الظاهرة الحسينية قراءة وصفية دلالية
  • عنوان المقال: الظاهرة الحسينية قراءة وصفية دلالية
  • الکاتب: السيد سامي البدري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:48:9 1-9-1403

نريد بـ (الظاهرة الحسينية) : الحركة الحسينية في المجتمع الاسلامي منذ خروج الحسين(عليه السلام) من المدينة ليلا، لليتين بقيتا من رجب، هو واهل بيته ووصولهم الى مكة في الثالث من شعبان، ثم خروجهم من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين هجرية ثم وصوله الى كربلاء في الليلة الاولى من المحرم سنة احدى وستين هجرية وتنامي قطعات الجيش الاموي خلال الليالي العشر الى ثلاثين الف او يزيدون ...
والحسين(عليه السلام) ورجاله من اهل بيته واصحابه سبعون معهم النساء والاطفال ، ثم قتلهم قتل اجتثاث واستئصال يوم العاشر من المحرم ، وحز رؤوسهم ورفعها على الرماح وتسيير النساء والاطفال في موكب تقشعر من الجلود الى الكوفة ثم الى الشام التي كانت آنذاك عاصمة الدولة الاسلامية ، وقد اخذت زينتها وزخرفها ؛ كل ذلك من اجل استئصال امامة علي(عليه السلام) الالهية ، والاحاديث النبوية بحقه ، والجماعة التي حملت العلم بالكتاب والسنة عن طريقه .

هذا هو الوجه الاول للظاهرة ، وهو وجه اصرار اعداء الحسين (عليه السلام) على استئصال الحسين(عليه السلام) واستئصال رسالته وانصاره من المجتمع المسلم .

اما وجهها الثاني فهو التجمع البشري الذي نشأ بعد تلك الواقعة والذي ضم تسعة أئمة هداة من ذرية الحسين(عليه السلام) بكوا الحسين(عليه السلام) بكاءً خاصا بخلاف ما يتعامل الناس مع مصائبهم من الصبر والكف عن البكاء ، ثم تأثر بهم صفوة من الناس مالت اليهم ، وتعاطفت معهم ، فأخذت العلم عنهم ، وبكت الحسين(عليه السلام) لبكائهم .

ثم استمر هذا التجمع بعد اولئك الائمة التسعة يبكي الحسين (عليه السلام) بالشكل الذي علموهم اياه ، يبكونه سنويا وفي الايام العشرة من شهر المحرم ، وبخاصة يوم العاشر منه حيث يكون قمة حزنهم وبكائهم ، هذا التجمع البشري الحزين الذي يضم مختلف الاعمار من كلا الجنسين ومن مختلف المواقع الاجتماعية والعلمية وفي مختلف الاماكن الشيعية بل وفي مختلف بقاع الدنيا حيث يوجد فيها شيعة ، تجمع يظهر على السطح واضحا في الليالي العشر من المحرم متوشحا بالسواد ، ومنشدا للمراثي الحزينة بحق الحسين(عليه السلام) ، ثم يثور كبركان من مشاعر الحزن وفيضان الدموع بشكل خاص يوم العاشر منه .

هذا هو الوجه الثاني للظاهرة ، وهو وجه استمرار ذكر الحسين (عليه السلام) بالخير والمحبة واستمرار رسالته ، وكثرة ذريته وانصاره في قبال انحسار وجود اعدائه حتى لا يكاد يجد الباحث شخصا ينتسب الى معاوية او يزيد ، ولا يجد الباحث ايضا شخصا بين المسلمين اليوم يلعن الحسين(عليه السلام) او يلعن اباه عليا (عليه السلام) كما كان يفعل الملايين منهم زمن معاوية ويزيد وبأمرهما .

ونحن في هذا البحث نريد ان نصف الظاهرة بوجهيها وصفا اكثر تفصيلا ، ثم نحاول قراءتها قراءة دلالية على غرار ما نقوم به حين نقرأ الظاهرة الكونية او الظاهرة القرآنية قراءة دلالية ، وهي قراءة تتسع للدلالة على اثبات وجود الله تعالى ورعايته لأصفيائه وعلى صدق نبوة محمد (صلي الله عليه واله) ، وامامة اهل البيت (عليه السلام) في المجتمع الاسلامي .

