أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله: { وممن حولكم من الأعراب } الآية قال: قام رسول الله(ص)يوم جمعة خطيبا فقال: قم يا فلان فاخرج فإنّك منافق، اخرج يا فلان فإنّك منافق، فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم، ولم يكن عمر بن الخطّاب يشهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنّه لم يشهد الجمعة، وظنّ النّاس قد انصرفوا و اختبأوا هم من عمر وظنّوا أنه قد علم بأمرهم، فدخل عمر المسجد فإذا النّاس لم ينصرفوا فقال له رجل: أبشر يا عمر، فقد فضح الله المنافقين اليوم، فهو العذاب الأوّل والعذاب الثّاني عذاب القبر([1]).
أقول:
في روايات أنّهم كانوا ستّة وثلاثين منافقا، لكنّ كتب الرّجال خالية من أسمائهم، كلّ ما في الأمر فلان وفلان. وقد أورد الطبراني اثني عشر اسما أصحابها لا هم في العير ولا هم في النّفير . ولم يذكر المصدر الذي نقل الأسماء منه فزاد القضيّة غموضا.
وعن السائب بن يزيد الكندي قال: كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطّاب فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما فقال: من أنتما ؟ ومن أين أنتما ؟ قالا: من أهل الطّائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله (ص)([2]).
و سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال: أتدري أين أنت([3])؟
أقول:
يقول هذا وهو الذي ودّع رسول الله(ص) برفع الصّوت في وجهه وتهمته أنّه يهجر حتى غضب النّبي(ص)وطرده ومن كان معه.
وعن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين أنّه سمع ابن عبّاس (رض)
قال: قال عمر بن الخطّاب (رض): جئت فإذا رسول الله(ص) في مشربة، وإنّه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قرظا مصبورا، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال: ما يبكيك ؟ فقلت: يا رسول الله إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله ؟ فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة ؟
أقول:
عمر يبكي شفقة على رسول الله! ويهجم في نفس الأسبوع الذي توفي فيه(ص)على بيت بضعته (ع) باسم الإسلام!
قال المدائني: كتب عمر إلى عدي في كتابه: «إن الله جعل لأهل الخير أعوانا عليه، و لأهل الشرّ أصحابا مزيّنين له، وقد نهيتك عن كاتبك فلم أرك متحاشيا لذلك، ولا زاجرا له عن ظلم الرّعيّة وانتقاص حقوقهم، و إنّك حين تفعل ذلك يا عدي لمغترّ بي، تارك حظّك من الله، فاطرد عنك هذا الشّائن، و لا تشركه في أمانتك، و أخرجه عن المصر، فإنّي لو أشركت أحدا من حزب الشّيطان في أمانتي لاستعنت بابن أبي مسلم، فاكفني نفسك يا عدي، و لا تحملني على مكروهك، إن شاء الله، و السلام»([4]).
أقول:
من يسمع قول عمر « لو أشركت أحدا من حزب الشّيطان في أمانتي لاستعنت بابن أبي مسلم» يتصوّر أنّ عمر بن الخطّاب لم يشرك في أمانته إلاّ حزب الرّحمن، والحال خلاف ذلك تماما، فإنّه قد همّش البدريّين والسابقين إلى الإسلام، وقدّم الطّلقاء الذين حاربوا الإسلام إلى آخر لحظة ممكنة، ولم يدخلوا فيه إلا مكرهين حقنا لدمائهم . ومن الطلقاء يزيد بن أبي سفيان وقد عيّنه أبو بكر وأقرّه عمر. ومنهم معاوية بن أبي سفيان الذي جرى لعنه على لسان رسول الله(ص) الذي ما ينطق عن الهوى، ولم يكتف عمر باستعماله بل كان يقول عنه: «هذا كسرى العرب». ومن المستخفّين بالدّين الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي سمّاه القرآن الكريم فاسقا، ومع ذلك استعمله عمر بن الخطاب! ومنهم قنفذ التيمي الذي لطم وجه فاطمة بنت رسول الله(ص) يوم هجموا على بيتها، وقد استعمله عمر واليا على مكّة، ومات في حياته فصلّى عليه ونزل في قبره.
وروي أن بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء أتوا عمر بن الخطّاب في خلافته ليأذن لمجمع بن حارثة فيؤمّهم في مسجدهم فقال: لا ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضّرار ؟ فقال له مجمع: يا أمير المؤمنين: لا تعجل عليّ، فوالله لقد صلّيت فيه وإنّي لا أعلم ما أضمروا عليه، ولو علمت ما صلّيت معهم فيه. كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرؤون القرآن فصلّيت ولا أحسب إلاّ أنّهم يتقرّبون إلى الله تعالى ولم أعلم ما في أنفسهم؛ فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصّلاة في مسجد قباء([5]) .
وقال جابر بن عبد الله: رأى عمر بن الخطّاب لحما معلّقا في يدي فقال: ما هذا يا جابر ؟ّ قلت: اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر: أوكلّما اشتهيت شيئا يا جابر اشتريت؟ أما تخاف هذه الآية: { أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا}؟([6]).
قال البيهقي: وروينا عن أبي حريز أنّ رجلا كان يهدي إلى عمر بن الخطاب كلّ سنة فخِذ جزور، قال فجاء يخاصم إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين اقض بيننا قضاء فصلا كما تُفصل الفخذ من الجزور قال فكتب عمر إلى عماله لا تقبلوا الهدايا فإنّها رشوة([7]). ويبدو أنّ البيهقي قد حذف مقطعا من القصّة، فقد رواها ابن أبي الدنيا كما يلي: عن أبي جرير الأزدي قال:كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور قال إلى أن جاء إليه ذات يوم بخصم فقال له يا أمير المؤمنين اقض بيننا قضاء فصلا كما تفصل الفخذ من سائر الجذور. قال عمر: فما زال يردّدها عليّ حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر ثمّ كتب إلى عمّاله: أما بعد، فإيّاكم والهدايا فإنّها من الرشا([8]).
أقول:
ومن حقّ الرجل صاحب الفخذ أن يردّدها لأنّه أهدى مرّات ومرّات، فالرواية تقول:« لا يزال يهدي».
و عن أنس أنّ عمر بن الخطاب (رض)كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال:« اللهمّ إنّا كنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبينا فاسقنا»، قال: فيسقون([9]).
أقول:
إذا كان ثالث ثلاثة، وأفضل الخلق بعد رسول الله(ص)وأبي بكر، فلماذا لا يستسقي بنفسه، فإنّ الاستسقاء بالمفضول مع وجود الفاضل قبيح في نظر العقلاء؟!. وإذا كان العبّاس ـ على جلالة قدره ـ أفضل من علي بن أبي طالب(ع) فلمَ لم يباهل به رسول الله(ص) يوم وفد نجران؟! نعم، كان عمر بن الخطاب يعلم أنّ القرشيين ـ إلاّ من رحم ربّك ـ يبغضون عليّا(ع)، ولو استسقى به لدحضت حجّتهم وافتضحت خباياهم وظهر فضله ومقامه لمن كان يجهله، وقريش إنّما كانت تجتهد في صرف الأمر عن أهل البيت عليهم السلام بكلّ الوسائل.
و عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن المسيب قال: لمّا توفّي أبو بكر رحمه الله أقامت عليه عائشة النّوح([10])، فأقبل عمر بن الخطّاب حتى قام ببابها فنهاهنّ عن البكاء على أبى بكر، فأبين أن ينتهين، فقال عمر لهشام بن الوليد: «ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر» فقالت عائشة: لهشام حين سمعت ذلك من عمر إني أحرّج عليك بيتي فقال عمر لهشام ادخل فقد أذنت لك فدخل هشام فأخرج أمّ فروة أخت أبى بكر إلى عمر فعلاها الدّرّة فضربها ضربات فتفرّق النّوح حين سمعوا ذلك([11]) .
يبدو أن الخليفة مولع بالهجوم على أهل الحداد الذين فقدوا أعزاءهم
و تيقّنوا أنهم لن يروهم قبل يوم القيامة إلاّ في عالم الرؤيا؛ فكما هجم على بيت فاطمة(ع)، هجم على بيت عائشة زوج النّبي(ص) التي هي في نفس الوقت بمنزلة أمّه، باعتبارها إحدى أمّهات المؤمنين، وزوجة رسول الله(ص)، وابنة صديقه وحليفه الأوّل، فلم يرع لا هذه و لا تلك ولا الأخرى، و هجم على بيت عائشة الذي هو أحد بيوت النبي(ص) بلا إشكال. فإذا كان القرءان الكريم قد نهى عن دخول بيوت النبي(ص)من دون إذن منه فكيف بالهجوم عليه؟ ثمّ هو يقول للرّجل:ادخل فقد أذنت لك، فمتى أعطاه النّبي(ص)وكالة كي يأذن بذلك. هذه المسألة محلّ تأمّل .
و قال الطبري في تاريخه: قال عليّ بن محمد عن الذين سمّيت قال بعضهم: جعل أبو بكر عمر قاضيا في خلافته فمكث سنة لم يخاصم إليه أحد قال: وقالوا كان يكتب له زيد بن ثابت([12]).
أقول:
إمّا و إمّا؛ إما أنّ الناس عاشوا ملائكة على الأرض يمشون سنة كاملة، ثمّ عادت إليهم الشّيطنة أو عادوا إليها..
وإمّا أن النّاس يئـسوا من حقوقهم بعد أن رأوا حكم الرّجلين بخصوص فاطمة و عليّ(ع)، فإنّ الذي يكذّب مطهّرين بنصّ الكتاب ويردّ شهادتهما قد ردّ شهادة الحقّ لهما بالطّهارة. وبعد كلّ ذلك، في تولية القضاء من لا يعرف الكلالة وكثيرا من شبيهاتها نظر، اللّهمّ إلاّ أن يكون منصب القضاء لا علاقة له بالعلم والاجتهاد!
وعن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف أنّه حرس ليلة مع عمر بن الخطّاب بالمدينة فبينما هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتّى إذا دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أميّة بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه نهانا الله عز وجل فقال {ولا تجسّسوا} فقد تجسّسنا، فانصرف عمر عنهم وتركهم. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه([13]) .
عن حرام بن هشام عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطّاب عام الرّمادة مرّ على امرأة وهي تعصد عصيدة لها فقال: ليس هكذا تعصدين ثمّ أخذ المسوط فقال: هكذا، فأراها([14]) .
أقول:
ليس من عادة الرّجال في ثقافة العرب الدّخول في تفاصيل شؤون النّساء. وهذا الذي قام به عمر بن الخطّاب يذكّر ببرنامج إذاعيّ كان يبثّ على الإذاعة التّونسية أيّام الرئيس بورقيبة تحت عنوان«من توجيهات الرئيس»، كان الرئيس التّونسي(المجاهد الأكبر) يومها يتوجّه إلى المواطنين التّونسيين بنصائح وإرشادات تساعدهم في حياتهم اليوميّة ـ على زعمه ـ وكأنّه لم يكن في تونس يومها عقل سوى عقل المجاهد الأكبر.
عن محمد بن عمر المخزومي عن أبيه قال: نادى عمر بن الخطّاب: الصلاة جامعة ! فلما اجتمع النّاس وكثروا صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلّى على نبيّه ثمّ قال: أيّها الناس! لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبضن لي القبضة من التّمر أو الزّبيب فأظلّ يومي وأيّ يوم ؟ ثمّ نزل فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما زدت على أن قمّأت نفسك، يعني عبت، قال: ويحك يا ابن عوف ! إنّي خلوت فحدّثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك ؟ فأردت أن أعرفها نفسها([15]).
أقول:
ملك ذو القرنين أرضا واسعة بين المشرق والمغرب ولم يقم بالحركة التي قام بها عمر؛ ويقول عمر: «خلوت فحدّثتني نفسي..» فلماذا لم يحدّثها خاليا كما حدّثته خاليا؟ و مادام الحديث بينه وبين نفسه فلماذا أقحم فيه الناس؟! أين هو عن المناجاة كأن يقول:«وأنا عبدك الذليل الحقير المسكين المستكين»؟! وهذا أقرب مقرّبيه وأمين سرّه عبد الرحمن بن عوف استهجن الحركة وعدّها إذلالا للنّفس في ما لا طائل تحته. وأمّا قوله«فأردت أن أعرّفها نفسها» فقد عرفت نفسه نفسها يوم أُحد حين كان يصعد الجبل وهو ينزو كالأروى لا يلوي على شيء فرارا من الشّهادة، ويوم خيبر إذ فرّ لمجرّد رؤية مرحب اليهوديّ ورجع بأصحابه يجبّنهم ويجبّنونه، ويوم الأحزاب إذ كان يرتجف بينما كان عمرو بن عبد ودّ يتحدّاه ويتحدّى بقيّة مشايخ قريش الذين تأخرت شجاعتهم إلى يوم السّقيفة، يوم هجموا على أشرف بيت!
وفي مصنف ابن أبي شيبة: عن عبد الله بن عمر أنّ عاتكة بنت زيد امرأة عمر بن الخطّاب قبّلته وهو صائم فلم ينهها([16]).
قال السيوطي: وأخرج مالك عن عبد الله بن دينار قال خرج عمر بن الخطّاب من الليل يسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه* فوالله لولا الله أني أراقبه* لحرّك من هذا السّرير جوانبه*فسأل عمر ابنته حفصة كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستّة أشهر أو أربعة أشهر. فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك([17]).
أقول:
يسأل ابنته هذا السؤال مع إمكان سؤال غيرها، وله أكثر من زوجة وجارية، وفيه من ترك الحشمة ما فيه بين الأب وابنته! لمَ لم يسأل إحدى أزواجه؟! لأنّ الذين رووا هذا الخبر أرادوا أن يجعلوا من ذلك إنجازا لآل الخطّاب، فحصروا القضيّة بين عمر وابنته، وغفلوا عمّا في ذلك من ترك الحياء والحشمة.
قالوا: أتت امرأة إلى عمر بن الخطّاب فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّ زوجي يصوم النّهار، ويقوم اللّيل، وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة الله! فقال لها: جزاك الله خيرا من مثنية على زوجها، فجعلت تكرّر عليه القول وهو يكرّر عليها الجواب، وكان كعب بن سوار الأسدي حاضرا فقال له: اقض يا أمير المؤمنين بينها وبين زوجها. فقال: وهل فيما ذكرت قضاء؟ فقال: إنّها تشكو مباعدة زوجها لها عن فراشها، وتطلب حقها في ذلك فقال له عمر:أما لأن فهمت ذلك فأقض بينهما([18]) .
أقول:
هذا الذي ظنّه أفضل من يقين غيره، ويوافقه ربّه فينزل القرآن منسجما مع خطرات نفسه، لم يفهم كلام المرأة لأنّها ألبسته الحشمة والحياء، على خلاف طريقته هو الذي جبه ابنته بذاك السؤال. أين ذهب التّحديث والملائكة والموافقة السّماوية ؟!
