]).

وقال ابن تيمية: ويروى أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن يصلّي على أحد حتّى يصلّي عليه حذيفة لئلا يكون من المنافقين الذين نهي عن الصّلاة عليهم([344]).

_______________________

[1]) أعلام النبوة، الماوردي الشافعي، ج 1 ص 186 .

[2]) مستدرك، الحاكم، ج3ص647 رقم 6377. : وعن عبد الجبّار بن عمر عن ابن شهاب قال: أسلم عبد الله بن عمر قبل أبيه.

[3]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 2400.

[4]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 1327.

[5]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد ، ج 3 ص 268 .

[6]) تفسير البغوي، ج 1، ص 374 .

[7]) التحرير والتنوير، ج1 ص 3883.

[8]) التحرير والتنوير، ج 1 ص 4784.

[9]) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2 ص 69 .

[10] ) لباب النقول، السيوطي، ج1 ص181 .

[11])الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد، ج8ص44، ومجمع الزوائد ، ج6ص71 ومجمع الزوائد،ج6ص7 ، وتفسير الصنعاني، ج2ص253،ومصنف عبد الرزاق ، ج5 ص351 ومسند البزار ج2ص279 و وتاريخ مدينة دمشق ج38ص241 ج38ص249 و ج38ص254 .

[12]) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4 ص 58 و59.

[13]) مصنف ابن أبي شيبة، ج7ص12 تحت رقم33866 و تهذيب التهذيب، ج7ص386 .

[14]) تقريب التهذيب ج1:ص223 تحت رقم2134.

[15]) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج6ص23 و المعجم الكبير، الطبراني، ج25ص29.

[16]) حلية الأولياء، ج9ص257

[17]) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ج1 ص39.

[18]) صحيح البخاري ج3 ص1361و صحيح البخاري ج3 ص1374 و الجمع بين الصحيحين ج3 ص372 و سنن النسائي الكبرى ج5 ص97 و سنن النسائي الكبرى ج5 ص148 و مصنف ابن أبي شيبة ج6 ص388 و الآحاد والمثاني ج5 ص361 و المعجم الكبير ج22 ص404 و خصائص علي ج1ص147 و فضائل الصحابة للنسائي ج1 ص78وفيض القدير ج4ص421 .

[19]) أي فاطمة عليها السلام.

[20]) فيض القدير ج4ص421 .

[21]) السيرة النبوية، ابن هشام، ج3 ص160.

[22]) وقال السيوطي في الدّرّ المنثور ج6 ص531 ـ 532: «وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا وقف على النبي ص) يوم بدر على ناقة له عشراء فقال يا محمد ما في بطن ناقتي هذه؟ فقال له رجل من الأنصار: دع عنك رسول الله (ص) وهلم إليّ حتى أخبرك وقعت أنت عليها وفي بطنها ولد منك فأعرض عنه رسول الله (ص) ثم قال إن الله يحب كل حي كريم متكرم ويبغض كل لئيم متفحّش ». والقصة أيضا في المستدرك على الصحيحين ج3ص472 و دلائل النبوة ج3ص106 و السيرة الحلبية ج2ص385 و سمط النجوم العوالي ج2ص47 و تاريخ الإسلام ج2ص106 .

[23])صحيح البخاري، ج3 ص975، وصحيح ابن حبان،ج11ص220 و النهاية في غريب الأثر ج1ص138 ، ونيل الأوطار، ج8ص197.

[24]) غريب الحديث لابن الجوزي ج1 ص77. وصحيح ابن حبان ج11 ص220 .

[25]) النهاية في غريب الأثر ج1.ص138 .

[26]) تفسير البغوي، ج 1 ص 81 .

[27]) صحيح البخاريّ، ج7 ص36، دار الفكر بيروت 1401 هـ.

[28]) التوبة : 80.

[29]) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج7 ص277 و حلية الأولياء، أبو نعيم، ج1ص55 وشعب الإيمان، البيهقي، ج4 ص43 و الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص421 ومرقاة المفاتيح، ج7 ص388 ومشكاة المصابيح، الخطيب التبريزي، ج2 ص1134.

[30]) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج4ص1716.

 

[31]) تفسير البغوي، ج 1 ص 313 .

[32]) الأحزاب،: 15.

[33]) أي دون بدر بقليل.

[34]) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج14ص112 .

[35]) صحيح مسلم، ج5ص170، ومسند أحمد، ج3ص219 و220 و ص243و257 ومستدرك الحاكم، ج3ص253 والبداية والنهاية ج3 ص263 والدّرّ المنثور ج4 ص20 ودلائل النبوة ج3 ص107 وتاريخ الإسلام ج2 ص106.

