ان من وقف على رأي الشيعة في الصحابة علم انه اوسط الآراء ، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا ، ولا افرطنا افراط الجمهور الذين وثقوهم اجمعين
ان من وقف على رأينا في الصحابة علم انه اوسط الآراء ، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا ، ولا افرطنا افراط الجمهور الذين وثقوهم اجمعين ، فان الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم ، قالوا : بكفر الصحابة كافة ، وقال اهل السنة : بعدالة كل فرد ممن سمع النبي صلى الله عليه وآله أو رآه من المسلمين مطلقا ، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم اجمعين اكتعين ابصعين .
اما نحن فان الصحبة بمجردها وان كانت عندنا فضيلة جليلة ، لكنها - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة ، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول ، وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، واولياء هؤلاء وفيهم البغاة ، وفيهم اهل الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال ، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة ، اما البغاة على الوصي ، واخي النبي ، وسائر اهل الجرائم والعظائم كابن هند ، وابن النابغة ، وابن الزرقاء ( 1 ) وابن عقبة ، وابن ارطاة ، وامثالهم فلا كرامة لهم ، ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين امره ، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم ، والكتاب والسنة بينتنا على هذا الرأي ، كما هو مفصل في مظانه من اصول الفقه ، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين واقتدوا بكل مسلم سمع النبي أو رآه صلى الله عليه وآله اقتداء اعمى ، وانكروا على من يخالفهم في هذا الغلو ، وخرجوا في الانكار على كل حد من الحدود ، وما اشد انكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال ، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية ، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية ، وبهذا ظنوا بنا الظنونا ، فاتهمونا بما اتهمونا ، رجما بالغيب ، وتهافتا على الجهل ، ولو ثابت إليهم احلامهم ، ورجعوا إلى قواعد العلم ، لعلموا ان اصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه ، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم ، وحسبك من سوره ، التوبة ، والاحزاب ، وإذا جاءك المنافقون ، ويكفيك من آياته المحكمة (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ( 2 ) نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) ( وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ )
فليتني ادري اين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كانوا جرعوه الغصص مدة حياة ، حتى دحرجوا الدباب ( 3 ) وصدوه عن الكتاب ، وقد تعلمون انه صلى الله عليه وآله خرج إلى احد بألف من اصحابه فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مئة من المنافقين ( 4 ) وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة أو رغبة بالدفاع عن احساب قومهم ، ولو لم يكن في الالف الا ثلاث مئة منافق ، لكفى دليلا على ان النفاق كان زمن الوحي فاشيا ، فكيف ينقطع بمجرد انقطاع الوحي ولحوق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الاعلى ؟
فهل كانت حياته سببا في نفاق المنافقين ؟ ! وموته سببا في ايمانهم وعدالتهم وصيرورتهم افضل الخلق بعد الانبياء وكيف انقلبت حقائقهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله فاصبحوا - بعد ذلك النفاق - بمثابة من الفضل لا يقدح فيها شئ مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم ، وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات ؟ ! التي تنفر منها الاسماع والابصار والافئدة ؟ وما الدليل على هذه الدعاوي من كتاب أو سنة أو اجماع أو قياس ؟ وما ضرنا لو صدعنا بحقيقة اولئك المنافقين ، فان الامة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة ، وهم اهل السوابق والمناقب ، وفيهم الاكثرية الساحقة ، ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبوية ، وسدنة الاحكام الالهية ( وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة الله تعالى ، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم ، وحسبهم تأييد الدين ، ونشر الدعوة إلى الحق المبين .
على انا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد - في ظاهر الحال - عن الوصي ، أو التجأ إلى مسايرة اهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين ، والاحتفاظ بشوكة المسلمين ، وهم السواد الاعظم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم اجمعين فان مودة هؤلاء لازمة والدعاء لهم فريضة ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
============
( 1 ) هي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لابيه وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء فلذا كان الحكم وبنوه يذمون بها نص على هذا كله ابن الاثير حيث ذكر صفة مروان ونسبه واخباره في حوادث سنة 65 للهجرة ص 57 من الجزء الرابع من تاريخه الكامل - وصرح به غير واحد من اهل الاخبار .
( 2 ) من يتدبر هذه الآية وغيرها من امثالها يحصل له العلم الاجمالي بوجود المنافقين في غير معلومي الايمان . وحيث ان الشبهة محصورة كان الاجتناب عن حديث الجميع واجبا حتى يثبت الايمان والعدالة ، ونحن في غنى عن اطراف هذه الشبهة المحصورة بحديث معلومي العدالة من الصحابة وهم عظماؤهم وعلماؤهم واهل الذكر الذين امر الله بسؤالهم والصادقون الذين امر الله سبحانه بأن نكون معهم على ان في حديث الائمة من اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل كفاية واي كفاية فهم اعدال الكتاب وبهم يعرف الصواب .
( 3 ) كان قوم من الصحابة دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته فيطرحوه وكان صلى الله عليه وآله إذ ذاك راجعا من وقعة تبوك التي استخلف فيها عليا ، وحديث احمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن ابي الطفيل في هذه الطامة طويل وفي آخره ان رهطا من الصحابة لعنهم رسول الله يومئذ وهذا الحديث مشهور مستفيض بين المسلمين كافة .
( 4 ) نص على هذا كل من ارخ غزوة احد من اهل السير والاخبار فراجع .