 

الوجه الأول للظاهرة الحسينية

وجه اصرار اعداء الحسين (عليه السلام) على استئصال الحسين (عليه السلام) واستئصال رسالته وانصاره

وتتضح ابعاد هذا الوجه بالحديث عن ثلاثة امور  :

الاول : الحسين بن علي ابن فاطمة بنت النبي(صلي الله عليه واله) : الذي عرضه النبي(صلي الله عليه واله) على انه من اصفياء الله . وكان لهذا الاصطفاء معالم كثيرة منها انه احد افراد اية التطهير   ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 ،

وأحد أفرادآية المباهلة  ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 2

وأحد أفراد المودة  ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ 3

وانتهت اليه وراثة علم الكتاب الالهي  ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ 4 ، العلم الذي كتبه علي(عليه السلام) عن النبي(صلي الله عليه واله)5 .

وكان له شيعة هم شيعة أبيه ، ومركزهم الكوفة ، وقد حملوا العلم عن علي(عليه السلام) ، وهم مستضعفون من سنة خمسين الى سنة ستين من معاوية رأس بني امية . وكانت فترة امامته عشر سنوات ، وهي سنوات محنة الشيعة بل محنة الاسلام بعد وفاة الحسن(عليه السلام) زمن معاوية وقد سكت زمن معاوية متجرعا الغصص ونهض عليه السلام معلنا نهضته في مكة رافضا بيعته ليزيد احياء لسنة النبي(صلي الله عليه واله) التي كتمت وضيعت وحرفت .

الثاني : بنو أمية الذين طرحوا انفسهم ، زورا وكذبا بعد وفاة الحسن(عليه السلام) سنة خمسين هجرية ، انهم ورثة لخاتم الانبياء وخلفاء الله تعالى وائمة هداة يقودون الناس الى الله تعالى ، وتبنوا العمل على محو سنة النبي(صلي الله عليه واله) الصحيحة واستبدالها بسنة كاذبة نسبوها الى النبي(صلي الله عليه واله) كذبا وزورا ، وفرضوا على الناس ان يلعنوا عليا(عليه السلام) وان يتبرؤوا منه . ووضعوا احاديث على لسان النبي(صلي الله عليه و اله) تسوّغ لهم ذلك ، وقد كرَّس بنو امية كل قدراتهم التي تتمتع بها دولتهم الواسعة لتربية الناس والنشء الجديد على هذين الهدفين انتهجوا سياسة الترهيب والترغيب بكل قوتهم فامتلأت السجون والمنافي فضلا عن عدد هائل ممن عارضهم ووقف في وجه اطروحتهم تلك .

الثالث : يوم عاشوراء سنة احدى وستين هجرية الذي أقدم فيه اعداء الحسين(عليه السلام) على قتل الحسين(عليه السلام) واستئصال ذريته اذ قتلوا حتى الطفل الرضيع ، ولم يبق من ذرية الحسين(عليه السلام) ؛ الا علي بن الحسين(عليه السلام) بسبب مرضه الذي اقعده عن القتال ، والذي كان يحسبه كل من رآه يوم العاشر انه ميت لما به ، و داسوا بخيولهم جسد الحسين(عليه السلام) مبالغةً في إهانته ، ورفعوا رؤوس القتلى على الرماح ، وسيّروا النساء أسرى إلى الشام عاصمة الدولة الاسلامية آنذاك . وفي قبال ذلك برز يزيد حاكما منتصرا وتزينت الشام لهذا النصر وحسب الناظر الى الامويين آنذاك ان الدنيا كلها معقودة لهم .