[36]) مسند أحمد بن حنبل ج3 ص243ومجمع الزوائد الهيثمي ج 6 ص87 و السيرة الحلبية ج2 ص448 و البداية والنهاية ج3 ص296 و تفسير ابن كثير ج2 ص326. و تفسير ابن كثير ج2 ص326 و تفسير ابن كثير ج2 ص326 .

[37]) العقيدة الأصفهانية، ابن تيمية، ج1 ص 157 .

[38]) سنن الدارقطني ج4ص146، و فتح الباري ج13ص289، وجامع بيان العلم وفضله ج2ص135و الإحكام لابن حزم ج6ص213 و المدخل إلى السنن الكبرى ج1ص190.

[39]) إعلام الموقعين، ابن القيم، ج1ص55.

[40])الأحزاب: 36.

[41]) الحجرات:1.

[42]) صحيح البخاري، ج2 ص 569 رقم1496. وصحيح البخاري ج4ص1642وصحيح مسلم ج2ص900وسنن النسائي الكبرى ج6ص300 وسنن الدارمي ج2ص55ومسند أحمد بن حنبل ج4ص429 والمعجم الكبير ج18ص123 وتهذيب الكمال ج26 ص581.

[43]) الأحاديث الطوال، الطبراني ص 23 .

[44]) الكشاف، الزمخشري، ج 1 ص 692 و التفسير الكبير، الرازي، ج21ص17.

[45]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 1005.

[46]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 1 ص 4430.

[47]) المعجم الكبير، الطبراني، ج1ص72 رقم 82 .

[48]) الاستذكار، ج 3 ص 71.

[49]) صحيح ابن حبان، ج15ص500 .

[50]) آل عمران: 39.

[51]) يوسف: 25.

[52]) سير أعلام النبلاء الذهبي ج1 ص349 والرياض النضرة محب الدين الطبري ج2ص24 والصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي ج1 ص196 .

[53]) الحجرات:2.

[54]) مسند أحمد بن حنبل ج4ص4 تحت رقم16151.

[55])البداية والنهاية، ج4 ص 168.

[56]) تاريخ مدينة دمشق ج53ص103 والخصائص الكبرى ج1ص108 و ج2ص308 جزء ابن غطريف ج1ص94 و الشمائل الشريفة ج1ص45 .

[57]) خصائص أمير المؤمنين، ص 73 .

[58])صحيح البخاريّ ج4ص1486.

[59]) وقد ورد بخصوص هذه القصّة ما يخالف ما جاء في البخاريّ وذلك في المستدرك على الصحيحين ج2ص324: فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل أعل هبل أعل هبل! يعني آلهته. أين بن أبي كبشة أين بن أبي قحافة أين بن الخطّاب فقال عمر يا رسول الله ألا أجيبه قال: بلى فلما قال أعل هبل قال عمر: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: يا ابن الخطّاب، إنّه يوم الصّمت. فعاد فقال: أين ابن كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين بن الخطّاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله (ص)وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر! فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر،الأيام دول والحرب سجال . فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النّار. قال: إنّكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا. ثمّ قال أبو سفيان: أما إنّكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا. ثم أدركته حميّة الجاهليّة فقال: أما إنه إذا كان ذلك لم نكرهه. قال الحاكم:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[60]) النساء: 80.

[61]) النور: 63.

[62]) الأحزاب: 36.

[63]) .شرح تجريد الاعتقاد، القوشجي، ص484 .

[64]) في قوله تعالى:{ إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين› فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }.(آل عمران 81 ـ 82 ).

[65]) ما دخل الوجع بعد قوله تعالى:{وما ينطق عن الهوى}، وهل يريد عمر أن يقول: إن الوجع بلغ برسول الله (ص) بحيث لم يعد يدري ما يقول؟

[66]) صحيح البخاري، ج1 ص 36 ـ 37 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

[67]) صحيح البخاريّ، ج5 ص137. ورواه مسلم أيضا في كتاب الوصية ـ باب ترك الوصية.

[68]) هذا كلام باطل بدليل قول جبريل لرسول الله في تبليغ براءة (ص): لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك، فلو كان أبو بكر خير الناس بعد رسول الله لما قال جبريل ذلك القول؛ فأبو بكر ليس من رسول الله فضلا عن أن يكون أفضل الخلق بعده!

[69]) سيرة النبي(ص)، ابن هشام الحميري، ج 4 ص 1074 .

[70]) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 159.

