بسم الله الرحمن الرحيم
ورد عن الرسول محمدٍ أنّه قال: ”حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا وأبغض الله مَنْ أبغض حسينًا“
صدق الرسول الكريم
الحديث الشريف له خمسة معانٍ نتعرض إليها على نحو الاختصار:
المعنى الأول: العلاقة النورية.
كثرت النصوص الدالة على وجود عالمٍ يسمّى بعالم الأنوار، الفلاسفة يقسّمون العوالم إلى عوالم متعدّدة: عالم اللاهوت وهو عالم الأسماء الصفات، وعالم الناسوت وهو عالم المادة، وعالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية، وعالم الملكوت وهو عالم الأرواح، هناك عالمٌ سبق هذا العالم المادي وهو عالم الأرواح المسمى عندهم بعالم الملكوت، أي أنّ الله خلق الأرواح جميعًا في عالم قبل خلق المادة وهذا ما عبّر عنه الرسول محمدٌ في بعض أحاديثه: ”الأرواح جنودٌ مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف“، عالم الأرواح المسمّى بعالم الملكوت كان جزءٌ منه خُلِقَ للأرواح النورية، يعني جزء من عالم الملكوت كان يضم الأرواح النورية وهي الأرواح التي تفيض نورًا وطهرًا وقدسًا، كان تسبيحًا وتهليلاً وتكبيرًا لله تبارك وتعالى، هناك مجموعة من الأرواح كانت أرواح نورية لا تعرف إلا التسبيح والتهليل وهي أرواح محمدٍ وآلِ محمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وهذا ما أشارت إليه بعض النصوص كما في زيارة الجامعة الكبيرة: ”خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ علينا بكم فجعلكم في بيوت - يعني صار لقاء في عالم المادة - فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه“ وفي زيارة الحسين : ”أشهد أنك كنت نورًا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها“ وفي الحديث عن النبي المصطفى : ”إنّ الله خلق نوري ونور علي بن أبي طالب قبل أن يخلق الكون“ المقصود بالكون عالم المادة.
إذن عالم الأرواح النورية كان هناك نورٌ واحدٌ يسبّح الله ويهلّله وهذا النور الواحد يتصل بعضه بالبعض الآخر، أوله بآخره وآخره بأوله، إذن ”حسينٌ مني“ إشارة إلى ذلك العالم، إشارة إلى العلاقة النورية، ”حسينٌ مني وأنا منه“ يعني أنّ نورنا نور واحد، بيننا علاقة نورية منذ أن خلق الله وبرأ الله عالم الملكوت فبيننا علاقة نورية منذ ذلك العالم، وهذا طبعًا يشترك فيه الحسين وغير الحسين ولذلك في بعض الأحاديث الشريفة: ”إنّ عليًا مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي“.
المعنى الثاني: العلاقة النفسية.
الإنسان عندما يريد أن يعبّر عن حبّه لشخص من الأشخاص، عندما يقول أن أحب فلان وفلان يحبّني، من أجل أن يعبّر عن عمق المحبة وعن عمق المودّة وعن وثاقة العلاقة القلبية والودية بني الروحين، روح فلان تعشقني وروحي تعشق روح فلان، لكي أعبّر عن حالة العشق والمحبة والمودة بيننا أقول: «فلان مني وأنا منه» أي أنني أشعر أنّ نفسه هي نفسي التي بين جنبيه وهو يشعر أنّ نفسه هو نفسي التي بين جنبيّ، إذن العلاقة النفسية بيننا علاقة وثيقة وعميقة إلى حدّ كلٌّ منّا يعتبر نفسه نفس الآخر وأنّ الآخر منه وهو من الآخر، ”حسينٌ مني وأنا من حسين“ إشارة إلى عمق العلاقة النفسية بينهما، ولذلك كان الرسول محمدٌ يظهر حبه ويظهر علاقته القلبية بولده الحسين، يلثمه ويقبله ويقعد الحسين على ظهر جدّه رسول الله وهو ساجد فيبطئ في السجود رفقًا بالحسين ، وإذا رآه دخل المسجد ترجّل من المنبر واحتضنه إلى صدره وقال: ”حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا وأبغض الله من أبغض حسينًا حسينٌ سبط من الأسباط“.
المعنى الثالث: العلاقة الاعتبارية.
