يفتتح العبد يومه بتلبية نداء ربه فتتحفز قواه لأداء صلاة الفجر؛ ليتكامل بالطمأنينة والخشوع ويتزود بالورع، بما يمنحه المنعة أمام مغريات الدنيا المتزينة والحذر من خطوات الشيطان الرجيم، وذلك القلب الطاهر المتولع بصاحب الزمان والمتحرق لرؤيته وقد حفته رايات العدل والإصلاح لا يخفف اللوعة منه إلا بالتواصل مع الإمام، فالعشق الساكن في الفؤاد يزداد اشتعالا وتفاعلا مع كل يوم ليتواصل مع إمام زمانه، وتلك البداية لا تنطلق من نقطة واحدة بل تتعدد الاتجاهات ما بين دعاء ومخاطبة وزيارة، ولكن المحرك لها واحد وهو الشوق للقياه وشد العزيمة للانخراط في حركته الإصلاحية المباركة، وذلك بالتأكيد هو زاد التقوى والخشية من الله تعالى والتحرك الفاعل في ميدان العبادة والطاعة.
التواصل مع إمام الزمان عبر الأدعية والزيارات الخاصة والمناجاة الصادرة من قلب عاشق تشكل بدايات مهدوية مع إطلالة الفجر، فذاك الليل المظلم قد انجابت غياهبه ومزق ضياء الصباح خيوطه، فكذلك تكون النهضة المهدوية الإصلاحية والتي تبدد ظلام الجهل والفساد والعدوان والانحرافات العقائدية والأخلاقية، فيبزغ نور العدالة والطهارة النفسية والاستقامة السلوكية ويسود الوئام.
والمؤمن من خلال هذا التواصل مع إمام زمانه يهيء ويعد نفسه ليكون من أنصاره والمنخرطين في حركته الإصلاحية، وهذا يعني - بالطبع - أن يبدأ المرء بإصلاح نفسه وتنزيهها من الآثام والمشاعر السلبية، فأنصاره لهم مواصفات إيمانية وفكرية وسلوكية خاصة تلحقهم بزمرة الصالحين في كل زمان، فإذا كان الإنسان مقيما على المعاصي وتضييع الأوقات والإمعية في الفكر فلن يكون ممن تؤهله صفاته للانضمام لجند الإمام الذين يتمتعون بأعلى درجات الوعي والورع والاستقامة.
بناء النفس المهدوية يبدأ من تهذيبها بالأخلاق الحميدة وتقوية البصيرة والهمة العالية في مواجهة التحديات والصعاب، والأمل بالله تعالى والثقة بتدبيره يشع من خلال التواصل مع الإمام المنتظر ، ومدى الارتباط بالإمام وحركته الإصلاحية يحدده حضوره في قلبه وفكره وخطواته، فكم من إنسان يدعي الاستعداد لنصرة الإمام ولكن برنامجه اليومي وأوقاته تخلو من أي لون من ألوان التواصل، بينما المؤمن المنتظر انتظارا حقيقيا هو من يبدأ يومه على الأقل بشكل من أشكال التواصل مع الإمام، ومن ألوان الارتباط به إهداء شيء من الأعمال الصالحة للإمام كتلاوة القرآن الكريم أو صلاة ركعتين له أو الصدقة نيابة عنه، فإن هذا المنهج العبادي المرتبط بالإمام يضع المرء على السكة الصحيحة للتهيئة للظهور وبناء الجانب الإيماني والروحي من نفسه.
ومن خلال الزيارات الخاصة بالإمام المنتظر يرسل المؤمن سلامه النابع من قلبه وعقله وجوارحه، سلام ينطلق من خلاله المؤمن في رحلته المعرفية التي تزوده بها مقاطع الزيارة، كما تحد له البرنامج الروحي والعملي في الحياة بما يقع في نظر الإمام من صحيفة أعماله، فالمداومة على الزيارة يعد من ميادين الارتباط والتواصل مع الإمام.
والخطاب الصادر من القلب الطاهر المنزه من الاستجابة للأهواء وأغلال الشهوات يصدر كلمات صادقة يعبر فيها عن شوقه وأمله بذلك اليوم الذي ينال فيه رضا إمامه، ويظهر التأثر عليه ومسحة الحزن على الفرقة من خلال تلك الأدمع التي تسيل على خديه.
ومن البدايات المهدوية الصباحية هو دعاء العهد وتجديد البيعة والميثاق مع الإمام ، ومن أهم الفقرات فيه هو فقرة الضرب على الفخذ والمناداة بالعجل لظهور الإمام، فهو تعبير رمزي عن الحرقة والشوق لبزوغ فجر العدالة المهدوية وارتفاع رايات الحق والصلاح، وهو إظهار لمدى انسجام المؤمن مع معالم الدولة المهدوية في أهدافها وقيمها.
إنها دعوة لتصحيح مسار علاقتنا بالإمام المنتظر ونفض غبار الغفلة الذي فرضه اللهث خلف زخارف الدنيا والالتصاق بزينتها، فلنكن في زمرة الرافعين لأصواتهم في أي ناحية من نواحي التواصل مع الإمام، وهو ما يحتاج إلى مجاهدة ومثابرة واغتنام للأوقات وخصوصا البدايات الفجرية منها 1.
____________
1. نقلا عن موقع الجهينة الاخبارية.