[71]) المحلى، ابن حزم، ج11 ص224

[72]) سنن البيهقي الكبرى ج3 ص409و مصنف ابن أبي شيبة ج3 ص32 و مسند إسحاق بن راهويه، ج2 ص429 و مسند أحمد بن حنبل ج6 ص62 و ج6 ص274 و التمهيد لابن عبد البر، ج24 ص396 و التمهيد لابن عبد البر ج24 ص401 و شرح الزرقاني ج2 ص93 و الاستيعاب، ج1 ص47والطبقات الكبرى، ج2 ص305 و نصب الراية، ج2 ص305 و المبدع ج2 ص271 و الاستذكار، ج3 ص56 و شرح معاني الآثار ج1 ص514 و نيل الأوطار ج4 ص137 و تاريخ الطبري ج2 ص239 .

[73]) تاريخ أبي الفداء، ج18ص87.

[74])قال المقري التلمساني في ترجمة خلف بن فتح الجبيريّ: «وعليه نزل القاضي منذر بن سعيد بطرطوشة وهو يومئذ يتولى القضاء في الثّغور الشّرقيّة قبل أن يلي قضاء الجماعة بقرطبة فأنزله في بيته الذي كان يسكنه فكان إذا تفرّغ نظر في كتاب أبي على يديه كتاب فيه أرجوزة ابن عبد ربّه يذكر فيها الخلفاء ويجعل معاوية رابعهم ولم يذكر عليّا فيهم ثمّ وصل ذلك بذكر الخلفاء من بني مروان إلى عبد الرّحمن بن محمّد فلما رأى ذلك منذر غضب وسبّ ابن عبد ربّه وكتب في حاشية الكتاب:

أو ما عليّ ـ لا برحت ملعّنا ـ يا ابن الخبيثة عندكم بإمام

ربّ الكساء وخير آل محمّد داني الولاء مـقدّم الإسلام

قال أبو عبيد والأبيات بخطّه في حاشية كتاب أبي إلى السّاعة. (نفح الطيب المقري،ج2ص984 ).

[75]) المعارف، ابن قتيبة، ص 204 .

[76]) الدّرّ المنثور، ج3ص205.

[77]) مصنف ابن أبي شيبة ج6ص323 .

[78]) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 203.

[79]) تفسير الصنعاني، ج2 ص 331 .

[80]) في طبقات ابن سعد الكبرى، ج4 ص 22 :عن أبي جعفر محمد بن علي أن العباس جاء إلى عمر فقال له: إن النبي (ص) أقطعني البحرين. قال: من يعلم ذلك؟ قال: المغيرة بن شعبة. فجاء به فشهد له، قال لم يمض له عمر ذلك كأنّه لم يقبل شهادته، فأغلظ العبّاس لعمر؛ فقال عمر:يا عبد الله خذ بيد أبيك! وقال سفيان عن غير عمرو: قال عمر والله يا أبا الفضل لأنا بإسلامك كنت أسرّ منّي بإسلام الخطاب لو أسلم لمرضاة رسول الله.

[81]) الناسخ والمنسوخ، النحاس، ج 1 ص 732.

[82]) النساء: 65.

[83]) التوبة: 84.

[84]) سنن النسائي، ج 4 ص 67 و 68.

[85]) مصنف ابن أبي شيبة، ج4ص446 رقم 21975 و كنز العمال ج6 ص198 و التمهيد لابن عبد البر ج4 ص105 و التمهيد لابن عبد البر ج5 ص85 و شعب الإيمان ج3 ص280 .

[86]) تاريخ الإسلام ج2 ص106 و دلائل النبوّة ج3 ص107 و الدّرّ المنثور ج4 ص20.

[87])تفسير البغوي، ج1 ص 376 .

[88]) هذا يعارض قول عمر السابق « وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني».

[89]) تفسير البغوي، ج1 ص91 .

[90]) تفسير الطبري ج28 ص115 و زاد المسير ج8ص271 و فتح الباري ج8ص650 .

[91])مسند أحمد بن حنبل ج4ص324 و السيرة الحلبية ج2ص700 والسيرة النبوية ج4ص282
و البداية والنهاية ج4ص167 و تاريخ الطبري ج2ص121 ومعتصر المختصر ج2ص369
و شرح مشكل الآثار، ج14ص478، و الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والخلفاء، ج2ص176 وتفسير الطبري، ج26ص86، و تفسير ابن كثير، ج4ص197، وتفسير البغوي، ج4ص193، وتفسير الثعلبي، ج9ص47 .

( [92] بعد قتله عمرو بن عبد ود العامري يوم الأحزاب.

[93]) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 33 .

[94])تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج44ص33.

