التعريف :
ـ هم فرقة من الشيعة ظهرت بعد استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السّلام) سنة (183 هـ ) ، سموا بالواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر (عليه السّلام)، لم يأتموا بعده بإمام، ولم يتجاوزوه إلى غيره، وأنكروا إمامة ابنه علي بن موسى الرضا (عليه السّلام)ن وقد انقرضت هذه الفرقة، لفساد معتقداتها، ووهن آرائها، وتصدّي الأئمة الأطهار (عليه السّلام)، وأنصارهم لها بالحجج الدامغة، والمناظرات الجلية، ولم يمهلوهم بالاستمرار في اتجاهاتهم الدنيئة .
عوامل الظهور :
ـ المطامع الشخصية، والتوجه المادي، والرغبة في جمع الأموال، وحبّ الدنيا وحطامها دفع بعض وكلاء الإمام ونوابه إلى الاستيلاء على جميع الأموال التي كانت بحوزتهم من بيت مال المسلمين . ذكر الشيخ الطوسي (ره) أنّه روى الثقات : أنّ أوّل من اظهر هذا الاعتقاد ( أي القول بالوقف ) علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد ابن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها. ـ حالة الكتمان والسرية التي كانت تحيط كُلّ أعمال الأئمة ( سلام الله عليهم ) ، حفاظاً منهم على دماء الشيعة، مع المحافظة على مستوى العمل السياسي في ظل الظروف القاسية التي كانت تعيشها الجماعة الإسلامية، بدرجة أنهم ( عليهم السلام ) لم يتمكنوا من الكشف عن الإمام، أو التصريح باسمه إلاّ عند الخواص والخلص من أتباعه، مثل هذه الظـروف ساعدت على نشوء آراء المخالفين وشياع معتـقـداتـهم .
ـ سَعْيُ زعماء الواقفية لترويج مذهبهم بشراء الذمم، وجذب ضعفاء العقيدة بالأموال، التي كانت لديهم، وقد أشار الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) إلى هذا الأسلوب برواية الثقات قال : (... واستمالوا قوماً بذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال) .
ومن محاولاتهم اليائسة بَعْثُ زياد القندي، وعلي بن أبي حمزة، إلى يونس بن عبد الرحمن وقولهما له : ( إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ). وضمنا له عشرة آلاف دينار، وقولهما له : كف، فأجابهما : أما روينا عن الصادقين ( عليهما السلام ) أنهما قالا : ( إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان ) ، وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كُلّ حال. فناصباني ( يقصد زياداً القندي، وعلي بن أبي حمزة البطائني ) واظهرا لي العداوة .
ـ الجذور التاريخية عريقة جداً لمسألة الوقف ففي فترة ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) هناك من ادّعى أنّه : ( ما مات ولن يموت )، أراد من ذلك إيقاف مسألة الرسالة، وانتهائها بوفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) . والمحاولة الأخرى للوقف حدثت عند استشهاد أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وارتفع صوت القائلين : ( أنّه لم يقتل ، ولن يموت ، وسيسوق العرب بعصاه ). وأراد أعداء الأئمة إحياء تلك الفكرة، وتقويض صرح الإمامة من خلالها، إلاّ أنّ محاولاتهم باءت بالفشل، ودرس ذكرهم.
النشأة والتطور :
ـ اعتمدت الواقفية على روايات ومعتقدات أرادت من خلالها توجيه موقفها، وتثبت وجودها، ولتبين أنّها تمتلك مقومات الوجود، ورصيداً من الروايات ادّعت أنها سمعتها عن الإمام الصادق (عليه السّلام) منها أنّه قال : ( سمي القائم قائماً لأنّه يقوم بعد ما يموت ) وروايات أخرى دخلت دور التأويل والتحريف والوضع .
ـ استطاعت الفرقة الواقفة جذب الاتباع، والأنصار لها بطرقها المختلفة، حيث بلغ عدد رجالاتها (64) رجلاً من مجموع أصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) الذين كان عددهم (274)، رجلاً وهذا المجموع يمثل تياراً ضخماً لا يمكن أن يستهان به في التواجد الشيعي، الذي يشكل أقلية مضطهدة، تخضع لرقابة قاسية .
