ولد الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام بالمدينة لثلاث أو لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وجاءت به امة فاطمة (ع) الى جده (ص) فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشاً. ويكنى ابا عبدالله وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة بشهادة الرسول (ص). وبالاسناد الى سلمان الفارسي (رض) قال سمعت الرسول (ص) يقول في الحسن والحسين عليهماالسلام: (اللهم اني احبهما وأحب من يحبهما) وقال (ص): (ان ابني هذين ريحانتي في الدنيا). وحسبهما كرامة لايشاركان فيها، أنها هما المرادان بالأبناء في آية المباهلة. وأنهما من أهل العباء الذين لا يدرك أمد فضلهم، وممن نزل به قوله تعالى ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ 1 الى ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ 2 . وانهما من القربى. وممن نزلت بهم آية التطهير. وما الى ذلك من المناقب. وقد استفاضت أخبارها وملأت الدفاتر.
وهو الامام بعد أخيه بنص أبيه وتصريح جده (ص) فيه وفي أخيه مما هو نص جلي على امامتهما بقوله (ابناي هذان امامان قاما أو قعدا) وبوصية أخيه الحسن صلوات الله عليه فامامته بما ذكر وبكثير من الدلائل ثابتة. وطاعته لازمة. وما كف عن المطالبة بها بعد وفاة أخيه الا وفاء بالهدنة المعقودة بين أخيه وبين معاوية. ولما كتب له أهل العراق بعد وفاة أخيه بخلع معاوية والبيعة له امتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتى تمضي المدة. ولما انقضت بمهلكه مدة الهدنة اظهر أمره بحسب الامكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا بعد حال الى ان اجتمع له في الظاهر الانصار فدعا الى الجهاد وشمًّر للقتال وتوجه بولده واهل بيته من حرم الله وحرم رسوله (ص) نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء. وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل (رض) للدعوة الى الله والبيعة له على الجهاد فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة. ووثقوا له في ذلك وعاقدوه. ولكن سرعان ان نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا الى حرب الحسين (ع) وقد أجاب دعوتهم التي تواترت عليه بها كتبهم فحاصروه ومنعوه المسير الى بلاد الله واضطروه الى حيث لا يجد ناصرا ولا مهرباً منهم وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه فقتلوه فمضى (ع) ظمآن مجاهداً صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته واستحلت حرمته، ولم يوف له بعهد، ولارعيت فيه ذمّة عقد. شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه وقد قتل معه ولده وأهل بيته وسير برأسه ورؤوس رهط من أصحابه وأبنائه سبايا الى الشام وجرى عليه وعلى اهل بيته من بعده من الفظائع ما هو مسطور ومشهور.
وان سألت عن الأهداف التي يهدف اليها الحسين والسر الذي ثار ابو الشهداء من أجله فاسمع كلماته التي صرخ بها في خطبته بالجيوش التي جاءت تحاربه قال: ايها الناس ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولاقول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله. وأنا احق من غيري، وقد أتتني كتبكم ورسلكم وانكم لاتسلموني ولاتخذلوني فان بقيتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم. الى آخر ما قال:
لم يكن سيد الشهداء بالرجل الطامع في حكم أو امارة أو مال، فقد كان بوسعه أن يقول (نعم) لكي يحصل من وراء هذه القولة على ما يشاء من نعم الدنيا، وكان خصومه مستعدين لأن يمنحوه ما يشاء لقاء أن يمسك لسانه وأن يلزم الصمت.
يظن البعض ان الامام الحسين عليهالسلام أراد من رواء نهضته الحصول على زمام الحكم ولكن من يدرس فلسفة النهضة يتأكد لديه أن للحسين منزلة اجتماعية لدى المسليمن أبعد بكثير من منزلة الملوك والحكام.
قال عمر أبو النصر كانت ثورة الامام الحسين عليهالسلام على يزيد ثورة أمة على حاكم لا يصلح للحكم، وامام لم يتوفر فيه ما يجب أن يتوفر في المليك الحاكم والامام القائم من عدل وأخلاق وعلم وايمان ... ومن هذا يدل على ان الاسلام لا يؤيد الحاكم الطاغية ولا الامير العاتي بل انه ليذهب الى اكثر من هذا فيأمر المسلمين بابعاده والثورة ضده فمقام الحكم لا يليق الا للأفاضل من القوم الخلّص من البشر الذين يقسطون بين الناس ويقيمون العدل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ولقد صرح الحسين (ع) برأيه فأرسل كلمته يوم خرج من المدينة فقال: أنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله.
انه عليهالسلام يعلمنا كيف يكون المؤمن بربه شجاعاً في الحق لا ترهبه صولة الباطل ولا تخدعهٍ زهرة الحياة عن أداء رسالة الحق والخير والايمان حتى اذا عاش عاش عزيزاً، واذا قضى قضى مع الأبرار كريماً.