وأخرج البيهقي في سننه عن عمر بن الخطّاب قال والله إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبّح([19]) .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن زيد بن أسلم قال: بلغني أنّه جاءت امرأة إلى عمر بن الخطّاب فقالت إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه فقال كبرت وذهبت قوتي. فقال له عمر: أتصيبها في كل شهر مرّة؟ قال: أكثر من ذلك! قال عمر: في كم تصيبها؟ قال: في كل طهر مرّة. فقال عمر: اذهبي فإنّ فيه ما يكفي المرأة([20]).
أقول:
هذا رأي عمر، وهو بهذا يجهل أو يتجاهل التّفاوت بين النّاس رجالا ونساء في هذه المسألة، والحال أنّ المرأة إذا لم يكفها زوجها ويحصنها فتح لها الشّيطان أبوابا يصعب سدّها. و إذا كان عمر بن الخطاب خبيرا في هذا الميدان بحيث يعلم أنّ في ذاك القدر ما يكفي المرأة كما يقول، فلماذا سأل ابنته كم تصبر المرأة عن زوجها وهو الخبير؟
وأخرج عبد الرزاق في المصنّف عن عبيد بن عمير قال: ائتمر النبي(ص) وأصحابه كيف يجعلون شيئا إذا أرادوا جمع الصّلاة اجتمعوا لها به، فائتمروا بالنّاقوس؛ فبينا عمر بن الخطّاب يريد أن يشتري خشبتين للنّاقوس إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا النّاقوس بل أذّنوا بالصّلاة فذهب عمر إلى رسول الله(ص) ليخبره بالذي رأى وقد جاء النبي(ص) الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال النبي(ص) قد سبقك بذلك الوحي حين أخبره بذلك عمر([21]).
أقول:
هما وحيان، وحي إلى رسول الله(ص) ووحي إلى عمر! لكنّ الرواية تذكر أنّ عمر رأى في المنام أن «لا تجعلوا النّاقوس بل أذّنوا بالصّلاة» ولا تذكر ألفاظ الأذان، وهذا محلّ تأمّل.
أخرج أحمد والبخاريّ والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطّاب قال: كنّا مع رسول الله(ص) في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرّات فلم يردّ عليّ، فحرّكت بعيري ثمّ تقدّمت أمام النّاس، وخشيت أن ينزل فيّ القرآن[!] فما نشبت إذ سمعت صارخا يصرخ بي فوجفت وأنا أظن أنّه نزل فيّ شيء، فقال النبي (ص): لقد أنزلت علي اللّيلة سورة أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، إنّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر([22]).
أقول:
لماذا يخاف أن ينزل فيه قرآن وهو صاحب الموافقات يحدّثه الحقّ تعالى في كلّ شيء، والمبشّر بالجنة في درجة النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين ؟!
قال الآلوسي: أخرج الخرائطيّ في مكارم الأخلاق عن ثور الكندي أن عمر(رض) كان يعسّ بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغنّى، فتسوّر عليه([23]) فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال: يا عدوّ الله أظننت أنّ الله تعالى يسترك وأنت على معصية؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، إن كنت عصيتُ الله تعالى واحدة فقد عصيتَ الله تعالى في ثلاث قال سبحانه: ولا تجسّسوا وقد تجسّست. وقال الله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} وقد تسوّرت وقال جل شأنه:{لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} ودخلت عليّ بغير إذن. قال عمر (رض): فهل عندكم من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم؛ فعفا عنه وخرج وتركه([24]).
أقول:
«تسوّر عليه» معناه في اللّغة تسلّق السّور، ولك أن تتخيّل مشهد خليفة المسلمين يتسلّق السّور وقد تجاوز الخمسين من عمره! فإن كانت هذه أوّل مرّة يتسلّق فيها الأسوار فإنّه عمل عجيب وبئس العمل هو في آخر مراحل عمره! وإن كان قد تسلّق قبل ذلك فلا كلام.
وفي رواية سعيد بن منصور عن الحسن أنّه قال رجل لعمر (رض): إنّ فلانا لا يصحو([25]) فقال: انظر إلى السّاعة التي يضع فيها شرابه فأتني! فأتاه فقال: قد وضع شرابه! فانطلقا حتى استأذنا عليه، فعزل شرابه ثمّ دخلا فقال عمر: والله إنّي لأجد ريح شراب يا فلان، أنت بهذا؟ فقال: يا ابن الخطّاب وأنت بهذا؟ ألم ينهك الله تعالى أن تتجسّس؟ فعرفها عمر فانطلق وتركه .
أقول:
خليفة المسلمين لا يكتفي بالسّماع إلى السّاعي بجاره، بل يدخل معه في الصّفقة ويستعمله في التجسّس وينطلق معه على طريقة الأمن العسكري وأجهزة المخابرات في البلدان العربية ليفاجئ الرّجل، ثمّ يكتشف أنّه خالف نهي الله تعالى وفعل ما لا يحقّ له، فيخرج!
قالوا: لقيت امرأة عمر يقال لها (خولة بنت ثعلبة) وهو يسير مع النّاس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت؛ فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟ قال: ويحك وتدري من هذه ؟ قال لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عنّي إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلاّ أن تحضر صلاة فأصلّيها، ثمّ أرجع إليها حتّى تقضي حاجتها ([26]).
أقول:
هذا يدلّ على أنّ هذه المرأة عند عمر بن الخطّاب أفضل من فاطمة(ع)، لكن الذي في نفس الأمر أنّ فاطمة سيّدة النّساء من حوّاء إلى آخر امرأة تقوم عليها السّاعة، فشتّان ما بين ميزان عمر وميزان الإسلام، نعم، هذه المرأة لا تشكّل خطرا على طموح عمر!.
وعن أبي عمران الجوني قال: مرّ عمر بن الخطّاب (رض) بدير راهب قال فناداه: يا راهب! فأشرف. قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي؛ فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا ؟ قال: ذكرت قول الله عزّ وجلّ في كتابه:
{ عاملة ناصبة ... تصلى نارا حامية } فذاك الذي أبكاني([27]).
وفي الموطأ أنّ رجلا خطب إلى رجل أخته فذكر الأخ أنّها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فضربه أو كاد يضربه ثم قال:" ما لك وللخبر([28]).
أقول:
قال رسول الله(ص):«لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، فهل يرضى عمر بن الخطاب لنفسه أن يتزوّج امرأة أحدثت؟ ولماذا يلوم الرّجل على صدقه وتجنّبه التّدليس.
وفي صحيحة الألبانيّ: قال عمر لصهيب: أيّ رجل أنت ؛ لولا خصال ثلاث فيك ! قال: وما هنّ: قال اكتنيت وليس لك ولد وانتميت إلى العرب وأنت من الرّوم وفيك سرف في الطّعام . قال: أمّا قولك: اكتنيت ولم يولد لك ؛ فإنّ رسول الله(ص) كنّاني أبا يحيى. وأمّا قولك: " انتميت إلى العرب ولست منهم وأنت رجل من الرّوم " ؛ فإنّي رجل من النّمر بن قاسط فسبتني الرّوم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي. وأما قولك: " فيك سرف في الطّعام " ؛ فإنّي سمعت رسول الله(ص) يقول: ( فذكره ) قال الألباني:
"صحيح "([29]).
أقول:
يلاحظ هنا أنّ عمر بن الخطّاب لم يؤاخذ صهيبا على وجود اسم نبيّ في كنيته، وإنّما لامه على الكنية نفسها وليس له ولد! ولو كان التسمّي والتكنّي بأسماء الأنبياء وكناهم ممنوعا لما أجازه رسول الله(ص) فضلا عن أن يقوم هو نفسه بالإشراف عليه، فإنّ صهيبا يقول:«كنّاني رسول الله(ص)»! فرسول الله(ص) سمّى ابنه إبراهيم، وكنّى أكثر من واحد مستعملا أسماء الأنبياء، ومع ذلك خالفه عمر وزعم أنّه لا يجوز التّسمّى والتّكنّي بأسماء الأنبياء، مرجّحا فكرة كعب الأحبار على فعل النّبيّ المختار(ص).