[95])تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ج21 ص 347 .

[96]) موطأ مالك، ج2ص446، و مصنف ابن أبي شيبة، ج4ص222 و تفسير القرطبي، ج4ص323 وتفسيرالطبري، ج4ص221 و الجهاد لابن المبارك، ج1ص164 والدّرّ المنثور، ج 2 ص418
وتاريخ مدينة دمشق، ج2ص143 و ج25ص477 و تخريج الأحاديث والآثار، ج4ص236
و المقاصد الحسنة، ج1ص539 و كشف الخفاء، ج2ص196 والاستذكار، ج5ص18 و شعب الإيمان، ج7ص205 و شرح الزرقاني، ج3ص13 و الفائق،ج4ص127 و النّهاية في غريب الأثر، ج3ص235 .

[97]) أحكام القرآن، للجصاص، ج 4 ص 227 .

[98]) فيه شهادة عمر على نفسه بالفرار وترك رسول الله (ص) بين الأعداء.

[99]) فتح القدير، ج 1 ص 583. والدّرّ المنثور، ج2ص334 و كنز العمال، ج2 ص162.

[100]) فتح القدير، ج 1ص 598 .

[101]) الأروى بفتح الهمزة تيس الجبل البري(المصباح المنير، ج1 ص247).

[102]) الدّرّ المنثور، ج2، ص355.وقصة تشبيه عمر نفسه بالأروى أثناء فراره موجودة أيضا في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج1 ص529 وتفسير الطبري، ج4 ص144 و تفسير البحر المحيط، ج3 ص97 و كنز العمال، ج2 ص162 .

[103])تفسير السعدي، ج1ص797.

[104]) المعارف، ابن قتيبة، ص 159.

[105]) فتح القدير، ج 2 ص 429 .

[106] ) السير الكبير، محمد بن الحسن الشيباني، ج 1 ص 123 .

[107]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص418 والحديث في موطأ مالك ج2ص446 و كنز العمال ج3ص301 و شرح الزرقاني ج3ص13 و الاستذكار ج5ص18

[108]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 18 ص 207 .

[109]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 26 ص 14.

[110]تفسير الثعالبي، ج 4 ص 73.

[111]) تفسير الثعالبيّ، ج 4، ص 176 و تفسير البغوي ج 1، ص 304،

[112]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج1ص576 .

[113]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج1ص52.

[114]) إثبات عذاب القبر،البيهقي ج1ص81 حديث رقم104 .

[115]) إثبات عذاب القبر، البيهقي، ج 1 ص 114 .

[116]) المعجم الكبير، الطبراني، ج1ص72 رقم 83 .

[117]) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 26 ص 372 .

[118]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 205.

[119]) الجامع في الحديث، عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، ج2ص698 رقم 602..

[120]) مصنف ابن أبي شيبة ج4ص226 رقم 19519.

[121]) تاريخ الطبري، ج 2 ص 278.

[122]) صحيح البخاريّ، ج4ص1570.و البداية والنهاية، ج4ص329.

[123]) تاريخ الخلفاء،السيوطي، ج1ص115.

[124]) الكسب، محمد بن الحسن الشيباني، ج1ص33.

[125]) التوبة : 24.

[126]) الرد على البكري، ابن تيمية، ج 1 ص 393 .

[127]) الأنفال : 66.

[128]) شرح العمدة، ج 4 ص 311 .

[129]) سيرة ابن هشام، ج2ص258 .

[130]) السيرة النبوية، ابن هشام، ج4 ص86.

[131]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج3ص619.

 

[132]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج3 ص 126 .

[133]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 3 ص 157 .

[134]) البقرة:143.

[135]) قاله السيوطي في الدّرّ المنثور، ج 2 ص 337 .

[136]) مسند أحمد بن حنبل ج3 ص287. و مسند الطيالسي ج1ص9 و دلائل النبوة ج3ص48 و الدّرّ المنثور ج6ص500 و فتح القدير، ج 4 ص 331 .

[137]) تفسير الصنعاني، ج 2 ص 254 .

[138]) صحيح البخاري ج5ص2265 و صحيح البخاري ج6ص2449 و صحيح مسلم ج3ص1266
وصحيح مسلم ج3ص1267 و صحيح ابن حبان ج10ص201 .

[139]) صحيح ابن حبان ج11ص224 و مصنف عبد الرزاق ج5ص339 و المعجم الكبير ج20ص14
و تاريخ مدينة دمشق ج57ص229 و تاريخ الإسلام ج2ص371 .

[140]) تاريخ المدينة ابن شبّة النّميريّ، ج 1 ص 11 .