 

الوجه الثاني للظاهرة الحسينية

وجه الانبعاث والتجذر

بعد ستين سنة من يوم عاشوراء شهد الواقع التاريخي أربعة امور شكلت الوجه المنبعث والفياض للظاهرة الحسينية وهي :

الامر الاول : انهيار دولة بني امية فلم تبق لهم باقية فقد مُزِّقوا شرَّ ممزَّق وورِث غيرُهم كل ما بنوه وجمعوه من اموال ، وانقطعت ذرية يزيد فلم يبق احد ينتسب اليه . واقترنت اللعنة باسمه واسم ابيه واسم امه هند . وانتهت اطروحتهم على انهم خلفاء الله الى غير رجعة كما انتهت اطروحتهم في لعن علي(عليه السلام) . فلم يظهر كيان سياسي بعدهم يتبنى لعن علي(عليه السلام) حتى في دولتهم الثانية في الاندلس والتي امتدت ثلاثة قرون تقريبا (138-422) .

الامر الثاني : انتشار احاديث النبي(صلي الله عليه واله) في فضائل علي(عليه السلام) وعودة ذكره بخير في كل الامة .

الامر الثالث : بروز بيت الحسين(عليه السلام) من جديد من خلال ولده علي بن الحسين(عليه السلام) زين العابدين الذي شكل ظاهرة ملفتة للنظر في عدة مستويات :

المستوى الاول : شفاؤه من مرض مميت حتما ، وهو مرض الذرَب (مرض يفسد المعدة المسمى بالإسهال) ، وهو مرض اذا اصاب الكبير في الصيف واستمر عدة ايام فانه يودي بحياة المريض ، وقد كانت حالة علي بن الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء هي الضعف الشديد ، وفقدان الوزن إذ كان ابن ثلاث وعشرين سنة ، ولكن الناظر يراه اصغر من سنه ، وهذا المرض اقعده عن القتال ، وكان متزوجا وله الباقر وقد شهد كربلاء مع والده وهو ابن اربع سنوات ، وقد اراد شمر قتله فقيل له دعه لما به ، ثم شافاه الله تعالى من مرضه بعد ذلك .

المستوى الثاني : انجابه ستة اولاد هم محمد الباقر(عليه السلام) ، وعبد الله الباهر وعمر الاشرف ، وزيد ، والحسين الاصغر ، وعلي . وعن طريقهم تفرع نسل الحسين(عليه السلام) وانتشر في الدنيا بشكل لافت للنظر .

المستوى الثالث : بروز علي بن الحسين(عليه السلام)6 علَماً في الامة في العبادة والعلم ، ومن بعده ولده الباقر(عليه السلام) بشكل اعظم إذ عرف عنه انه كان يبقر العلم بقرا ومنه لُقِّب بالباقر7 ، ومن بعده برز ولده الصادق(عليه السلام)8 وبخاصة السنوات 132-136هجرية إذ ظهر بشكل مرجع عام في الامة الاسلامية حيث كان يحضر درسه اربعة الاف تلميذ تقريبا حملوا عنه العلم الذي كتبه علي(عليه السلام) وورثه الحسن(عليه السلام) ثم الحسين(عليه السلام) ثم علي بن الحسين(عليه السلام) ثم الباقر(عليه السلام) ثم الصادق(عليه السلام) ، وكتب اربعمائة تلميذ من تلاميذ الصادق(عليه السلام) عنه(عليه السلام) اربعمائة رسالة وكتاب في الفقه خاصة .

الامر الرابع : بروز شيعة علي(عليه السلام) الذين عمل الامويون على تصفيتهم من جديد كفئة ظاهرة في المجتمع المسلم ، تحمل العلم الذي كتبه علي(عليه السلام) عن النبي(صلي الله عليه واله) برواية الصادق حفيد الحسين(عليه السلام) ، وتحيي عاشوراء بالحزن والبكاء سنويا .

