لم تكن نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) وثورته حركةً آنيةً، أو ردّة فعل مفاجئة، بل كان الحسين (عليه السّلام) في الاُمّة يُمثّل بقيّة النبوّة، وكان وريث الرسالة، وحامل راية القيم السّامية التي أوجدها الإسلام في الاُمّة وأرسى قواعدها، كما إنّ العهد قريب برحيل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يُكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين (عليه السّلام)، وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الاُمويّين الفاسدة تجاه رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الإسلاميّة واُمّته المؤمنة برسالته.
وقد وقف أهل البيت (عليهم السّلام) بصلابة يدافعون عن الحقّ والعدل وإحياء الرسالة الإسلاميّة، والمحافظة عليها بكلّ وسيلة ممكنة ومشروعة.
وفي عصر الإمام الحسين (عليه السّلام) كان لتراخي وفتور الاُمّة عن نصرة الحقّ إلى جانب تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مَرَضيّة يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير، ومن ثمّ تباينت المواقف تجاه اُسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة وصيانتها، وسيادة الحقّ والعدل.
ولكن لم يشكّ أحد في مشروعية وعدالة موقف الإمام الحسين (عليه السّلام) تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الاُمّة الإسلاميّة، إلاّ أنّ موقف الاستعداد الكامل للنصرة باتخّاذ قرار ثوريّ يزيح عن الاُمّة الظلم والفساد لم يكن يتكامل بعد لدى الجميع.
وقد كانت هذه المواقف تتراوح بين التأييد مع إعلان الاستعداد للثورة مهما كانت النتائج، وبين الحذر من الفشل وعدم نجاح الثورة، وبين التثبيط وفتّ العزائم.
وتبنّى شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) الذين اكتووا بجحيم البيت الأموي المتحكّم في رقاب المسلمين موقف التأييد وإعلان الاستعداد، وإن غلب الخوف على بعضهم فيما بعد، واُودع البعض الآخر السجن، أو حوصر من قبل قوّات السّلطة الاُمويّة.
كما تبنّى آخرون من أقرباء الإمام (عليه السّلام) -مثل عبد الله بن عباس ومحمّد ابن الحنفيّة- موقف الحذر، ورجّحوا للإمام الحسين (عليه السّلام) الهجرة إلى اليمن ؛ نظراً لبُعد اليمن عن العاصمة، ولتوفّر جمع من شيعته وشيعة أبيه فيها1.
وتبنّى آخرون موقف التثبيط، وفتّ العزائم والتخويف من مغبّة الثورة على الحاكم، فنصحوا الإمام (عليه السّلام) بالدخول فيما دخل فيه النّاس، والصّبر على الظلم، كما تمثّل ذلك في نصيحة عبد الله بن عمر للإمام الحسين (عليه السّلام)2 3.
___________
1. مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 187 و 216، ومروج الذهب 3 / 64.
2. مقتل الحسين - للخوارزمي 1 / 191.
3. من کتاب الإمام الحسين (عليه السّلام) سيد الشهداء، تاليف لجنة من الكُتاب بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم.