نص الشبهة:
هل كان الامام الحسين مجبورا على النهضة ؟
الجواب:
إن من أصول عقائد أهل البيت عليهم السلام عقيدة الاختيار ، وأن الإنسان مسؤول عن عمله بمقدار ما يكون مالكا لقراره ولاختياره . ولهذا يكون محاسبا عليه .. وهم يعتقدون بذلك خلافا لما روجته المدارس الفكرية الأخرى التي تذهب إلى أن الانسان مجبر على عمله ، ومضطر إليه ، ولا يعمل شيئا إلا وهو مساق إليه . وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه العقيدة الخاطئة التي تمسك بها بعض الناس لتبرير أخطائهم وانحرافاتهم بل وشركهم كما قال تعالى ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ 1 . وفي آية أخرى يفضح القرآن الكريم مقاصد أولئك القوم في دعواهم بجبرية عمل الانسان ، وأنه مسير إليه لأن الله يعلم ما سيفعله هؤلاء من عمل ولم يمنعهم ، ولهذا يعتبر آمرا لهم ، وهم لا يملكون مع أمره أمرا ، فيقول ـ بعد أن ينسب الفعل إليهم مما يبين أنه لا أحد صنع عنهم العمل بل هم فعلوه ، وهم المسؤولون عنه ، ثم يقول أيضا إن الله لا يأمر بالفحشاء ﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ 2 .
فعقيدة أهل البيت عليهم السلام وهي القرآن ، تنص على أن الإنسان مختار ـ ضمن دائرة علم الله به وأن كل شيء بإذن الله ولكن الله لا يمنع أو يقسر تكوينا وإنما يأمر وينهى تشريعا ـ وبناء على اختياره ذاك يكون مثابا ومحاسبا و ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ 3 .
والإمام الحسين عليه السلام ـ كآبائه الطاهرين ـ يتحرك ضمن هذه الفلسفة ، فهو يقول ( إنما خرجت لطلب الإصلاح .. أريد أن آمر بالمعروف .. ) فهو ينسب هذه الأفعال في الحركة المباركة تلك إلى نفسه وإلى عمله واختياره هذا الطريق . وهذا ما فهمه من رافقه فعلي ابنه الأكبر عليه السلام يقول ( لا نبالي وقعنا على الموت أو وقع الموت علينا ) .
وما ينقل مما ظاهره خلاف ذلك ينبغي أن يفهم في هذا الإطار ، ذلك أن الإمام لا يقول هنا ـ في هذه الحادثة ـ شيئا يخالف ما هو عليه من الأصول الثابتة التي يصرح بها في سائر الأماكن .. كقوله مثلا ( وخِير لي مصرع أنا لاقيه ) مما يتصوره البعض أنه مجبور على ذلك ، أو قوله ( شاء الله أن يراني قتيلا ) أو الرواية القائلة بأن كل واحد من الأئمة كان لديه كتاب ينظر فيه فيعمل بموجبه .. فالأولان من الأقوال معناها أن مصرعي ليس مجهولا علي وإنما يأتي عن اختيار ، وخطة إلهية ، فلست غافلا عنه كما أنه ليس ناتجا من أشر أو بطر أو شهوة للقتال وإنما هو ضمن التخطيط الالهي ، الذي سأختاره لأني أختار رضى الله وبرغبة مني في الإصلاح فسيكون نتيجة كل ذلك هو أن يراني الله قتيلا . وهناك تفصيل لهذا المعنى في سؤال خاص .
كما أن الرواية المذكورة ، لو تمت من ناحية السند 4 تعني أن طريقة عمل كل إمام من الأئمة كانت تختلف عن طريقة الإمام الآخر تبعا لاختلاف الظروف ، ولذا كان عليه أن يطيع أمر الله التشريعي في خدمة الدين بهذا النحو المعين في الوصية 5 .
__________
1. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 271 .
2. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآيات : 28 - 30 ، الصفحة : 153 .
3. القران الكريم : سورة الشمس ( 91 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 595 .
4. في أكثر طرقها المفضل بن صالح ( أبو جميلة ) وهو كما قالوا ضعيف كذاب يضع الحديث كما عن رجال ابن داود ، وعن النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد أيضا تضعيفه ، وفي بعضها الآخر مجهولون .
5. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .