التعريف :
ـ فرقة من الغلاة المشبهة ظهرت في النصف الأول من القرن الثاني، أسسها محمد بن مقلاص بن أبي زينب الأسدي الكوفي، المكنى بأبي الخطاب قالوا بإلوهية الإمام الصادق (عليه السّلام) وعزوا أنفسهم إليه، ولما اطلع على غلوهم وضلالتهم، لعن الإمام (عليه السّلام) صاحبهم وتبرأ منه .
عوامل الظهور :
ـ تبنى رجالات الفرقة آراء ومعتقدات اعتمدوا فيها على اجتهاداتهم وميولهم، وتنكروا فيها للكثير من الحقائق والمسلمات، والثوابت في المجتمع الإسلامي، ولم يعولوا على مستند صحيح، أو مرجع معتبر، بل تمسكوا بحجج واهية، وادعاءات باطلة .
ـ الطموح الشخصي لأبي الخطاب الأسدي، واستغلاله سذاجة بعض الأفراد، إذ طرح أولاً أنّه مرسل من قبل الإمام الصادق (عليه السّلام)، وثانياً أنّه نبي ، وثالثاً زعم أنّه الإله ، ويعني إنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) قد حلّ فيه حتى مكنته أفعاله من تسخير جماعات لخدمته وتنفيذ أوامره .
ـ رغم ملاحقة السلطة العباسية لهم، وتمكن والي الكوفة عيسى بن موسى من إلقاء القبض على زعيم الفرقة أبي الخطاب الأسدي وصلبه بسبب ضلالته، إلاّ أنهم استمروا على أفكارهم ومعتقداتهم إلى فترات متأخرة .
النشأة والتطور :
ـ في بداية أمرهم نسبوا أنفسهم إلى الإمام الصادق (عليه السّلام)، وغاَلوْا في دعوتهم حتى تبرأ الإمام (عليه السّلام) من أبي الخطاب الأسدي ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه .
ـ افترقت الخطابية بعد صلب زعيمهم إلى خمس فرق، كلهم يزعمون إنّ الأئمة آلهة .
ـ تلت الخطابية فرق تشعبت عنها، واتخذت لها أفكاراً ميزتها شيئاً ما عن غيرها ، واختلف زعماؤها في توجهاتهم عن مؤسس الفرقة الخطابية ، وهذه الفرق هي المعمرية، والبزيغية، والعميرية، والمفضلية، والخطابية المطلقة .
ـ الإسماعيلية الخالصة هم الخطابية أصحاب أبي الخطاب الأسدي، وقد دخلت فرقة منهم في فرقة محمد بن إسماعيل، واقرّوا بموت إسماعيل في حياة أبيه .
ـ ذكر الأشعري المخمسة، واعتبرهم من أصحاب أبي الخطاب، وقد قالوا أنّ كُلّ من كان من الأوائل مثل أبي الخطاب، وبيان، وصائد جميعهم هم أنبياء، بتغيير الجسم، وتبديل الاسم .
الأفكار والمعتقدات :
ـ تأليه الإمام الصادق (عليه السّلام)، واعتبار طينته من طينة أخرى غير طينة البشر إلاّ أنّ الإمام (عليه السّلام) بعد أن اطلع على مخا ريقهم وضلالتهم، لعن زعيمهم وتبرأ منه، وأمر أصحابه بالبراءة منه .
ـ إنّ الأئمة (عليه السّلام) أنبياء ثُمّ آلهة وأنّ الحسن والحسين وأولادهما أبناء الله وأحباؤه .
ـ إنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) قد جعل أبا الخطاب الأسدي قيّمَهُ ووصيه من بعده، وإنّه علّمه اسم الله الأعظم، ثُمّ ترقى إلى أن ادّعى النبوة ثُمّ ادعى الرسالة، ثُمّ ادعى أنّه من الملائكة، وأنّه رسول الله إلى أهل الأرض، والحجة عليهم .
ـ إنّ أبا الخطاب لم يقتل، ولا قتل احد من أصحابه، وإنما لبس على القوم وشُبَّه لهم .
ـ تأويلهم قصة السفينة والتي كانت لمساكين يعملون في البحر، والتي وردت في القرآن بأنّ السفينة يرمز بها إلى أبي الخطاب ، وأنّ المساكين أصحابه ، وأنّ الملك الذي وراءهم عيسى بن موسى العباسي، وهو الذي قتل أبا الخطاب ، وأنّ أبا عبد الله ( أي الإمام الصادق ) أراد أن يعيبنا بلعنه إيانا في الظاهر ، وفي الباطن عنى أضدادنا ومن خالفنا.
ـ تجوز شهادة الزور لموافقي أبي الخطاب على مخالفيه ومعانديه .