الوجود كما يقسّمه العلماء ينقسم إلى وجود حقيقي ووجود اعتباري، ما هو الفرق بين الوجود الحقيقي والوجود الاعتباري؟ مثلاً: الإنسان وجوده الحقيقي انحدر من أبيه وأمه، وجود الحقيقي تحقّق وانحدر من قبل أبويه أبيه وأمه، هذا وجوده الحقيقي، ولكن ربّما يحصل الإنسان على وجود اعتباري غير وجوده الحقيقي، ربّما يصبح هذا الإنسان إنسانًا عالمًا، فكونه إنسانًا عالمًا يعطيه نوعًا من الوجود يسمى بالوجود الاعتباري غبر وجوده الحقيقي، ربّما هذا الإنسان يصبح صاحب ثروة هائلة ومن خلال ثروته أو منصبه الاجتماعي يكتسب نوعًا آخر من الوجود يسمى بالوجود الاعتباري فالوجود الحقيقي هو الوجود المنحدر من الأبوين، الوجود الاعتباري هو الوجود الذي يكتسبه الإنسان من خلال عنوان من العناوين الاجتماعية، ككونه إنسانًا عالمًا أو كونه إنسانًا ثريًا أو كونه إنسانًا مصلحًا أو أي شيء آخر، هذا يسمى بالوجود الاعتباري.
أحيانًا الإنسان ينتسب إلى وجوده الاعتبار ولا ينتسب إلى وجوده الحقيقي، لأن وجوده الاعتباري أكبر وأقوى من وجوده الحقيقي، مثلاً: لو كانت أمه من عائلة معروفة بالعلم أو معروفة بالثروة وأبوه من عائلة مغمورة غير معروفة فإنّه ينتسب إلى عائلة أمّه، لماذا؟ لأن الوجود الاعتبار وليس في عائلة أبيه، فيظهر أنّه منتسب لهذه العائلة وأنّه منحدر من هذه العائلة لأن وجودها الاعتبار أقوى من الوجود الحقيقي الذي لديه.
الحديث الشريف عن النبي عندما يقول: ”حسينٌ مني وأنا من الحسين“ يشير إلى الوجود الاعتباري، الحسين له وجود حقيقي من علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما، هذا الوجود الحقيقي، لكن للحسين وجود اعتباري وهو كونه ابن محمدٍ المصطفى ، النبي لم يخلّف أولاد، لم يخلّف إلا فاطمة صلوات الله عليها، بما أنّه لم يخلّف أولاد من بعده نُسِبَ الحسنان إليه فقيل عنهما: ولدا رسول الله، وقال عنهما المصطفى: ”ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا“ إذن الحسين كان له وجود اعتباري يتشرّف به ويظهر به ويتشبّث به ألا وهو أنّه يعدذ بين أبناء المجتمع الإسلامي ولد النبي المصطفى .
وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين يوم صفين، الإمام علي يوم صفين أعطى الراية راية القتال لولده محمد بن الحنفية وتقدّم محمد بن الحنفية يقود الجيوش المقاتلة، اعترض بعض الأصحاب، قالوا: يا أبا الحسن! كيف قدّمتَ محمد وعندك الحسن والحسين والحسنان أفضل من محمد؟ قال: ”أما تدرون؟ محمد ولدي أزجّ به في المهالك والحسن والحسين ولدا رسول الله أحافظ على حياتهم وأقيهما وأفديهما“ إذن الانطباع العام عن الحسن والحسين أنّهما ولدا رسول الله ، وكان هذا الانطباع يحافظ عليه الإمام أمير المؤمنين ، هذا نسميه بالوجود الاعتباري. إذن ”حسينٌ مني“ يعني حسينٌ يستمدّ وجوده الاعتباري منّي أنا، يستمدّ حيثيته ووجوده الاعتباري منّي أنا لأنه يُنْسَبُ إليّ بحسب العرف الإسلامي والاجتماعي في المجتمع الإسلامي آنذاك.