وروي أنّ النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطّاب فقال شعرا: فمن مبلغ الحسناء أنّ حليلها* بميسان يسقى في زجاج وحنتم إلى أن قال: لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم
فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال له: أي والله إني ليسوءني ذلك وقد وجب عليك الحدّ فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا ممّا قلت وإنّما كان فضلة من القول وقد قال الله تعالى ( وأنّهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال له عمر: أمّا عذرك فقد درأ عنك الحدّ، ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت([30]).
وعن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف أنّه حرس ليلة مع عمر بن الخطّاب المدينة فبينا هم يمشون شبّ لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمّونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال قلت: لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى أن قد أتينا ما نهانا الله عنه، قال{ولا تجسّسوا} فقد تجسّسنا، فانصرف عمر عنهم وتركهم([31]) .
أقول:
لماذا يسأل عن صاحب البيت ما دام الجرم حاصلا. وقد تبيّن أنّ البيت بيت ربيعة بن أميّة بن خلف وهو عزيز منيع وراءه عشيرة قويّة، ولو كان رجلا مستضعفا لقال عبد الرّحمن غير هذا القول، ولتصرّف عمر غير هذا التّصرّف!
وعن أبي قلابة أنّ عمر بن الخطّاب حُدّث أنّ أبا محجن الثّقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتّى دخل عليه فإذا ليس عنده إلاّ رجل! فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إن هذا لا يحلّ لك؛ قد نهاك الله عن التجسّس. فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين، هذا التّجسّس. قال: فخرج عمر([32]).
أقول:
هذه القصّة تشبه القصّة السّابقة، فإن كانت وقعت قبلها لم يكن لعمر أن يقف عند بيت ربيعة بن أميّة، وإن كانت بعدها فسلوكه من باب الإصرار على التجسّس.
عن قيس قال: قال عمر: ألا تخبروني بمنزلتكم هذه ومع هذا إني لأسألكما وإني لأتبين في وجوهكما أي المنزلتين خير، قال فقال له جرير: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين، أمّا إحدى المنزلتين فأدنى نخلة بالسّواد إلى أرض العرب، وأمّا المنزل الآخر فأرض فارس وعليها وحرها ولعها يعني المدائن، قال فكذّبني عمّار فقال: كذبت! فقال عمر: أنت أكذب! ثمّ قال عمر: ألا تخبرونني عن أميركم هذا أهجري هو؟ قلت: والله لا هو بهجري ولا كان، ولا عالم بالسياسة فعزله فبعث المغيرة بن شعبة([33]).
أقول:
سلوكه مع عمّار بن ياسر في هذه الواقعة قاس وخال من الأدب، وقد حذّر النبي من أذى عمار.
ودعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليولّيه الكوفة وقال له: «لا تذكره لأحد»، فبلغ المغيرة بن شعبة أنّ عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته وقال لها اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السّفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثمّ قالت: ائتيني به فلمّا استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر وقال: بارك الله لك فيمن وليت وأخبره أنه ولى جبير بن مطعم! فقال عمر: لا أدرى ما أصنع. فولّى المغيرة بن شعبة الكوفة فلم يزل عليها إلى أن مات عمر([34]).
وروى أبو الفرج الأصبهاني بإسناده إلى الشعبي قال كتب عمر إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن استنشد من قبلك من الشعراء عما قالوه في الإسلام قال فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال قد أبدلني الله بهذه في الإسلام مكان الشّعر وجاء الأغلب إلى المغيرة فقال له ... أرجزا تريد أم قصيدا ... لقد طلبت هيّنا موجودا. فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه انقص من عطاء الأغلب خمسمائة فزدها في عطاء لبيد. ورواه ابن دريد في الأخبار المنثورة عن الرياشي عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء نحوه([35]).
أقول:
ماذنب الرّجل إذا كان الخليفة هو نفسه الذي كتب إلى عامله أن يستنشد الشّعراء؟ هل زاد على أن فعل ما طلب منه الوالي الذي يمثّل الخليفة؟ وإذا كان الخليفة وعامله غير جادّين في ما طلبا فإنّ عليهما أن يذكرا ذلك من البداية. ثمّ أين الإساءة في قوله: أرجزا تريد أم قصيدا... لقد طلبت هيّنا موجودا. هل يحتوي هذا الشّعر على هجاء أو تشبيب بالنّساء أو انتهاك للأعراض؟!
عن إبراهيم بن ميمون مولى بني عدي بن كعب قال: دخل عمر على دهقان فقال هل أصبت بشيء قطّ من مالك؟ قال: لا . فأبى أن يأكل من ماله. رواه جرير عن مغيرة عن إبراهيم بن ميمون حديثه في الكوفيين([36]).
أقول:
لم يكن رسول الله(ص)يسأل مثل هذه الأسئلة، و{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..}.
قالوا: دعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليولّيه الكوفة وقال له: لا تذكره لأحد. فبلغ المغيرة بن شعبة أنّ عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته وقال لها: اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السّفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثمّ قالت: ائتيني به! فلمّا استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر وقال: بارك الله لك فيمن ولّيت، وأخبره أنّه ولّى جبير بن مطعم. فقال عمر: لا أدرى ما أصنع ! فولّى المغيرة بن شعبة الكوفة، فلم يزل عليها إلى أن مات عمر([37]).
أقول:
المغيرة ـ حسب ما جاء في القصّة ـ يمكر بعمر. هذا مع أنّ عمر يقول لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني، وقد خدعه المغيرة فانخدع له! وفي الحقيقة قد تخادع له، لأنّه هو نفسه يقول له: إنك رجل فاسق، ولا يمنعه فسقه من توليته على الصّحابة، علما أنّ من ولّى على النّاس رجلا وهو يعلم أنّ فيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله. وقد تكرّر ذلك من عمر، فقد ولّى على النّاس قدامة بن مظعون لأنّه أخو زوجته، واعترف أنّه ولاه للقرابة فلم يبارك له فيه، وشرب قدامة الخمر وأقام عليه الحدّ وتغاضبا...
قال ابن عيينة: رأى عمر بن الخطّاب (رض) مع أبيّ جماعة فعلاه بالدّرة فقال أبيّ: أعلم ما تصنع يرحمك الله! فقال عمر: أما علمت أنّها فتنة للمتبوع مذلّة للتّابع([38]).
أقول:
لا يحلّ لعمر ولا لغيره أن يهين مسلما بهذا الشّكل أمام النّاس؛ فالذين كانوا مع أبيّ إنما كانوا معه لعلمه، ولا يزال هذا المشهد يرى يوميّا في مكّة والمدينة والنّجف وقمّ والأزهر وغيرها من حواضر العلم. وقد كان بعض طلبة العلم يقدّمون لأبي بكر جابر الجزائريّ نعاله حين ينتهي من درسه، ولم ينكر عليهم لا الشّيخ أبو بكر ولا غيره! لكن يبدو أنّ عمر بن الخطّاب حسد أبيّا على ذلك الاحترام والتّوقير الذي لا يحظى هو بمثله. فالذين يأتون إلى عمر بن الخطّاب من أمثال المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ومعاوية إنمّا يريدون المناصب والمال، وهذا هو الطّمع بعينه؛ ولو لم يكن عمر على بيت المال وتولية المناصب لما جاءه أحد. و أمّا أبيّ بن كعب فلم يكن يشغل منصبا رسميّا، ومع ذلك لا تخلو مجالسه من المستفتين والمستفسرين، وشتّان بين من يقصده النّاس لعلمه، ومن يقصده النّاس لمنصبه!