[141]) البداية والنهاية ابن كثير، ج8 ص109.

[142]) الأعراف157.

[143]) الكامل ابن عديّ، ج1 ص48.

[144]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج 1 ص 245.

[145]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج1ص142.

[146]) التسهيل لعلوم التنزيل، الغرناطي الكلبي، ج3ص195 .

[147]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج1ص380.

[148]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 29 ص 151 .

 

[149]) زاد المسير، ابن الجوزي، ج 7 ص 434 .

[150]) معاني القرآن، ج4 ص284 .

[151]) أحكام القرآن، الجصاص، ج 3 ص 321 .

[152]) الناسخ والمنسوخ، النحاس، ج 1 ص 723.

 

[153]) الجامع في الحديث، عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، ج1ص112.

[154]) الأحاديث المختارة، ضياء الدين المقدسي، ج1ص178.

[155]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج3ص509 رقم 5896 .

[156]) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج60 ص 20 .

[157]) النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير، ج 1 ص 785 ولسان العرب ج2ص224 .

[158]) المعجم الكبير، الطبراني، ج1ص72 رقم 84 .

[159]) صحيح البخاريّ، ج 2 ص 161.

[160]) كنز العمال ج5ص69 رقم 12515.

 

[161]) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج1ص142 .

[162]) التعديل والتجريح، الرازي، ج2:ص747 رقم 685 .

[163]) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج1ص401.

[164]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 1ص 280 .

[165]) مجموع الفتاوى، ج 15 ص 154.

[166]) كنز العمال، ج2 ص260 و مرآة الجنان ج2 ص25 .

[167]) تذكرة الحفاظ، ج2 ص588.

[168]) التدوين في أخبار قزوين ج2 ص133

[169]) البداية والنهاية ج11 ص129.

[170]) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج 2 ص 440 .

 

[171] ) روح المعاني ج9ص109 و التفسير الكبير، الرازي، ج32ص11و كنز العمال ج5ص69 و كنز العمال ج5ص330 و عمدة القاري ج9ص240 و شرح فتح القدير ج2ص449 و سبل السلام ج2ص206 و السيرة الحلبية ج1ص257 و سمط النجوم العوالي ج3ص69 .

[172] منهاج السنة النبوية [ج 1، ص 481].

[173]) اقتضاء الصراط، ابن تيمية، ج 1 ص 386 .

[174]صحيح البخاريّ ج2ص556 و صحيح البخاريّ ج6ص2673 و صحيح ابن خزيمة ج4ص169 و الجمع بين الصحيحين ج1ص126 و سنن أبي داود ج2ص159 و سنن ابن ماجه ج2ص991 و سنن البيهقي الكبرى ج5ص13 و مسند عبد بن حميد ج1ص34 و مسند عمر بن الخطّاب ج1ص66 و مشكاة المصابيح ج2ص841 وفتح الباري ج5ص21شرح العمدة، ج 2 ص 484 و فتح الباري ج13ص311 و تحفة الأحوذي ج3ص468 و تنوير الحوالك ج1ص250 و شرح الزرقاني ج2ص323 و فيض القدير ج3ص235 و ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج5ص290 و نيل الأوطار ج5ص45 و.

[175]) الرد على البكري، ابن تيمية، ج 2 ص 528 .

[176]) الإتقان، السيوطي، ج 1 ص 190 .

[177]) مناهل العرفان، الزرقاني، ج 1 ص 222 .

 

[178]) الإتقان ج 2 ص 430.

[179])الإتقان، ج 2 ص 346 .

[180]) الإتقان في علوم القرآن، ج1 ص 152 .

[181]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص154.

[182]) كنز العمال، المتقي الهندي، ج2 ص154.

[183]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص7.

 

[184]) الإصابـة، ابن حجر العسقلاني، ج3ص 458 دار الجيل بيروت 1412.

[185]) الإصابة، ابن حجر، ج3ص306 رقم 3823. دار الجيل بيروت 1412..

[186]) لسان العرب، ابن منظور، ج8ص439.

[187]) مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ص 207 .

[188]) التاريخ الكبير، البخاريّ ج 3 ص 278 رقم 952.

[189])قال ياقوت: كان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر .

[190]) معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج1ص238، دار الفكر، بيروت.

[191]) مناهل العرفان ج22210 .

[192]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص153 .

[193]) شرح مسلم، النووى، ج 16 ص .

[194]) الإصابـة، ابن حجر، ج3ص 458، رقم 4127، دار الجيل بيروت 1412 هـ.