ـ ينبغي أن يكون في كُلّ وقت إمام ناطق، وآخر ساكت، وأنّ علياً كان في وقت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) صامتاً وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ناطقاً ثُمّ صار علي بعده ناطقاً، وكان أبو الخطاب في وقته ـ أي في بداية دعوته في عصر الإمام الصادق (عليه السّلام) ـ صامتاً وصار بعده ناطقاً .
ـ إنّ أبا بكر، وعمر، وعثمان، وأكثر الصحابة يعدون من الكفار لإخراجهم علياً (عليه السّلام) من الإمامة في عصرهم ، وذكر البغدادي في ذيل هذه العبارة ما نصه : ( وهم قد أخرجوا الإمامة عن أولاد علي (عليه السّلام) في أعصار زعمائهم ) .
ـ إنّ كُلّ مؤمن يوحى إليه، والمستند على ذلك باعتقادهم قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله) أي بوحي منه إليه ، وأيضا قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) والمراد بالحواريين في الآية الشريفة الفرقة الخطابية ، ومن قوله تعالى في سورة النحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) استدلوا بأنّه إذا جاز الوحي إلى النحل، فالوحي إلينا أولى بالجواز .
ـ إنّ عبادة الأئمة واجبة بتأويل قوله الله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وكذلك تمسكوا بعبادة أبي الخطاب، وتقديسهم له، وأنّه أعظم منزلة من الإمام الصادق ( عليه السّلام ) والإمام علي (عليه السّلام) .
أبرز الشخصيات :
1 ـ محمد بن مقلاص بن أبي زينب الأسدي الأجدع أبو الخطاب .
2 ـ المفضل الصيرفي .
3 ـ بزيغ بن موسى .
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ كان نشاط هذه الفرقة في مطلع العصر العباسي الأول في منطقة الكوفة، حيث كثر أتباعها حتى تجاوزوا الألوف، وقد تشعبت منها فرق صغيرة كالبزيغية، والمعمرية، والخطابية المطلقة، والعميرية وكُلّ واحدة من هذه الفرق استطاعت أن تحقق لنفسها وجوداً وتكتلاً انطلقت من خلاله لتركيز قواعدها .
أحداث ووقائع :
1 ـ كتب أبو عبد الله الصادق (عليه السّلام) إلى أبي الخطاب : (بلغني أنّك تزعم أنّ الزنا رجل، وأنّ الخمر رجل، وأنّ الصلاة رجل، وأنّ الصيام رجل ،وأنّ الفواحش رجل، وليس هو كما تقول ، أنا أصلُ الحقّ ، وفروع الحقّ طاعة الله ، وعدونا أصل الشرّ وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف، وكيف يعرف من لا يطاع) .
2 ـ روي عن علي بن عقبة انه قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) فسلمت عليه وجلست ، فقال لي :( كان في مجلسك هذا أبو الخطاب ومعه سبعون رجلاً كلهم إليه يتألم ( ينالهم ) منهم شيء رحمتهم ، فقلت لهم ألا أخبركم بفضائل المسلم ؟ فلا أحسب أصغرهم إلاّ قال : بلى جعلت فداك . قلت من فضائل المسلم أن يقال فلان قارئ لكتاب الله عزّ وجل ، وفلان ذو حظ من ورع ، وفلان يجتهد في عبادته لربه ، فهذه فضائل المسلم مالكم وللرياسات إنما المسلمون رأس واحد ، إياكم والرجال فإنّ الرجال للرجال مهلكة ، فإنّي سمعت أبي يقول أنّ شيطاناً يقال له المذهب يأتي في كُلّ صورة ، إلاّ أنّه لا يأتي في صورة نبي ، ولا وصي نبي ، ولا أحسبه إلاّ وقد تراءى لصاحبكم فاحذروه ! فبلغني إنهم قتلوا معه فأبعدهم الله واسحقهم وأسخطهم إنّه لا يهلك على الله إلاّ هالك) .
3 ـ وعن حنان بن سدير قال كنت جالساً عند أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) وميسر بياع الزطَّي عنده، ونحن في سنة ثمانٍ وثلاثين ومائة ، فقال ميسر : جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم ، (قال ومن هم ؟
قلت: أبو الخطاب وأصحابه وكان متكئاً فجلس فرفع إصبعه إلى السماء ثُمّ قال : على أبي الخطاب لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين ، فاشهد بالله أنّه كافر فاسق مشرك ، وأنّه يحشر مع فرعون في أشدّ العذاب غدوّاً وعشياً . ثُمّ قال : أما والله أنّي لأنفس على أجساد أصيبت معه النار) .