قالوا: كان نصر بن الحجّاج من بني سليم، وكان جميلا رائعا، فمرّ عمر بن الخطّاب ذات ليلة وهذه المرأة تقول: *ألا سبيل إلى خمر فأشربها * فدعا بنصر بن الحجاج فسيّر إلى البصرة، فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ وعنده امرأته شميلة، وكان مجاشع أمّيا، فكتب نصر على الأرض «أحبّك حبّا لو كان فوقك لأظلّك ولو كان تحتك لأقلّك» فكتبت المرأة «وأنا والله»، فلبث مجاشع آنا، ثمّ أدخل كاتبا فقرأه فأخرج نصرا وطلّقها([39]).
أقول:
ما زاد عمر على أن نقل مشكلة المدينة إلى البصرة، وتسبّب في تخريب بيت مجاشع بن مسعود السّلمي!
عن نافع عن ابن عمر بن الخطّاب أنّه قال: كتب عمر بن الخطّاب إلى أمراء الجيوش يأمرهم أن يقتلوا من الكفّار كلّ من قد جرت عليهم المواسي ولا تسبوا إلينا من علوجهم أحدا، وكان يقول: لا يحمل إلى المدينة من علوجهم أحد! فلمّا أصيب عمر بن الخطّاب قال: من أصابني ؟ قالوا: غلام المغيرة بن شعبة فقال: نهيتكم أن تحملوا إلينا من هؤلاء الأعلاج أحدا فعصيتموني([40]).
أقول:
المعروف أنّ المغيرة استأذن عمر في إدخال أبي لؤلؤة إلى المدينة، فلماذا يلوم الناس على أمر إذن فيه؟ لماذا لا يلوم نفسه؟!
قالوا: كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين، وكان قتل النعمان بن مقرن يوم جمعة، ولما جاء نعيه عمر بن الخطّاب خرج فنعاه إلى النّاس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي([41]).
أقول:
هذا عمر يبكي لمقتل النّعمان بن مقرّن ولم يبك لمقتل حمزة ولا لمقتل جعفر، ولا حتّى لوفاة رسول الله(ص)، وهو يعلم منزلة حمزة وجعفر عليهما السلام من قلب رسول الله(ص)، وقد بكاهما رسول الله(ص) حين استشهدا، ومن هو النّعمان بن مقرن في جنب رسول الله(ص) وحمزة وجعفر؟!
قال النّوويّ: وقد روى في النّهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكنّ حديث عائشة هذا ثابت، فلهذا قال العلماء يكره البول قائما إلاّ لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. قال ابن المنذر في الإشراق:«اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطّاب (رض)وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل ابن سعد أنّهم بالوا قياما. قال: وروى ذلك عن أنس وعليّ وأبي هريرة (رض)، وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزّبير، وكرهه ابن مسعود والشّعبي وإبراهيم بن سعد. وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما([42]). وعن أبي النضر أنّ عمر بن الخطّاب سمع ضحك ثقفيّين بعد العتمة فأقبل إليهما فقال: من أنتما؟ فقالا: من ثقيف. قال: أمن أهلها؟ قالا: لا. قال: لو أنبأتماني أنّكما من أهلها لبلغت منكما، يريد العقوبة([43]).
و عن مجالد عن الشعبيّ أنّ أبابكر قضى بعاصم بن عمر لأمّه وقضى على عمر بالنّفقة . وعن سعيد بن المسيب أنّ عمر بن الخطّاب طلّق أمّ عاصم ثمّ أتاها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر فقال له أبو بكر: يا عمر مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبيّ فيختار([44]).
قال النبي(ص) يوم فتح مكة{ولا يسرقن} فقالت هند: إنّ أبا سفيان رجل شحّيح، وإنّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله(ص) وعرفها فقال لها: وإنّك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم، فاعف عمّا سلف عفا الله عنك. فقال: {ولايزنين } فقالت هند: أو تزني الحرّة ؟ فقال: {ولا يقتلن أولادهنّ} فقالت هند ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فأنتم وهو أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر(رض) حتى استلقى وتبسّم رسول الله (ص)([45]).
أقول:
ليس في عمر بن الخطاب دعابة! إلا أنّه يضحك حتّى يستلقي! أو بعبارة أخرى لم يعد يملك نفسه، كل ذلك أمام رسول الله(ص). ثمّ، ممّ ضحك عمر؟ ليس في قولها ربّيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ما يضحك! لكنّه ضحك من قولها أو تزني الحرّة! وهو يعرفها على حقيقتها في الجاهليّة. فقد نقل ابن أبي الحديد عن الزمخشري قوله في كتاب "ربيع الأبرار": «كان معاوية يعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العبّاس بن عبد المطلب، وإلى الصّبّاح، مغنّ كان لعمارة بن الوليد. قال: وقد كان أبو سفيان دميما قصيرا، وكان الصّبّاح عسيفا لأبي سفيان، شابّا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وقالوا: إنّ عتبة بن أبى سفيان من الصّبّاح أيضا..([46]).
وفي مصنّف ابن أبي شيبة: عن عمرو بن دينار قال: مرّ عمر بن الخطّاب بكاتب يكتب بين النّاس وهو يشهد أكثر من اثنين فنهاه، ثمّ مر بعده فقال: ألم أنهك؟ فقال الرجل: «أطعت الله وعصيتك» وكان في صدقة عمر شهد عبد الله بن الأرقم ومعيقيب، وكان في صدقة عليّ شهد فلان وفلان كتب([47]).
و عن هشام عن أبيه قال: خرج عمر بن الخطّاب من الخلاء وأتي بطعام فقالوا: ندعو بوضوء فقال: إنما آكل بيميني وأستطيب بشمالي، فأكل ولم يمسّ ماء ([48]).
أقول:
لأجل أن يصحّحوا هذا العمل رووا أنّ النبيّ(ص) فعل مثله([49])، والوجدان يشهد بتقزّز النّفس واشمئزازها لمجرّد التفكير فيه من طرف العوامّ البسطاء، فكيف بالإقدام عليه من طرف صاحب الخلق العظيم. وقد عني الإسلام بالطّهارة والنّظافة عناية كبيرة يدرك عمقها ذوو الذّوق السليم. قال النّووي في شرح مسلم في معرض حديثه عن آداب الطعام : « لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله(ص)فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل في غسل اليد للطعام وفى الأكل»([50]). وفي عون المعبود:« قال الخلال: وأخبرنا أبو بكر المروزي قال رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء»([51]).. والقواعد الصحّية الثّابتة في كلّ لمجتمعات المتحضّرة والمتمدّنة،ووصايا الأطباء والحكماء كلها تذهب إلى خلاف سلوك عمر.
و عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه إلى عمر بن الخطّاب فكتب عمر أن اقتلوه به؛ فقيل لأخيه حنين: «اقتله» قال: «حتى يجيء الغضب» قال فبلغ عمر أنه من فرسان المسلمين، قال فكتب عمر: «أن لا تقيدوه به» قال: فجاءه الكتاب وقد قتل([52]).
عمر يعرّض بعلي (ع):
قالوا : رأى عمر بن الخطّاب سعيد بن العاص وقال له: مالي أراك معرضا أتظنّ أني قتلت أباك؟ ولوددت أنّي قتلته ولا أعتذر إلى الله من قتل مشرك، لكني بصرت به وهو يبحث للقتال كما يبحث الثور، والزبد يرغو على شدقيه فناداني هلمّ إليّ يا بن الخطّاب، فحدت عنه وصمد له عليّ فقتله! وفي رواية غير ابن إسحاق و الواقديّ: وكان عليّ جالسا فقال: اللّهم غفرا، ذهب الشّرك بما فيه، ومحا الإسلام ما قبله ! فعلام تهاج القلوب ؟ ! فسكت عمر! فقال سعيد: ما وددت أن قتل أبي غير ابن عمي([53]).