[195]) إكمال الكمال لابن ماكولا، ج 5 ص 221: دار الكتاب الإسلامي القاهرة، و وج 6 ص 206، وهامش سير أعلام النبلاء الذهبي ج 10ص 29 تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي: و" الإصابة، 2ج ص198و معجم البلدان، ياقوت الحموي ج 4 ص 124و تاريخ مدينـة دمشق لابن عساكر ج 23 ص 408 و والاشتقاق لابن دريد ص 228 والوافي بالوفيات ج16 ص283 و الدّرّ المنثور للسيوطي، ج2ص152و مسائل الإمام أحمد ج1ص477 .

[196]) الأنساب، السمعاني، ج1ص451 .

[197] ) مناهل العرفان في علوم القرآن ـ الزرقاني ـ ج 2 ص207 .

[198]) مناهل العرفان ج2ص210 .

[199]) الإتقان في علو القرآن، السيوطي، ج2ص9 .

[200]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 27 ص 2 .

[201]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج4 ص13 .

[202]) الدّرّ المنثور، ج3ص601.

[203]) الدّرّ المنثور ج2ص564.

[204]) الدّرّ المنثور، ج3ص600.

[205]) تفسير الطبري ج12ص451.

 

[206]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 2 ص 383 .

[207]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 2 ص 577 .

[208]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج1 ص38.

[209]) الدّرّ المنثور السيوطي، ج3 ص269 .

[210]) أضواء البيان، ج1ص229.

[211]) تفسير القرطبي، ج12، ص85 .

[212]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج 3 ص 673 .

[213])قال ابن منظور في لسان العرب ج1ص734يقال لببت الرجل و لببته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به و التلبيب مجمع ما في موضع اللبب من ثياب الرجل وفي الحديث أنه أمر بإخراج المنافقين من المسجد فقام أبو أيوب إلى رافع بن وديعة فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا.

[214]) فتح القدير الشّوكانيّ، ج4 ص 86 .

[215]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج4 ص 118 .

[216]) صحيح البخاريّ ج6ص2504، و صحيح مسلم ج3ص1317 و صحيح ابن حبان ج2ص154 و ج10ص273 وسنن النسائي الكبرى ج4ص273 و ج4ص274و سنن ابن ماجه ج2ص853 وسنن البيهقي الكبرى ج8ص210 وج8ص212 و تلخيص الحبير ج4ص51 و سنن الدارمي ج2ص234 و سنن أبي داود ج4ص144 و مسند أحمد بن حنبل ج1ص40 .

[217]) اختلاف الحديث، ج1ص533.

[218]) فتح القدير ج4ص259 و كنز العمال ج2ص203 .

[219]) التاريخ الكبير ج4 ص241 .

[220]) فتح القدير ج4 ص259 .

[221]) التفسير الكبير، الرازي، ج24ص206.

[222]) فتح القدير، الشّوكانيّ، ج4 ص 372 .

[223]) تفسير البغوي، ج 1 ص 10 .

[224]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 9 ص 103 .

[225]) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 12 ص 147 .

[226]) التفسير الكبير، الرازي، ج16 ص136 .

[227]) التسهيل لعلوم التنزيل، ج4ص119 .

[228]) التسهيل لعلوم التنزيل، ج4ص221

[229]) التفسير الكبير، الرازي، ج16ص136.

[230]) قاله السيوطي في الدّرّ المنثور، ج1ص40.

[231]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج1ص258.

[232]) الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص104.

[233]) روح المعاني، الآلوسي، ج 27 ص 73 .

[234]) تفسير الثعالبي، ج 1 ص 203.

[235]) تفسير الثعالبي، ج 1 ص16 .

 

[236]) لفظ الكنيف في لغة العرب يدل على مكان مستقذر، ولا يحقّ لمن يدافع عن عدالة جميع الصّحابة أن يسكت ههنا لمجرّد أن القائل هو عمر.

[237]) تفسير الثعالبي ، جزء 4 ص 434.

[238]) في المغرب في ترتيب المعرب ج2ص235)الكنيف المستراح، وفي المعجم الوسيط،ج1 ص381 المستراح: الكنيف أو بيت الخلاء. وفي تاج العروس ج24 ص336): ومنه سمّي المرحاض كنيفا وهو الّذي تقضى فيه حاجة الإنسان كأنّه كنف في أستر النّواحي. وفي المطلع على أبواب المقنع ج1ص11): الخلاء ممدودا المكان الذي تقضي فيه الحاجة عن الجوهري وسمي بذلك لأنه يتخلى فيه أي ينفرد وقال أبو عبيد يقال لموضع الغائط الخلاء والمذهب والمرفق والمرحاض ويقال له أيضا الكنيف للاستشار فيه وكل ما ستر من بناء وغيره فهو كنيف وفي المصباح المنيرج2ص542)و الكنيف الساتر و يسمى الترس كنيفا لأنه يستر قاضي الحاجة و الجمع كنف .