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 3.
وقد علّمنا عليهالسلام أن اليد الطاهرة النقية لا تخضع لليد الآثمة الملوثة، وقد قال لمروان بن الحكم: وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
وقال لأخيه محمد بن الحنفية: والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.
وخرج من المدينة يلازم الطريق الأعظم بالرغم من أن السلطة الأموية قد سدت الطرق بوجهه تريد قتله - فقال له اهل بيته: لو تنكبّت الطريق كما فعل ابن الزبير فقال (ع): والله لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي الله ما هو قاض.
غداة بنى عبد المناف انوفهم | أبت أن يساف الضيم فيها بمنشقِ | |
سرت لم تنكّب عن طريق لغيره | حذار العدى بل بالطريق المطرق | |
إلى أن أتت أرض الطفوف فخيّم | بأعلى سنامِ للعلاء ومفرق |
تاريخ مقتله (ع)
مضى الحسين (ع) في يوم السبت العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلاً مظلوماً وسنّة ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول الله (ص) سبعاً سنين ومع أبيه علي (ع) سبعاً وثلاثين سنة ومع أخيه الحسن (ع) سبعاً واربعين سنة، وكانت مدة خلافته بعد اخيه احدى عشر سنة انتهى ملخصاً ببعض التصرف عن ارشاد المفيد. أقول والأصح انه عليهالسلام قتل يوم الجمعة العاشر من المحرم اذ كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء وتواترت الروايات انه عليهالسلام نزل كربلاء يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم، وتقول اكثر الروايات: واصبح ابن سعد يوم عاشوراء وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت.
زوجات الحسين عليهالسلام واولاده
شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار كسرى - وهي ام الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهالسلام.
ليلى بنت أبي مرة بن عروة الثقفي - عظيم القريتين الذي قالت قريش فيه (لولا أُنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) وعنوا بالقريتين مكة والطائف. وليلى هي امّ علي الأكبر بن الحسين المقتول بالطف بين يدي أبيه.
الرباب بنت امريء القيس بن عدي، الكلبية، وهي ام عبد الله الرضيع بن الحسين، وسكينة بنت الحسين.
ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية، ام فاطمة ام الحسن وكنت أولاً عند الامام الحسن عليهالسلام، وإنما تزوجها الحسين بوصية من الحسن اذ قال له عند موته:لا أريد أن تخرج هذه المرأة من بيتكم، واني راض عنها.
القضاعية وهي ام جعفر بن الحسين وقد مات في حياة ابيه.
فعلى هذا يكون اولاد الحسين عليهالسلام ستة: أربعة ذكور وابنتان وهم:
علي بن الحسين الأكبر وهو الذي استشهد في كربلاء ويكنى أبو الحسن.
علي بن الحسين السجاد ويكنى ابو محمد.
عبد الله قتل مع أبيه صغيراً يوم الطف، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه.
جعفر بن الحسين.
فاطمة.
سكينة.
وجاء في بعض الاخبار ان للحسين ولدين آخرين وهما: محمد بن الحسين، ومحسن بن الحسين المدفون في جبل جوشن قرب حلب.
ومن حكم الحسين القصيرة الفارعة الرائعة
قال رجل عند الحسين: ان المعروف اذا أسدي الى غيري أهله ضاع فقال الحسين: "ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر".
وقال ما أخذ الله طاقة احد الا وضع عنه طاعته ولا اخذ قدرته الا وضع عنه كلفته.
وقال: "العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يثق بمن يخاف غدره، ولا يرجو من لا يوثق برجائه".
وقال: "ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوماً عبدو الله شكراً فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة".
وسئله رجل عن معنى قوله تعالى:﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ 4 قال: "امره أن يحدثه بما انعم الله به عليه في دينه".
وقال: "اذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك فان أشقى الاعراض به معارفه".
وللامام الحسين (ع) كلمات آية في الاقناع، وفي ذروة البلاغة سهلة اللفظ جيّدة السبك متراصفة الفقرات متلائمة الأطراف تملك القلوب وتستعبد الأسماع كقوله: الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم الخ ... ومن عظيم بلاغته دعاؤه يوم عرفه دعابه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل تحت السماء رافعاً يديه بحذاء وجهه خاشعاً متبتلاً وهو دعاء طويل مشهور5.
____________
1. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 8، الصفحة: 579.
2. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 12، الصفحة: 579.
3. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 23، الصفحة: 421.
4. القران الكريم: سورة الضحى (93)، الآية: 11، الصفحة: 596.
5. المصدر: کتاب ادب الطف