ـ الظروف العصيـبة والمحن القاهرة التي عاشتها قيادة أهل البيت (عليه السّلام) والمتمثلة آنذاك بشخصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السّلام) وإيداعه السجن مرات عديدة، مكنت زعماء الواقفية من العمل بحرية أكثر، واستغلال غياب الإمام (عليه السّلام) والتحرّك في الميدان العقائدي، والديني، بشكل أوسع، إضافة إلى ذلك تسخير مناصبهم كوكلاء للإمام (عليه السّلام)، لخدمة رغباتهم وأهدافهم الشخصية . وأورد الشيخ المفيد في الإرشاد رواية يكشف فيها الإمام الكاظم (عليه السّلام) عن الظروف والمآسي التي ستحيط بالأمة بعد رحيله (عليه السّلام) ورد فيها : ( ... يا محمد ، ( يقصد محمد بن سنان )، أنّه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ، قال محمد بن سنان : قلت : وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال : أصير إلى هذه الطاغية، أمّا أنّه لا ينداني ( لا يصيبني ) منه سوء ولا من الذي يكون بعده، قال : قلت : وما يكون جعلني الله فداك ؟ قال : يضلّ الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء . قال : قلت : وما ذاك جعلني الله فداك ؟ قال : من ظلم ابني هذا ( الإمام علياً الرضا (عليه السّلام) ) حقه، وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إمامته وجحده حقه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ....).
ـ تصدّى لمناظرتهم ومحاججتهم، ودحض أفكارهم مشايخ الطائفة، وفقهاء الشيعة أمثال يونس بن عبد الرحمن، وعلي بن إسماعيل، وغيرهم فتقوضت فرقتهم، واندحرت فلولهم.
الأفكار والمعتقدات :
ـ تعددت آراء الواقفة، في الإمامة وكُلّ منهم نحا منحى معيناً، فمنهم من قال : إنّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) لم يمت، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنّه القائم المهدي . وقال بعضهم : إنّه القائم وقد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر . وقال بعضهم : إنّه قد مات وإنّه القائم. وأنكر بعضهم قتله وقالوا : مات، ورفعه الله إليه، ويردّه عند قيامه .
ـ قالوا : إنّ من قاموا بعده ليسوا بأئمة، ولكنهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم . ـ وفرقة منهم وهم البشرية ( أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ) قالت : إنّ الكاظم (عليه السّلام) لم يمت، ولم يحبس، وأنّه حيّ غائب، وأنّه القائم المهدي، وفي وقت غيبته استخلف على الأمر محمد بن بشير وجعله وصيه، وأعطاه خاتمه، وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته، فابن بشير هو الإمام بعده. ولما توفي محمد ابن بشير، أوصى إلى ابنه سميع، فهو الإمام المفترض الطاعة .
ـ وادّعت البشرية كذلك إنّ كُلّ من ادّعى الإمامة من ولد موسى (عليه السّلام) وعلي (عليه السّلام) فمبطلون كاذبون، غير طيـبـي الولادة، فنفوهم عن أنسابهم، وكفروهم لدعواهم الإمامة، وكفروا القائلين بإمامتهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم .
ـ أنكرت البشرية الزكاة، والحج، وسائر الفرائض، وزعموا إنّ الفرض عليهم من الله إقامة الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان . وقالوا بإباحة المحارم، والفروج، والغلمان. وقالوا بالتناسخ. والأئمة عندهم واحداً ،واحداً إنما هم منتقلون من قرن إلى قرن، والمواساة بينهم واجبة، في كُلّ ما ملكوه من مال أو خراج أو غير ذلك، وكُلّ ما أوصى به رجل في سبيل الله فهو لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده .
ابرز الشخصيات :
1 ـ عثمان بن عيسى الرواسي العامري
2 ـ زياد بن مروان القندي
3 ـ علي بن أبي حمزة سالم البطائني، مولى الأنصار كوفي
4 ـ محمد بن بشير
5 ـ الحسن بن أبي سعيد هاشم بن حيان المكاري، أبو عبد الله
أحداث :
ـ ورد في رجال الكشي أنّ منصور بن العباس قال : حدثنا إسماعيل بن سهل قال : حدثني بعض أصحابنا، وسألني إنّ أكتم اسمه، قال : كنت عند الرضا (عليه السّلام) فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن المكاري، فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟ قال : (مضى ، قال : مضى موتاً ؟ قال : نعم ، قال : إلى من عهد ؟ قال الرضا (عليه السّلام) : إليَّ ، فقال ابن أبي حمزة : فأنت إمام مفترض طاعته من الله ؟ قال الرضا : نعم ، فقال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه ، فقال الرضا (عليه السّلام) : ويلك بما أمكنت ؟ أتريد أن آتي بغداد، وأقول لهارون : أنا إمام مفترض طاعتي ؟ والله، ما ذاك علي، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم، وتشتت أمركم لئلا يصير سرّكم في يد عدوكم، قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره احد من آبائك ولا يتكلم به ، قال بلى والله، لقد تكلم به خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً، وقال لهم : إني رسول الله إليكم، وكان أشدّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمه أبو لهب، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : إن خدشني خدش فلست بنبي، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة. وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام فهذا ما أبدع لكم من آية الإمامة) .
من ذاكرة التاريخ :
ـ احتفظ لنا التاريخ بأهمّ العوامل التي دفعت وكلاء الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى الوقف عليه، وإنكارهم إمامة ابنه الرضا (عليه السّلام). فقد ورد في كتاب الغيبة عن بعض الأصحاب قال : مضى أبو إبراهيم موسى الكاظــم (عليه السّلام)، وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار ، وخمس جوارٍ ، ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) أن احملوا ما قبلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوارٍ ، فإنّي وارثه، وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه، ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم. وكلاماً يشبه هذا ، فأمّا ابن أبي حمزة فإنّه أنكر، ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي ، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إليه أنّ أباك ( صلوات الله عليه ) لم يمت، وهو حيّ قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول فلم يأمرني بدفع شيء إليك . وأمّا الجواري فقد أعتقتهنّ وتزوجت بهنّ .
ـ ذكر أنّ الحسن بن احمد بن الحسن بن علي بن فضال قال : كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخاً من أهل بغداد وكان يهازل عمي، فقال له يوماً : ليس في الدنيا شرّ منكم يا معشر الشيعة ، أو قال الرافضة ، فقال له عمي : ولم لعنك الله ؟ قال : أنا زوج بنت احمد بن أبي بشر السراج، قال لي لما حضرته الوفاة : إنّه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر (عليه السّلام)، فدفعت ابنه عنها بعد موته ، وشهدت أنّه لم يمت فالله الله ! خلصوني من النار، وسلموها إلى الرضا (عليه السّلام)، فو الله ما أخرجنا حبة، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم . وعلق شيخ الطائفة الطوسي على هذه الرواية قائلاً : وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء كيف يوثق برواياتهم، أو يعول عليها ؟
خلاصة البحث :
ـ الواقـفية : فرقة من فرق الشيعة المندثرة، ظهرت بعد استشهاد الإمام الكاظم (عليه السّلام) وقالت بإمامته، ووقفت عليه (عليه السّلام) ، وأنكرت إمامة ابنه الرضا (عليه السّلام)، طمعاً بالأموال التي ائتمنهم عليها الإمام (عليه السّلام) وتشبثت بروايات لتبرير موقفها العقائدي، والسياسي.
ـ استطاع زعماء الواقـفية نشر معـتقـداتهم، وكسب الاتباع والمؤيدين بشراء الذمم، واستمالة ضعفاء الدين ببذل الأموال التي كانت بحوزتهم، فحاولوا إيجاد تيار مساند لتحركهم، وتوجهاتهم .
ـ الرقابة العباسية على تحرّكات ونشاطات الإمام الكاظم (عليه السّلام) وإيداعه السجن مرّات عديدة، شجعت على نمو الآراء والمعتقدات الفكرية والسياسية المعارضة، لخط الإمامة وسلب الزعامة من أئمة الهدى، وسلالة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
ـ طرحت الفرقة الواقفة مبادئها وآراءها بالإمامة، وادّعت أنّ الإمام الكاظم حيّ ولن يموت، وهو القائم المهدي الذي سيملأ الأرض عدلاً وأنكرت إمامة الرضا (عليه السّلام)، وابتدعت فرق منها آراءً جديدة ،وعطلت الفرائض، وقالت بالتناسخ.
ـ برز في هذه الفرقة شخصيات منها : علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، ومحمد بن بشير، وعثمان بن عيسى الرواسي وغيرهم.