[239]) تفسير الثعالبي، ج4 ص 450 .

[240]) مختصر ابن كثير، ج1 ص 5.

[241]) صحيح البخاري ج4ص1650 و المستدرك على الصحيحين ج3ص625 و إعلام الموقعين ج1ص185وتفسير ابن كثير،ج1ص320وتفسير البغوي ج1ص253وتفسير السمعاني ج1ص271 و تفسير الطبري ج3ص76 و تفسير القرطبي ج3ص318 و روح المعاني ج3ص38 و معاني القرآن ج1ص294 و الإتقان في علوم القرآن ج2ص346 .

[242]) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 191.

[243]) مختصر ابن كثير، ج 1 ص 322.

[244]) سنن أبي داود ج4ص226 و صحيح ابن حبان ج14ص37 و سنن الترمذي ج5ص266 و سنن النسائي الكبرى ج6 ص347 و الأحاديث المختارة ج1 ص407 والتفسير الكبير ج15ص39و الدّرّ المنثور ج3ص601 و موارد الظمآن ج1ص447 .

[245]) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 425.

[246]) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج1 ص 14.

[247])صحيح البخاري ج4ص1923 و صحيح البخاري ج6ص2744 وصحيح مسلم ج1ص561
وسنن الترمذي ج5ص193 وسنن النسائي المجتبى) ج2ص151والتمهيد لابن عبد البر ج8ص272 .

[248])صحيح البخاري ج4 ص1531 وصحيح البخاري ج4 ص1829 و صحيح البخاري ج4 ص1915 و موطأ مالك ج1 ص203 و صحيح ابن حبان ج14 ص320 و سنن الترمذي ج5 ص385 ومسند أحمد بن حنبل ج1ص31 و التمهيد لابن عبد البر ج3 ص263 و الاستذكار ج2 ص495 .

[249]) التحرير والتنوير، ج 1 ص 4475.

[250]) تفسير الصنعاني، ج 1 ص 178 .

[251]) معاني القرآن، النحاس، ج1 ص 260.

[252]) البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ج1 ص480 .

[253]) البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ج 2 ص 119 .

[254]) الناسخ والمنسوخ، المقري ج1ص21.

[255]) صحيح مسلم، ج3ص1317.

[256])الدّرّ المنثور،السيوطي،ج1ص258.والإتقان في علوم القرآن ج2 ص68،وكنز العمال،ج2 ص240.

[257]) مسند إسحاق بن راهويه، ج3ص727 .

[258]) الثقات، ابن حبان، ج2 ص239 .

[259]) السنن الكبرى، البيهقي، ج 3 ص 227.

[260]) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3 ص 542 و 543.

[261]) مصنف عبد الرزاق ج7ص330 رقم 13364.

[262])الدّرّ المنثور، السيوطي، ج2ص122 .

[263]) الضمير يعود إلى الآية من سورة الجمعة{فاسعوا إلى ذكر الله}.

[264])تفسير الطبري ج28ص100.

[265]) فتح الباري، ابن حجر، ج2ص390.

[266])مجموع الفتاوى، ج 22 ص 260.

[267]) مجموع الفتاوى، ج 7، ص 328.

[268]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1 ص182.

[269]) ا لتفسير الكبير، الرازي، ج8ص 164 ـ 165 .

[270]) طبقات ابن سعد، ج2 ص41.

[271]) مصنف ابن أبي شيبة ج 10ص 313 ـ 314 .

[272]) النّهاية في غريب الحديث رقم2825و مجمع الزوائد ج1 ص 174 الطبعة 2 القاهرة 1967) جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد 1 42 رقم الحديث 150 ط مؤسسة علوم القرءان بيروت) ودلائل النّبوّة ج1 ص50 نشر مكتبة التّراث الإسلامي حلب1970).

[273]) آل عمران 28.

[274]) المائدة،51.

[275]) آل عمران 118ـ 120.

[276]) آل عمران69.

[277]) المائدة82 .

[278]) آل عمران 78.

[279]) المائدة13.

[280]) المائدة، 57.

[281]) المائدة، 48.

[282]) شعب الإيمان، البيهقي، ج1ص200رقم 175. دار الكتب العلمية بيروت 1410 هـ .

[283]) الخصائص الكبرى، السيوطي، ج1 ص29.

