في الطلاق كراهية شديدة، حيث تواتر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من طريق السنة والشيعة وأبغض الحلال إلى الله الطلاق وإنما أحله الإسلام للضرورة التي ألجأت الأمم المتحضرة إلى تشريعه بعد أن حرمته قرونا طوالا، لأن الزوجين بمنزلة جثمان واحد، وكل واحد منهما كاليد تتعاونان على إصلاح الجسم وتنميته، ومداواة اليد الفاسدة خير من بترها إلا أن يخشى على فساد الجسم بكامله، فالبتر أصلح دفعاً لما هو أعظم فساداً وأكثر ضرراً. وللطلاق أركان ثلاثة: الزوج المطلق، الزوجة المطلقة، والصيغة التي يقع بها الطلاق.
الحنفية قالوا: يجب أن تتوفر في المطلق ثلاثة شروط: أن يكون زوجاً، وأن يكون عاقلاً، وأن يكون بالغاً، ولا يشترط عندهم أن يكون المطلق قاصداً ولا مختاراً. ولا أن يكون واعياً منتبهاً. فمن سكر بأخياره، وبلغ حداً لا يفرق فيه بين الأرض والسماء، ولا بين الرجل والمرأة يقع الطلاق صحيحاً وطلاق الهازل الذي يتلاعب بالالفاظ ولا يقصد معانيها. ولا يريد أن تترتب عليها أحكامها يقع، وطلاق المخطئ الذي يريد أن يتكلم بكلام فيسبق لسانه الى الطلاق، كما لو أراد أن يقول يا هانم فغلط وقال يا طالق، يقع الطلاق، وطلاق الغافل والساهي يقع ومن اكره بالضرب او السجن أو أخذ المال يقع طلاقه.
الشيعة الإمامية قالوا: لابد في المطلق من خمسة شروط: أن يكون زوجاً، بالغاً، عاقلاً، مختاراً، قاصداً، فلا يقع طلاق السكران، ولا من زال عقله بإغماه أو تناول النوم. ولا أثر لطلاق المكره. ولو بالإنذار والتهديد مع غلبة الظن بان المتوعد على فعل ما توعد به. ولا لطلاق الهازل والمخطئ أخذاً بقول الصادق: لا يجوز الطلاق في استكراه. ولا طلاق إلا لمن أراد الطلاق، ولأن الايقاعات والعقود بكاملها عندهم تابعة للقصود.
واتفق الشافعية والمالكية والحنابلة مع الشيعة على خلاف الحنفية في طلاق المكره خاصة حيث حكموا بقول واحد أن طلاقه فاسد. وقال جمع كبير من الشافعية والمالكية أن طلاق السكران لا يقع. وعلى ذلك القانون المصري الشرعي.
– المطلقة لا يشترط الحنفية في المطلقة شيئاً يزيد على وصف الزوجية، فكل زوجة يصح طلاقها على أية حالة تكون، وفي أي وقت كان. فإذا طلق الرجل زوجته في طهر باشرها فيه أو في اثناء الحيض يقع الطلاق صحيحاً، إلا أن المطلق آثم ارتكب محرماً لأن طلاق الزوجة حالة الحيض أو في طهر قربها فيه بدعة لم يوافق عليه الشرع المقدس عندهم.
– وفصل الشيعة الامامية اتباع جعفر الصادق بين المطلقات، فمنهن يطلقن على كل حال:
1. الصغيرة وهي التي لم تبلغ سن التاسعة من عمرها.
2. التي لم يدخل بها الزوج ثيباً كانت أم باكراً، فهذه يقع طلاقها مع العلم بأنها في الحيض، ولا إثم على المطلق.
3. الحامل.
4. اليائسة هي البالغة سن الخمسين إن كانت غير قرشية، والستين إن تكنها.
5. التي غاب عنها زوجها مدة يعلم انتقالها من الطهر الذي باشرها فيه إلى آخر، وقدر السيد أبو الحسن في كتاب الوسيلة الكبرى مدة الغياب بشهر كامل، فلو طلقها بعد مضي الشهر صح الطلاق، وإن اتفق وقوعه في الحيض، ولو سافر وهي في طهر أمسك عنها في طلقها في أي وقت شاء ولا يجب الانتظار.
وإذا لم تبلغ الزوجة حد اليأس، وأتمت السنة التاسعة أو أكثر، وقد دخل بها الزوج فالشرط في صحة الطلاق أن تكون الزوجة في طهر لم يقربها فيه. أي يقع الطلاق صحيحاً بعد انقطاع دم الحيض، وقبل المقاربة، فإن وقع حين الحيض أو بعده وبعد المقاربة معاً، كان الطلاق لغواً لا أثر له أبداً.
أما الزوجة التي في سن من تحيض، ولكنها لا ترى الدم خلقة أو لعارض من مرض أو نفاس – وتسمى المسترابة اصطلاحاً فقهياً – فلا يصح طلاقها إلا بعد أن يمسك عنها الزوج ثلاثة أشهر، فلو طلقها قبل مضي الثلاثة على المقاربة ولو بيوم واحد فسد الطلاق.
صيغة الطلاق
الحنفية قالوا: يقع الطلاق بالكتابة، فمن كتب الى زوجته انت طالق طلقت منه بمجرد الكناية، ويقع أيضاً باللفظ المنجز والمعلق أي بالصيغة المقيدة وبالمجردة عن كل قيد، كما يصح بلفظ الطلاق وبغيره من الألفاظ الكنايات الدالة على الفرقة فيقع الطلاق من الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق، وأنت مطلقة، وأنت علي حرام، واذهبي فقد طلقتك، وحبلك على غاربك، وأنت طالق غداً، وطالق في شهر كذا، وأنت قصد ردعها وتخريفها. وإذا قال لآخر: إن لم تأكل معي فامرأتي طالق قاصداً حمله على الأكل، ولم يأكل معه يقع الطلاق. وإذا قال: إن بقيت في هذا البلد فامرأتي طالق، وإن لم اقتل فلاناً فامرأتي طالق، وإن كانت فلاناً فامرأتي طالق، ففي ذلك كله يقع الطلاق بمجرد تحقق الشرط عند أبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل وان لم يقصد الزوج الطلاق بوجه من الوجوه، بل أراد الحث وتقويه العزم، والتصديق عند الاخبار، وما إلى ذلك، كما أن الأئمة الأربعة اتفقوا جميعاً على أن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً تقع الثلاث وتبين الزوجة بينونة كبرى وبالغ بغض المالكية حيث قال يقع الطلاق بالكلام النفسي، فمن حدث نفسه بطلاق زوجته يقع الطلاق، وإن لم يتلفظ أو يكتب، نقله صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، ج4، ص288.
وذهب الحنفية والمالكية الى أن من قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق قبل أن يتزوجها يقع الطلاق بمجرد العقد عليها، وإذا قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق، فكل من يعقد عليها بتحقيق طلاقها بعد تمام العقد، وتستحق عليه نصف المهر وكان العمل في محاكم مصر الشرعية قبل سنة 1929 بما يوافق المذاهب الأربعة في التطليقات الثلاث بلفظ واحد، وبوقوع الطلاق المعلق غير المقصود به الطلاق، ثم عدل عنه، وأخذ بما يتفق مع مذهب الإمام جعفر الصادق من أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد لا يقع إلا واحد، وأن الطلاق المعلق على شرط غير المقصود به الطلاق يقع لغواً ليس بشيء.
ومحصل أقوال الشيعة الامامية اتباع جعفر الصادق أنه لا يصح الطلاق إلا بلفظ طالق خاصة على وزن فاعل، فاسم المفعول كأنت مطلقة، والفعل كطلقتك، أو أنت خلية، وما إلى ذلك كله لغو لا يقع به طلاق، أما التعليق فهو بجميع أنواعه وأقسامه فاسد، وإن قصد منه الطلاق الواقعي، لان الشرط في الصيغة عندهم أن تكون مجردة عن كل قيد، وإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق قاصداً ثلاث تطليقات تقع واحدة فحسب، ومثله إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، على قول مشهور، والقول الثاني وبه قال السيد ابو الحسن في الوسيلة لا يقع الطلاق أبداً.
والمدرك من ذلك كله اخبار اهل بيت الرسول، ولأن في الزواج قوة ومتانة لا يزيلها الظن والاحتمال. لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً. فبعد ان تحقق الزواج بالوجدان يجب استمرار العمل بموجبه الى ان يحصل العلم بثبوت المزيل.