أقول:
في كلام عمر بن الخطّاب تضارب عجيب، فهو من جهة يقول «ولوددت أنّي قتلته» وقد أتيح له قتاله فلم يفعل، وقال: «فناداني هلمّ إلي يا بن الخطّاب، فحدت عنه»، وهذا معناه أنّ عمر نكل عن المبارزة، وهو أمر قبيح عند العرب مسلمهم وكافرهم. ثمّ هو يعرّض بعلي بن أبي طالب(ع)، وقد جاء الرّدّ قويّا من طرف سعيد بن العاص.
وعن سيف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال بعث عمر بن الخطّاب إلى حذيفة بعد ما ولاّه المدائن وكثر المسلمات إنّه بلغني أنّك تزوّجت امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلّقها فكتب إليه: لا أفعل حتّى تخبرني أحلال أم حرام وما أردت بذلك. فكتب إليه: لا بل حلال ولكن في نساء الأعاجم خلابة فان أقبلتم عليهنّ غلبنكم على نسائكم. فقال: الآن فطلّقها.
أقول:
هذه هي العنصريّة المحضة، ولا يدافع عن عمر في هذا المقام إلاّ مكابر. إضافة إلى أنّ عمر بفعله هذا يتدخّل في شؤون النّاس الخاصّة، وقد كانت إحدى نساء الإمام الحسين (ع) فارسيّة وأنجبت سيّد السّاجدين عليّ بن الحسين زين العابدين الذي كان آية في العلم والتّقوى والورع. على أنّ المسلمين لم يعملوا برأي عمر في زمن عمر نفسه وتزوّجوا من نساء الأعاجم.
وعن محارب بن دثار قال: لما استخلف أبو بكر قال له عمر بن الخطّاب: أنا أكفيك القضاء، فمكث عمر سنة لا يختلف إليه أحد([54]).
ورووا عن عمر أنّه قال لمتمم بن نويرة: لو كنت أقول الشّعر كما تقول لرثيت أخي كما رثيت أخاك([55]).
أقول:
عمر بن الخطاب يقول:«لو كنت أقول الشعر..» لكن المحدّثين والمؤرّخين لا يروق لهم ذلك، فتراهم ينسبون إليه القصائد .
وعن محمد بن عبد الله الثقفي أنّ أباه عبد الله بن قارب اشترى جارية بأربعة آلاف قد أسقطت لرجل سقطا فسمع عبد الله عمر بن الخطّاب فأرسل إليه قال وكان أبي عبد الله بن قارب صديقا لعمر بن الخطّاب فلامه لوما شديدا وقال: والله إني كنت لأنزّهك عن هذا أو عن مثل هذا! قال: وأقبل على الرّجل ضربا بالدّرّة وقال: الآن حين اختلطت لحومكم ولحومهنّ ودماؤكم ودماؤهنّ تبيعونهن تأكلون أثمانهن؟ قاتل الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم أو قال حرّموا شحومها فباعوها وأكلوا أثمانها، ارددها! قال: فرددتها، وأدركت من مالي ثلاثة آلاف درهم([56]).
أقول:
لا يكتفي عمر بن الخطاب بلوم صديقه عبد الله بن قارب لوما شديدا بل يضرب الرجل (صاحب الجارية)بالدّرة بدل أن يعامله بالحوار المقنع.
و عن هشام بن عروة عن أبيه قال خرجت سودة زوج النبي(ص)ذات ليلة فرآها عمر بن الخطّاب فقال: إنّك لن تخفي علينا وكانت طويلة، فذكر ذلك للنّبيّ(ص)وهو يأكل عرقا فما وضعه حتى أوحي إليه أن قد رخصتنّ أن تخرجنّ في حوائجكنّ ليلا([57]).
أقول:
ما معنى قول عمر: إنك لن تخفي علينا؟
حدثنا هشام بن خالد الأزرق ثنا الحسن بن يحيى الخشني ثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدّرداء قال خرج علينا رسول الله(ص)ورأسه يقطر ماء فصلّى بنا في ثوب واحد متوشّحا به قد خالف بين طرفيه فلما انصرف قال عمر بن الخطّاب يا رسول الله تصلى بنا في ثوب واحد؟ قال: نعم، أصلى فيه وفيه. أي قد جامعت فيه([58])[!].
أقول:
حاشا لرسول الله(ص) أن يجيب عما لم يسأل عنه، وحاشاه أن يتحدّث عن الأمور الحميمية بينه وبين أزواجه لأحد أحمائه، فإنّ حفصة بنت عمر في بيت رسول الله(ص). إنّ الذين يروون هذا وأمثاله لفي ضلال مبين. ألم يرووا أنّ رسول الله(ص) كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها؟! أين أثر الحياء في الكلام السابق؟!
وعن ابن قتيبة أنّ أعرابيّا سأل عمر بن الخطّاب أن يحمله على راحلة وشكا دبر راحلته فاتّهمه عمر فقال الأعرابيّ: ما مسّها من نقب ولا دبر ... أقسم بالله أبو حفص عمر* فاغفر له اللهم إن كان فجر * قال: يعني إن كان نسبني إلى الكذب([59]).
سوء الظن بالآخرين ،
وعن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطّاب لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: ممّن؟ قال: من الحرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: الحرّة. قال: بأيّها؟ قال: بذات لظى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا! فرجع الرّجل، فوجد أهله قد احترقوا([60]).
أقول:
فإنّ معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس شرٌّ من جمرة بن شهاب ومع ذلك ولاّه عمر على الشّام كلّه، ولم ير في اسمه وأسماء آبائه شيئا! ثمّ لماذا احترق أهل الرجل؟! إن كان ذلك لأجل أسمائهم وأسماء مساكنهم فلماذا تأخّر الاحتراق إلى يوم لقاء الرّجل بعمر؟! فإنّ أسماءهم لم تزل معهم منذ ولدوا. وإن كان لسبب آخر فما هو؟ وكيف اطّلع عمر على ذلك دون غيره. .
وعن جابر بن عبد الله أنه جاء إلى عمر يشكو إليه ما يلقى من النّساء فقال عمر: إنّا لنجد ذلك حتى إنّي لأريد الحاجة فتقول لي: ما تذهب إلاّ إلى فتيات بني فلان تنظر إليهنّ ([61]).
أقول:
هذا رأي زوجة عمر في عمر، والمرأة أدرى بزوجها.
قال ابن تيمية: كان عند أبي موسى الأشعري مال للمسلمين يريد أن يرسله إلى عمر فمرّ به ابنا عمر فقال: إني لا أستطيع أن أعطيكما شيئا ولكن عندي مال أريد حمله إليه فخذاه اتجرا به وأعطوه مثل المال، فتكونان قد انتفعتما والمال حصل عنده مع ضمانكما له. فاشتريا به بضاعة فلما قدما إلى عمر قال: أكلّ العسكر أقرّهم مثل ما أقرّكما؟ فقالا: لا. فقال: ضعا الرّبح كلّه في بيت المال؛ فسكت عبد الله وقال له عبيد الله: أرأيت لو ذهب هذا المال أما كان علينا ضمانه؟ فقال: بلى. قال: فكيف يكون الربّح للمسلمين والضمان علينا؟ فوقف عمر! فقال له الصحابة: اجعله مضاربة بينهما وبين المسلمين، لهما نصف الرّبح وللمسلمين النّصف، فعمل عمر بذلك([62]).