 

تفسير الظاهرة الحسينية في وجهها

المنبعث المتنامي

ليس من شك ان جانب البقاء والانبعاث في الظاهرة الحسينية المتمثل بعناصرها الاربعة الانفة الذكر لا يمكن تفسيره الا بعامل التأييد الالهي والرعاية الالهية للحسين(عليه السلام) وهذه الرعاية اخذت شكلين :

الشكل الاول : الرعاية الالهية بفعل الهي مباشر . وهو واضح جدا في مسألة انقطاع نسل يزيد وبني امية وكثرة نسل الحسين(عليه السلام) في الوقت الذي كانت فيه ظروف يزيد تقتضي كثرة النسل وظروف الحسين تقتضي استئصال النسل . وهذه المسألة من مختصات الله تعالى فهو الذي يهب الذكور والاناث  ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ 9 ، وكذلك الشفاء من المرض  ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ 10 ، وقد كان علي بن الحسين(عليه السلام) في مرضه الذي اقعده عن القتال يوم عاشوراء لا يرتجى شفاؤه منه ويحسبه الناظر اليه انه من الاموات .

الشكل الثاني : الرعاية الالهية عن طريق فعل السنن الالهية في حركة التاريخ . وهذا النوع الثاني من الرعاية الالهية يجعل الظاهرة الحسينية في مصاف ظاهرة انتصار الانبياء على مكذبيهم المذكورة في القرآن عبر القصص الكثيرة بل وتعد الظاهرة الحسينية تعد من اوضح المصاديق الحية لهذه السنن . وفيما يلي بعض هذه السنن :
1 . سنة اهلاك الظالمين واستخلاف المستضعفين في الله

كما حصل مع نوح وهود وصالح وغيرهم وسنة اهلاك الظالمين وفتح الطريق للمستضعفين ليكونوا وجودا ظاهرا كما حصل مع قوم موسى واصحاب عيسى(عليه السلام) .

قال تعالى:

 ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ * وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ 11

وقال تعالى :

 ﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ * وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ 12

 وفي قصة موسى(ع) :

قال تعالى :  ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 13

وقال تعالى:

 ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ 14

وفي قصة عيسى(ع) :

وقال تعالى :

﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ 15

وقال تعالى :

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ 16

وفي قصة اصحاب القرية والمرسلين :

وقال تعالى :

﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ * وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ 17
2 . سنة ابقاء إمامة الهدى في أهل بيت النبي المؤسس

في بيت نوح وابراهيم :

وقال تعالى :

 ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ 18

وقال تعالى :

﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ 19

وقال تعالى :

 ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ 20

وفي بيت محمد(صلي الله عليه واله) :

قال تعالى:

 ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ﴾ 21

وقال تعالى:

 ﴿ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ * وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ 22

وقال تعالى :

 ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ 23

وقال تعالى :

 ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ﴾ 24

وقال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴾ 25

وقال تعالى :

 ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ 26
الظاهرة الحسينية واصول الدين الثلاثة

التوحيد والنبوة وإمامة علي(علیه السلام)
1 . التوحيد والظاهرة الحسينية

التوحيد هو الايمان بان الله تعالى مدبر الظواهر الكونية وخلقها لصالح الانسان . ومن هنا صارت مسرحا للتفكير الذي يقود الى الايمان بالله تعالى ، وكذلك الحال في الظاهرة الحسينية فهي تدبير الهي لصالح الحسين(علیه السلام) حين حفظ ولد الحسين(علیه السلام) وشفاه من مرضه المميت ثم رزقه الذرية التي تملأ الدنيا . وفي قبال ذلك بتر نسل عدو الحسين ، فهذه القضية مسرح للتفكير الذي يقود الى الايمان بالله تعالى .
2 . النبوة

حقيقة النبوة هي الاخبار التفصيلي بالمغيبات . والعلم بالغيب ينحصر بالله تعالى ، ومن هنا تكون علامة صدق نبوة نبي هو الاخبار بالغيب التفصيلي ثم وقوع هذا الغيب كما اخبر النبي(صلی الله علیه و اله) ، وقد تواتر لدى المسلمين ان النبي محمد(صلی الله علیه و اله) اخبر بقتل ولده الحسين(علیه السلام) بشاطئ الفرات مظلوما عطشانا . وفيما يلي نموذج من تلكم الروايات .

