التّجّسد والالوهية عند المسيحيين
اختلفت الآراء وتناقضت بين المسيحيين أنفسهم حول تجسيد المسيح وألوهيته برغم الاعتقاد العام لدى المسيحيين بأن اللّه سبحانه نزل من سمائه وظهر في جسد إنسان ليفدي البشر من الخطيئة ويحمل عنهم الآلام، ولا نعلم لماذا يحتاج الله سبحانه ان ينزل من السماء بزعمهم ويتجسد ويصلب من اجل ان يغفر لعباده الا يستطيع هذا الاله ان يغفر لعباده وان يخفف عنهم الآلام وهو في مكانه تعالى الله سبحانه عما يقولون علوا كبيرا.
وعلى كل حال فان الأساس العام للعقيدة المسيحية هو أن اللّه له ثلاثة أقانيم أو ظهورات هي: الأب والابن والروح القدس. وهذه كلها واحد. ولا نعلم كيف يكون واحدا وكيف يكون ثلاثة في نفس الوقت فهذه مغالطة عصبية وواضحة حار فيها علماء الدين المسيحي ووقعوا في تضارب عظيم في تفسيرها وتوضيحها وجعلها مستساغة للناس.
وتشعبت الآراء حول تجسيد المسيح وتضاربت ومن اقوالهم:
1: قال البعض: إن المسيح إنسان عادي، ونادى بهذا الرأي “أبيون” الذي ظهر بالقرن الأول بعد خراب أورشليم، وأعلن أن المسيح لم يكن إلها، بل كان إنسانا ولد بالطبيعة من يوسف النجار ومريم.
كما نادى به أيضا “كيرنثوس” الذي اعتنق المسيحية في القرن الأول، وأعلن أن اليسوع البار هو ابن يوسف النجار ومريم، وأن المسيح هو أحد الأرواح الخالدة قد حل عليه أثناء التعميد. وقال “بولس السميساطي” في القرن الثالث، إن المسيح إنسان محض وفيه حلت الحكمة الإلهية.
2: وقال آخرون: “إن المسيح نزل في جسم خيالي من السماء، ومر في بطن مريم العذراء”. وقد نادى بهذا الرأي “فالينتوس” الذي أعلن أن المسيح نزل من السماء بجسد واجتاز من العذراء كما يجتاز الماء في القناة. وقال “سطرينس”: “إن المسيح أتى إلى العالم بجسد غير حقيقي”.
وقد اتخذ البابا “أثناسيوس” قرارا حول كل ما جاء من آراء الخياليين فقال: “كل من اعترف أن جسد المسيح نزل من السماء ولم يقل إنه من مريم العذراء، وقال إن اللاهوت استحال إلى الناسوت واختلط وتغير، فإن الكنيسة تحرمه” أي تتبرأ منه.
3: والرأي الثالث حول تجسيد المسيح يقول بفصل طبيعته اللاهوتية عن الناسوتية. والذي نادى بهذا الرأي “نسطور” بطريك القسطنطينية في القرن الخامس، وقد ترتب على ذلك عدم تسمية العذراء بوالدة الإله باعتبارها والدة الناسوت، وتسميتها أم يسوع فقط.
4: وكان هناك رأيان آخران حول تجسد المسيح وألوهيته. أحدهما ما يقول به الكاثوليك باتحاد طبيعتي المسيح لفظا وفصلها فعلا. فقد نادى الكاثوليك في روما بهذا الرأي وأخذته عنهم الكنائس اليونانية والبروتستانتية. ويظهر ذلك في قرار مجمع خلقيدون الذي يتضح منه أن طبيعتي المسيح اللاهوتية والناسوتية متحدتان لفظا ومنفصلتان فعلا، إذ قال القرار: “إن المسيح هوإله تام وإنسان تام، مولود بحسب اللاهوت من الأب، وبحسب الناسوت من مريم البتول والدة الإله. ومعروف واحدا بطبيعتين متحدتين بلا اختلاط ولا ابتدال ولا انقسام ولا انفصال”.
5: والرأي الخامس قول الأرثوذكس باتحاد طبيعتي المسيح لفظا وفعلا. وتنادي بهذا الرأي الكنيسة القبطية والسوريانية والأرمنية وجميع أتباعها من الكنائس الأرثوذكسية، ويطلق عليه تعبير آخر هو “وجود طبيعة واحدة للكلمة المتجسد”.
ويستند هذا الرأي إلى بعض آيات الكتاب المقدس وأقوال الآباء التي تثبت أن لـ “الكلمة المتجسد” طبيعة واحدة لأنها لا تميز بين طبيعتي اللاهوت والناسوت مثل قول المسيح: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”، ومثل ما ورد في رؤيا “يوحنا” عن المسيح بقوله: “أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى أبد الآبدين”.
رأي المسلمين في التجسّد
إذا كانت هذه الخلافات كلها قد ظهرت حول تجسد المسيح بين المسيحيين أنفسهم. فقد كانت هناك خلافات بين اعتقاد المسيحيين وما يراه المسلمون حول صلب المسيح.
فالمسلمون يؤمنون بأن اليسوع عيسى بن مريم هو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن مريم البتول نشأت على الطهر والبعد عن الدنس تكلؤها عناية اللّه.
ولما بلغت مبلغ النساء أرسل اللّه إليها الملك “جبريل” على صورة فتى، فأخذها الرعب منه وقالت له: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. فأعلمها أنه مرسل من اللّه تعالى ليهب لها غلاما زكيا.
وأخذها العجب من ذلك إذ كيف يكون لها ولد وهي عذراء ولم يمسها أحد من البشر؟ فهون عليها الملك الأمر وأحاله على قدرة اللّه الذي لا يعجزه شيء. ونفخ الملك في جيب درعها فإذا هي حامل. وبشرها الملك بأن ابنها يسمى المسيح عيسى بن مريم وأنه يكون وجيها في الدنيا والآخرة ويكون من المقربين، وأنه يكلم الناس في المهد وكهلا.
وأن اللّه يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة، ويعطيه الإنجيل أي البشارة، وإنه سيكون آية للناس على قدرة اللّه ورحمة منه لعباده، إذا نصب لهم به سبيل الخلاص مما هم فيه من ضلال. وهكذا ولد يسوع عيسى بن مريم، ليكون رسولا من عند اللّه.
وهنا يختلف رأي الإسلام في رسالة المسيح وتجسّده وألوهيته عما يؤمن به المسيحيون. فبينما يؤمن المسيحيون بتجسد المسيح وباتحاد طبيعتي اللاهوت والناسوت فيه، وبأنه بشكل عام مهما اختلفت المذاهب، هو اللّه تجسد في صورة إنسان، فإن الإسلام يقول إن المسيح ليس إلها ولا ابنا للإله من أمثلة ذلك ما جاء في سورة آل عمران: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وما جاء في سورة النساء: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا).
وما جاء في سورة مريم: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وذكر القرآن موقفا للمسيح يوم القيامة، عبر عنه بلفظ الماضي لتأكد وقوعه متى جاء وقته، فقال في سورة المائدة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
في الآية المذكورة أعلاه من سورة المائدة تبين ان كل من قالوا ان عيسى بن مريم هو الله وان امه هي ام الله يجمعهم الله في عرصة واحدة يوم القيامة ثم يوقف نبي الله عيسى امامهم ويسأله ذلك السؤال امام الناس . وعيسى في النص المذكور يبدو مدافعا عن نفسه ونافيا ان يكون قد فعل ذلك لا هو ولا امه الصديقة.