أقول:
هذا عمر بن الخطاب الذي يحدّثه الحقّ في كلّ حين اشتبه عليه الأمر .
قال ابن تيمية: ومما يبيّن أنّ مثل ذلك قد يقع فيه التباس ما رواه سعيد في سننه عن جرير عن مغيرة قال قلت لإبراهيم هل كان عمر بن الخطّاب حلّل بين رجل وامرأته؟ فقال: لا، إنما كانت لرجل امرأة ذات حسب ومال فطلقها زوجها تطليقة أو اثنتين فبانت منه ثم إنّ عمر تزوجها فهنئ به،ا وقالوا لولا أنها امرأة ليس بها ولد، فقال عمر: وما بركتهن إلاّ أولادهن فطلّقها قبل أن يتزوّجها فتزوّجها زوجها الأوّل. قال مغيرة عن أبي معشر كان زوجها الأوّل الحرث بن أبي ربيعة فهذا مغيرة قد بلغه إمّا عن أبي معشر أو غيره أنّ عمر حلّل امرأة حتى أخبره إبراهيم أنّه إنما كان نكاح رغبة لا أنّه تزوجها للتحلّل، لكن لأنّه طلّقها عقب الدّخول بها أو عقب العقد توهّم من لم يعلم حقيقة الأمر أنّه كان تحليلا([63]).
وقد روى حرب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطّاب (رض)أتى جارية له فقالت: إنّي حائض! فكذّبها فوقع عليها فوجدها حائضا! فأتى النبي(ص)فذكر ذلك له فقال له يغفر الله لك أبا حفص تصدّق بنصف دينار([64]).
أقول:أول ما يدعو إلى التّعجّب في القصّة هو أنّ عمر بن الخطّاب كان لديه أكثر من زوجة وأكثر من جارية، فلماذا أصرّ على هذه بالذات؟وأمّا ما نسبوه إلى النبي(ص) في هذه القصّة فإنّه محلّ للنّقاش، لأنّ النّبيّ(ص) لا يخالف القرآن الكريم حال كون عمر أقدم على ما أقدم عليه بعد نزول قوله تعالى{فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتى يطهرن}، وإنّما الكلام في ما قام به عمر، فإنّ النّساء مؤتمنات على فروجهنّ في مثل هذه القضيّة، لأنها وجدانية، ولا أحد يستطيع أن يعلم النّاس عن امرأة ما إن كانت حائضا أو لا؛ لكن المرأة نفسها تعلم ذلك وجدانا، إضافة إلى علمها بوقت عادتها؛وهذا ابن حجر يقول:« قلت: فعلى هذا يكون[عمر] يوم مات ابن 58 أو تسع وخمسين. وهذا الإسناد على شرط الصحيح، وهو يرجح من الأول بأنّه عن عمر نفسه، وهو أخبر بنفسه من غيره، وبأنه عن آل بيته وآل الرجل أتقن لأمره من غيرهم» ([65]). لكن عمر بن الخطاب لم يصدّقها، ولو أن امرأة قالت لرسول الله(ص) ما قالت جارية عمر لعمر لصدّقها. والعجيب أنّه تبيّن لعمر أنّ الجارية كانت صادقة، ولم يرد في القصة أنّه اعتذر إليها، ولعلّه يرى نفسه أكبر من أن يعتذر إلى جارية! ولسائل أن يسأل: « من أين لعمر أن يعلم إن كانت الجارية حائضا أو لا؟».
وعن أبي جعفر محمد بن علي: أبصر عمر بن الخطّاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرّجين يعني موردين وهو محرم فقال: ما هذا؟ فقال عليّ: ما أخال أحدا يعلمنا بالسنّة([66]).
وعن ابن عباس قال ربّما قال لي عمر بن الخطّاب ونحن بالجحفة تعال أباقيك أينا أطول نفسا وفي رواية ربما رامست عمر بن الخطّاب بالجحفة ونحن محرمون([67]).
كان عمر (رض) يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب([68]).
و قال النّخعيّ: كان عمر يتّجر و هو خليفة([69]).
أقول:
لم يثبت أن عمر بن الخطّاب كان تاجرا، وإنّما ثبت أنّه كان دلاّلا، وبين الأمرين فرق كبير.
عن سليمان بن حنظلة قال أتينا أبي بن كعب لنحدّث إليه فلمّا قام قمنا ونحن نمشي خلفه فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرّة قال فاتّقاه بذراعيه فقال يا أمير المؤمنين ما نصنع؟ قال أو ما ترى فتنة للمتبوع مذلّة للتابع([70]) !!
وقال سعيد الجريري عن أبي نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر طلبت حاجة إلى عمر في خلافته فانتهيت إلى المدينة ليلاً، فغدوت عليه وقد أعطيت فطنة ولساناً أو قال منطقاً فأخذت في الدّنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب، فقال لمّا فرغت: كلّ قولك كان مقارباً إلا وقوعك في الدّنيا، وهل تدري ما الدّنيا ؟ إنّ الدّنيا فيها بلاغنا، أو قال: زادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، قال: فأخذ في الدّنيا رجل و أعلم بها منّي . فقلت يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي إلى جنبك ؟ قال سيد المسلمين أبي بن كعب([71]).
.. ونظر عمر(رض) إلى أبيّ بن كعب وقد تبعه قوم، فعلاه بالدرّة وقال: إنّها فتنة للمتبوع ومذلّة للتابع([72]) .
و حبس عمر ابن مسعود وأبا مسعود الأنصاري وأبا الدرداء لأنهم يحدثون عن رسول الله وغيره .. وغيره([73])
وعن موسى بن أنس أن سيرين سأل أنساً المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر (رض) فقال كاتبه فأبى فضربه بالدرة ويتلو عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً فكاتبه([74]) .
والقصى في سنن البيهقي عن قتادة عن أنس بن مالك قال أرادني سيرين عن المكاتبة فأبيت عليه فأتى عمر بن الخطاب (رض) فذكر ذلك له أقبل على عمر (رض) يعنى بالدرة فقال كاتبه([75]) .
و عن ربيعة بن دراج أن علياً صلى بعد العصر ركعتين فتغيظ عليه عمر وقال: أما علمت أن رسول الله (ص)نهى عنهما([76]) !
________________________
[1]) صحيح ابن خزيمة ج3 ص208، وصحيح ابن حبان ج8 ص230، والدر المنثور ج4 ص273، وتفسير ابن كثير ج4 ص181، وزاد المسير ج6 ص423، و فتح القدير ج2 ص401، و المعجم الأوسط ج1 ص242، ومسند أحمد بن حنبل ج5 ص273، ومجمع الزوائد ج1 ص112، مجمع الزوائد ج7 ص34، وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص97، والمحلى ج11ص221، ودلائل النبوة ج5ص283، و البداية والنهاية ج5 ص27،
[2])صحيح البخاري ج1 ص179 والجمع بين الصحيحين ج1 ص133وسنن البيهقي الكبرى ج2 ص447 و مرقاة المفاتيح ج2 ص418 وتفسير ابن كثير ج3 ص 294 .
[3]) تفسير ابن كثير ج3 ص294 و تفسير القرطبي ج2ص115 .
[4]) أنسابالأشراف، البلاذري، ج8، ص 193 .
[5]) تفسير البغوي، ج 1ص 93 .
[6]) تفسير البغوي، ج 1 ص260 .
[7]) السنن الصغرى للبيهقي، نسخة الأعظمي) ج9 ص51 تحت رقم4186 و سنن البيهقي الكبرى، ج10 ص138والإشراف في منازل الأشراف، ج1ص295 وكنز العمال، ج5 ص327.
[8]) الإشراف في منازل الأشراف ج1ص251 .
