تواترت الروايات عند المسلمين سنة وشيعة، في أنَّ نسب الإمام المهدي(عج) يرجع إلى العترة الطاهرة من أهل بيت رسول الله(ص)، واختلفت في مسألة ولادته، فالشيعة يحددونه بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري(ع) الذي وُلد وغاب عن الأنظار، وسيظهر في آخر الزمان، والسنَّة يبشرون بولادته في آخر الزمان على أساس أنَّه لم يولد بعد. وهذا ما نتلمسه من خلال استعراض بعض الروايات في هذا الشأن من كتب الفريقين.
1- اثنا عشر خليفة أو أميراً
تخبرنا الروايات عن اثني عشر خليفة أو أميراً، كلهم من قريش، يتولَّون شؤون المسلمين، فهم قادتهم الحقيقيون، ولا ينقضي أمر الدنيا حتى يتولى الاثنا عشر مسؤولية الإمارة والقيادة.
ففي صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثم تكلم(ص) بكلمةٍ خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله(ص)؟ فقال: كلهم من قريش" 1.
وروى الشيخ الصدوق في خصاله الرواية نفسها تقريباً، عن جابر بن سمرة ، قال: أتيت النبي(ص) فسمعته يقول:
"إنَّ هذا الأمر لن ينقضي حتى يملك اثنا عشر خليفة كلهم...، فقال كلمة خفيَّة لم أفهمها،
فقلت لأبي: ما قال؟
قال: قال(ص): كلهم من قريش" 2.
وفي صحيح البخاري، استخدم كلمة أمير بدل خليفة في رواية من رواياته، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي إنَّه قال: كلهم من قريش" 3.
أما في مسند أحمد، فقد ذكر الرواية بصيغة ليس فيها تساؤل عن الكلمة التي خفيت، فقال عن رسول الله(ص): "يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" 4.
وفي رواية مشابهة تقريباً، للشيخ الصدوق في خصاله، قال رسول الله(ص): "لا يزال أمر أمتي ظاهراً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" 5.
2- الكتاب والعترة
ثم تربط الروايات بين القرآن الكريم كتاب الله تعالى، والعترة الطاهرة من أهل بيت رسول الله(ص)، في أنهما لن يفترقا، كمؤشر لتلازم الإيمان بهما، والاسترشاد بهديهما، والتمسك بهما للحماية من الضلال. فالقرآن كتاب الله الموجِّه والمعلِّم والمرشد، وأهل البيت(عم) يمثلون السلوك التطبيقي لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله(ص).
وكتعبير عن مسؤولية المسلمين في الاقتداء بهما، ورد في الرواية:" فانظروا كيف تخلفوني فيهما". ففي سنن الترمذي، عن زيد ابن أرقم، قال رسول الله(ص): "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر، كتابُ الله حبلٌٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما" 6.
وفي مسند أحمد، بصيغة قريبة ، عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله(ص): "إني أوشك أن أدعى فأجيب، واني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّ وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللطيف الخبير أخبرني أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا بمَ تخلفوني فيهما" 7.
3- عليُّ مولاه ( هذه الفقرة لم تُنزل ضمن المقالة في العدد 186)
وقد حدَّدت رواية الحاكم النيسابوري أكثر، عندما ربطت في السياق بين العترة وولاية أمير المؤمنين علي(ع)، حيث يفيد سياق الحديث عن عترة أهل البيت(عم)، وربطه بما جرى في حجة الوداع من تولية لأمير المؤمنين(ع)، بأنَّ علياً(ع) طليعة العترة، كما أكَّدت الرواية بأنَّ موالاته موالاة لله عزَّ وجل ورسوله(ص)، ومعاداته معاداة لهما. فعن زيد بن أرقم: لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع، نزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، فقال(ص):
"كأني دُعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال(ص): "إنَّ الله عزَّ وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي(ع) ، فقال(ص): من كنت مولاه فهذا وليُّه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه" 8.
كما وردت رواية حجة الوداع، وما جرى في غدير خم، من اعتبار أمير المؤمنين علياً(ع) مولى المؤمنين، في كتب الحديث الأساسية الواردة عند المسلمين، ومنها ما ذكره مسند أحمد، عن البراء بن عازب، قال: كنَّا مع رسول الله(ص) في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا، الصلاةُ الجامعة، وكُسح لرسول الله(ص) تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي(ع)،
فقال:"ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قالوا: بلى.
قال: فأخذ بيد علي(ع) , فقال(ص): من كنت مولاه فعليُّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
قال: فلقيه عمر بعد ذلك،فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" 9 10. (يتبع)
_____________
1. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج6، ص:3.
2. الشيخ الصدوق، الخصال، ص:470.
3. البخاري، صحيح البخاري، ج8، ص:124.
4. الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج5، ص:92.
5. الشيخ الصدوق، الخصال، ص:475.
6. الترمذي، سنن الترمذي،ج5، ص:328.
7. الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج3، ص:17.
8. الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج3، ص:109.
9. الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج4 ، ص:281.
10. المصدر : موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.