ولدني أبو بكر مرتين.. لا يصح!!
  • عنوان المقال: ولدني أبو بكر مرتين.. لا يصح!!
  • الکاتب: سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 10:24:44 2-10-1403

السؤال رقم 34:

يروي الشيعة عن الإمام جعفر الصادق ـ مؤسس المذهب الجعفري حسب اعتقادهم ـ قوله مفتخراً (أولدني أبو بكر مرتين)([1]) لأن نسبه ينتهي إلى أبي بكر من طريقين:
الأول: عن طريق والدته فاطمة بنت قاسم بن أبي بكر.
والثاني: عن طريق جدته لأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر التي هي أم فاطمة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر.
ثم نجد الشيعة يروون عن الصادق روايات كاذبة في ذم جده أبي بكر «رضي الله عنه»!
والسؤال: كيف يفتخر الصادق بجده من جهة ثم يطعن فيه من جهة أخرى؟!
إن هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل، ولكن ليس من إمام يعتبره الشيعة أفقه وأتقى أهل عصره وزمانه. ولم يُلزمه أحد قط لا بمدحٍ ولا بقدحٍ.

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
الإمام الصادق عليه السلام لم يكن سباباً:
إن الإمام الصادق «عليه السلام» لم يكن سبَّاباً ولا لعَّاناً، ولا طعَّاناً:

ألف: لأن شر الناس المتفحش اللعَّان([2]). بل كان جده رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكذلك آباؤه الأئمة الطاهرون أسوته وقدوته، وكان الشرع والدين طريقته ونهجه، فكل ما ينسب إليه مما يخرجه عن هذا السياق، لا بد من التوقف عنده، ووضع علامة استفهام حول صحته.

ب: لو أغمضنا النظر عما تقدم، فإننا نقول:
إن أهل البيت «عليهم السلام» هم الذين قالوا لنا ـ كما عن الإمام الباقر «عليه السلام» ـ: «لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم»([3]).
وعنه «عليه السلام»: «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله عز وجل يبغض اللعَّان السبَّاب الطعَّان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم، العفيف المتعفّف»([4]).
وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «ولا تسبنَّ أحداً، وإن امرؤ سبَّك بأمر لا يعلم فيك، فلا تسبَّه بأمر تعلمه فيه، فيكون لك الأجر وعليه الوزر»([5]).
والأحاديث في ذلك كثيرة..
ولدني أبو بكر:
إن كلمة: ولدني أبو بكر مرتين موضع ريب لما يلي:
أولاً: لم يروها الشيعة، بل هي من مرويات أهل السنة، ولا يكفي هذا للإحتجاج.
ثانياً: حتى لو كان الشيعة هم الذين رووها، فإنها لا تتضمن افتخاراً، ولا تصويباً لأبي بكر فيما فعل، بل هي تقرير لأمر واقع، لا يفيد مدحاً ولا ذماً..
فإن قولك: فلان ابن فلان، أو عمه، أو ابنه، أو فلانة زوجة فلان، أو فلان زوج فلانة لا يفيد ذماً ولا مدحاً لأي من الطرفين..
وقد وردت الإشارة إلى أمثال هذه الأمور في القرآن الكريم، فراجع سورة التحريم وغيرها.
ثالثاً: إن من ينتسب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحتاج إلى الإفتخار بالإنتساب إلى أحد سواه.. لا سيما مع ما صدر من أبي بكر تجاه جدته الزهراء «عليها السلام»، وجده علي «عليه السلام» مما لا يجهله أحد.
رابعاً: في صحة حديث: ولدني أبو بكر مرتين([6]) نقاش، وذلك لما يلي:
1 ـ ذكر القرماني: أن أم الإمام الصادق «عليه السلام» هي «أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي سمرة»([7]).
وعدم ورود القاسم بن محمد بن أبي سمرة في كتب الرجال لا يعني أنه شخصية موهومة، إذ ما أكثر الشخصيات الحقيقية التي أهمل التاريخ ذكرها لأكثر من سبب..
ولعل هذا هو السبب في أن الشهيد قد اكتفى بالقول: «أم فروة بنت القاسم بن محمد»([8]).
2 ـ هناك جماعة ـ ومنهم الجنابذي ـ تقول: إن أم فروة هي جدة الإمام الباقر «عليه السلام» لأمه، وليست زوجته، ولا هي أم الإمام الصادق «عليه السلام»([9]).
3 ـ ولعل شهرة القاسم بن محمد بن أبي بكر تجعل اسمه دون سواه يسبق إلى ذهن الرواة، فإذا كتبوا القاسم بن محمد، فإنهم يضيفون كلمة «ابن أبي بكر»، جرياً على الإلفة والعادة، أو الميل والهوى القلبي.
أضف إلى ذلك: أن القاسم بن محمد أكثر من رجل، كما يعلم من مراجعة كتب التاريخ والتراجم..
4 ـ إن الرواية لم يذكر لها سند يمكن البحث فيه، كما أنها ـ كما قلنا ـ لم ترو من طرق شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، فكيف صح لهذا البعض أن ينسب هذا القول إلى الإمام «عليه السلام» دون أن يَتثبَّت من صحة الرواية؟!
وكيف صح له الإحتجاج على الشيعة بما لم يرو عندهم، بل روي عند من يحبون تسجيل نقاط عليهم.
هذا.. ولو تنزلنا وقلنا بأن الإمام الصادق «عليه السلام» قد قال هذه العبارة، فلعله «عليه السلام» أراد بها ـ لو صح أن أبا بكر ولده مرتين ـ أن يدفع الأذى عن المستضعفين من شيعته.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

المصادر :

([1]) كشف الغمة، للأربلي، (2/374).
([2]) الكافي ج2 ص290 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص341 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص270 وبحار الأنوار ج69 ص107 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص386 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج4 ص163 وج12 ص121.
([3]) الكافي ج2 ص360 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج12 ص297 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص610 وبحار الأنوار ج15 ص160 و 161 وج72 ص163 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص426 وألف حديث في المؤمن ص203 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج5 ص26 وج7 ص106.
([4]) الأمالي للصدوق ص326 وروضة الواعظين ص370 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص334 وبحار الأنوار ج71 ص161 و 340 وج75 ص181 وتفسير العياشي ج1 ص48 وتفسير مجمع البيان ج1 ص286 وتفسير كنز الدقائق ج1 ص287 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص321.
([5]) كنز الفوائد ص95 وبحار الأنوار ج73 ص355 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص427.
([6]) تهذيب الكـمال ج5 ص81 و 82 وراجـع: سير أعـلام النبـلاء ج2 ص259 = = وطبقات الحفاظ ج1 ص167 ونقل عن تاريخ دمشق ج44 ص455 وأخبار الدول وآثار الأول (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ) ج1 ص234.
([7]) أخبار الدول وآثار الأول (بهامش الكامل في التاريخ سنة 1302 هـ) ج1 ص234.
([8]) راجع: بحار الأنوار ج47 ص1.
([9]) كشف الغمة (ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم) ج2 ص120 وناسخ التواريخ، حياة الإمام الصادق ج1 ص11 وبحار الأنوار ج46 ص218.