[284]) [ كأنّ الصحابة جميعا يوحى إليهم فردا فردا] .

[285]) التفسير الكبير، فخر الدين، ج1 ص177.

[286])صحيح البخاري ج1ص321. الحديث رقم903 .

[287]) تفسير الطبري ج5 ص113 وسنن النسائي الكبرى ج1ص133وسنن النسائي المجتبى) ج1ص168.

[288]) التسهيل لعلوم التنزيل ج1ص143 .

[289]) تفسير الثعالبي ج 1 ص 449 .

[290]) النساء: 3.

[291]) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 648. قال ابن كثير: رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

[292]) الكشّاف، الزمخشري، ج 1 ص 504 .

[293]) التحرير والتنوير، ج 1 ص 2984.

[294]) الجمع بين الصحيحين، الحميدي، ج2ص294 رقم 1490 .

[295]) طالع " الحاوي للفتاوي، ج 1 ص 59 إلى 73 .

[296]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج3 ص286 .

[297]) معاني القرآن، ج 1 ص340 .

[298]) صحيح ابن حبان ج6ص160 و صحيح ابن خزيمة ج3ص51 و سنن البيهقي الصغرى ج1 ص323و سنن البيهقي الكبرى ج3ص85و مسند الشافعي ج1 ص56 و مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص315 و مسند الحميدي ج2ص524 .

[299]) مصنف ابن أبي شيبة، ج5 ص321 .

[300]) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج1 ص 178 .

[301]) الإتقان في علوم القرآن، ج1 ص298 .

[302]) مناهل العرفان، الزرقاني، ج 1 ص 248 .

[303]) صحيح البخاري، ج1ص165

[304]) السنن الكبرى، البيهقي، ج 3، ص 24 .

[305]) أحكام القرآن، الجصاص، ج 1 ص 298 .

[306])التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ج1 ص37.

[307]) . صحيح البخاريّ، ج1 ص296 الحديث رقم 830.

[308]) مصنف ابن أبي شيبة، ج5 ص321 .

[309]) حزرة المال : خياره . يقال : هذا حزرة نفسي. الصحاح - الجوهري - ج 2 ص 629و تاج العروس - الزبيدي - ج 6 ص 270 ـ 273.

[310]) المعجم الكبير، الطبراني، ج9ص44 رقم 8336 .

[311]) مسند الحارث زوائد الهيثمي)، ج1ص242 رقم 113 .

[312]) مصنف عبد الرزاق، ج2ص115 رقم 2718.

[313]) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج3ص74 و والمعجم الكبير ج9ص44 رقم 8336 .

[314]) مسند أحمد، ج، 1 ص 17.

[315]) السنن الكبرى، البيهقي، ج 2 ص142.

[316]) السنن الكبرى، البيهقي، ج2 ص167.

[317]) السنن الكبرى، البيهقي، ج 1ص170.

[318]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص90 رقم 6831 .

[319]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص101تحت رقم6962 .

[320]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص102 رقم 6972 و6973 .

[321]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص105. رقم 7011 .

[322]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص105 و106 . الأحاديث: 7012..إلى 7024.

[323]) مصنف ابن أبي شيبة، ج2ص107 رقم 7033 .

[324]) مصنف ابن أبي شيبة ج2ص144 رقم 7478 .

[325]) مصنف عبد الرزاق ج2ص122 رقم 2748.

 

[326]) مصنف عبد الرزاق، ج2ص123 رقم 2752.

[327]) مصنف عبد الرزاق ج2ص184 رقم 2992.

[328]) مصنف عبد الرزاق، ج2ص348 رقم 3649.

[329]) مصنف عبد الرزاق، ج3ص216 رقم 5388.

[330]) مصنف عبد الرزاق، ج3ص234 رقم 5469.

[331]) مصنف عبد الرزاق، ج3ص283 رقم 5644.

[332]) شرح الزركشي، ج1 ص289 .

[333]) المبدع، ابن مفلح، ج2ص183.

[334]) المجموع، ج5ص29.

[335]) روضة الطالبين، ج2 ص74 .

[336]) مصنف عبد الرزاق، ج3ص341 رقم 5889.

[337]) مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص450 .

[338]) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج4ص381 .

[339]) الإجابة لما استدركت عائشة، ج1ص84 .

[340]) فتح الباري ج2ص256.

[341] مجموع الفتاوى ج 10، ص 184.

[342]) مصنف ابن أبي شيبة، ج1 ص311 رقم3558 .

[343]) فتح الباري ج8ص338.

[344]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 7، ص 470.