من ذاكرة التاريخ :
ـ لزم أنصار الفرقة الخطابية المسجد بالكوفة واظهروا التعبد ، ولزم كُلّ رجل منهم اسطوانة ، وكانوا يدعون الناس إلى أمرهم سرّاً ، فبلغ خبرهم الوالي العباسي على الكوفة عيسى بن موسى، وأنهم قد أظهروا الإباحات، ودعوا الناس إلى نبوّة أبي الخطاب ، فبعث إليهم رجلاً من أصحابه في خيل ورجالة ليأخذهم ويأتيه بهم، فامتنعوا عليه، وكانت بينهم حرب شديدة بالقصب والحجارة والسكاكين، وجعلوا القصب مكان الرماح ، وكان أبو الخطاب يقول لهم : قاتلوهم فإنّ قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح، وسائر السلاح، ورماحهم وسلاحهم لا يضركم ولا يعمل فيكم، ولا يحتك في أبدانكم ، فجعل يقدمهم عشرة عشرة للمحاربة ، فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً صاحوا يا سيدنا ما ترى ما يحلّ بنا من هؤلاء القوم ؟ ولا ترى قصبنا يعمل فيهم، ولا يؤثر وقد يكسر كله ؟ ذكر بعض الرواة أنّه قال : لهم يا قوم إن كان بدا الله فيكم فما ذنبي ، ؟ وقال آخرون أنّه قال لهم : يا قوم قد بليتم وامتحنتم، وأذن في قتلكم وشهادتكم، ، فقاتلوا على دينكم واحسابكم، ولا تعطوا بأيديكم فتذلوا ،مع أنكم لا تتخلصون من القتل ، فموتوا كراماً أعزّاء واصبروا فقد وعد الله الصابرين أجراً عظيماً ، وأنتم الصابرون ، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم، وأسر أبو الخطاب فأُتَي به عيسى بن موسى، فأمر بقتله فضربت عنقه في ( دار الرزق ) على شاطئ الفرات ، وأمر بصلبه، وصلب أصحابه فصلبوا ، ثُمّ أمر بعد مدّة بإحراقهم فاحرقوا ، وبعث برؤوسهم إلى أبي جعفر المنصور، فأمر بها فصلبت على مدينة بغداد ثلاثة أيام، ثُمّ أحرقت .
خلاصة البحث :
ـ هي إحدى الفرق الغالية ظهرت في النصف الأول من القرن الثاني، أسسها أبو الخطاب محمد بن مقلاص الأسدي ، وقالت بإلوهية الإمام الصادق (عليه السّلام) ، وبعد أن اطلع الإمام (عليه السّلام) على ضلالتهم، وانحرافهم لعنهم وتبرأ منهم .
ـ تبنت الفرقة الخطابية آراء أو معتقدات استندت فيها على اجتهادات زعمائها وميولهم الشخصية.
ـ لاحقت السلطات العباسية اتباع الخطابية، وحاولت القضاء عليهم، بيد أنهم واصلوا نشاطهم بإتباعهم أساليب متنوعة، وتحت عناوين مختلفة بإيجادهم تكتلات كالزيغية، والعمرية، والخطابية المطلقة .
ـ طرحت الفرقة الخطابية أفكاراً ومعتقدات ، كان من أهمها القول بإلوهية الإمام الصادق (عليه السّلام) ، وأنّ الأئمة (عليهم السلام) أنبياء ثُمّ آلهة ، وقد ادّعى أبو الخطاب الأسدي أنّه وصيّ الإمام الصادق (عليه السّلام) وأنّه تعلم منه الاسم الأعظم ، ثُمّ ادعى النبوة ، ومن ثُمّ الرسالة ، وكونه من الملائكة وهو الحجة على أهل الأرض .
ـ أوَّلوا الآيات القرآنية حسب مشاربهم وأذواقهم، دون الاستناد إلى دليل معتبر، أو مدرك شرعي مقبول .
ـ تمكن زعماء الخطابية أمثال محمد بن مقلاص الأسدي، وبزيغ بن موسى، والمفضل الصيرفي، قيادة الفرقة وتلقين مريدهم ومؤيدهم مبادئ دعوتهم وعقيدتهم .
ـ انتشرت أفكار الفرقة في الكوفة، وجذبت الألوف للالتفاف حولها .
ـ تصدّى أئمة الهدى، وأمناء الرسالة، لتيار الغلاة وأضاليلهم، وكشف زيف الخطابية وبدعها، وقد لعنهم الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) وأمر الصحابة بالبراءة منهم .
ـ تمكن والي الكوفة عيسى بن موسى من محاصرتهم في المسجد، وإلقاء القبض على أبي الخطاب، وصلبه وبعث برأسه إلى أبي جعفر المنصور .