الحياة تعج بالتناقضات والصراعات، وهي تغير دائم وتحول مستمر سلباً وإيجاباً، وفي صخب الثقافات وحراب المعتقدات والتستر وراء الأقنعة واللهث جرياً لإشباع الغرائز والتسابق على الملذات وغياب العقل وسيطرة الأهواء وتحكم الشهوات، في لهيب هذه الدنيا يصاب الإنسان العادي بجفاف ثقافي أو جمود فكري أو تحجر عقائدي أو تفسخ أخلاقي، أو اضطراب قيمي يزحلقه قشر الموز الأمريكي، ويزداد ظمأ كلما شرب من ثقافة أجاج بحر الخليج، ويغرق في ظلمات الدنيا بجورها وقد يفقد بصره ويطبع بحجب الدنيا في غياهب الظلمات، يتخبط ويعيش تائهاً غافلاً لاهياً ضائعاً نحو الهلاك والثبور يسير.
كل هذا لأنه يجهل الحياة ويغتر بزينتها وزبرجها فيقع في شباك عبوديتها ويبقى أسيراً لها كما قال الإمام الحسين عليه السلام: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».
في هذه الدرة دروس لفهم حقيقة الحياة والإنسان، فالإنسان الذي يتبع الدين الذي لا يتعارض ومصالحه، يفقد سيادته في الحياة ويمسي عبداً للدنيا مستقراً بقناع الدين، المزيف سرعان ما ينقشع هذا القناع مع أول هبة ريح تهز خيوط بيته العنكبوتي مقطعة أوداجها قاذفة لها في مزبلة الدنيا.
ولكي يعيش الإنسان حياة السعادة والعز لابد أن يرفض الحياة مع الظالمين «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» إن الموت بعز سعادة حقيقة، أما الحياة مع ذل الظلم لا تعطي إلا الشقاء والعبودية، ففي الحياة مع الظالمين موت حقيقي، وفي الموت رفضاً للظلم والظالمين حياة حقيقة ملؤها السعادة.
فالإنسان الذي يتمحور حول القيم الرسالية ويلزم الحق ولا يحيد عنه وثم يرفض الظلم والظالمين، ولا يرى في الموت إلا سعادة «اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا» هذا الإنسان سيعيش سيداً في الأرض حاكماً على المال، مسيطراً على الأهواء، متحكماً على الشهوات، منقاداً للعقل، مميزاً للفكر، مستوعباً للثقافة الرسالية، مطمئن القلب، هادئ الطباع، يعيش الحرية، يلزم الثوابت ويستفيد من الانفتاح بل يهيمن على جميع اضطرابات البحار الفكري يمخر عبابها بسفينة الحسين التي تتطأطأ لها كل قامات البحار إذلالاً 1 .
___________
1. نشرت في الموقع الرسمي لسماحته نقلا عن: رسالة الحسين (تصدر من العوامية) العدد: الثالث - السنة الثالثة - شهر محرم 1424 هـ .