قال ابن كثير قال الامام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، ثنا شراحيل بن مدرك ، عن عبدالله بن نجيي ، عن أبيه أنه سار مع علي – وكان صاحب مطهرته27 – فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين . فنادى علي : صبرا أبا عبدالله ، صبرا أبا عبدالله ، بشط الفرات قلت : وماذا تريد ؟ قال : « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت : ما أبكاك يا رسول الله ؟ قال : بلى ، قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ، قال فقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال : فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا « . قال ابن كثير تفرد به أحمد28

وروى نصر بن مزاحم عن سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء . قال : ذات كرب وبلاء . ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم29

وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هاني بن هاني عن علي رضي الله تعالى عنه قال ليقتلن الحسين قتلا وإني لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين .

وروى أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأعمش عن سلام أبي شرحبيل عن هرثمة قال كنت مع علي رضي الله تعالى عنه بنهر كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب30

أقول : قوله (سبعون ألفا) تحريف والصحيح هو سبعون وهم أنصار الحسين(عليه السلام) الذين قتلوا معه .

وروى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين ، فسأل عن اسمها فقيل كربلاء ، فقال : كرب وبلاء ، فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال : يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء … ، يدخلون الجنة بغير حساب – وأشار إلى مكان هناك – فعلموه بشيء فقتل فيه الحسين31

وقد روى نصر بن مزاحم رواية هرثمة بتفصيل أكثر قال : حدثني مصعب بن سلام ، قال أبو حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي بن أبى طالب غزوة صفين ، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واها لكِ أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب . فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعلى فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبى الحسن ؟ لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب ؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا . فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذى بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعثت إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذى نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذى قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا ؟ فقلت : يا ابن رسول الله . لا معك ولا عليك . تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد . فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار . قال : فأقبلت في الارض هاربا حتى خفي علي مقتله32

وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميمون بن مهران عن شيبان بن مخرم وكان عثمانيا (وفي رواية ابن عساكر : وكان عثمانيا يبغض عليا(عليه السلام)) قال : إني لَمَعَ علي رضي الله تعالى عنه إذ أتى كربلاء فقال يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر فقلت بعض كذباته وثم رجل حمار ميت فقلت لغلامي خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها فضرب الدهر ضربة فلما قتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما انطلقت ومعي أصحاب لي فإذا جثة الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رجل ذاك الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله33

أقول :

مراده برِجل الحمار عظم الساق ، ويظهر من الرواية أن شيبان بن مخرم بقي على عثمانيته ثم التحق بالجيش الذي سيره ابن زياد لقتل الحسين ولم ينتفع بما يحمله من رواية علي(عليه السلام) عن النبي(صلي الله عليه و اله) التي شهد صدقها وتحققها كما لم ينتفع هرثمة بن سليم الآنف الذكر حيث سمع من علي(عليه السلام) الرواية نفسها وشهد صدقها وتحققها وجاء الى الحسين وحدثه بها ونصحه الحسين بأن لا يشهد القتال إذا لم يكن ناصرا له ولا معينا لعدوه وعمل هرثمة بهذه النصيحة حيث فر ولم يشهد القتال . أما كون جثة الحسين وأصحابه على رجل ذلك الحمار فلا يبعد أن تكون من مبالغات شيبان أو الراوي عنه وهو ميمون بن مهران وكان يبغض عليا(عليه السلام) ويحمل عليه .

و رواية أنس بن مالك رواها الطبراني 3/106 ، و رواية عائشة رواها الطبراني ايضا ، ورواية أم سلمة رواها احمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2/782 والحاكم في المستدرك 4/440 ورواية أنس بن الحارث رواها ابن كثير في البداية والنهاية : 8 /217.
3 . الامامة

حقيقة 4179الامامة هي منصب الهي لهداية الناس ، ويكون بتعيين الهي ثم يورث بأذن الهي  ﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 34 ، وقد جعل الله تعالى نبيه محمدا(صلي الله عليه و اله) اماما ، وكانت امامته نظير امامة ابراهيم(عليه السلام) ثم اورثها النبي(صلي الله عليه و اله ) الى علي(عليه السلام) في حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه) .

وقد مارس علي(عليه السلام) امامته الالهية ، وهدى الناس الى سنة نبيهم  بعد ان عتمت عليها وكتمتها وحرفت بعضها  حكومة قريش كما صنعت ذلك في متعة الحج . وانتشرت السنة النبوية التي كتبها علي(عليه السلام) عن النبي(صلي الله عليه و اله) ، وجاء بنو امية وعرضوا انفسهم على انهم ورثة الامامة الالهية للنبي(صلي الله عليه و اله) ، وعرضوا عليا(عليه السلام) على انه ملحد في الدين وفرضوا على الناس ان يتبرؤوا منه ويسبوه ولا حقوا شيعته وقتلوهم ، وكان آخر ما صنعوه هو قتلهم الحسين قتل استئصال وإفناء يوم العاشر من المحرم ، وصفا الجو تماما لبدعتهم في الامامة اثنين وعشرين شهرا وخطب الجمعات تشيد بهم وتلعن عليا والحسن والحسين(عليه السلام) من خلال الاحاديث الكاذبة .

ثم زلزل الله تعالى الارض من تحتهم وبدأت مسيرة الوعي التي اوجدتها نهضة الحسين وظلامته باتجاهين الاول اتجاه عام وهو التمرد على بني امية والعمل على الاطاحة بهم ، والاتجاه الثاني البراءة من امامة بني امية والانفتاح على امامة علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) من جديد ، وبرز الحسين منقذا لإمامة آبائه الالهية التي اسسها الله ورسوله لهم ، ومؤسسا لإمامة ابنائه التسعة الذي بشر بهم النبي(صلي الله عليه و اله) .

وشهدت الامة حركة جديدة في المجتمع تبدأ بالحسين(عليه السلام) وارث الانبياء وابيه علي(عليه السلام) واخيه الحسن(عليه السلام) وامه الزهراء(عليها سلام) ، ثم ليكون الحسين(عليه السلام) ميراثا لتسعة من بنيه شهد لهم الواقع بإمامتهم الفكرية والدينية واستحقاقهم للإمامة السياسية ، كما جاء النص عليهم من جدهم النبي(صلي الله عليه و اله) ، فقد تطابق النص مع الواقع ، وبذلك صارت الظاهرة حقلا لا ثبات الامامة الالهية لأهلها بالحسين(عليه السلام) ؛ لان نهضة الحسين(عليه السلام) استهدفت احياء امامة علي(عليه السلام) وامامة الحسن(عليه السلام) الالهية التي استهدف بنو امية ليس فقط استبدالها بإمامتهم بل وقرن ذكر علي باللعن تدينا ، وقد نجح الحسين(عليه السلام) عبر نهضته وظلامته في تحقيق هدفه فصار علي(عليه السلام) يُذكر بالخير من جديد ، وصار بنو امية يذكرون باللعن من جديد لعنهم الله ورسوله والمؤمنون بما صنعت ايدهم . ثم صار الحسين(عليه السلام) وتسعة من بنيه رموزا هادية الى دين محمد(صلي الله عليه و اله) وامامة اهل البيت(عليه السلام) الهادية بشكل لا نظير له 35.
____________

    1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
    2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 61، الصفحة: 57.
    3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
    4. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
    5. فصلنا الحديث في ذلك في كتابنا : المنهج القرآني في اثبات امامة اهل البيت في القرآن .
    6. قال أبو بكر بن البرقي ونسل الحسين بن علي كله من قبل علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه (تهذيب الكمال ترجمة علي بن الحسين) .وروى عن زيد بن أسلم قال ما جالست في أهل القبلة مثله يعني علي بن حسين (تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر ج 14 ص 373).وهو عند سعيد بن المسيب : أورع من رآه .وقد روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه إزار ورداء أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى له الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ ذلك هشاما فقال رجل من أهل الشام لهشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر فقال هشام لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا ولكني أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال الفرزدق قصيدته المشهورة:

    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

    هذا بن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

    إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

    ينمى إلى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عربُ الأقوام والعجمُ

    يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

    يغضي حياء ويغضي من مهابته *** فما يكلم إلا حين يبتسم

    بكفه خيزران ريحها عبق *** من كف أروع في عرنينه شمم

    مشتقة من رسول الله نبعته *** طابت عناصره والخيم والشيَم

    ينجاب نور الهدى عن نور غرته *** كالشمس ينجاب عن إشراقها العتم

    حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

    هذا بن فاطمة إن كنت جاهله *** بجده أنبياء الله قد ختموا

    الله فضله قدما وشرفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم

    فليس قولك من هذا بضائره *** العُرب تعرفُ من أنكرتَ والعجم

    عم البرية بالإحسان فانقشعت *** عنه الغيابة والإملاق والعدم

    كلتا يديه سحاب عم نفعهما *** يستوكفان ولا يعروهما العدم

    سهل الخليقة لا يخشى بوادره *** يزينه اثنان حسن الخلق والكرم

    لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفناء أريب حين يعتزم

    من معشر حبهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم منجى ومعتصم

    يستدفع السوء والبلوى بحبهم *** ويسترب به الإحسان والنعم

    مقدم بعد ذكر الله ذكرهم *** في كل بر ومختوم به الكلم

    إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

    وغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال اعذر أبا فراس فلو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها فردها وقال يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا فردها إليه وقال بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها .

    (العرنين اعلى الانف بين العينين) ، (الخيم بكسر الخاء السجايا لا واحد لها) .
    7. فقد قال الذهبي فيه : أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام . وكان سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم يعني شقه فعلم أصله وخفيه (تذكرة الحفاظ 1 / 124) .

    وقال محمد بن المنكدرما رأيت أحدا يفضُل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمدا .(و محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي أبو عبد الله وهم اخوة ثلاثة أبو بكر ومحمد وعمر وكان محمد من سادات قريش وعباد أهل المدينة وقراء التابعين مات سنة ثلاثين ومائة وقد نيف على السبعين وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء) . وقال ابن سعد في ترجمة الباقر7: كان ثقة كثير الحديث . وقال ابن البرقي : كان فقيها فاضلا .
    8. وقد قال ابن حجر فيه : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام . قال إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد . لما أقدمه المنصور الحيرة بعث الي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث الي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت واذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت الى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس .
    9. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 49، الصفحة: 488.
    10. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 80، الصفحة: 370.
    11. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآيات: 59 - 72، الصفحة: 158.
    12. القران الكريم: سورة هود (11)، الآيات: 61 - 68، الصفحة: 228.
    13. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 103، الصفحة: 163.
    14. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 136 و 137، الصفحة: 166.
    15. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآيات: 52 - 57، الصفحة: 56.
    16. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 14، الصفحة: 552.
    17. القران الكريم: سورة يس (36)، الآيات: 13 - 32، الصفحة: 441.
    18. القران الكريم: سورة الحديد (57)، الآية: 26، الصفحة: 541.
    19. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآيات: 71 - 98، الصفحة: 448.
    20. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآيات: 83 - 89، الصفحة: 138.
    21. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 89 و 90، الصفحة: 138.
    22. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآيات: 167 - 179، الصفحة: 452.
    23. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 60، الصفحة: 288.
    24. القران الكريم: سورة هود (11)، الآيات: 17 - 20، الصفحة: 223.
    25. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 96، الصفحة: 312.
    26. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآيات: 20 - 22، الصفحة: 52.
    27. المطهرة هي اناء ماء الوضوء .
    28. البداية والنهاية مجلد: 8 /217 , مسند أحمد 1/85 , الآحاد والمثاني 1/ 308.
    29. وقعة صفين / 142.
    30. المعجم الكبير 3 / 110 ، 111.
    31. الطبقات الكبرى لابن سعد.
    32. وقعة صفين / 140.
    33. المعجم الكبير للطبراني 3/111.
    34. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 124، الصفحة: 19.
    35. السيد سامي البدري، النجف الاشرف، محرم الحرام سنة 1432هـ .