[9]) صحيح البخاري، ج1 ص342 الحديث رقم964 ).
[10]) وهذا يعني أن عائشة زوج النبيص) و هي التي يؤخذ عنها نصف الدين كانت ترى جواز النوح على الميت.
[11]) تاريخ الطبري، ج 2 ص 614 .
[12]) تاريخ الطبري، ج 2 ص 617.
[13]) في المستدرك على الصحيحين، الحاكم، ج4ص419تحت رقم8136.
[14]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج3 ص314 كنز العمال ج12 ص291 ..
[15]) كنز العمال، المتقي الهندي، ج12ص291.
[16]) مصنف ابن أبي شيبة ج2ص315 الحديث رقم 9408 .
[17]) الدر المنثور، ج1ص652.
[18]) تفسير القرطبي ج5 ص19 و الدر المنثور ج1ص653 و عمدة القاري ج20 ص188
و المنتظم ج5 ص115 و المبسوط للسرخسي ج5 ص220 و بغية الطلب في تاريخ حلب ج5 ص2445 و صفة الصفوة ج1 ص452 و الأذكياء ج1 ص208 .
[19]) سنن البيهقي الكبرى ج7 ص79 و كنز العمال ج16 ص203و الإفصاح ج1 ص57 .
[20]) مصنف عبد الرزاق ج6ص257 و الدر المنثور ج1ص655 .
[21]) مصنف عبد الرزاق ج1 ص456 الدر المنثور ج3ص108 و فتح الباري ج2 ص82 و عمدة القاري ج5 ص107 و ص109 و تنوير الحوالك ج1 ص66 و شرح الزرقاني ج1 ص198 و شرح سنن ابن ماجه ج1 ص51 و عون المعبود ج2 ص119 و المراسيل لأبي داود ج1 ص81 و إعانة الطالبين ج1 ص229 و السيرة النبوية ج3 ص42 و البداية والنهاية ج3 ص233 .
[22]) صحيح البخاري، ج4 ص1531 و ج4 ص1829 وج4 ص1915سنن النسائي الكبرى ج6 ص461و مسند أحمد بن حنبل ج1 ص31و كنز العمال ج2 ص134 و الجمع بين الصحيحين، ج1 ص135 و موطأ مالك ج1 ص203 و شرح الزرقاني ج2 ص23 و الاستذكار، ج2 ص495 و شعب الإيمان، ج2 ص487 و دلائل النبوة ج4 ص154 و تاريخ الإسلام ج2 ص395 .
[23]) هل يقبل الإعلام الرسمي اليوم تصوير أحد الملوك أو الرؤساء العرب وهو يتسلّق سور بيت على أهله؟ طبعا لا؛ بل يرون في ذلك مساسا بالذات الملكية أو الأميرية أو الرئاسية! لكن حينما يكون المتسوّر المتسلّق هو عمر بن الخطاب، ينقلب ذلك المساس فجأة إلى فضيلة لا يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم!
[24]) روح المعاني، ج 26 ص 157 .
[25]) يريد أن يقول إنّه سكران معظم أوقاته.
[26]) أحكام القرآن لابن العربي ج4 ص185 و كنز العمال ج2 ص220 و حاشية ابن القيم ج13 ص17 ومختصر ابن كثير، ج 3 ص 486 و تفسير ابن كثير ج4 ص319 و الرد على الجهمية للدارمي ج1 ص54 . و قال ابن كثير وهو منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطّاب كما).
[27]) مختصر ابن كثير، ج 3 - ص 654 ).
[28]) موطأ مالك ج2 ص547 و المحلى ج10 ص28 .
[29]) السلسلة الصحيحة، الألباني، ج 1 ص 109.
[30]) الإصابة في تمييز الصحابة، ج6ص447و ج6ص454، والاستيعاب ج4ص1502، والطبقات الكبرى ج4ص140، و السيرة النبوية، ج5ص13، و فتوح البلدان ج1ص378، و الوافي بالوفيات، ج27ص84 لسان العرب ج10ص35 و معجم البلدان ج5ص243 .
[31]) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 232 .
[32]) تفسير الصنعاني، ج 3 ص 233 .
[33]) مصنف ابن أبي شيبة ج6ص203.تحت رقم 30680.
[34]) الثقات، ج2ص234 .
[35]) الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1 ص 98 .
[36]) التاريخ الكبير، البخاري، ج 1 ص 324.
[37]) الثقات، ابن حبان، ج 2 ص 234 .
[38]) تذكرة الحفاظ، ج 1 ص 8.
[39]) تاريخ دمشق، ج 40 ص 275 و الوافي في الوفيات ج 1 ص3320 .
[40]) المدونة الكبرى، ج1 ص 499 .
[41]) تهذيب الكمال، ج29 ص 460.
[42]) شرح مسلم، النووي، ج 3 ص 166.
[43]) الجامع في الحديث، ج2ص478 .
[44]) مصنف ابن أبي شيبة، ج4ص180الحديث رقم19122 والحديث19123 .
[45] ) تفسير البغوي، ج1 ص100 .
[46]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1 ص 336 .
[47]) مصنف ابن أبي شيبة ج4ص434 تحت رقم 21843 .
[48]) مصنف ابن أبي شيبة، ج5ص134 تحت رقم24462 .
[49]) رووا عن ابن عباس قال: كنا عند النبي (ص)فجاء من الغائط فأتى بطعام فقالوا له ألا تتوضأ فقال لم أصل فأتوضأ . و عن ابن عباس أن رسول الله (ص) خرج من الخلاء وقرب إليه الطعام وعرضوا عليه الوضوء فقال إنما أمرت بالوضوء إذا أقيمت الصلاة.وعن ابن عباس قال كنا عند النبي (ص) فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتى بطعام فقيل يا رسول الله ألا تتوضأ فقال لم أصل فأتوضأ. كنز العمال ج15ص180 الأحاديث 41679 و 41680 و41681 .
[50]) شرح النووي على صحيح مسلم، ج13 ص188.
[51]) عون المعبود، ج10 ص169 .
[52]) وفي مصنف ابن أبي شيبة، ج5ص409 تحت رقم27470 .
[53]) الطبقات الكبرى، ج5ص31 و السيرة النبوية، ج3 ص185 وتاريخ مدينة دمشق ج21ص114، سمط النجوم العوالي ج2 ص67.
[54]) التنبيه والإشراف، المسعودي، ص 254
[55]) وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ج 6 ص 16.
[56]) مصنف عبد الرزاق ج7ص296 13248.
[57]) مصنف عبد الرزاق، ج4ص361 تحت رقم8067. .
[58]) سنن ابن ماجه، ج1ص180تحت رقم541 .
[59]) التحرير والتنوير، ج1 ص4637.
[60]) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج1ص126 .
[61]) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج1ص142 .
[62]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 30 ص130 . مختصر الفتاوى المصرية ج1 ص379.
[63]) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج 6 ص 242 .
[64]) شرح العمدة، ابنة تيمية، 1 ص468 .
[65] تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج7 ص386.
[66]) شرح العمدة، ابن تيمية، ج3ص98 .
[67]شرح العمدة، ابن تيمية، ج 3 ص 113.
[68]) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 14 ص 227.
[69]) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج1 ص 116.
[70]) سنن الدارمي ج: 1 ص: 132
[71]) تهذيب الكمال، ج: 2 ص: 269.
[72]) محاضرات الأدباء، ج: 1 ص: 133 .
[73] ) مجمع الزوائد ج: 1 ص: 372 و376 .
[74]) البخاري ج: 3 ص: 126.
[75]) سنن البيهقي ، ج: 10 ص: 319 .
[76]) كنز العمال ج: 8 ص: 46رقم 21797 .