”وأنا من حسين“ أيضًا إشارة إلى الوجود الاعتباري، النبي له وجود حقيقي ووجوده حقيقي امتدّ في أولاد الحسين وفي أولاد الحسن، لم يختص بأولاد الحسين، الوجود الحقيقي للنبي امتدّ في ذرية أولاد الحسين وأولاد الحسن، ولكنّ الوجود الاعتباري للنبي اختصّ بالحسين ، صحيحٌ أنّ أولاد الحسين وأولاد الحسن كلاهما، كلا الطرفين ذريته، كلا الطرفين امتداده، ولكنّ الوجود الاعتباري للنبي المصطفى وهو وجود العلم، وجود العصمة، وجود التقوى، وجود المعرفة، الوجود الاعتباري للنبي اختصّ بالحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه، فلولا الأئمة من ذرية الحسين لما تحقّق للنبي وجود اعتباري، فالوجود الاعتباري للنبي اكتسبه من الحسين، إذن الحسين اكتسب وجود الاعتباري من النبي، والنبي اكتسب وجوده الاعتباري من الحسين لأنه امتدّ في الأئمة الهداة من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إمامُ الهدى ثقلُ النبوةِ والدُ الأئمةِ
وفيهِ رسولُ اللهِ قالَ وقولُهُ
حبي بثلاثٍ ما أحاطَ بمثلها
له تربةٌ فيها الشفاءُ وقبةٌ
وذريةٌ ذريةٌ منه تسعةٌ
ربُّ النهي مولىً له الأمرُ
صحيحٌ صريحٌ ليسَ في ذلكم نكرُ
نبيٌ فمن زيدٌ هناك ومَنْ عمرو
يجابُ بها الداعي إذا مسّهُ الضرُّ
أئمةُ حقٍ لا ثمانٍ ولا عشرُ
المعنى الرابع: العلاقة العرفانية.
الحديث عن النبي المصطفى محمدٍ : ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“ الإنسان يسير نحو الله، حتى الإنسان الكافر، حتى الإنسان العاصي، كلّ إنسان يسير نحو الله من حيث يشعر أو لا يشعر، ﴿أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ «1»، كلّ إنسان يسير إلى الله تبارك وتعالى، غاية ما في الأمر الإنسان المؤمن يلتقي مع الله من خلال صفة، والإنسان الكافر يلتقي مع الله من خلال صفة أخرى، الإنسان المؤمن يلتقي مع الله من خلال صفة الرحمة، فيجد رحمةً ورضوانًا، والإنسان الكافر يلتقي مع الله من خلال صفة «شديد العقاب»، كلّ إنسان يسير نحو الله ويلتقي مع الله يومًا من الأيام من خلال صفة من صفاته ووجهًا من وجوهه تبارك وتعالى.
”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“، كلّ إنسان لو فتّش في قلبه لرأى طريقًا يوصله إلى الله ليس عند الطرف الآخر، هناك إنسان يصل إلى الله عبر العلم، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ «2» هناك إنسان يصل إلى الله عبر الأخلاق العالية، الأخلاق أحيانًا توصلك إلى الله وإن لم تكن إنسانًا عابدًا ولا عالمًا، وهناك إنسان ذلك يصل إلى الله عبر العبادة، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ «3»، إذن الطرق إلى الله تختلف باختلاف طاقات البشر وواهب البشر وملكات البشر، ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“، وهناك أناسٌ يصلون إلى الله تبارك وتعالى عبر الوسيلة، ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ «4» وسيلتي إلى الله، أنا أصل إلى الله عبر فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فاطمة الزهراء مظهر من مظاهر الله، فاطمة الزهراء تجلٍ من تجليات الله، ”فاطمةٌ بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“ فاطمة صورة، مظهر، تجلٍ من تجليات الله تبارك وتعالى، أنا أصل إلى الله من خلال فاطمة، من خلال التأمّل في سيرة فاطمة، من خلال الارتباط بخطّ فاطمة أصل إلى الله تبارك وتعالى، هذا طريق إلى الله.
الحسين بن علي كان طريقه إلى الله النبي محمد ، كان الحسين بن علي يتخذ رمزًا بنيه وبين الله، يتخذ شعارًا بنيه وبين الله يجعله طريقًا إلى الله، ذلك الرمز وذلك الشعار وتلك الوسيلة التي اتخذها الحسين في وصوله إلى ربّه هي جدّه النبي المصطفى .
وكان النبي المصطفى مع أنّه أشرف الخلق، مع أنّه أفضل الخلق، مع أنّه أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، كان النبي المصطفى كما في بعض الروايات يتوسّل بالحسين بن علي إلى الله تبارك وتعالى، الحسين بن علي بلغ بشهادته وصبره وتحمّله وما لقي في سبيل فدائه للإسلام والمبادئ والقيم حصل على شأن عظيم وحصل على عظمة كبيرة إلى حدّ كان النبي يرى الحسينَ وجهًا من وجوه الله ويرى الحسينَ مظهرًا من مظاهر الله في صبره وجلده وقوة إرادته وقوة تحمّله وعرفانه وارتباطه بالله تبارك وتعالى.
