اذن الحسين لاصحابه بالانصراف..
  • عنوان المقال: اذن الحسين لاصحابه بالانصراف..
  • الکاتب: السيد جعفر مرتضى العاملي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 23:24:59 1-9-1403

نص الشبهة:

بسم الله الرحمن الرحيم إن الإمام الحسين [عليه السلام] قال لأصحابه : أنتم في حل من بيعتي ، وهذا الليل فاتخذوه جملاً . فكيف أذن لهم بتركه ؟! ولو أنهم تركوه ، هل كانوا معذورين بذلك ؟ . .
الجواب:

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله . .
وبعد . .
فإننا في مقام الإجابة على هذا السؤال ، نقول :
لا يجوز لهم أن يتركوه ، حتى لو أذن لهم . وذلك لأن الموضوع لم يكن مجرد عقد وعهد بينهم وبينه ، حتى إذا أحلهم منه جاز لهم التخلي عنه .
وإذا كانوا يفهمون القضية بهذا النحو ، فإنهم لا يستحقون مقام الشهادة مع الإمام الحسين [عليه السلام], ولو أنهم قتلوا معه في هذه الحالة فقد لا يكونون شهداء .
وما ذلك إلا لأن الحفاظ على الإمام ، والدفاع عن الدين ، والذب عنه ، واجب عقلاً . . وشرعاً . . وليس ذلك من موارد العقود والتعهدات . . فلو أنهم لم يكونوا قد بايعوه ، فإنه يجب عليهم المبادرة لنصره بمجرد سماعهم بقيامه ، فإن إمامته لا تسقط بعدم البيعة له . .
وقد كان شهداء كربلاء ملتفتين إلى هذه النقطة بالذات ، كما يشير إليه ما قاله العباس [عليه السلام] حين قطعت يمينه :
والله إن قطعتم يميني *** إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
وأما السبب في أن الإمام الحسين [عليه السلام] يحلهم من بيعته ، فلعله هو أنه أراد أن يعرفهم ، ويعرف كل الأجيال من بعده : أن الذين حاربوا معه حتى الاستشهاد ، لم يفعلوا ذلك بدافع الوفاء بالبيعة ، ومن حيث إنهم تخيلوا أنهم ملزمون بمقتضياتها . وقد كان هذا الفهم سائداً آنئذ ، حتى إن الأنصار قد اعتذروا عن أمر السقيفة بأن بيعتهم قد سبقت ولا مجال لنقضها . .
مع أن من الواضح : أن البيعة للغاصب محرمة شرعاً . . ولا تنعقد من الأساس . كما أن البيعة لا تلغي الأمر الإلهي ، بل هي افتئات على النص . يضاف إلى ذلك أن بيعتهم للإمام علي [عليه السلام] في للإمام علي قد سبقت ولزمتهم . .
نعود إلى القول إن الإمام الحسين [عليه السلام] حين أعلن لأصحابه بإحلالهم من بيعته ، فإنما أراد أن يعرف الأجيال كلها أنهم حاربوا معه لا لمجرد الوفاء بالبيعة ، ولا التزاماً بمنطق العشائرية والقبلية ، أو دفاعاً عن الرحم ، أو خجلاً من التراجع عن الوعد أو غير ذلك . .
وكذلك كان الحال بالنسبة لأهل بيته ، فإنه قد أحلهم من بيعته أيضاً ، فبإمكانهم اتخاذ القرار الذي يريدون ، فليس لأحد منهم ، ولا من غيرهم أن يتوهم أنهم يواجهون معه أي نوع من أنواع الضغوط ، أو أنهم كانوا محرجين تجاهه من أي جهة فرض هذا الإحراج . .
وإن أي قرار يتخذونه ، فإنهم قادرون على تنفيذه ، حتى لو كان قرارهم هو الانسحاب من المعركة .
وبذلك يكون [عليه السلام] قد أوضح : أن الذين قتلوا معه كانوا قادرين على مغادرة ساحة المعركة ، وذلك بالاستفادة من ستر الليل ، وقد نبههم إلى هذا الساتر بقوله : هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً . .
ومعنى هذا : أن المعركة لم تفرض عليهم ، وأن الموت لم يكن هو الخيار الوحيد لهم ، ولم يكونوا قد وقعوا في فخ لم يكونوا قد حسبوا له حساباً ، إذ لم يكونوا محاصرين إلى درجة أنهم لا يستطيعون التخلص من براثن الأعداء .
بل إن الإمام الحسين [عليه السلام] نفسه كان قادراً أيضاً على الاستفادة من ظلمة الليل للاختفاء عن عيون الأعداء ، فلا يقدرون عليه بعد ذلك ، تماماً كما كان العرب يفعلونه مع جيوش الفرس ، حيث كانوا يواجهونها نهاراً ، ثم إذا حل الظلام رحلوا إلى جهة مجهولة ، ويستفيق الجيش في اليوم التالي فلا يجد أحداً في الساحة . . ولا يستطيع تحديد الجهة التي انطلقوا فيها ، ولا مجال للبحث العشوائي عنهم في تلك الصحاري الصعبة ، وغير المأمونة . . فكان يضطر للانكفاء ، من دون أن يحقق أية نتيجة . .
ونشير أخيراً : إلى أن هذا الموقف من الإمام الحسين [عليه السلام] مع أصحابه من شأنه أن يزيد من بصيرتهم ، وأن يرفع من درجة الإيمان والوعي لديهم ، ويجعلهم أكثر تصلباً وحزماً ، وقوة ، وشجاعة ، وإقداماً . .
كما أنهم سينالون المثوبة على هذا الاختيار .
وفي جميع الأحوال نقول : إنه إذا ما قرر أحدهم الانسحاب من المعركة ، فإن كربلاء والإمام الحسين [عليه السلام] في غنى عنه ، لأنه لو بقي وقتل في غير سبيل الدفاع عن الإمام [عليه السلام] ، وعن الدين فإنه سيكون قتيلاً ، لا شهيداً . .
ولا يريد الإمام الحسين [عليه السلام] أن يغرر بأمثال هؤلاء ، لأنه من لا يحارب دفاعاً عن الإمام والإمامة وعن الدين فهو لا يملك المؤهلات التي تجعله مستحقاً للاستشهاد في أقدس حرب ، حيث شهداؤها هم أفضل الشهداء ، فإن لهذا المقام أهله .
فتصفية الحركة الحسينية ممن ليسوا في مستواها . . لا من حيث الوعي ، ولا من حيث الإيمان ، والصفاء الروحي . . كان ضرورة لا بد منها .
والسلام على الحسين . وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ، وعلى أصحاب الحسين .
والحمد لله رب العالمين 1 . .

___________

    1. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الرابعة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (222) .