وليس هذا غريبًا فالنبي يوم المباهلة توسّل بالأطهار صلوات الله عليهم أجمعين لما نزل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ «5»، يذكر الزمخشري في كشّافه والرزاي في تفسيره: خرج النبي وبيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وخلفه فاطمة وخلف فاطمة علي، وهو يقول: ”إذا دعوت فأمّنوا“، فلمّا رآهم أسقف نصارى نجران قال: إنّي أرى وجوهًا لو أقسمت على الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها فلا تباهلوهم فتهلكوا.
إذن النبي عندما أخذ الأربعة معه كان يتوسّل بهم إلى الله، كان يريد أن يقول للأمّة: إذا أردتم وسيلة إلى الله فالوسيلة الأسمى والوسيلة الأجلّى هم هؤلءا الصفوة المطهّرة الطاهرة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ «6». ”حسينٌ مني“ حسينٌ يستمدّ طريقه إلى الله مني، ”وأنا من حسين“ وأنا أتخذ من الحسين رمزًا ووسيلة وشعارًا إلى الله تبارك وتعالى.
المعنى الخامس: العلاقة الخطية والمنهجية.
لولا النبي لما ثار الحسين، ولولا الحسين لما بقي دين النبي ولما بقي ذكر النبي، ”حسينٌ مني“ يعني الحسين استقى ثورته مني، استقى حرارته ولهيبه مني، استقى صرخته وصموده مني، الحسين ماذا قال؟
إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني
والنبي ماذا كان يقول؟ كان يتقدّم المقاتلين وهو يقول: ”أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب“، الحسين ماذا كان يقول؟ كان يقول: ”ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة“ والرسول ماذا كان يقول؟ كان يقول: ”واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه“.
إذن الحسين استقى خطّه واستقى طريقه من النبي المصطفى، استقى الصمود وقوة الإرادة وقوة التحدي وأصبح إعصارًا لا يلين ولا يتنازل ولا يتردّد ولا يتراجع، ”لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد“، أصبح صمودًا وعنفوانًا أمام أعاصير الأعداء وأراجيفهم استقاءً واستمدادًا من خطّ النبي المصطفى محمدٍ . فحسينٌ مني وأنا أيضًا من حسين، لولا دم الحسين لما بقيت، لولا دم الحسين لخمد ذكري، لولا دم الحسين لانقرض وجودي، لولا دم الحسين لتبخّرت جميع طاقتي وجميع مشاريعي وجميع أتعابي، إذن جهود النبي، طاقات النبي، مشاريع النبي، جراح النبي، كلّها لولا دم الحسين لتبخّرت وانقرضت.
جاء رجلٌ للإمام زيد العابدين ، قال له: أيهما انتصر: أبوك أم يزيد بن معاوية؟ وكان يظن هذا المسكين أنّ النصر هو النصر العسكري ولم يدرِ أنّ النصر هو النصر المعنوي التاريخي السماوي، قال له علي بن الحسين: ”إذا دخل وقت الصلاة وسمعت المؤذن ينادي:“ أشهد ألا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ”ستعرف من انتصر أبي أم يزيد بن معاوية“.
إذن علي بن الحسين يريد أن يقول: إنّ أبي ما ثار إلا لأجل إبقاء ذكر النبي، لأجل إبقاء مشاريع النبي، لأجل إعلاء راية النبي، فإذا بقي ذكر النبي ورايته عالية مرفرفة إذن فالمنتصر هو الحسين، فولا الحسين لما بقي النبي، ”حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا وأبغض الله من أبغض حسينًا، حسينٌ سبط من الأسباط“.
وبقي الحسين وبقيت كربلاء رمزًا لا للحسين بل رمزًا للنبي المصطفى، رمزًا لجهاد النبي، لبطولة النبي، لأخلاق النبي، لقيم النبي، لمبادئ النبي المصطفى ، بقيت كربلاءُ هذه البقة المباركة بقعة أخرى كالمدينة المنورة ومكة المكرّمة، بقيت كربلاءُ منارًا آخر يضمّ إلى المنارين السابقين، فالنبي له منارات متعددّة، ومن مناراته أرض كربلاء، هذه البقعة الطاهرة، هذه البقعة التي هي بقعة من الجنة، بقعة ضمت الأجساد الطاهرة والأضرحة والقبور المشرقة المضيئة.
---------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الانشقاق، الآية 6.
[2] سورة فاطر، الآية 28.
[3] سورة الحجر، الآية 99.
[4] سورة المائدة، الآية 35.
[5] سورة آل عمران، الآية 61.
[6] سورة الأحزاب، الآية 33.